العدد : ١٧٣٣١ - الخميس ٠٤ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٢ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٣١ - الخميس ٠٤ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٢ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

المنطقة العربية والعالم في مرحلة جديدة

بقلم: د. أحمد رفيق عوض {

الجمعة ١١ يوليو ٢٠٢٥ - 02:00

من‭ ‬المؤسف‭ ‬القول‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬الأوضاع‭ ‬الدولية‭ ‬الراهنة‭ ‬بأن‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬ينتظرهم‭ ‬الإهمال‭ ‬والإنكار‭ ‬والتفكيك،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬التهديد‭ ‬بالطرد‭ ‬أو‭ ‬الضم‭ ‬أو‭ ‬الاستعباد،‭ ‬أو‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬مجتمعاً،‭ ‬الآن‭ ‬إسرائيل‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬نفسها‭ ‬منتصرة،‭ ‬وأنها‭ ‬غير‭ ‬مضطرة‭ ‬أبداً‭ ‬إلى‭ ‬تسوية‭ ‬فيها‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬المطالب‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬فلا‭ ‬أحد‭ ‬يضغط‭ ‬عليها‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬يملك‭ ‬أدوات‭ ‬الضغط‭ ‬أو‭ ‬الرغبة‭ ‬فيه،‭ ‬وكل‭ ‬الآمال‭ ‬والوعود‭ ‬الوهمية‭ ‬التي‭ ‬بنيت‭ ‬قبل‭ ‬ثلاثين‭ ‬عاماً‭ ‬هُدمت‭ ‬أمام‭ ‬واقع‭ ‬متطرف‭ ‬وعنيف،‭ ‬ليس‭ ‬لأننا‭ ‬إرهابيون‭ ‬وعنصريون‭ ‬وفاسدون‭ ‬وغير‭ ‬ناضجين،‭ ‬بل‭ ‬لأن‭ ‬عدونا‭ ‬يتغير‭ ‬بسرعة‭ ‬البرق،‭ ‬من‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬الاندماج‭ ‬إلى‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬السيطرة‭ ‬محمولاً‭ ‬على‭ ‬أوهام‭ ‬القوة‭ ‬والمزيد‭ ‬منها‭.‬

ذلك‭ ‬ان‭ ‬تحولات‭ ‬الكيان‭ ‬السريعة‭ ‬اجتماعياً‭ ‬وسياسياً‭ ‬وفكرياً‭ ‬قابلها‭ ‬البطء‭ ‬والترهل‭ ‬وعدم‭ ‬الاستعداد‭ ‬من‭ ‬جانبنا،‭ ‬ومن‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬الغربي‭ ‬الاستعماري‭ ‬لا‭ ‬يفكر‭ ‬ولا‭ ‬ينوي‭ ‬مكافأتنا‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬تعزيتنا،‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬هو‭ ‬عمليات‭ ‬تخدير‭ ‬وإلهاء‭ ‬وإدارة‭ ‬للصراع‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يتحمل‭ ‬أعباءه،‭ ‬فلم‭ ‬يعد‭ ‬حل‭ ‬الدولتين‭ ‬رؤية‭ ‬صالحة‭ ‬لحل‭ ‬الصراع،‭ ‬بل‭ ‬السيطرة‭ ‬والاخضاع‭ ‬وأدوات‭ ‬القوة‭ ‬المتعددة‭ ‬هي‭ ‬الوسائل‭ ‬الأفضل‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬الهدوء،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬سينفجر‭ ‬يوماً‭ ‬ما،‭ ‬فإن‭ ‬المحتل‭ ‬ومن‭ ‬يقف‭ ‬معه‭ ‬ويسنده‭ ‬مستعدون‭ ‬لمواجهته‭ ‬كما‭ ‬يدعون‭.‬

‭ ‬باختصار،‭ ‬فإن‭ ‬المرحلة‭ ‬الجديدة‭ ‬تحمل‭ ‬مخاطر‭ ‬نرى‭ ‬مقدماتها‭ ‬منذ‭ ‬الآن،‭ ‬وأول‭ ‬تلك‭ ‬الملامح‭ ‬أن‭ ‬وحدتنا‭ ‬الاجتماعية‭ ‬ودولتنا‭ ‬العتيدة‭ ‬في‭ ‬مهب‭ ‬الريح‭ ‬تماماً،‭ ‬هناك‭ ‬سيناريوهات‭ ‬وحلول‭ ‬تطبخ‭ ‬باستعجال‭ ‬وابتذال‭ ‬لتجاوز‭ ‬طموحاتنا‭ ‬ودموعنا‭ ‬ودماءنا‭.‬

أما‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية،‭ ‬فقد‭ ‬دخلت‭ ‬منذ‭ ‬عقد‭ ‬تقريباً‭ ‬مرحلة‭ ‬الهشاشة،‭ ‬وحتى‭ ‬السيولة،‭ ‬فقد‭ ‬شهدت‭ ‬المنطقة‭ ‬حالات‭ ‬من‭ ‬الانقسام‭ ‬والتفكك‭ ‬والحروب‭ ‬الأهلية‭ ‬وإعادة‭ ‬التموضع‭ ‬وتغيير‭ ‬الاتجاهات‭ ‬وزوال‭ ‬أنظمة‭ ‬وميلاد‭ ‬مشكلات‭ ‬أقليات‭ ‬وعرقيات،‭ ‬منذ‭ ‬عقد‭ ‬تقريباً‭ ‬ونحن‭ ‬نرى‭ ‬الدولة‭ ‬العربية‭ ‬القطرية‭ ‬تنهار‭ ‬أمام‭ ‬التحديات‭ ‬والأسئلة،‭ ‬وتتهاوى‭ ‬أمام‭ ‬الضربات‭ ‬الخارجية‭ ‬والداخلية،‭ ‬لتكشف‭ ‬عن‭ ‬بنية‭ ‬مهترئة‭ ‬ومضمون‭ ‬غير‭ ‬مقنع‭ ‬ورؤيا‭ ‬تنموية‭ ‬قاصرة،‭ ‬وأعتقد‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الضعف‭ ‬سيزداد،‭ ‬وأن‭ ‬التبعية‭ ‬ستتعمق،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬تلك‭ ‬الأقطار‭ ‬ستزيد‭ ‬من‭ ‬اعتمادها‭ ‬على‭ ‬القوى‭ ‬الخارجية‭ ‬طلباً‭ ‬للحماية‭ ‬أو‭ ‬التمويل‭ ‬أو‭ ‬الشرعية،‭ ‬وهو‭ ‬وضع‭ ‬تحاول‭ ‬إسرائيل‭ ‬استغلاله‭ ‬لفرض‭ ‬الهيمنة‭.‬

منطقتنا‭ ‬العربية‭ ‬لن‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تقدم‭ ‬الحلول‭ ‬أو‭ ‬المبادرات،‭ ‬وستترك‭ ‬الفعل‭ ‬‭ ‬إن‭ ‬سمحت‭ ‬بذلك‭ ‬أصلاً‭ ‬‭ ‬لجماعات‭ ‬ومنظمات‭ ‬ستُتهم‭ ‬وتحاصر‭ ‬وتطارد،‭ ‬وبرأيي،‭ ‬ان‭ ‬هذا‭ ‬الغياب‭ ‬السياسي‭ ‬والحضاري‭ ‬سيعمق‭ ‬أزمة‭ ‬المنطقة‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر،‭ ‬ليس‭ ‬بسبب‭ ‬الاحتقان‭ ‬السياسي‭ ‬والفكري،‭ ‬وإنما‭ ‬بسبب‭ ‬الأزمات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬الناشئة‭ ‬عن‭ ‬ضعف‭ ‬الدولة‭ ‬وغياب‭ ‬أجهزتها‭ ‬وقلة‭ ‬مواردها‭.‬

أما‭ ‬العالم‭ ‬حولنا،‭ ‬فقد‭ ‬غادر‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬الذي‭ ‬تشكل‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬إلى‭ ‬نظام‭ ‬آخر‭ ‬لا‭ ‬قوانين‭ ‬فيه،‭ ‬نظام‭ ‬سائل‭ ‬يتعدى‭ ‬ويتحدى‭ ‬الهيئات‭ ‬الدولية‭ ‬والأعراف‭ ‬والتقاليد‭ ‬الدبلوماسية،‭ ‬نظام‭ ‬لا‭ ‬يعترف‭ ‬بالجغرافيا‭ ‬أو‭ ‬بالحدود‭ ‬أو‭ ‬بالسيادة‭ ‬أو‭ ‬الكرامة‭ ‬أو‭ ‬الخصوصية‭ ‬الثقافية،‭ ‬نظام‭ ‬تتسابق‭ ‬فيه‭ ‬الشركة‭ ‬مع‭ ‬البنك‭ ‬لجني‭ ‬الأرباح‭ ‬واستعمار‭ ‬السوق‭ ‬واحتكار‭ ‬المعرفة‭ ‬وإعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬المجتمعات‭ ‬والدول‭ ‬والحدود،‭ ‬نظام‭ ‬يخلق‭ ‬قوانينه‭ ‬بحسب‭ ‬مصالحه‭ ‬ويعتمد‭ ‬معايير‭ ‬جديدة‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬الانتهازية‭ ‬والقرصنة‭ ‬والقمع،‭ ‬تغلفها‭ ‬بشعارات‭ ‬براقة‭ ‬وصياغات‭ ‬تختزل‭ ‬الواقع‭ ‬والتفاصيل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬رواية‭ ‬ناقصة‭ ‬وظالمة‭ ‬وعمياء‭ ‬أيضاً،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬ستزداد‭ ‬الحروب‭ ‬والمواجهات‭ ‬العسكرية‭ ‬والتجارية‭ ‬والعلمية‭ ‬بسبب‭ ‬التنافس‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬المعرفة‭ ‬وأدواتها‭ ‬والسوق‭ ‬وإمكاناته‭ ‬والجغرافيا‭ ‬وما‭ ‬يمنحه‭ ‬من‭ ‬أفضلية‭.‬

الصورة‭ ‬قاتمة،‭ ‬نعم،‭ ‬قاتمة‭ ‬للأسف،‭ ‬فهل‭ ‬من‭ ‬سبيل‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬النفق‭ ‬المخيف؟؟‭ ‬وما‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬فعله؟؟‭ ‬أمامنا‭ ‬سيناريوهات‭ ‬قليلة،‭ ‬فإما‭ ‬التسليم‭ ‬والاستسلام‭ ‬أمام‭ ‬هذه‭ ‬القوة‭ ‬الغاشمة‭ ‬والانتظار‭ ‬لدورة‭ ‬تاريخية‭ ‬أخرى،‭ ‬وإما‭ ‬المواجهة‭ ‬والاشتباك‭ ‬رغم‭ ‬الهوامش‭ ‬الضيقة‭ ‬والمخاطر‭ ‬العالية‭.‬

‭ ‬لست‭ ‬بمعرض‭ ‬تقديم‭ ‬النصائح‭ ‬أو‭ ‬الوعظ،‭ ‬فأنا‭ ‬أؤمن‭ ‬أن‭ ‬الأيام‭ ‬‭ ‬رغماً‭ ‬عنا‭ ‬‭ ‬تلد‭ ‬خياراتها‭ ‬واختياراتها،‭ ‬فما‭ ‬يجري‭ ‬اليوم‭ ‬بهذه‭ ‬السرعة‭ ‬وهذه‭ ‬الكثافة‭ ‬سيؤدي‭ ‬حتماً‭ ‬إلى‭ ‬تعارض‭ ‬المصالح‭ ‬بين‭ ‬الأقوياء،‭ ‬وتفضي‭ ‬بالتأكيد‭ ‬إلى‭ ‬التنازع‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يدفعنا‭ ‬إلى‭ ‬الأمل‭ ‬بالتغير‭ ‬السريع،‭ ‬بمعنى،‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬يبقى‭ ‬القوي‭ ‬قوياً‭ ‬ولا‭ ‬الضعيف‭ ‬ضعيفاً،‭ ‬ما‭ ‬نحتاج‭ ‬إليه‭ ‬الصبر‭ ‬والإيمان‭ ‬بأننا‭ ‬شعب‭ ‬نستحق‭ ‬الكرامة‭ ‬والسيادة‭ ‬والدولة،‭ ‬وأننا‭ ‬شعب‭ ‬واحد‭ ‬مهما‭ ‬حاول‭ ‬الآخرون‭ ‬تشويهنا‭ ‬وتفكيكنا‭ ‬ومنعنا‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬طموحاتنا‭.‬

ما‭ ‬يجري‭ ‬الآن‭ ‬دورة‭ ‬من‭ ‬دورات‭ ‬التاريخ‭ ‬ليس‭ ‬إلا،‭ ‬كان‭ ‬مثلها‭ ‬وسيكون‭ ‬مثلها‭ ‬أيضاً،‭ ‬لن‭ ‬يغرنا‭ ‬ما‭ ‬يحصل‭ ‬ولن‭ ‬يبهرنا‭ ‬ولن‭ ‬يبهظنا،‭ ‬ولن‭ ‬يعمي‭ ‬عيوننا‭ ‬عن‭ ‬الرؤيا‭ ‬الصائبة،‭ ‬فما‭ ‬يجري‭ ‬هو‭ ‬الظلم‭ ‬بعينه‭ ‬والتجبر‭ ‬بذاته،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لن‭ ‬يدوم‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬نحتاج‭ ‬إليه‭ ‬هو‭ ‬الصبر‭ ‬والإيمان،‭ ‬وللمرة‭ ‬الألف،‭ ‬فإن‭ ‬الصبر‭ ‬والإيمان‭ ‬هما‭ ‬محركا‭ ‬التاريخ‭.‬

 

{‭ ‬رئيس‭ ‬مركز‭ ‬الدراسات‭ ‬

المستقبلية‭ ‬بجامعة‭ ‬القدس

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا