يقول تعالى: «نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين» يوسف/ 3. وهذا يشير إلى أن هناك قصصًا غير قصص القرآن، والدليل على ذلك ما أشارت إليه سورة الكهف في قوله تعالى: «نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى» الكهف/ 13.
واستخدام القرآن العظيم أسلوب القصص يؤكد أن قصص القرآن حق لأنه يتتبع آثار الناس، وما نتج عنها من طاعة ومعصية، وأما ما يقصه البشر فهو عرضة للتغيير والتبديل، وهذا من شأن البشر، لهذا وصف القصص القرآني بأنه أحسن القصص، وأن ما يقصه الإنسان في أحواله المختلفة، فهو لا يبلغ درجة الحسن فضلًا أن يرقى إلى درجة الأحسن إذًا، فالقرآن الكريم فوق أنه معجزة أنزله الله تعالى على رسوله محمد (صلى الله عليه وسلم) لإثبات نبوته فهو فوق ذلك سجل حافل بقصص الذين سبقوا، وما دار بينهم وبين أنبيائهم، وكثيرًا ما يكرر القرآن عندما يروي أو يقص هذه القصص، يقول تعالى «تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين» هود/ 49.
وحين اختلف الناس حول قصة مريم وقومها، قال الله تعالى حسمًا للخلاف: «ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك ما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون» يوسف/ 102.
اذًا، فقمة البيان ما يقصه القرآن بوحي من الله تعالى إلى رسوله محمد (صلى الله عليه وسلم).
إن القرآن الكريم أصدق سجل لتواريخ الأمم مع أنبيائهم ، وأنه الدليل القاطع على صحة ما ذكره القرآن من أحداث عظام، وإذا أرادت أمة من الأمم التأكد من صحة أخبارهم مع أنبيائهم، فعليهم أن يعرضوا هذا التاريخ على كتاب الله (القرآن الكريم)، أو فما وافق شيء من هذا التاريخ مع القرآن، فهو من بقايا الوحي الذي تنزل على موسى وعيسى (عليهما السلام)، وما خالف ما جاء به القرآن فلا حظ له من الوحي الذي أنزله الله تعالى على رسله الكرام، ولم يلحقه أي تحريف أو تبديل، وسيظل القرآن الكريم الدليل القاطع على صحة ما ذكره من أنباء الأمم، فإذا أرادت أمة من الأمم التأكد مما يزعمه الرواة من صحة أخبارهم، فعليهم أن يعرضوها على القرآن، فما وافقه كان حقًا، وما خالفه فهو باطل لا سند له تاريخيًا.
وها نحن نعرض قصة نبي الله عيسى على القرآن ليقول رأيه، أو حكمه العادل، وصحة ما ورد فيه من الأنباء، وما ادعوه عليه هو وأمه الطاهرة المطهرة، ودعونا نستمع إليه وهو يخبرنا عن أنبائهم مع أقوامهم، يقول تعالى: «وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب (116) ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدًا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد (117) إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم (118) قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتهم الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم (119)» سورة المائدة.
نعم هذا هو الحق الذي لا مراء فيه، ولا معقب عليه، وحكم الله تعالى الذي اعترف به المسيح عيسى ابن مريم أمام الأشهاد، وأيده القرآن الكريم، من هنا ندرك الحكمة الجليلة والعظيمة وراء اختيار معجزة الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) كتاب على يد نبي أمي يخبر فيه عن أنباء الأمم وأنبيائهم، وفيه من الإشارات العلمية الموحية إعجاز ما بعده إعجاز، ومن أدلة إعجازه خلوده، يقول تعالى: «إنّا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون» الحجر/ 9. ولقد صانه من الدس والتزوير، فقال سبحانه وتعالى: «.. وإنه لكتاب عزيز (41) لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد (42)» فصلت.
إذًا، فمن صالح الأمم أن تؤمن بهذا الكتاب، وتوقره وترد الشبهات عنه، وخاصة أن علماء العالم ومفكريه دافعوا عنه، واعترفوا له بالتفوق، بل أقروا له بأنه وحي من الله لم يتغير ولم يتبدل فيه حرف واحد، وها هو الحق سبحانه يؤكد أن هذا القرآن وحي أوحى به الله سبحانه إلى رسوله (صلى الله عليه وسلم)، يقول تعالى: «وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذًا لارتاب المبطلون» العنكبوت/48. وقال تعالى: «أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرا» النساء/ 82.
إذًا، فكل ما جاء في القرآن من قصص، وأنباء هي حق لا شك فيه، وهو برهان على صدق الرسول (صلى الله عليه وسلم) في بلاغه عنه الله تعالى، ولقد شهد له قومه بالصدق والأمانة، وكانوا يحكمونه فيما يشجر بينهم، كانوا ينادونه بأصدق صفتين وهما: الصدق والأمانة، حتى أنهم استأمنوه على أموالهم وثرواتهم ليلة الهجرة.
إن اعترافات المسيح عيسى ابن مريم (عليه السلام) شهادة على أن هذا الكتاب معجز في ذاته، معجز في الإشارات التي تحدث عنها القرآن لأن قوة الإسلام تنبع من ذاته، وهو ينتشر بالدفع الذاتي، وهذا هو السر في أن الإسلام لم يتأثر بتخلف المسلمين، بل هو يكسب كل يوم أرضًا جديدة، وقلوبًا جديدة، وهذا ما يدهش العالم، ويؤكد ألوهية هذا الكتاب المعجز، وتفرده عن غيره من الكتب السماوية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك