يعد طبق «فيش آند تشيبس» أحد أبرز رموز المطبخ البريطاني التقليدي، بل أكثرها ارتباطًا بالهوية الثقافية لإنجلترا. نشأ هذا الطبق من دمج بسيط بين عنصرين متواضعين: السمك المقلي والبطاطس المقلية، ليشكّلا معًا وجبة متكاملة اشتهرت بطابعها الشعبي وطعمها الفريد. واليوم أصبح هذا الطبق الذي أصبح جزءًا من المطبخ البريطاني، وتوارثته الأجيال من جيل إلى جيل حتى وصل إلى موائد العالم.
تعود جذور هذا الطبق إلى القرن السابع عشر، حيث بدأت عادة قلي السمك المغلف بالدقيق أو العجين تنتشر في إنجلترا، نتيجة لتأثر المطبخ المحلي بعادات غذائية أوروبية. ثم في أواخر القرن الثامن عشر، دخلت البطاطس المقلية من فرنسا أو بلجيكا، وكانت تُعرف آنذاك باسم pommes frites، وسرعان ما لقيت رواجًا في المدن البريطانية. أما لحظة التوحيد بين المكوّنين فجاءت على يد رواد مثل جوزيف مالين في العاصمة لندن أو جون ليس في لانكشير.
يتكون الطبق من مكونات بسيطة نسبيًا، لكنها مختارة بعناية لتعكس توازن الطعم والقوام. يستخدم في تحضيره عادة سمك القد أو الحدوق أو البولك، لما تتمتع به هذه الأنواع من قوام متماسك يناسب القلي العميق. ويغلف السمك بطبقة من العجين المصنوع من الدقيق والماء أو بمزيج من المياه الفوّارة لإضفاء قرمشة خفيفة وذهبية. أما البطاطس فتقطع إلى شرائح سميكة، وتقلى على مرحلتين: مرة أولى بدرجة حرارة منخفضة لطهيها من الداخل، ثم ترفع وتعاد للقلي على حرارة أعلى للحصول على قشرة مقرمشة ومذاق مثالي.
وعند التقديم، يزين الطبق عادةً برشة من الملح وقطرات من خل الشعير، ويقدم إلى جانبه صلصة التارتار الكريمية. وفي بعض المناطق، تضاف إليه لمسات إضافية مثل الهريسة الحارة أو الفاصوليا المهروسة، مما يمنحه نكهات متنوعة ترضي أذواقًا متعددة. ورغم احتواء الطبق على نسبة مرتفعة من الدهون والسعرات الحرارية، فإنه يعد غنيًا بالعناصر الغذائية مثل البروتين، الحديد، الألياف، والفيتامينات، مما يجعله وجبة متكاملة ومشبعة في آن واحد. لم تبقَ شهرة «فيش آند تشيبس» حكرًا على الشارع البريطاني، بل تجاوزت الحدود لتصل إلى العديد من دول الكومنولث مثل أستراليا، كندا، نيوزيلندا، والولايات المتحدة، حيث أصبح طبقًا مألوفًا ومحبوبًا. ومع الزمن، شهد الطبق تجديدات مبدعة، منها استخدام عجين الذرة أو البهارات الهندية في بعض المطاعم العصرية، لا سيما في المدن الأوروبية، وقد نالت تلك النسخ استحسان طهاة مرموقين وأصبحت جزءًا من حركة التجديد في المأكولات التقليدية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك