العدد : ١٧٣١٩ - السبت ٢٣ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٩ صفر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣١٩ - السبت ٢٣ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٩ صفر ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

الخنجر المسموم

بقلم: خديجة مفلح

السبت ٢٣ أغسطس ٢٠٢٥ - 02:00

في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬فيه‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬والتواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬جسورًا‭ ‬بين‭ ‬المجتمعات‭ ‬البشرية‭ ‬وسبيلًا‭ ‬لتعزيز‭ ‬التفاهم‭ ‬والألفة،‭ ‬أصبحت‭ ‬مساحة‭ ‬للتفرقة‭ ‬والتعصب،‭ ‬ينعكس‭ ‬فيها‭ ‬الواقع‭ ‬المرير‭ ‬من‭ ‬الفرقة‭ ‬والتفكك‭ ‬الذي‭ ‬يمر‭ ‬به‭ ‬الوطن‭ ‬العربي،‭ ‬وغدت‭ ‬العنصرية‭ ‬لغتنا‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬والتعصب‭ ‬للدول‭ ‬والمناطق،‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬نستشعر‭ ‬رابط‭ ‬أخوّة‭ ‬الدين‭ ‬ووحدة‭ ‬اللغة‭ ‬والتاريخ‭ ‬المشترك‭. ‬

كمتابعين‭ ‬للمشهد‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬الصفحات‭ ‬الرقمية،‭ ‬نلاحظ‭ ‬أن‭ ‬التعليقات‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬لا‭ ‬تعكس‭ ‬السلوكيات‭ ‬السوية،‭ ‬بل‭ ‬تأخذ‭ ‬منحى‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬التهكم‭ ‬على‭ ‬الآخر‭ ‬ومخاطبته‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬منطقته‭ ‬أو‭ ‬أصله‭ ‬أو‭ ‬لغته،‭ ‬وربما‭ ‬يأخذ‭ ‬الحوار‭ ‬شكلاً‭ ‬أكثر‭ ‬خطورة‭ ‬من‭ ‬خطابات‭ ‬ذات‭ ‬طابع‭ ‬طائفي‭. ‬وبدلاً‭ ‬من‭ ‬التزام‭ ‬النقاش‭ ‬البنّاء،‭ ‬يتم‭ ‬إشاعة‭ ‬الخطابات‭ ‬المُحرضة‭ ‬على‭ ‬الكراهية‭ ‬والتقليل‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬الآخرين‭ ‬وينجم‭ ‬على‭ ‬إثرها‭ ‬تبادل‭ ‬الشتائم‭ ‬والعبارات‭ ‬المسيئة،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أدنى‭ ‬وعيٍ‭ ‬بثقل‭ ‬الكلمة‭ ‬التي‭ ‬تخرج‭ ‬من‭ ‬أفواهنا،‭ ‬وربما‭ ‬نسينا‭ ‬أن‭ ‬الإسلام‭ ‬جاء‭ ‬لنبذ‭ ‬التعصب‭ ‬والانقسام‭.‬

عندما‭ ‬نشب‭ ‬خلاف‭ ‬بين‭ ‬أحد‭ ‬الأنصار‭ ‬وأحد‭ ‬المهاجرين‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬المنورة،‭ ‬نادى‭ ‬المهاجر‭: ‬يا‭ ‬للمهاجرين،‭ ‬وقال‭ ‬الأنصاري‭: ‬يا‭ ‬للأنصار،‭ ‬قال‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬‮«‬أبِدَعوى‭ ‬الجَاهِلِيَّةِ‭ ‬وأنَا‭ ‬بَينَ‭ ‬أظهُرِكُم؟‮»‬‭ ‬قالها‭ ‬مستنكرًا،‭ ‬فقد‭ ‬اشتد‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬ونهى‭ ‬التناصر‭ ‬والتعاضد‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬القبائل‭ ‬أو‭ ‬الأنساب‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬الدعاوى‭ ‬تهدد‭ ‬النسيج‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وتفضي‭ ‬إلى‭ ‬الشقاق‭ ‬والضعف‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬الأمة‭ ‬الواحدة،‭ ‬وتزرع‭ ‬البغضاء‭ ‬بينهم،‭ ‬مما‭ ‬يوهن‭ ‬عزتها،‭ ‬ويفتك‭ ‬وحدتها‭. ‬

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬نجد‭ ‬من‭ ‬يُغذي‭ ‬خطابات‭ ‬التمييز‭ ‬العنصري،‭ ‬يُدندن‭ ‬على‭ ‬وتر‭ ‬الحلم‭ ‬العربي،‭ ‬ويَوَد‭ ‬لو‭ ‬أن‭ ‬فلسطين‭ ‬حُرة،‭ ‬ويخدع‭ ‬ذاته‭ ‬بمشاعر‭ ‬الزيف‭ ‬التي‭ ‬تُموّه‭ ‬التعاطف‭ ‬العربي‭ ‬على‭ ‬جرح‭ ‬غزّة‭. ‬وكيف‭ ‬لك‭ ‬أن‭ ‬تنطق‭ ‬بحرية‭ ‬فلسطين‭ ‬وأنت‭ ‬لا‭ ‬تحمل‭ ‬أدنى‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬المسؤولية‭ ‬تجاه‭ ‬الوحدة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وتعتقد‭ ‬أن‭ ‬مهمتك‭ ‬تقف‭ ‬عند‭ ‬حدود‭ ‬منطقتك‭ ‬المحلية؟‭ ‬وكيف‭ ‬لك‭ ‬أن‭ ‬تنام‭ ‬ملء‭ ‬جفونك‭ ‬ويهنأ‭ ‬لك‭ ‬عيش،‭ ‬وأهل‭ ‬فلسطين‭ ‬يذوقون‭ ‬المر‭ ‬والعلقم؟‭ ‬

أصابني‭ ‬الذهول‭ ‬والرَّوع‭ ‬حينما‭ ‬قرأت‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬خنجر‭ ‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬ومما‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬العجب‭ ‬أن‭ ‬مؤلفهُ‭ ‬الصحفي‭ ‬الهندي‭ ‬كارنجيا‭ ‬كتبه‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬إثر‭ ‬مقابلته‭ ‬وزيرا‭ ‬إسرائيليا،‭ ‬وكشف‭ ‬عن‭ ‬مخططات‭ ‬استعمارية‭ ‬مُدعمة‭ ‬بوثائق،‭ ‬وفضح‭ ‬مشاريع‭ ‬وخطط‭ ‬صهيونية‭ ‬في‭ ‬تقسيم‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬إلى‭ ‬دويلات‭ ‬صغيرة،‭ ‬وبث‭ ‬الطائفية‭ ‬بينها،‭ ‬والكثير‭ ‬الكثير‭ ‬الذي‭ ‬أدهشني‭ ‬مما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬الكتاب،‭ ‬وعندما‭ ‬أسقطته‭ ‬على‭ ‬المشهد‭ ‬العربي‭ ‬الجاري‭ ‬وجدتُ‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬تلك‭ ‬المشاريع‭ ‬وقعت‭! ‬

الغريب‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬الذي‭ ‬فضح‭ ‬خططا‭ ‬استراتيجية‭ ‬صهيونية‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬البعيد،‭ ‬تم‭ ‬إصداره‭ ‬قبل‭ ‬النكسة‭ ‬التي‭ ‬وقعت‭ ‬في‭ ‬1967،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬العرب‭ ‬لم‭ ‬يلقوا‭ ‬له‭ ‬بالاً‭. ‬

بكل‭ ‬أسى،‭ ‬أقول‭ ‬إن‭ ‬اتفاقية‭ ‬سايكس‭ ‬بيكو‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬فرض‭ ‬الحدود‭ ‬وضرب‭ ‬الحواجز‭ ‬بين‭ ‬أبناء‭ ‬الوطن‭ ‬العربي،‭ ‬وغرس‭ ‬الخنجر‭ ‬المسموم‭ ‬في‭ ‬صدر‭ ‬أمتنا،‭ ‬وفلسطين‭ ‬تتجرع‭ ‬سم‭ ‬هذا‭ ‬الشقاق‭ ‬والتنافر‭. ‬

نعم‭ ‬أصبحنا‭ ‬أمصارًا‭ ‬ممزقة،‭ ‬تنضح‭ ‬من‭ ‬أقطارها‭ ‬علامات‭ ‬التشتت‭ ‬والضياع‭. ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬يواجه‭ ‬مخاطر‭ ‬جسيمة،‭ ‬نزاعات‭ ‬داخلية،‭ ‬وتدخلات‭ ‬خارجية،‭ ‬وتلك‭ ‬التحديات‭ ‬تؤثر‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬أهل‭ ‬الوطن‭ ‬الواحد،‭ ‬ولا‭ ‬سبيل‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬تحدياته،‭ ‬إلا‭ ‬بوحدة‭ ‬الصف‭ ‬بين‭ ‬أبنائه‭. ‬

هناك‭ ‬أمل‭ ‬يلوح‭ ‬في‭ ‬الأفق‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬رجعنا‭ ‬إلى‭ ‬رشدنا،‭ ‬وانتصرنا‭ ‬لمبادئ‭ ‬الشريعة‭ ‬الإسلامية‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬مقتضياتها‭ ‬أن‭ ‬الانتماء‭ ‬يكون‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬العقيدة،‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬ننجح‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬فقد‭ ‬ذللنا‭ ‬أنفسنا‭ ‬لتحقيق‭ ‬الرؤية‭ ‬الصهيونية‭ ‬في‭ ‬تدمير‭ ‬أمتنا‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا