في الوقت الذي ينبغي أن تكون فيه وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي جسورًا بين المجتمعات البشرية وسبيلًا لتعزيز التفاهم والألفة، أصبحت مساحة للتفرقة والتعصب، ينعكس فيها الواقع المرير من الفرقة والتفكك الذي يمر به الوطن العربي، وغدت العنصرية لغتنا في كثير من الأحيان والتعصب للدول والمناطق، بدلًا من أن نستشعر رابط أخوّة الدين ووحدة اللغة والتاريخ المشترك.
كمتابعين للمشهد العربي في الصفحات الرقمية، نلاحظ أن التعليقات في الغالب لا تعكس السلوكيات السوية، بل تأخذ منحى آخر من التهكم على الآخر ومخاطبته بناءً على منطقته أو أصله أو لغته، وربما يأخذ الحوار شكلاً أكثر خطورة من خطابات ذات طابع طائفي. وبدلاً من التزام النقاش البنّاء، يتم إشاعة الخطابات المُحرضة على الكراهية والتقليل من شأن الآخرين وينجم على إثرها تبادل الشتائم والعبارات المسيئة، من دون أدنى وعيٍ بثقل الكلمة التي تخرج من أفواهنا، وربما نسينا أن الإسلام جاء لنبذ التعصب والانقسام.
عندما نشب خلاف بين أحد الأنصار وأحد المهاجرين في المدينة المنورة، نادى المهاجر: يا للمهاجرين، وقال الأنصاري: يا للأنصار، قال صلى الله عليه وسلم: «أبِدَعوى الجَاهِلِيَّةِ وأنَا بَينَ أظهُرِكُم؟» قالها مستنكرًا، فقد اشتد هذا الأمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونهى التناصر والتعاضد على أساس القبائل أو الأنساب وما إلى ذلك، لأن هذه الدعاوى تهدد النسيج الاجتماعي وتفضي إلى الشقاق والضعف بين أفراد الأمة الواحدة، وتزرع البغضاء بينهم، مما يوهن عزتها، ويفتك وحدتها.
وفي الوقت ذاته نجد من يُغذي خطابات التمييز العنصري، يُدندن على وتر الحلم العربي، ويَوَد لو أن فلسطين حُرة، ويخدع ذاته بمشاعر الزيف التي تُموّه التعاطف العربي على جرح غزّة. وكيف لك أن تنطق بحرية فلسطين وأنت لا تحمل أدنى قدر من المسؤولية تجاه الوحدة الإسلامية، وتعتقد أن مهمتك تقف عند حدود منطقتك المحلية؟ وكيف لك أن تنام ملء جفونك ويهنأ لك عيش، وأهل فلسطين يذوقون المر والعلقم؟
أصابني الذهول والرَّوع حينما قرأت كتاب «خنجر إسرائيل»، ومما يدعو إلى العجب أن مؤلفهُ الصحفي الهندي كارنجيا كتبه في القرن العشرين إثر مقابلته وزيرا إسرائيليا، وكشف عن مخططات استعمارية مُدعمة بوثائق، وفضح مشاريع وخطط صهيونية في تقسيم دول عربية إلى دويلات صغيرة، وبث الطائفية بينها، والكثير الكثير الذي أدهشني مما جاء في الكتاب، وعندما أسقطته على المشهد العربي الجاري وجدتُ أن معظم تلك المشاريع وقعت!
الغريب أن هذا الكتاب الذي فضح خططا استراتيجية صهيونية على المدى البعيد، تم إصداره قبل النكسة التي وقعت في 1967، غير أن العرب لم يلقوا له بالاً.
بكل أسى، أقول إن اتفاقية سايكس بيكو نجحت في فرض الحدود وضرب الحواجز بين أبناء الوطن العربي، وغرس الخنجر المسموم في صدر أمتنا، وفلسطين تتجرع سم هذا الشقاق والتنافر.
نعم أصبحنا أمصارًا ممزقة، تنضح من أقطارها علامات التشتت والضياع. الوطن العربي يواجه مخاطر جسيمة، نزاعات داخلية، وتدخلات خارجية، وتلك التحديات تؤثر حتى على أهل الوطن الواحد، ولا سبيل في مواجهة تحدياته، إلا بوحدة الصف بين أبنائه.
هناك أمل يلوح في الأفق إذا ما رجعنا إلى رشدنا، وانتصرنا لمبادئ الشريعة الإسلامية التي من مقتضياتها أن الانتماء يكون على أساس العقيدة، إذا لم ننجح في ذلك فقد ذللنا أنفسنا لتحقيق الرؤية الصهيونية في تدمير أمتنا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك