في حوار خاص مع «أخبار الخليج الرياضي» فتح الحكم الدولي للكرة الطائرة أحمد عبدالعال قلبه للحديث عن مسيرته التحكيمية الممتدة لأكثر من عقدين، مسلطا الضوء على محطات بارزة من تجربته الميدانية، وتحديدا مع تقنية الفيديو «الجلنج» التي باتت ركنا أساسيا في مباريات الكرة الطائرة الحديثة، تجربة ثرية مزجت بين التحديات والطموحات، بين ضغوط الجماهير وروح الفريق، يرويها لنا اليوم بصدق وشفافية، واضعا نصب عينيه هدفا واضحا يتمثل في تطوير التحكيم البحريني ورفع اسمه في المحافل الدولية، نترككم مع السطور التالية.
1 . بداية، كيف تصف تجربتك التحكيمية حتى الآن محليا ودوليا؟
منذ انطلاقي في مجال التحكيم عام 2004، يمكنني القول إنني استمتعت كثيرا بهذه الرحلة رغم التحديات التي واجهتها، على مستويي البطولات المحلية أو الخارجية، وأكثر ما يميز هذه التجربة هو التفاعل مع الحالات التحكيمية المعقدة ومناقشتها بعمق، مما يزيد من متعة الممارسة.
2 . ما الذي جذبك إلى سلك التحكيم في الكرة الطائرة؟
بعد تخرجي في الجامعة، سعيت للحصول على شهادات تحكيمية تتناسب مع طبيعة عملي كمعلم للتربية الرياضية، وكان للدور الإيجابي لرئيس لجنة الحكام آنذاك محمد جاسم أثر بالغ، إذ أصر على مشاركة الدارسين في إدارة مباريات الفئات العمرية مباشرة بعد انتهاء الدراسة، بالإضافة إلى مشاركتي كمراقب للخطوط في دوري الرجال، ما عزز ارتباطي بهذا المجال الرياضي.
3 . كيف ترى تطور التحكيم البحريني خلال السنوات الأخيرة؟
لا يمكن تقييم تطور التحكيم فقط بأوصاف عامة مثل «جيد» أو «ممتاز»، بل يتطلب التركيز على جودة الأداء من خلال أرضية الملعب، ولقد برزت أسماء واعدة قادرة على الحفاظ على مكانة الحكم البحريني، كما أن إدخال تقنيات حديثة مثل التسجيل الإلكتروني ونظام التحدي (الجلنج) من شأنه أن يسهم في رفع المستوى، إذ يتطلب من الحكام مضاعفة الجهد لضمان خروج المباريات بأفضل صورة ممكنة، وأتمنى منح الفرصة للحكام الجدد لخوض تجارب في مباريات كبرى تمهيدا للمواسم المقبلة.
4 . ما أهمية تقنية الفيديو «الجلنج» في الكرة الطائرة الحديثة؟
تعدّ هذه التقنية وغيرها من التقنيات الحديثة التي يسعى الاتحاد الدولي لاعتمادها أداة مهمة لتحقيق العدالة وتقليل التشكيك في قرارات الحكام، فهذه التقنية توفر دليلا مرئيا حاسما يسهل على الحكام اتخاذ قرارات دقيقة، وخصوصا في اللحظات السريعة والمعقدة، وعلى الرغم من تقدم تقنية «عين الصقر»، فإنني أفضل الفيديو لما يتيحه من تحليل مباشر، بخلاف ما يحدث أحيانا في التنس، رغم استخدام التقنية.
5. كيف كانت أول تجربة لك مع تقنية الجلنج؟ وهل واجهت صعوبات؟
كانت تجربتي الأولى بمثابة تحد كبير، ومنذ تكليفي من قبل الأمين العام فراس الحلواجي بالبحث عن التقنية المناسبة وشراء التجهيزات والبرامج، كان علينا أن نثبت جدارتنا بالثقة الممنوحة لنا، وبفضل العمل الجماعي مع فريق الجلنج، تم تجاوز العديد من التحديات، لافتا إلى أن الصعوبات كانت موجودة، لكن التعاون وتكاتف الجهود ساعدا على تذليلها بشكل كبير.
6 . ما أبرز التحديات التي تواجه الحكام عند تطبيق هذه التقنية؟
لا يمكن وصفها بالتحديات بقدر ما هي متطلبات يتوجب على الحكم فهمها جيدا، وعلى الحكم أن ينظر للتقنية كأداة مساعدة وليس خصما، ومن بين الأمور المهمة توصيل القرار بعد المراجعة، وخاصة في الحالات التي لا تقبل فيها طلبات التحدي، وهذا يستدعي من الحكم أن يكون جاهزا لتفسير قراراته بشكل واضح، ويبقى الحكم الأول هو من يملك قرار قبول أو رفض التحدي، وليس الفريق، مما يتطلب وعيا كبيرا من جميع الأطراف.
7 . هل ترى أن اللاعبين والمدربين أصبحوا يعتمدون بشكل كبير على هذه التقنية؟
في البداية، كانت هناك طلبات كثيرة على التحدي، وصلت أحيانا إلى 12 أو 16 طلبا في المباراة الواحدة، ومع مرور الوقت أصبح الاستخدام أكثر حكمة وعقلانية من قبل المدربين، إذ باتوا يختارون التوقيت المناسب للتحدي، مما يدل على نضج في التعامل مع التقنية.
8 . ما مدى تأثير الجلنج على سرعة سير المباراة وإيقاعها؟
لا يمكن قياس التأثير من خلال حالة أو حالتين فقط، بل يتطلب الأمر أدوات قياس دقيقة وموثوقة. صحيح أن تعليمات الاتحاد الدولي توصي بسرعة التنفيذ، لكن من دون الإخلال بصحة القرار، في البداية واجهنا مشاكل تقنية، وخاصة في التباين بين شاشة العرض وشاشة البرنامج، لكن الحلول التي قدمها فريق الجلنج نالت إعجاب الشركة المصنعة، وجرى اعتمادها لاحقا، ما قلل من الاحتجاجات، ومع المقارنة بالبطولات العالمية، نحن لا نختلف كثيرا عنهم في سرعة الأداء.
9 . هل هناك معايير معينة للحكم الذي يتولى مسؤولية الجلنج؟
من الضروري التمييز بين دور «حكم الجلنج» ودور «مشغل التقنية»، فلكل منهما مهام ومسؤوليات تختلف عن الآخر، مشغل التقنية يجب أن يمتلك خبرة كافية في التعامل مع البرنامج، وأن يكون قادرا على استخراج أفضل صورة للحالة المثارة بأقصى سرعة ودقة.
وحكم الجلنج من جهته يجب أن يكون ملمّا بالقانون بشكل دقيق، ويتمتع بتركيز عال طوال سير المباراة، وخاصة مع التعديل الجديد الذي يمنع الفرق من طلب التحدي أثناء التداول، وبهذا تقع عليه مسؤولية رصد كل الحالات المثيرة للجدل أثناء اللعب، وتسجيلها وتوجيه المشغل لاستخراج الحالة المناسبة بشكل واضح ودقيق.
وما يميز فريق الجلنج المكون من خمسة أفراد هو وجود حكام دوليين ضمن أعضائه وهم: علي مكي الشيخ أحمد، علي السماهيجي، والسيد جعفر حسين، الذين يجمعون بين الخبرة التحكيمية والعمل كمشغلين، مما يجعل التعاون بينهم أكثر سلاسة وتفاهما، إذ تتقارب وجهات النظر بينهم بسهولة.
أما العضو الخامس، أحمد محفوظ، فقد اكتسب خبرة ملحوظة نتيجة احتكاكه المستمر بنقاشات التحدي ومتابعته المستمرة للحالات التحكيمية، حتى أصبح يناقش الحكام الدوليين بثقة ويشاركهم في اتخاذ القرار، وهو تطور لافت يحسب له.
10 . هل خضعت لدورات تدريبية متخصصة في هذه التقنية؟ وأين؟
في البداية، لم تكن هناك دورات رسمية، بل تم إرسال خبير من الشركة لتركيب وتشغيل النظام، ومن ثم اعتمدنا على التدريب الذاتي والممارسة اليومية. لاحقا وبتوجيه من الأمين العام، شاركت مع فريق الجلنج الآسيوي خلال بعض البطولات، مما أتاح لي التعرف على برامج أخرى، كما حضرت اجتماعين مهمين مع الاتحاد الدولي، أحدهما في 2024 للمرشحين كحكام جلنج، والآخر في 2025 لحكام الجلنج الرسميين.
11 . ما أكثر الحالات المثيرة للجدل التي واجهتها أثناء تشغيل تقنية الجلنج؟
من بين العديد من الحالات، أذكر حالتين بارزتين:
الأولى، كانت في نهاية مباراة المحرق والأهلي، إذ تم إنهاء اللقاء رغم وجود طلب تحد من المحرق، وتمت إحالة القرار لفريق الجلنج بدل الحكم الأول، وهو أمر غير قانوني، لكن بتفاهم الطرفين، تم عرض الفيديو وانتهت المباراة بنقطة للأهلي.
والثانية، كانت في مباراة دار كليب والنصر، إذ طلب دار كليب احتساب خطأ عبور، لكن الفيديو أظهر خطأ لمس شبكة على النصر قبل العبور، وهو ما يعرف بالخطأ الأول، رغم احتجاج الجمهور.
12 . هل سبق أن ألغيت قرارا ميدانيا بناء على مراجعة الفيديو؟
نعم تم تعديل العديد من القرارات بناء على تقنية الفيديو، ففي الموسم الأول وحده، تم تقديم 308 طلبات، منها أكثر من 100 قرار تم تعديلها بعد المراجعة.
13 . كيف تتعامل مع ضغوط الجماهير أو اعتراضات الفرق عند اللجوء للتقنية؟
تعلمت كحكم دولي كيفية التعامل مع الضغوط، الأهم هو الاستماع للفريق أو قائده بهدوء، وتوضيح القرار بلغة بسيطة بعيدة عن التعقيد، وأحرص دائما على الحفاظ على هدوئي وابتسامتي أثناء النقاش، وفي بعض الحالات، نستعين بلاعبين أو إداريين لمشاهدة الفيديو معنا، مما يعزز ثقتهم بالفريق التحكيمي، وفي مرات لاحقة يكونون هم من يقومون بتهدئة زملائهم المعترضين.
14 . ما الفرق بين تحكيم المباريات باستخدام الجلنج وتحكيمها بدونه؟
التحكيم باستخدام التقنية يوفر راحة نفسية للحكام، ويقلل الضغط، وخصوصا في النقاط الحساسة، ولكن لا يجب أن يعتمد الحكم عليها بشكل مفرط، أما في المباريات التي لا تتوافر فيها التقنية، فالحكم الجيد قادر على إدارة المباراة بكفاءة، وخصوصا بوجود مراقبي خطوط متمرسين.
15 . كيف تقيم جاهزية البطولات المحلية لاعتماد التقنية بشكل دائم؟
كما قال الأمين العام فراس الحلواجي: «جئنا بالتقنية لتستخدم لا لتخزن» نحن نعمل لتقديم الدعم للحكام بغضّ النظر عن مستوى المباراة، وقد استخدم الاتحاد التقنية هذا الموسم في جميع نهائيات الفئات العمرية، وهو أمر نادر على مستوى العالم، إذ تقتصر التقنية في معظم البطولات على فئة الكبار فقط.
16 . هل تطمح إلى أن تكون مسؤولا رسميا عن التقنية على مستوى الاتحاد؟
نعمل كفريق واحد، لا نركز على المسميات، جميع الأفكار والمقترحات يتم رفعها من خلال الفريق مباشرة للأمين العام، الذي لم يتأخر يوما عن دعمنا، وطموحي الحقيقي هو أن تتطور اللعبة، ويستمر تطور الحكم البحريني، بغضّ النظر عن الأدوار الرسمية.
17 . ما مدى تعاونك مع زملائك الحكام أثناء المباريات التي تستخدم فيها التقنية؟
نحن نعمل كفريق واحد، كما يدل عليه المسمى الرسمي لطاقم التحكيم، حيث يساند كل فرد زملاءه من أجل إخراج المباراة بصورة تليق بسمعة الرياضة البحرينية ومكانة الحكم البحريني. فالنجاح نشترك فيه جميعا.
إن الصورة المشرفة التي ظهرت بها مباريات الموسم الماضي لم تكن لتتحقق لولا التعاون المثمر بين الجميع، بقيادة رئيس اللجنة راشد جابر، الذي عمل بصمت خلف الكواليس وكان له دور بارز في دعم الحكام ومساندتهم.
وقد تجلى هذا التعاون في رحابة صدور الحكام وتقبلهم لتغيير قراراتهم أثناء المباريات، انطلاقا من قناعتهم بأهمية التقنية ودورها كمساعد أساسي يسهم في الارتقاء بجودة الأداء التحكيمي وإخراج المباريات بأفضل صورة ممكنة.
18 . ما النصيحة التي تقدمها للجميع فيما يتعلق بالتقنيات الحديثة؟
النصيحة الأهم للحكام المحليين هي الاطلاع والمتابعة فما يعمل به اليوم في البطولات العالمية، ليس بالبعيد ان يتم استقطابه محليا مستقبلا، فالاتحاد بقيادة الشيخ علي بن محمد آل خليفة ومن معه في مجلس الإدارة والأمانة العامة يسعون بكل الطرق لأن تكون البحرين سباقة في استخدام التقنية في بطولاتها المحلية، فضلا عن أن التقنية هي عامل مساعد كبير إلا أنها بحكم الآلة خاضعة للخلل والتوقف والخطأ لوجود العنصر البشري فيها كمشغل أو مصمم، فوجودها يحقق الطمأنينة للفرق والحكام وأن يأخذ كل ذي حق حقه.
19 . برأيك، هل يمكن أن يستغني التحكيم يوما ما عن العنصر البشري كليا؟
الاستغناء الكامل عن العنصر البشري في التحكيم أمر صعب وبعيد المنال، إذ إن التقنيات الحالية قادرة على أداء مهام محددة، كتعقب مسار الكرة وتحركاتها، لكنها تظل عاجزة عن اتخاذ قرارات تحتاج إلى التقدير البشري، فهناك حالات مثل الضربتين في الإعداد، وحركات الصد، وغيرها من التفاصيل الدقيقة التي تعتمد على اجتهاد الحكم وخبرته، وقد يتغاضى عنها أحيانا أو يطلق فيها الصافرة بحسب تقدير الموقف.
20 . كلمة أخيرة توجهها لعشاق الكرة الطائرة محليا؟
إن المسؤولية الملقاة على عاتقنا كبيرة، ويجب أن يعمل كل فرد في مجاله بأمانة، وإتقان، ومثابرة. فالسمعة الطيبة التي تتمتع بها كرة الطائرة البحرينية اليوم لم تأتِ من فراغ، بل كانت ثمرة جهود وتضحيات وعطاءات رجالات مخلصين في السنوات الماضية، ومن هذا المنطلق، فإن الحفاظ على هذا الإرث الغالي وتطويره هو واجبنا جميعا.
وأخصّ بالذكر هنا الحكام والمدربين، إذ تقع على عاتقهم مسؤولية مضاعفة في تطوير قدراتهم، والارتقاء بمستوياتهم الفنية والإدارية، بما ينعكس إيجابا على جودة اللعبة ومستقبلها.
وفي الختام، أتقدم بجزيل الشكر والامتنان لجريدة «أخبار الخليج» ممثلة في الصحفي القدير علي ميرزا، على دورهم البارز والمستمر في دعم الرياضة المحلية، وحرصهم المميز على تغطية أخبار الكرة الطائرة بصورة احترافية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك