العدد : ١٧٢٨٣ - الجمعة ١٨ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٣ محرّم ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٢٨٣ - الجمعة ١٨ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٣ محرّم ١٤٤٧هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

ماذا سنقول للأجيال القادمة؟!!

البشرية‭ ‬تعيش‭ ‬أسوأ‭ ‬فترات‭ ‬تاريخها‭ ‬تعاسة‭ ‬وبؤسا‭ ‬وألما‭.‬

لم‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬البشرية‭ ‬أن‭ ‬شعبا‭ ‬بأسره‭ -‬هو‭ ‬شعب‭ ‬فلسطين‭ ‬في‭ ‬غزة‭- ‬يباد‭ ‬بأبشع‭ ‬صور‭ ‬الوحشية‭ ‬وعلى‭ ‬امتداد‭ ‬أشهر‭ ‬طويلة،‭ ‬والعالم‭ ‬لا‭ ‬يفعل‭ ‬سوى‭ ‬ان‭ ‬يتفرج‭ ‬ويقف‭ ‬عاجزا‭ ‬عجزا‭ ‬تاما‭.‬

لم‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬البشرية‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تزعمه‭ ‬من‭ ‬تقدم‭ ‬وتحضر‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬كل‭ ‬القيم‭ ‬الانسانية‭ ‬والقوانين‭ ‬الإنسانية‭ ‬تداس‭ ‬بالأقدام‭ ‬بهذا‭ ‬الشكل،‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬حمايتها‭ ‬والدفاع‭ ‬عنها‭.‬

الشرفاء‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬يفزعهم‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭. ‬ويفزعهم‭ ‬خصوصا‭ ‬حكم‭ ‬التاريخ‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬أمام‭ ‬اعيننا‭ ‬اليوم‭.. ‬يفزعهم‭ ‬حكم‭ ‬الأجيال‭ ‬القادمة‭ ‬وماذا‭ ‬ستقول‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الفصل‭ ‬المخزي‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬البشرية‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬نشرت‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬الجارديان‮»‬‭ ‬البريطانية‭ ‬قبل‭ ‬أيام‭ ‬مقالا‭ ‬مؤثرا‭ ‬مؤلما‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭. ‬المقال‭ ‬عن‭: ‬ماذا‭ ‬سيقول‭ ‬العالم‭ ‬للأجيال‭ ‬القادمة‭ ‬عن‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬في‭ ‬غزة؟‭ ‬للكاتبة‭ ‬أروى‭ ‬مهداوي‭. ‬المقال‭ ‬صرخة‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬قادة‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬الذين‭ ‬شاركوا‭ ‬فعليا‭ ‬في‭ ‬إبادة‭ ‬غزة‭.‬

تتساءل‭ ‬الكاتبة‭ ‬عما‭ ‬سيقوله‭ ‬العالم‭ ‬للأجيال‭ ‬القادمة‭ ‬عندما‭ ‬تقرأ‭ ‬برعب‭ ‬عن‭ ‬غزة‭ ‬وما‭ ‬حدث‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬تم‭ ‬بثها‭ ‬على‭ ‬الهواء‭ ‬مباشرة‭.‬

تقول‭ ‬ان‭ ‬غزة‭ ‬تمت‭ ‬تسويتها‭ ‬بالأرض،‭ ‬وتحولت‭ ‬إلى‭ ‬مقابر‭ ‬جماعية‭ ‬وأنقاض،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬حدث‭ ‬هذا‭ ‬بدأ‭ ‬من‭ ‬التزموا‭ ‬الصمت‭ ‬طوال‭ ‬الأشهر‭ ‬التسعة‭ ‬عشر‭ ‬الماضية‭ ‬بالتحدث‭ ‬ببطء‭ ‬وتوجيه‭ ‬بعض‭ ‬الانتقادات‭. ‬بريطانيا‭ ‬مثلا‭ ‬بعد‭ ‬19‭ ‬شهرا‭ ‬من‭ ‬الابادة‭ ‬وما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬حملة‭ ‬تجويع،‭ ‬قررت‭ ‬وصف‭ ‬الوضع‭ ‬بأنه‭ ‬فظيع،‭ ‬وهددت‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬فرنسا‭ ‬وكندا،‭ ‬باحتمالية‭ ‬‮«‬وجود‭ ‬رد‭ (‬ملموس‭) ‬إذا‭ ‬استمر‭ ‬القتل‭ ‬الجماعي‭ ‬والتجويع‮»‬‭.‬

تعتبر‭ ‬الكاتبة‭ ‬ان‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬متأخر‭ ‬للغاية،‭ ‬فهو‭ ‬‮«‬لن‭ ‬يُعيد‭ ‬الطفلة‭ ‬هند‭ ‬رجب‭ ‬ذات‭ ‬الخمس‭ ‬سنوات‭ ‬التي‭ ‬قُتلت‭ ‬عندما‭ ‬أطلق‭ ‬جنود‭ ‬إسرائيليون‭ ‬335‭ ‬رصاصة‭ ‬على‭ ‬السيارة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬الطفلة‭ ‬المذعورة‭ ‬محاصرة‭ ‬فيها،‭ ‬أو‭ ‬عمال‭ ‬الإغاثة‭ ‬الذين‭ ‬أعدمتهم‭ ‬إسرائيل‭ ‬ودُفنوا‭ ‬في‭ ‬قبور‭ ‬ضحلة‭.. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬لن‭ ‬يُعيد‭ ‬بناء‭ ‬المستشفيات‭ ‬ورياض‭ ‬الأطفال‭ ‬ومراكز‭ ‬التلقيح‭ ‬الصناعي‭ ‬والجامعات‭ ‬التي‭ ‬دمرها‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بشكل‭ ‬ممنهج،‭ ‬ولن‭ ‬يُعيد‭ ‬أطراف‭ ‬أطفال‭ ‬غزة‭ -‬أكبر‭ ‬فئة‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬مبتوري‭ ‬الأطراف‭ ‬في‭ ‬العالم‭- ‬ولن‭ ‬يُصلح‭ ‬الضرر‭ ‬طويل‭ ‬الأمد‭ ‬الذي‭ ‬ألحقه‭ ‬سوء‭ ‬التغذية‭ ‬وما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬عامين‭ ‬من‭ ‬الحرمان‭ ‬من‭ ‬التعليم‭ ‬بجيل‭ ‬كامل‮»‬‭.‬

وتقول‭ ‬ان‭ ‬هذه‭ ‬الانتقادات‭ ‬التي‭ ‬توجهها‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬ليست‭ ‬سوى‭ ‬محاولة‭ ‬للتغطية،‭ ‬ومجرد‭ ‬معارضة‭ ‬تمثيلية‭.‬

وتوجه‭ ‬الكاتبة‭ ‬هذه‭ ‬التساؤلات‭: ‬‮«‬ماذا‭ ‬ستقولون؟‭ ‬عندما‭ ‬تقرأ‭ ‬الأجيال‭ ‬القادمة‭ ‬عن‭ ‬غزة‭ ‬برعب،‭ ‬وتتساءل‭ ‬كيف‭ ‬سمح‭ ‬العالم‭ ‬الغربي،‭ ‬بكل‭ ‬تفوقه‭ ‬الأخلاقي،‭ ‬ونظامه‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬القواعد،‭ ‬وتركيزه‭ ‬على‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬بوقوع‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬تُبث‭ ‬على‭ ‬الهواء‭ ‬مباشرة،‭ ‬ماذا‭ ‬ستقولون؟‭ ‬عندما‭ ‬تعلم‭ ‬الأجيال‭ ‬القادمة‭ ‬أننا،‭ ‬لمدة‭ ‬19‭ ‬شهرا،‭ ‬استيقظنا‭ ‬كل‭ ‬صباح‭ ‬على‭ ‬مقاطع‭ ‬فيديو‭ ‬لأطفال‭ ‬يُحرقون‭ ‬أحياء‭ -‬يُقصفون‭ ‬بأسلحة‭ ‬ساهم‭ ‬دافعو‭ ‬الضرائب‭ ‬الأمريكيون‭ ‬في‭ ‬دفع‭ ‬ثمنها،‭ ‬وساهم‭ ‬العالم‭ ‬الغربي‭ ‬في‭ ‬تبريرها‭- ‬هل‭ ‬ستتمكنون‭ ‬من‭ ‬القول‭ ‬إنكم‭ ‬تكلمتم؟‮»‬‭.‬

وتختتم‭ ‬المقال‭ ‬بالقول‭: ‬‮«‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬الأهوال‭ ‬التي‭ ‬تحدث‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬صراع‭ ‬آخر‭ ‬حول‭ ‬العالم،‭ ‬ولن‭ ‬تنسى‭ ‬الأجيال‭ ‬القادمة‭ ‬الصمت‭ ‬حيال‭ ‬هذه‭ ‬الإبادة‮»‬‭.‬

هذه‭ ‬هي‭ ‬الصرخة‭ ‬التي‭ ‬أطلقتها‭ ‬الكاتبة‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬قادة‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭. ‬هي‭ ‬تقول‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬مبدئي‭ ‬والمسؤولية‭ ‬الأخلاقية‭ ‬التي‭ ‬تحتم‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬وقف‭ ‬حرب‭ ‬الاباة‭.‬

ماذا‭ ‬عنا‭ ‬نحن‭ ‬العرب؟‭.. ‬ماذا‭ ‬عنا‭ ‬والقضية‭ ‬قضيتنا‭ ‬والذين‭ ‬يتعرضون‭ ‬للإبادة‭ ‬اهلنا‭ ‬وغزة‭ ‬التي‭ ‬تباد‭ ‬بلادنا؟

ماذا‭ ‬سنقول‭ ‬للأجيال‭ ‬العربية‭ ‬القادمة‭ ‬حين‭ ‬تسألنا‭: ‬كيف‭ ‬تركتم‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬يبادون‭ ‬هكذا‭ ‬وبلادهم‭ ‬يتم‭ ‬تسويتها‭ ‬بالأرض؟

ماذا‭ ‬سنقول‭ ‬حين‭ ‬تسألنا‭ ‬الأجيال‭ ‬القادمة‭: ‬ماذا‭ ‬فعلتم‭ ‬كي‭ ‬توقفوا‭ ‬هذه‭ ‬الإبادة‭ ‬وتحموا‭ ‬أطفال‭ ‬فلسطين‭ ‬ونساءها‭ ‬وشبابها‭ ‬وشيوخها‭ ‬من‭ ‬الإبادة‭ ‬اليومية‭ ‬قتلا‭ ‬وجوعا؟

ماذا‭ ‬سنقول‭ ‬للأجيال‭ ‬القادمة‭ ‬حين‭ ‬تسألنا‭: ‬ماذا‭ ‬فعلتم‭ ‬بكل‭ ‬القدرات‭ ‬والامكانيات‭ ‬العربية‭ ‬الهائلة‭ ‬ماليا‭ ‬واقتصاديا‭ ‬وعسكريا‭ ‬وبشريا؟‭ ‬

يجب‭ ‬ان‭ ‬نطرح‭ ‬هذه‭ ‬التساؤلات‭ ‬ونفكر‭ ‬فيها‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬بسبب‭ ‬حكم‭ ‬التاريخ‭ ‬والأجيال‭ ‬القادمة،‭ ‬ولكن‭ ‬لسبب‭ ‬آخر‭ ‬مهم،‭ ‬أن‭ ‬الأوان‭ ‬لم‭ ‬يفت‭ ‬بعد‭ ‬كي‭ ‬نتحرك‭ ‬ونفعل‭ ‬شيئا‭ ‬يثبت‭ ‬وجودنا‭ ‬كعرب‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬هذه‭ ‬الإبادة‭ ‬الهمجية‭.‬

صحيح‭ ‬ان‭ ‬أي‭ ‬تحرك‭ ‬عربي‭ ‬متأخر‭ ‬جدا،‭ ‬كما‭ ‬تقول‭ ‬الكاتبة‭ ‬عن‭ ‬الغرب،‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬أباد‭ ‬المحتلون‭ ‬ما‭ ‬أبادوا‭ ‬وقتلوا‭ ‬كل‭ ‬هذ‭ ‬الأعداد‭ ‬المهولة‭ ‬من‭ ‬أهلنا‭ ‬في‭ ‬غزة‭. ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬المعركة‭ ‬طويلة‭ ‬وهي‭ ‬ليست‭ ‬معركة‭ ‬دفاع‭ ‬عن‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬وحدهم‭ ‬وإنما‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬العرب‭. ‬وإذا‭ ‬استمر‭ ‬حال‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬هكذا‭ ‬فلن‭ ‬تتوقف‭ ‬هذه‭ ‬الإبادة‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬وغيرها‭.‬

ان‭ ‬كان‭ ‬يعنينا‭ ‬أمر‭ ‬المستقبل‭ ‬العربي،‭ ‬فيجب‭ ‬ان‭ ‬ندرك‭ ‬ان‭ ‬التاريخ‭ ‬لن‭ ‬يرحمنا‭ ‬والأجيال‭ ‬القادمة‭ ‬لن‭ ‬تغفر‭ ‬لنا‭ ‬إن‭ ‬استمر‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬حالنا‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا