يقول وارن بافت أغنى أغنياء العالم رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لإمبراطورية بيركشاير هاثاواي: «الخطر يأتي من عدم معرفة ما تفعله.. ولا تستثمر أبدا في عمل لا يمكنك فهمه»!
من هنا جاء اختيارها لاستثمار جهودها في مجال التعليم، الذي نشأت على حبه بشدة، وتعمقت في عالمه وفهمته عن ظهر قلب بعد أن وجدت فيه شغفها، لتصبح أول امرأة بحرينية رئيس تنفيذي لمجموعة «برايتس» التعليمية التي تدير 11 مدرسة في أربع دول مختلفة تتويجا لمشوار طويل من العمل والكفاح استطاعت أن تترك خلاله بصمة خاصة بها فيما يسمى فن الاستثمار وعلمه.
فاطمة أحمد كمال، امرأة من طراز خاص، ارتأت قوتها في إحداث التغيير الإيجابي من حولها، فقررت أن تتخذ من ذلك رسالة لها في الحياة، واختارت العمل في مجال الاستثمار التعليمي انطلاقا من قناعتها بأنه المحرك الرئيسي للتنمية المستدامة والسبيل إلى تطوير الذات وبناء المستقبل.
لقد استطاعت عبر مشوارها الطويل أن تمتلك أهم مفاتيح النجاح، وفي مقدمتها الثبات، والإصرار، والالتزام، والمرونة عند مواجهة التحديات، والتكيف مع المستجدات، والأهم تحكيم العقل إلى جانب العاطفة، الأمر الذي صنع منها شخصية موهوبة، مؤثرة، قادرة على تحقيق أهدافها، يحمل لها الجميع رصيدا هائلا من التقدير سواء على صعيد المجتمع أو العمل أو الأسرة.
حول هذه التجربة الثرية النموذجية كان الحوار التالي:
كيف أثرت نشأتك على مسيرتك؟
- كان لنشأتي في بيئة محبة للعلم ومحفزة عليه بشدة أبلغ الأثر في صقل شخصيتي منذ الصغر، الأمر الذي جعلني أعشق القراءة والاطلاع في كل مجالات المعرفة وأحرص على متابعة كل ما ينشر من بحوث خاصة في مجلة العربي، فضلا عن ممارستي عدة هوايات منها الرياضة وعزف البيانو، والمشاركة في الكشافة، وإلقاء الشعر وغيرها، وقد عُرف عني تميزي في كل هذه الأنشطة حتى أنني فزت في الصف الرابع الابتدائي بالمركز الأول في مسابقة عن الكتابة الحرة، كما حققت مراتب متقدمة مع فريق كرة السلة على مستوى مملكة البحرين.
أول محطة عملية؟
- لقد حلمت منذ طفولتي بأن أصبح معلمة رياضيات في المستقبل، وقد أقدمت على دراسة تخصص الهندسة بجامعة البحرين بعد حصولي على الثانوية العامة، وبعد عام واحد اكتشفت أنني لم أجد نفسي في هذا المجال، فقررت التحول لتخصص المحاسبة، وذلك لحبي الشديد للأرقام والحسابات بشكل عام، وعقب التخرج عملت لدى شركة «كي بي إم جي فخرو» للمحاسبة، وكانت أول محطة عملية لي بل الأهم على الإطلاق، فقد مثلت نقطة تحول في مسيرتي المهنية، حيث قضيت بها حوالي ست سنوات من التدريب والرعاية والاحتضان، علما بأنني حصلت على شهادة المحاسب القانوني بعد مرور ثلاث سنوات من العمل بها، وهي من الشهادات التي يصعب الحصول عليها، لذلك أعتبر هذه الخطوة إنجازا كبيرا بالنسبة إلي.
أهم صور احتضانك في تلك الشركة؟
- من أهم المواقف التي مازلت أتذكرها حتى يومنا هذا والتي تؤكد مدى احتضان الشركة لموظفيها وخاصة من قِبل صاحبها الأستاذ جمال فخرو كان يتعلق بمدى حرصي على المعرفة ونقل خبراتي إلى الآخرين، حيث كنت قد اعتدت يوميا أن أقوم بإرسال إيميل لجميع زملائي أرصد من خلاله كل المعلومات والمستجدات التي قمت بالاطلاع عليها وتتعلق بمجال عملنا، إلى أن استدعاني مديري البريطاني الجنسية ذات يوم وقال لي صراحة إنني أضيع وقتي وجهدي في هذه الإيميلات، وحين توقفت عن ذلك فترة وجدت رد فعل من أستاذ جمال فخرو أبهرني بشدة.
ماذا كان رد فعله؟
- لقد طلب الأستاذ جمال فخرو لقائي للاستفسار عن سبب توقفي عن إرسال مثل هذه الإيميلات وحين أبلغته بما حدث من قبل المدير البريطاني أكد لي أهمية وجدوى ما كنت أفعله وضرورة الاستمرار في ذلك، وهذا هو ما أعنيه بعملية احتضان الموظف ودعمه وتشجيعه طالما يبذل كل طاقته لتطوير عمله وهو شيء أسهم كثيرا في منحي الثقة بالنفس، ويمكن القول إن عملي في شركة «كي بي إم جي فخرو» وما تعلمته بها كان وراء ما حققته اليوم.
حدثينا عن تجربتك مع شركة خدمات مطار البحرين؟
- بعد مرور ست سنوات على عملي بشركة «كي بي إم جي فخرو» قررت البحث عن فرصة عمل في جهة أخرى يسمح لي نظام دوامها بقضاء وقت أطول مع أبنائي وخاصة أنهم كانوا في سن صغير في ذلك الوقت، وبالفعل تخليت عن منصبي كمدير أول حسابات، وانتقلت إلى شركة خدمات مطار البحرين، وتم تعييني كنائب رئيس قسم التدقيق الداخلي، وكنت أصغر موظفة والمرأة الوحيدة به، ولكني لم أجد نفسي في هذا العمل، وبعد تسعة أشهر فكرت في العودة مرة أخرى إلى عملي السابق، ولكن في منصب أعلى، وفي تلك الأثناء حصلت على عرض عمل من بيت التمويل الخليجي والذي كان يمثل حلما لأي بحريني، والتحقت للعمل به في مجال الاستثمارات الذي اكتشفت فيه شغفي، وذلك بعد مقابلة مع الأستاذ عصام جناحي لم تتعد دقائق معدودة، ورغم عدم تمتعي بخبرة سابقة في هذا القطاع إلا أنني أبديت رغبة شديدة في تعلم واكتساب كل الخبرات المتعلقة به، ثم حدثت نقلة مهمة في مشواري.
وما تلك النقلة؟
أهم نقلة في مشواري حدثت حين تخصصت في العمل في مجال الاستثمار في القطاع التعليمي، والذي يتعلق مباشرة بمخرجات التعليم، واليوم لدينا استثمار في 11 مدرسة في أربع دول مختلفة هي البحرين وتونس والإمارات والسعودية والبقية ستأتي في إطار خططنا التوسعية للمرحلة القادمة.
الأهداف المرجوة من الاستثمار في التعليم؟
لعل الهدف الأساسي للاستثمار في التعليم هو جودة المخرجات، وذلك فيما يتعلق بشخصية الطالب وبغرس الثقة في نفسه ورفع درجات تحصيله العلمي وتطوره التكنولوجي وتنمية مهاراته وتطوير عمليات التعليم بشكل عام بما يتواكب مع التغيير المتسارع في العالم من حولنا، وبالطبع أحاول تحقيق ذلك من خلال العمل ضمن فريق يضم حوالي خمسة عشر عضوا يلتزمون جميعا بمبدأ التوحيد في الجهود والإدارة والإنتاجية.
أصعب تحد؟
- على صعيد العمل يمكن القول إن جائحة كورونا كانت من أصعب الأزمات التي مررنا بها جميعا وأثرت في كل القطاعات، ومع ذلك كان تأثيرها محدودا في استثمارنا في التعليم، حيث تم خلال فترة وجيزة التمكن من مواكبة كل المستجدات وأهمها التعليم عن بعد، ومن ثم كانت الخسائر محدودة للغاية، أما التحدي الأصعب على المستوى الإنساني فهو يتعلق بكوني أما لثلاثة أبناء وخاصة أن أمومتي تزامنت مع بداية مسيرتي المهنية، وكان لزاما عليّ تحقيق التوازن بين مسؤولياتي بقدر الإمكان وهو أمر ليس من السهل بلوغه.
هل تعرضت لظلم لكونك امرأة؟
- لا، لم أتعرض لأي ظلم لكوني امرأة ولله الحمد، فبقدر الجهد والصبر يكون المردود، ولكن هناك تحد كبير تواجهه كل النساء العاملات تقريبا وهو اضطرارهن إلى بذل جهد مضاعف مقارنة بالرجال كي تثبتن نفسهن وجدارتهن بأي منصب مهم وهو ما واجهته شخصيا على أرض الواقع.
أكبر فاتورة لتحقيق طموحك العملي؟
- لعل أكبر فاتورة سددتها مقابل تحقيق طموحي العملي كانت عدم الاستمتاع بطفولة أبنائي ومعايشتي لهذه المرحلة لحظة بلحظة، ولذلك كنت دائما أعوض ذلك بما يطلق عليه «جودة الوقت» الذي أقضيه معهم، ومع ذلك كان يساورني من وقت لآخر الشعور بالذنب، ولكن مع دعم الأهل وخاصة والدتي وأعمامي وتعاون زوجي الذي تحمّل الكثير من أجل مساندتي في كل خطواتي تمكنت من تجاوز أي صعوبات أو مشاعر سلبية، ويكفيني نظرات الفخر التي أراها دائما في عيون كل من حولي.
سلاحك عند مواجهة الحروب؟
- عند مواجهة أي نوع من الحروب أتبع أسلوب التغاضي والدبلوماسية، وعدم التوقف عند القيل والقال وأحيانا بالمواجهة إذا استدعى الأمر، ولله الحمد واصلت مشواري بكل قوة وإصرار رغم أي عثرات واليوم أشعر بأنني نسخة أفضل وأقوى من فاطمة السابقة، وخاصة حين أدركت أهمية تحكيم العقل إلى جانب العاطفة في كل تصرفاتي، وفي النهاية لكل مجتهد نصيب، فكل ما علينا هو أن نسعى ونجتهد ولا نتوقف عن التعلم، وشخصيا أتعلم شيئا جديدا في كل يوم.
أشد محنة؟
- من أشد المحن التي مرت بي كانت فقد والدي رحمه الله بعد صراع مع مرض السرطان، ورغم أنها كسرتني إلا أنني تعلمت منها أهمية قضاء وقت أطول مع من نحب، وعدم التوقف عند صغائر الأمور، وهذا ما أحاول رصده وإيصاله عبر مشروع كتاب من تأليفي يتحدث عن تجربة الفقد، وعن ضرورة الترابط والتقارب الأسري والاستمتاع بالحضور وسط الأهل والحرص على ذلك كلما سنحت الفرص.
رسالة توجهينها للمرأة؟
- أقول لأي امرأة كوني قوية، ولا تستسلمي أو تشعري بالضعف مطلقا مهما واجهك من صعوبات، واصبري كي تنالي مرادك، ودائما ضعي لنفسك هدفا تسعين نحو تحقيقه مهما كلفك الأمر من جهد وصبر ومعاناة وهذا ما كان يردده لي أحد أعمامي منذ الصغر.
حلمك القادم؟
- كل ما أتمناه هو أن أترك أثرا بارزا في مجالي، وأن يأتي اليوم الذي يدرج فيه اسمي ضمن قائمة أكثر مئة امرأة متميزة في قطاع الاستثمار التعليمي في العالم.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك