العدد : ١٧٣٠١ - الثلاثاء ٠٥ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ صفر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٠١ - الثلاثاء ٠٥ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ صفر ١٤٤٧هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

حماية لأبنائنا ومجتمعاتنا

عرضت‭ ‬في‭ ‬المقال‭ ‬السابق‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬للكاتب‭ ‬البريطاني‭ ‬سيمون‭ ‬جنكينز‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬الجارديان‮»‬‭ ‬البريطانية،‭ ‬الذي‭ ‬يناقش‭ ‬فيه‭ ‬علاقة‭ ‬الجيل‭ ‬الحالي‭ ‬بالتكنولوجيا،‭ ‬ويوجه‭ ‬انتقادات‭ ‬إلى‭ ‬النظام‭ ‬التعليمي‭ ‬البريطاني‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬أنه‭ ‬يعلم‭ ‬الأطفال‭ ‬القراءة‭ ‬والكتابة‭ ‬والحساب‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تعليمهم‭ ‬الكلام‭ ‬والخطابة،‭ ‬ويشير‭ ‬إلى‭ ‬النتائج‭ ‬الخطيرة‭ ‬لهذا‭ ‬الوضع‭ ‬على‭ ‬الأبناء‭ ‬والمجتمع‭.‬

القضية‭ ‬أكثر‭ ‬إلحاحا‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلينا‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬مما‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭. ‬

والسؤال‭ ‬هو‭: ‬كيف‭ ‬نتعامل‭ ‬مع‭ ‬القضية؟‭.. ‬كيف‭ ‬نحمي‭ ‬أبناءنا‭ ‬ومجتمعاتنا‭ ‬من‭ ‬التأثيرات‭ ‬السلبية‭ ‬لعصر‭ ‬التكنولوجيا؟

قبل‭ ‬الإجابة‭ ‬عن‭ ‬السؤال،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬نشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المقصود‭ ‬ليس‭ ‬انتقاد‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬وتطوراتها‭ ‬المذهلة‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاتها،‭ ‬ولا‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الأجيال‭ ‬الجديدة‭ ‬مواكبة‭ ‬لهذه‭ ‬التطورات‭. ‬بالعكس‭ ‬الارتباط‭ ‬بالتكنولوجيا‭ ‬ومواكبة‭ ‬تطوراتها‭ ‬ومعرفة‭ ‬كيفية‭ ‬التعامل‭ ‬معها‭ ‬ركن‭ ‬أساسي‭ ‬من‭ ‬أركان‭ ‬تقدم‭ ‬الدول‭ ‬والمجتمعات‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬أصبح‭ ‬فيه‭ ‬العلم‭ ‬والتقدم‭ ‬التكنولوجي‭ ‬عماد‭ ‬تقدم‭ ‬الدول‭.‬

القضة‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬نتائج‭ ‬وتأثيرات‭ ‬شديدة‭ ‬السلبية‭ ‬تترتب‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬إعداد‭ ‬وتهيئة‭ ‬الأجيال‭ ‬الجديدة‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬والتعامل‭ ‬السليم‭ ‬الذي‭ ‬يجنبها،‭ ‬بقدر‭ ‬الإمكان،‭ ‬هذه‭ ‬السلبيات‭.‬

بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬ذكره‭ ‬الكاتب‭ ‬البريطاني‭ ‬من‭ ‬تأثيرات‭ ‬سلبية‭ ‬لعجز‭ ‬النظام‭ ‬التعليمي‭ ‬عن‭ ‬إعداد‭ ‬الطلاب‭ ‬بشكل‭ ‬سليم،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نشير‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬الأهمية‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلينا‭ ‬لم‭ ‬يتطرق‭ ‬إليه‭.‬

نعني‭ ‬أن‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬والدوائر‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬فيها‭ ‬لديها‭ ‬استراتيجيات‭ ‬معلنة‭ ‬ومعروفة‭ ‬لاستخدام‭ ‬التطورات‭ ‬التكنولوجية‭ ‬تستهدف‭ ‬العقل‭ ‬في‭ ‬دولنا‭. ‬استراتيجيات‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬الوعي‭ ‬والوجدان‭ ‬لدى‭ ‬أبنائنا‭ ‬وتطويع‭ ‬عقولها‭ ‬بالشكل‭ ‬الذي‭ ‬يحقق‭ ‬أهدف‭ ‬وغايات‭ ‬هذه‭ ‬القوى،‭ ‬وهي‭ ‬أهداف‭ ‬وغايات‭ ‬تدميرية‭.‬

هذا‭ ‬عامل‭ ‬أساسي‭ ‬إضافي‭ ‬يدفعنا‭ ‬إلى‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬حماية‭ ‬أبنائنا‭ ‬ومجتمعاتنا‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬التكنولوجيا‭.‬

ما‭ ‬المطلوب‭ ‬بهذا‭ ‬الخصوص‭ ‬إذن؟

هناك‭ ‬في‭ ‬تقديرنا‭ ‬جوانب‭ ‬أربعة‭ ‬كبرى‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نعتبرها‭ ‬أركان‭ ‬الحماية‭ ‬الأساسية‭ ‬لأبنائنا‭ ‬ومجتمعاتنا‭ ‬هي‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬التالي‭:‬

1‭ ‬‭ ‬التوعية‭ ‬العامة‭ ‬بشكل‭ ‬دائم‭ ‬إلى‭ ‬السلبيات‭ ‬والأخطار‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالتطورات‭ ‬التكنولوجية‭ ‬الحديثة‭. ‬المجتمع‭ ‬كله‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬على‭ ‬وعي‭ ‬دائم‭ ‬بهذه‭ ‬السلبيات‭ ‬والأخطار‭ ‬والتأثيرات‭ ‬على‭ ‬أبنائنا‭ ‬وعلى‭ ‬الدولة‭ ‬والمجتمع‭.‬

2‭ - ‬تعزيز‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬والولاء‭ ‬الوطني‭ ‬لدى‭ ‬الأجيال‭ ‬الجديدة‭.‬

هذا‭ ‬الجانب‭ ‬هو‭ ‬حائط‭ ‬الصد‭ ‬الأول‭ ‬والأكبر‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬هذه‭ ‬السلبيات‭ ‬والأخطار‭.‬

تعزيز‭ ‬الهوية‭ ‬والولاء‭ ‬الوطني‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬الأجيال‭ ‬الجديدة‭ ‬من‭ ‬إدراك‭ ‬ما‭ ‬يضر‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬ودولنا‭ ‬ويلحق‭ ‬بها‭ ‬الأذى‭ ‬نتيجة‭ ‬التطورات‭ ‬التكنولوجية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تجنبها‭ ‬ومواجهتها‭.‬

3‭ ‬‭ ‬الجانب‭ ‬الذي‭ ‬ركز‭ ‬عليه‭ ‬الكاتب‭ ‬البريطاني،‭ ‬هو‭ ‬ضرورة‭ ‬أن‭ ‬يركز‭ ‬النظام‭ ‬التعليمي‭ ‬على‭ ‬تعليم‭ ‬الطلاب‭ ‬مهارات‭ ‬الحديث‭ ‬والخطابة‭ ‬والحوار‭.‬

والكاتب‭ ‬يطرح‭ ‬بهذا‭ ‬الصدد‭ ‬مثالا‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬بما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬في‭ ‬ولاية‭ ‬كاليفورنيا‭ ‬الأمريكية‭. ‬يقول‭ ‬إنه‭ ‬في‭ ‬مدارس‭ ‬كاليفورنيا‭ ‬يركز‭ ‬التعليم‭ ‬على‭ ‬الأداء‭ ‬والتعلم‭ ‬في‭ ‬مجموعات،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬دور‭ ‬المعلّم‭ ‬هنا‭ ‬على‭ ‬التلقين،‭ ‬بل‭ ‬يمتد‭ ‬إلى‭ ‬توجيه‭ ‬النقاشات‭ ‬بين‭ ‬الطلبة‭. ‬ويرى‭ ‬أن‭ ‬الخطابة‭ ‬تساعد‭ ‬التلاميذ‭ ‬على‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬أفكارهم‭ ‬للآخرين،‭ ‬والاستماع‭ ‬والردّ‭ ‬بـ«أدب‭ ‬وذكاء‮»‬‭.‬

4‭ ‬‭ ‬تعليم‭ ‬الأطفال‭ ‬والأجيال‭ ‬الجديدة‭ ‬التفكير‭ ‬النقدي‭.‬

هذا‭ ‬ركن‭ ‬أساسي‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬التأثيرات‭ ‬السلبية‭ ‬للتطورات‭ ‬التكنولوجية،‭ ‬وإنما‭ ‬لإعداد‭ ‬الأجيال‭ ‬الجديدة‭ ‬للمستقبل‭ ‬بصفة‭ ‬عامة،‭ ‬وللعب‭ ‬دورهم‭ ‬المنشود‭ ‬في‭ ‬تقدم‭ ‬مجتمعاتهم‭ ‬ودولهم‭.‬

التفكير‭ ‬النقدي‭ ‬يعني‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الفهم‭ ‬والتحليل‭ ‬والتقييم‭ ‬وصياغة‭ ‬موقف‭ ‬مستقل‭.‬

امتلاك‭ ‬مهارات‭ ‬التفكير‭ ‬النقدي‭ ‬يمكن‭ ‬الأجيال‭ ‬الجديدة‭ ‬من‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬الحق‭ ‬والباطل،‭ ‬وبين‭ ‬المفيد‭ ‬والضار،‭ ‬ومن‭ ‬المبادرة‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬المصلحة‭ ‬الوطنية‭.‬

هذه‭ ‬باختصار‭ ‬شديد‭ ‬هي‭ ‬الأركان‭ ‬الأربعة‭ ‬الضرورية‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬تطورات‭ ‬عصر‭ ‬التكنولوجيا،‭ ‬لإعداد‭ ‬وتأهيل‭ ‬أبنائنا‭ ‬للتعامل‭ ‬معها‭ ‬بكفاءة‭ ‬ووعي‭ ‬وثقة‭ ‬في‭ ‬النفس‭ ‬بما‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يجنبهم‭ ‬تأثيراتها‭ ‬السلبية‭.‬

هذه‭ ‬الأركان‭ ‬ضرورية‭ ‬ليس‭ ‬لحماية‭ ‬الأجيال‭ ‬الجديدة‭ ‬فقط،‭ ‬وإنما‭ ‬لحماية‭ ‬دولنا‭ ‬ومجتمعاتنا‭ ‬بصفة‭ ‬عامة‭.‬

وكما‭ ‬نرى،‭ ‬فإن‭ ‬توافر‭ ‬هذه‭ ‬الأركان‭ ‬الأربعة‭ ‬ليست‭ ‬مسؤولية‭ ‬النظام‭ ‬التعليمي‭ ‬وحده،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬دوره‭ ‬أساسيا،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬مسؤولية‭ ‬كل‭ ‬قوى‭ ‬ومؤسسات‭ ‬المجتمع،‭ ‬الرسمية‭ ‬وغير‭ ‬الرسمية‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا