تقول الكاتبة الأسترالية باتي ميلر: «تراثي وثقافتي والمكان الذي أتيت منه يعني لي الكثير.. أكثر من أي شيء آخر»!
التراث موجود، ولكنه بحاجة إلى من يكتشفه ويشاركه مع الآخرين، والفخر به أمامهم، لذلك لا بد من الحفاظ عليه، لأنه الأصل والجذور التي يجب التمسك بها، فالموروث الشعبي جزء مهم من تاريخ وثقافة الشعوب، وهو الوعاء الذي تستمد منه عاداتها وتقاليدها وقيمها الاصيلة ولغتها وافكارها وأسلوب حياتها، وهو جسر التواصل بين الأجيال واحدى الركائز الأساسية في عملية التنمية والتطوير والبناء، باختصار هو منبت الهوية وقيم الانتماء.
وتلك هي قناعة هذه الفتاة التي اتخذت من قضية الموروث الشعبي رسالة لها في الحياة، فراحت تتعمق فيه، وتوثقه، وتكرسه بداخل الأجيال الجديدة من الأطفال والشباب عبر موقعها الوظيفي كمدير للعلاقات العامة والتسويق باللجنة البحرينية لرياضات الموروث الشعبي، ومن خلال عملها بالإذاعة والتلفزيون كمعدة ومنفذة ومقدمة للبرامج.
ياسمين مفيد النعيرات، صاحبة تجربة عملية وإنسانية ووطنية ثرية جعلتها محط انظار العالم، واستطاعت من خلالها ترك بصمة خاصة بها في عالم الإنجاز والابداع، وهذا ما سنتحدث عنه تفصيلا في الحوار التالي:
حدثينا عن نشأتك؟
انا من مواليد المملكة الأردنية الهاشمية من أبوين فلسطينيين، وقد قدمت إلى البحرين عند عمر خمس سنوات، وكان حلمي منذ الطفولة أن أصبح إعلامية حتى أن الجميع كان يطلق عليّ لقب الاعلامية الصغيرة نظرا لشغفي الشديد بهذا المجال ومشاركاتي في مختلف البرامج والأنشطة وكذلك إعدادها، وحين تخرجت في المرحلة الثانوية قررت بناء على رغبة والدي دراسة تخصص رياضيات في جامعة البحرين لتحقيق أمله في أن اعمل في مجال التربية والتعليم ولكني لم أكمل تلك المسيرة.
لماذا؟
بعد ثلاث سنوات ونصف تقريبا من الدراسة في تخصص الرياضيات اكتشفت أنني لم أجد نفسي فيه، فقررت هنا دراسة الاعلام والذي يمثل بالنسبة لي شغفا منذ طفولتي، وكنت اول فتاة تتخرج في كلية الاعلام بجامعة البحرين في ثلاث سنوات فقط.
وبعد التخرج؟
في مرحلة الدراسة الجامعية كنت أتدرب في الإذاعة والتلفزيون كمقدمة برامج وذلك لمدة عام تقريبا، وبعد التخرج عملت لدى شركة للعلاقات العامة والتسويق في قطاع المال والاستثمار مع الأستاذة زهراء طاهر وكانت من أجمل التجارب في مشواري ثم انتقلت للعمل بشركة خاصة في إدارة التسويق للجميع والتي تملك أربعين فرعا لها حول العالم، ولم اجد نفسي في هذه الوظيفة، إلى ان جاءني عرض عمل من اللجنة البحرينية لرياضات الموروث الشعبي فقبلت به على الفور ومثل نقطة تحول في شخصيتي ومسيرتي.
كيف؟
لقد منحني العمل باللجنة البحرينية لرياضات الموروث الشعبي مساحة كبيرة من الحرية والابداع، وخاصة انه يتعلق بتراث البحرين الذي أعشقه، وكان عملي ينصب على كل ما يتعلق بالموروث الشعبي ومن ثم المشاركة في اهم البرامج في هذا المجال مثل برنامج السارية الذي كنت اول فتاة تعمل به، واليوم أصبحت معدة له، إلى جانب عملي في البرامج الاذاعية الخاصة بالتراث، والتي ركزت من خلالها على تكريس الهوية البحرينية، وهذا هو دور الجهات الإعلامية، هذا فضلا عن تمثيلي للبحرين في المحافل الدولية ولي في ذلك تجارب عديدة.
أهم تلك التجارب؟
من أهم وأحدث تجارب تمثيلي لمملكة البحرين كان حضوري لسيمينار عقد بجمهورية الصين مؤخرا وذلك في مبادرة «الحزام والطريق» ضمن وفد اعلامي يمثل خمسة وثلاثين دولة حول العالم، وقد حرصت على تقديم البحرين في أفضل صورة خاصة فيما يتعلق بإبراز هويتنا وتسليط الضوء على عاداتنا وتقاليدنا الأصيلة أمام العالم.
بماذا تميز الوفد البحريني في هذه الفعالية؟
لقد تميز الوفد البحريني المكون من ثلاثة اشخاص بما تم تقديمه من أمور عكست الوجه الحقيقي والأصلي للمملكة منها على سبيل المثال ارتداء الثوب البحريني والاهتمام بكرم الضيافة من خلال توزيع حلوى شويطر الشعبية التي اشتهرت بها البحرين منذ عام 1850، وكذلك إهداء علم البحرين والصين على بروش خاص تم صناعته خصيصا لهذه المناسبة إلى جانب دروع مرسوم عليها باب البحرين، فضلا عن توفير معلومات خاصة ببلدنا باللغتين العربية والانجليزية، وكم أنا فخورة بنشر مقال عن دوري في هذه الفعالية العالمية من قبل وكالة جانا الدولية ووصفها بأنني مثلت وطني أفضل تمثيل، علما بأنني كنت المحجبة الوحيدة في هذا الحدث المهم.
ما أهمية هذه الفعالية؟
الهدف من مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها الصين عام 2013 هو ربط الصين بالدول الأخرى، وابرازها كواجهة صناعية وسياحية واجتماعية، وكم انا فخورة بتمثيل مملكة البحرين في هذا الحدث العالمي، وبإبراز تراثنا وعاداتنا الوطنية أمام العالم وبصورة أبهرت الجميع.
في رأيك كيف يتم تعزيز التراث؟
أرى أن أطفال هذا العصر هم الأكثر حاجة الى تعزيز الموروث الشعبي لديهم، وخاصة في ظل هذا الغزو الثقافي الممنهج الذي يتعرضون له، وهذا ما حاولت التركيز عليه في برنامج «بابا فايز/ بحرين المحبة» الإذاعي وكنت المعدة والمنفذة له بهدف تعزيز الموروث البحريني لدي النشء، حتى لو كان يحمل شيئا من الصعوبة مثل البيت البحريني والرد والبدل والعادات والتقاليد والفنون والامثال والالغاز الشعبية وغيرها من الأمور، وكذلك برنامج السارية التلفزيوني الموجه للأسرة، والذي يقدم مسابقات ممتعة لتحقيق نفس الهدف، وقد كنت الفتاة الوحيدة التي تعمل به وأول معدة له في نسخته الاولى.
أول برنامج؟
كان أول برنامج إعلامي رسمي شاركت به كمعدة ومقدمة بعنوان «سوالف عصرية» تم تقديمه في إذاعة البحرين، ومن بعدها تخصصت في البرامج الاذاعية الشبابية، واهمها برنامج «دبل لا يك» الذي لاقى نجاحا كبيرا والذي يعتبر أول برنامج إذاعي تلفزيوني يبث خارج وزارة الاعلام، وهو يمثل أحدث اعمالي، ومن خلاله يتم مخاطبة فئة الشباب وتسليط الضوء على إنجازاتهم وطاقاتهم الواعدة والمبدعة وخاصة هؤلاء الذين لا يعرف عنهم الكثيرون في المجتمع.
بدايتك مع العمل التطوعي؟
لقد بدأت أنشطتي الخيرية منذ عام 2015 حيث كنت من مؤسسي اكاديمية المسعفين التطوعية، التي من خلالها يتم تدريب المهتمين بهذا المجال على الإسعافات الأولية، وذلك من جميع الفئات والاعمار بالمجان، وقد أطلق هذا المشروع فريق يضم أربعة اشخاص في البداية، واليوم وصل عددنا إلى 380 متطوعا، وانجزنا 920 فعالية، ودربنا ثلاثين ألف شخص، وحين فكرت في ترك هذا النشاط واجهت موقفا انسانيا أعادني بكل قوة وحماس إليه مرة أخرى.
وما هو ذلك الموقف؟
ذات يوم واثناء وجودي في أحد المجمعات التجارية فوجئت بإحدي الأمهات تقول لي وهي تبكي بأنني قد أنقذت ابنها من الموت، وأنها تمكنت من اسعافه ولله الحمد بفضل ما تلقته من تدريبات في اكاديمية المسعفين على يدي في ورشة عمل كانت قد التحقت بها، وهنا تراجعت عن قراري بالابتعاد عن الأكاديمية لكثرة مسؤولياتي وانشغالي واستمررت في هذا العمل الخيري الى اليوم، والذي ابذل فيه اقصى ما لدي من جهد ووقت، وهذا ما زرعه والدي ووالدتي في نفسي منذ طفولتي.
حلمك الحالي؟
أحلم اليوم بإعداد وتقديم وتنفيذ برنامج خاص بي يتناول قضيتين مهمتين، الاولى كل ما يتعلق بالموروث الشعبي، والثانية عن كافة الأمور المرتبطة بالأسرة بشكل عام، على أن يكون برنامجا عصريا ثقافي اتوعويا خفيفا وسريعا، كما اتمنى مواصلة المسيرة في مجال الموروث الشعبي وابرز مملكة البحرين امام العالم كدولة سياحية وثقافية من الطراز الأول، كذلك المشاركة في مختلف المبادرات والإنجازات التي تسلط الضوء على ذلك من قبل الجهات المعنية بالمملكة والتي أراها قد أبدعت في هذا الصدد لجذب الاستثمار والسياح في مختلف المجالات التي تتميز بها البحرين كوجهة سياحية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك