يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره
حماية لأبنائنا ومجتمعاتنا
عرضت في المقال السابق أهم ما جاء في مقال للكاتب البريطاني سيمون جنكينز في صحيفة «الجارديان» البريطانية، الذي يناقش فيه علاقة الجيل الحالي بالتكنولوجيا، ويوجه انتقادات إلى النظام التعليمي البريطاني من زاوية أنه يعلم الأطفال القراءة والكتابة والحساب من دون تعليمهم الكلام والخطابة، ويشير إلى النتائج الخطيرة لهذا الوضع على الأبناء والمجتمع.
القضية أكثر إلحاحا بالنسبة إلينا في الدول العربية مما هي في بريطانيا أو غيرها.
والسؤال هو: كيف نتعامل مع القضية؟.. كيف نحمي أبناءنا ومجتمعاتنا من التأثيرات السلبية لعصر التكنولوجيا؟
قبل الإجابة عن السؤال، لا بد أن نشير إلى أن المقصود ليس انتقاد التكنولوجيا وتطوراتها المذهلة في حد ذاتها، ولا أن تكون الأجيال الجديدة مواكبة لهذه التطورات. بالعكس الارتباط بالتكنولوجيا ومواكبة تطوراتها ومعرفة كيفية التعامل معها ركن أساسي من أركان تقدم الدول والمجتمعات في عصر أصبح فيه العلم والتقدم التكنولوجي عماد تقدم الدول.
القضة أن هناك نتائج وتأثيرات شديدة السلبية تترتب على عدم إعداد وتهيئة الأجيال الجديدة للتعامل مع التكنولوجيا والتعامل السليم الذي يجنبها، بقدر الإمكان، هذه السلبيات.
بالإضافة إلى ما ذكره الكاتب البريطاني من تأثيرات سلبية لعجز النظام التعليمي عن إعداد الطلاب بشكل سليم، يجب أن نشير إلى جانب في غاية الأهمية بالنسبة إلينا لم يتطرق إليه.
نعني أن القوى الكبرى والدوائر الاستراتيجية فيها لديها استراتيجيات معلنة ومعروفة لاستخدام التطورات التكنولوجية تستهدف العقل في دولنا. استراتيجيات تسعى إلى إعادة تشكيل الوعي والوجدان لدى أبنائنا وتطويع عقولها بالشكل الذي يحقق أهدف وغايات هذه القوى، وهي أهداف وغايات تدميرية.
هذا عامل أساسي إضافي يدفعنا إلى التفكير في كيفية حماية أبنائنا ومجتمعاتنا في عصر التكنولوجيا.
ما المطلوب بهذا الخصوص إذن؟
هناك في تقديرنا جوانب أربعة كبرى يمكن أن نعتبرها أركان الحماية الأساسية لأبنائنا ومجتمعاتنا هي على النحو التالي:
1 – التوعية العامة بشكل دائم إلى السلبيات والأخطار المرتبطة بالتطورات التكنولوجية الحديثة. المجتمع كله يجب أن يكون على وعي دائم بهذه السلبيات والأخطار والتأثيرات على أبنائنا وعلى الدولة والمجتمع.
2 - تعزيز الهوية الوطنية والولاء الوطني لدى الأجيال الجديدة.
هذا الجانب هو حائط الصد الأول والأكبر في مواجهة هذه السلبيات والأخطار.
تعزيز الهوية والولاء الوطني هو الذي يمكن الأجيال الجديدة من إدراك ما يضر مجتمعاتنا ودولنا ويلحق بها الأذى نتيجة التطورات التكنولوجية، وبالتالي العمل على تجنبها ومواجهتها.
3 – الجانب الذي ركز عليه الكاتب البريطاني، هو ضرورة أن يركز النظام التعليمي على تعليم الطلاب مهارات الحديث والخطابة والحوار.
والكاتب يطرح بهذا الصدد مثالا على ذلك بما يحدث في المدارس في ولاية كاليفورنيا الأمريكية. يقول إنه في مدارس كاليفورنيا يركز التعليم على الأداء والتعلم في مجموعات، إذ لا يقتصر دور المعلّم هنا على التلقين، بل يمتد إلى توجيه النقاشات بين الطلبة. ويرى أن الخطابة تساعد التلاميذ على التعبير عن أفكارهم للآخرين، والاستماع والردّ بـ«أدب وذكاء».
4 – تعليم الأطفال والأجيال الجديدة التفكير النقدي.
هذا ركن أساسي ليس فقط في مواجهة التأثيرات السلبية للتطورات التكنولوجية، وإنما لإعداد الأجيال الجديدة للمستقبل بصفة عامة، وللعب دورهم المنشود في تقدم مجتمعاتهم ودولهم.
التفكير النقدي يعني القدرة على الفهم والتحليل والتقييم وصياغة موقف مستقل.
امتلاك مهارات التفكير النقدي يمكن الأجيال الجديدة من التمييز بين الحق والباطل، وبين المفيد والضار، ومن المبادرة من زاوية المصلحة الوطنية.
هذه باختصار شديد هي الأركان الأربعة الضرورية للتعامل مع تطورات عصر التكنولوجيا، لإعداد وتأهيل أبنائنا للتعامل معها بكفاءة ووعي وثقة في النفس بما من شأنه أن يجنبهم تأثيراتها السلبية.
هذه الأركان ضرورية ليس لحماية الأجيال الجديدة فقط، وإنما لحماية دولنا ومجتمعاتنا بصفة عامة.
وكما نرى، فإن توافر هذه الأركان الأربعة ليست مسؤولية النظام التعليمي وحده، وإن كان دوره أساسيا، بل هي مسؤولية كل قوى ومؤسسات المجتمع، الرسمية وغير الرسمية.
إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك