عالم يتغير

فوزية رشيد
صهاينة ومتصهينون !
{ ما زلت أذكر في إحدى الندوات المسجلة للمفكر الجليل د. عبدالوهاب المسيري صاحب الكتاب التوثيقي والفكري الموسع عن الصهيونية، أنه قال في تلك الندوة وكان ذلك قبل عقود من الآن (سيأتي يوم ستجدون فيه مثقفين عرب سيتحدثون بالمنطق والفكر الصهيوني وهم ليسوا بصهاينة يهود)! رحم الله «المسيري» الذي كان لديه رؤية استشرافية متقدمة وهو يمارس «النقد الفكري» للصهيونية! فإذا به يستشرف الحال القادم عن «المتصهينين العرب» الذين يتحدثون بلسان الفكر الصهيوني وسردياته المخادعة والكاذبة، ويدافعون عنه! بما يلخص حالة «الاختراق الفكري» للوعي العربي! في الوقت الذي يقدم فيه كتاب وإعلاميون وفنانون ومفكرون ومثقفون وناشطون في الغرب بفضح تلك السردية على خلفية حقيقة الكيان الصهيوني، والضوء الكاشف الذي أضاء وعي شعوب العالم حول تلك الحقيقة مع حرب الإبادة في غزة! وكأنهم هم من يقومون اليوم بمهمة «الشهادة» للتاريخ وتوثيق ما يحدث أكثر من أمثالهم من العرب كمثقفين وإعلاميين وفنانين ومفكرين وكتّاب !
{حين يعلق «المتصهين العربي» سرديته الكاذبة على شماعة «حماس» ويصمت بعدها عن كل جرائم الحرب والإبادة التي أوانها العالم كله، متمثلاً في موقف الأمين العام للأمم المتحدة، الذي صرح عن موقفه رغم عجزه الظاهر في فعل شيء، أو اتخاذ موقف حاسم من الكيان وعلى أساس «البند السابع» وقد أمر بالإبادة وبالمجاعة وجريمة التجويع! فإن هؤلاء المتصهينين العرب، وأمام ما يرونه على البث المباشر اليومي، والتقارير الموثقة بالفيديو، يكونون قد تخلّوا تماماً ليس فقط عن هويتهم بل وعن إنسانيتهم! وهم يمارسون لعبة الخداع الواضحة، بأنهم ينتمون إلى الديمقراطية والليبرالية والفكر النقدي! وكل ذلك براء من موقفهم الفكري المنحاز للسردية الصهيونية التي لا تعترف بالديمقراطية ولا بالليبرالية ولا بالفكر النقدي الذي يجوب العالم كله حول المجازر والمذابح والمحرقة القائمة منذ عامين وقبلها منذ 77 عاماً (لكيان احتلالي استيطاني استعماري) فاق بجرائم الحرب التي يرتكبها كل جرائم النازية والفاشية والإيديولوجيات الأخرى المتطرفة!
{ بحسب السردية الصهيونية المدججة بالتطرف الأسطوري والخرافي الديني! يتحدثون طوال الوقت عن عدة ساعات في عملية 7 أكتوبر 2023، ويصفون ذلك بأن حماس الارهابية كمثال قتلت الأطفال واغتصبت النساء في ذلك اليوم، رغم أن كل ذلك تم تكذيبه من «صحف إسرائيلية» وصحف غربية وإعلام غربي بعد ذلك! ولكن السردية رغم تكذيبها بقيت هي الأساس الإعلامي للرد على أي سؤال في الفضائيات حول المحرقة والإبادة في غزة! وبقي الصهاينة والمتصهينون العرب يكررونها كالببغاء، من دون أن يرف لهم جفن، وهم يمارسون تمييع حقيقة تلك الإبادة وجرائم الحرب! وكأن المشاهد اليومية للمذابح المستمرة وضحاياها الدائمون من الأطفال والنساء، والذين يموتون يومياً بسبب الجوع والتجويع الممنهج وفرض معادلة إما (الموت أو التهجير) عليهم، وكأن كل ذلك ليس بشيء! والشيء الذي يجب الوقوف عنده وإيقاف ساعة الزمن معه هو 7 أكتوبر 2023!
{ في الواقع لا يمكن مقارنة إرهاب دولة ممنهج ومنظم واستراتيجي للقيام بالتطهير العرقي والتجويع وجرائم الحرب، بحادث 7 أكتوبر 2023! وحيث رغم الاختلاف مع «حماس» كفصيل مقاومة لمن يريد أن يختلف، إلا أن مقاومة من يحتل الأرض ويقتل الشعب الفلسطيني وبشكل مستمر منذ 77 عاماً، من دون رادع إنساني أو أخلاقي أو قانون دولي، هو أمر أقرته شرائع الأمم المتحدة والقانون الدولي، وحيث ما دام هناك احتلال فهناك مقاومة! ولكن «المتصهين العربي» الذي يسهم في تدمير الوعي العربي بالسردية الصهيونية! يدعي للغرابة (الإنسانية) وفقط حول الأكاذيب التي روجتها الصهيونية، حول قطع رؤوس الأطفال والاغتصاب! وينسى تماماً كل جرائم دولة الاحتلال، وهو بذلك يشبه »شاهد الزور« كمتصهين عربي، وكمن يشهد حكاية بيت احتله سارقون مجرمون ومتطرفون في الإجرام! ولم يكتفوا بسرقة البيت بل قاموا بمجازر وقتلوا أفراد الأسرة بوحشية، وهجروا آخرين من بيتهم، ولم يتبق إلا بعض رجال البيت، الذين قاموا بالدفاع عن أنفسهم وعن حقهم في بيتهم، فضربوا السارقين، فإذا بالصهيوني ومعه المتصهين العربي يصرخان معاً: (هؤلاء إرهابيون.. غير إنسانيين وغير أخلاقيين)! ونسيا معاً ما فعله السراق بالبيت وأهل البيت ونسائه وأطفاله!... ما لكم كيف تحكمون؟!
{ اليوم نحن أمام مشهد عالمي وعربي مليء بالمفارقات! صهاينة يهود في الغرب يقفون ضد الكيان وممارساته وضد الصهيونية، و«متصهينين عرب» لا يكتفون بعقولهم المخترقة لأنفسهم فقط بل يروجون ويتبنون السردية الصهيونية ويدافعون عنها، حتى وإن وصلت تلك السردية إلى الطمع في أوطانهم! والمفارقة الأخرى شعوب العالم والغرب يمارسون كل أشكال الاحتجاج ضد الكيان دفاعاً عن الانسانية والحق والعدالة، وشارع الثقافة والفكر العربي لا يكتفي أصحابه بالصمت في الغالب، بل يخرج من بينهم من يدافع عن الفكر الصهيوني بحجة أنه ضد «حماس» وضد التطرف!
{ أخطر ما يمر به العالمان العربي والإسلامي، هو ليس العجز على مستوى الدول والشعوب على مدار عامين لإيقاف الإبادة وحالياً التجويع المستمر منذ أشهر! بل هذا الاختراق الفكري والنفسي للمثقفين أو مدعي الثقافة العرب وارتهانهم بروايات خارج دورهم الطبيعي الذي كان من المفترض القيام به في اتخاذ موقف غير محايد الذي من جرائم الحرب! بل الاستسلام للفكر الصهيوني والتخلي عن القيم العليا للثقافة ودورها في التوعية! أي التخلي عن دور المثقف النقدي المستقل! وإبراز الصوت الانساني المعارض للوحشية الصهيونية، بدل الانقياد لها ولسردياتها والتخندق خلف تطرفها الفظيع بادعاء محاربة التطرف الذي تمثله «حماس» وحدها كما في معتقدهم الصهيوني! أما دولة الاحتلال وتطرف قادتها وجرائمها التي يندى لها الجبين، فذلك كله فوق النقد بالنسبة لهم! وهذا ابتلاء فكري وإنساني أصيبت به المجتمعات العربية إلى جانب الابتلاءات الأخرى!
إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك