
يقول الأديب جبران خليل جبران: «العطاء حاجة من حاجات الثمرة.. لا تعيش بدونها.. لأنها إذا لم تعط عرضت حياتها للتهلكة»!
نادرون هم أولئك الذين يكون العطاء أحد متعهم الخاصة، وتلك المرأة هي أحد هؤلاء، فهي تؤمن بأن العطاء شرف تتذوق من خلاله معنى السعادة، وتتلقى الرضا، بل إنه في أحيان كثيرة يهبها الحياة، فهكذا نشأت وترعرعت في عائلتها الممتدة التي منحتها تلك القناعة بأن المرء ثمرة تنضح بموادها، حتى إذا نضجت وهبت منفعتها وحلاوتها للآخرين، وأن الانسان حين يعطي بسخاء يزداد ومن ثم تكلل رحلته في الحياة بالنجاح.
سماء يوسف الرئيس، رئيس الجمعية البحرينية للتخطيط الاستراتيجي، حاصلة على رسالة الماجستير في الإدارة التنفيذية، لها مساهمات عديدة ومتنوعة على الصعيد الصحي، الأمر الذي أهلها للحصول على وسام صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة للاستحقاق الطبي وعن جدارة.
مثلت وطنها في المحافل الدولية، فقدمت صورة صحيحة ومشرفة له أمام العالم، من تجربتها تستشف مبدأ «إعطاء الأولوية للعطاء» بتضحية وبفرح، ومن هنا كان مصدر شعورها بالرضا الذي لم يفارقها قط عبر مشواراها الطويل المليء بالإنجازات والنجاحات، والذي سوف نتوقف عند أهم محطاته في الحوار التالي:
كيف أثرت نشأتك في مسيرتك؟
لقد نشأت في عائلة تضم ستة من الأبناء، عشنا جميعا أجواء العائلة الممتدة الأمر الذي أثر بشكل كبير في تكوين شخصيتي وصقلها، خاصة فيما يتعلق بالحكمة عند اتخاذ أي قرار وعند تعاملي مع الآخرين، وكان لقربي الشديد من الجد السبب في تعلم الكثير من المبادئ والقيم الاصيلة والجميلة منها على سبيل المثال فن إدارة الأمور والأموال وشؤون المنزل وغيرها، ثم حدث أن انتقلت إلى محافظة المحرق العريقة، كما كان اهتمام الوالد بالتعليم بالغا علما بأنني التحقت بمدرسة الارسالية الامريكية حينئذ التي تعلمت من خلالها الكثير من الخبرات التي أثرت في مسيرتي لاحقا.
مثل ماذا؟
لا شك أن المجتمع المدرسي لعب دورا كبيرا في تشكيل شخصيتي منذ الصغر، وخاصة فيما يتعلق بمسألة التعايش مع الآخرين وكيفية تقبلهم والتعامل معهم، فقد كان يضم مختلف الجنسيات والثقافات والديانات، هذا فضلا عن تكريس أهمية القراءة بداخلي، وخاصة أنني كنت شغوفة بشدة بها، وأذكر أننا كنا نقرأ بالمدرسة كتبا خارجية بصفة دورية، الأمر الذي نتج عنه التمتع بجودة الأسلوب والتعبير والتفكير، وكذلك اهتمامي بالكتابة بشكل عام، حتى أنني في المرحلة الاعدادية انهيت قراءة معظم روايات الأديب الكبير نجيب محفوظ التي تعلمت منها الكثير.
ماذا علمتك كتابات نجيب محفوظ؟
كتابات الأديب العظيم نجيب محفوظ علمتني الكثير منها معايشة الحدث بعيني والتعمق في الكتابة والتعلق بها، ولكن حين كان البعض يسألني عن طموحي المستقبلي كنت أؤكد لهم أنني أرى نفسي في القطاع الصحي نظرا لكون والدي من رواد القطاع الصحي، حيث كان مدير إدارة المراكز الصحية، وكان دوما يتوقع من أبنائه أن يكونوا امتدادا له في هذا المجال ومن ثم قررت في مرحلة الثانوي أن أتخصص في الطب الوقائي، والتحقت بكلية العلوم الصحية قسم صحة الفم والأسنان.
أولى محطاتك العملية؟
بعد التخرج في الكلية عملت لدى أحد المراكز الصحية فترة لكني لم أجد نفسي في ذلك التخصص، وشعرت بأنني بحاجة إلى طرق أبواب أخرى، فعدت إلى الدراسة الجامعية واخترت تخصص الإدارة التنفيذية، وبالفعل حصلت على رسالة الماجستير في هذا المجال بجامعة البحرين، وبعدها التحقت بوزارة الصحة للعمل بها وتزامن ذلك مع قرار إنشاء نظام الجودة في القطاع الحكومي.
ثم ماذا؟
عملت في القسم المعني بذلك، وكان حينئذ قيد الانشاء في وزارة الصحة، وحصلت على شهادات تخصصية في هذا المجال وكنت من مؤسسي قسم إدارة الجودة في الوزارة، ثم نلت دبلوما في الجودة الشاملة من معهد ألماني، وعكفنا على نقل قطاع الجودة في الوزارة من نظام جودة إداري الى نظم اعتماد دولية للمنشآت الصحية، واخترنا النظام الكندي كنموذج، وقد تعاونت معنا السفيرة الفرنسية وسهلت لنا الوصول إلى هيئة الصحة الفرنسية، وقدموا لنا منحة لدراسة برنامج تدريبي للمسح والتدقيق في القطاع الصحي أنا واثنين من البحرينيات.
وبعد تجربتك في فرنسا؟
بعد هذه التجربة الشيقة والمهمة في فرنسا أصبح لدينا توجه في وزارة الصحة للحصول على الاعتماد الصحي من دولة كندا، وبالطبع كان النموذج الكندي مختلفا، فالاعتماد في مملكة البحرين كان يشمل مراكز الرعاية الصحية الأولية ومجمع السلمانية الطبي، وتدرجت وظيفيا من قائم بأعمال رئيس قسم الجودة بالوزارة وعضو اللجنة العليا للاعتماد إلى رئيس قسم من اختصاصاته وضع الخطط التدريبية بحسب الاحتياجات، ثم تقلدت منصب رئيس التخطيط الوظيفي وتقييم التدريب مدة ثماني سنوات، وبعدها جاء قرار التقاعد وبدأت مرحلة جديدة من مشواري.
وما ملامح تلك المرحلة؟
في الوقت الذي اتخذت فيه قرار التقاعد كنت عضوا في الجمعية البحرينية للتخطيط الاستراتيجي، حيث تقدمت لانتخابات الرئاسة وفزت عام 2022، ولا شك أنني حققت بعض الإنجازات من خلال الجمعية من أهمها فتح مجال للتعاون والشراكة مع العديد من المؤسسات وتنظيم فعاليات مشتركة مع مركز دراسات تتماشى مع رؤية 2050، خاصة في ظل توجه من القيادة الرشيدة بإشراك مؤسسات المجتمع المدني في إعداد هذه الرؤية، وبالفعل أعددنا العديد من ورش العمل لتدريب مختلف الجمعيات لتأهيلهم للإلمام بأسس التخطيط الاستراتيجي، وقمنا بتدريب اكثر من ثلاثين شخصا من عشر جمعيات، واليوم بصدد إنشاء شبكة للتخطيط الاستراتيجي بالمملكة.
أهم الإنجازات؟
كم أنا فخورة بتمثيل وطني في الخارج خاصة في وقت أحداث 2011، وبنقل الصورة الصحيحة عنه، الأمر الذي أسهم في صقل شخصيتي على الصعيدين الحقوقي والسياسي، حيث قمت ضمن وفد بحريني بتمثيل البحرين في مجلس حقوق الانسان في جنيف، وشاركت خلال تلك المرحلة في الكثير من الفعاليات المهمة، ولا شك أن هذه المهمة كانت غاية في الصعوبة، ولكني كنت غاية في السعادة في أدائها واصلت مشواري رغم أي صعوبات واجهتنا، وكان لي إنجازان آخران مهمان.
وما هما؟
لقد كان لي دور مهم أيضا على الصعيد الوطني في إحياء جمعية المرصد لحقوق الانسان التي ترأستها مدة أربع سنوات، هذا فضلا عن اعتزازي برئاسة اللجنة الخليجية للجودة التابعة للأمانة العامة لمجلس التعاون والتي قمنا من خلالها بإعداد بحث عن الجودة وسلامة المرضي، وكانت البحرين أول دولة خليجية تجري هذا النوع من البحوث، وكان لي شرف رئاسة الفريق القائم بذلك.
مبدأ تسيرين عليه؟
مبدئي في الحياة عبر مسيرتي الطويلة هو القناعة التامة بأن أي انسان يستطيع تحقيق طموحاته وأهدافه مهما واجه من عقبات ولكن بالتدريج، فأنا ضد الوصول السريع، ولم أجرِ وراء أي منصب، بل تركيزي دوما في أن أكون بقدر المسؤولية التي تسند إليَّ في أي موقع، وهذا ما حاولت غرسه في نفوس أبنائي منذ صغرهم، فإتقان العمل والإنتاج أهم عندي بكثير من أي مكانة عملية أحتلها والقيادة الناضجة على المستوى المهني هي هدفي دائما.
طموحك القادم؟
أتمنى مواصلة دوري الوطني لخدمة مملكتي الحبيبة على كافة الأصعدة، والمساهمة في ازدهارها من خلال موقعي الحالي، فليس هناك أغلى من الأرض التي احتضنتنا ووهبتنا الأمن والأمان.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك