العدد : ١٧٢٥٩ - الثلاثاء ٢٤ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٨ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٥٩ - الثلاثاء ٢٤ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٨ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

إسرائيل وإيران وأمريكا.. ماذا جرى؟

بقلم: د. ياسر عبد العزيز {

الثلاثاء ٢٤ يونيو ٢٠٢٥ - 02:00

لم‭ ‬تكن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬أوباما‭ ‬غافلة‭ ‬عن‭ ‬الملف‭ ‬النووي‭ ‬الإيراني،‭ ‬وقد‭ ‬طورت‭ ‬ثلاثة‭ ‬سيناريوهات‭ ‬لمعالجة‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬أولها‭ ‬ينصب‭ ‬على‭ ‬رضوخ‭ ‬إيران‭ ‬عبر‭ ‬الضغط‭ ‬والتفاوض،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬موافقتها‭ ‬على‭ ‬تجميد‭ ‬مشروعها‭ ‬النووي،‭ ‬أو‭ ‬وضعه‭ ‬بالكامل‭ ‬تحت‭ ‬رقابة‭ ‬صارمة،‭ ‬تضمن‭ ‬عدم‭ ‬خروجه‭ ‬عن‭ ‬حدود‭ ‬محسوبة‭ ‬بدقة،‭ ‬لا‭ ‬تفضي‭ ‬في‭ ‬أوج‭ ‬تقدمها‭ ‬إلى‭ ‬تطوير‭ ‬سلاح‭ ‬نووي‭.‬

لكن‭ ‬واشنطن‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬قادرة‭ ‬آنذاك‭ ‬على‭ ‬تصعيد‭ ‬الضغوط‭ ‬على‭ ‬إيران،‭ ‬أو‭ ‬تقديم‭ ‬المغريات‭ ‬المناسبة‭ ‬لها،‭ ‬لقبول‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬السيناريو،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فقد‭ ‬تخلت‭ ‬عن‭ ‬فكرة‭ ‬تجميد‭ ‬المشروع‭ ‬النووي،‭ ‬كما‭ ‬تخلت‭ ‬عن‭ ‬فكرة‭ ‬وضعه‭ ‬تحت‭ ‬رقابة‭ ‬صارمة‭.‬

أما‭ ‬السيناريو‭ ‬الثاني،‭ ‬فيتعلق‭ ‬باقتناع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وحلفائها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬والعالم،‭ ‬بأن‭ ‬خيار‭ ‬الحرب‭ ‬غير‭ ‬وارد‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليها‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬الخسائر‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتمخض‭ ‬عنها،‭ ‬وبالنظر‭ ‬إلى‭ ‬التمترس‭ ‬والاستنفار‭ ‬الإيرانيين،‭ ‬والميل‭ ‬الواضح‭ ‬لدى‭ ‬قطاعات‭ ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬الإيراني‭ ‬لتطوير‭ ‬المواجهة‭.‬

واستنادا‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬المقدمات،‭ ‬فإن‭ ‬واشنطن،‭ ‬وحلفاءها‭ ‬الكبار،‭ ‬قبلوا‭ ‬بحل‭ ‬يرجئ‭ ‬تطوير‭ ‬السلاح‭ ‬النووي‭ ‬الإيراني،‭ ‬مقابل‭ ‬إعطاء‭ ‬امتيازات‭ ‬لطهران،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬وفق‭ ‬اتفاق،‭ ‬يؤمّن‭ ‬فترة‭ ‬زمنية‭ ‬يمكن‭ ‬خلالها‭ ‬بناء‭ ‬‮«‬آليات‭ ‬احتواء‮»‬،‭ ‬مشابهة‭ ‬لتلك‭ ‬التي‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬بنتها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬نووية‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬المعسكر‭ ‬الغربي‭. ‬وهو‭ ‬الحل‭ ‬الذي‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬أوباما‭ ‬ذهب‭ ‬إليه،‭ ‬وأدرك‭ ‬كثيرون‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬حلا‭.‬

أما‭ ‬السيناريو‭ ‬الثالث،‭ ‬فيستند‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬الإشكال‭ ‬عبر‭ ‬شن‭ ‬الحرب،‭ ‬بما‭ ‬يقنع‭ ‬طهران‭ ‬بأن‭ ‬محاولة‭ ‬المضي‭ ‬قدما‭ ‬في‭ ‬خططها‭ ‬المفترضة‭ ‬لتطوير‭ ‬السلاح‭ ‬النووي‭ ‬ستنطوي‭ ‬على‭ ‬تكلفة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬احتمالها،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فهي‭ ‬سترضخ‭ ‬أيضا‭ ‬لتفكيك‭ ‬مشروعها،‭ ‬وقد‭ ‬تقوم‭ ‬إسرائيل‭ ‬بهذا‭ ‬الدور،‭ ‬بينما‭ ‬تبقى‭ ‬واشنطن‭ ‬في‭ ‬الخلفية‭ ‬داعما‭ ‬ومساندا‭ ‬وظهيرا‭ ‬مدافعا‭ ‬عند‭ ‬الحاجة‭.‬

لقد‭ ‬اختار‭ ‬أوباما‭ ‬السيناريو‭ ‬الثاني،‭ ‬ووقع‭ ‬اتفاقا‭ ‬مع‭ ‬إيران،‭ ‬وهو‭ ‬الاتفاق‭ ‬الذي‭ ‬دخل‭ ‬حيز‭ ‬التنفيذ‭ ‬مطلع‭ ‬عام‭ ‬2016،‭ ‬لكنه‭ ‬أخفق‭ ‬في‭ ‬معالجة‭ ‬الملف،‭ ‬وعندما‭ ‬جاء‭ ‬ترامب،‭ ‬في‭ ‬ولايته‭ ‬الأولى،‭ ‬فإنه‭ ‬أعلن‭ ‬بوضوح‭ ‬نقضه‭ ‬لتلك‭ ‬السياسات،‭ ‬وشرع‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬سياسات‭ ‬جديدة‭.‬

لم‭ ‬يحصل‭ ‬ترامب‭ ‬على‭ ‬الوقت‭ ‬الكافي‭ ‬لحل‭ ‬الإشكال،‭ ‬ورغم‭ ‬قيامه‭ ‬في‭ ‬مايو‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2018،‭ ‬خلال‭ ‬ولايته‭ ‬الأولى،‭ ‬بإلغاء‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي‭ ‬مع‭ ‬إيران،‭ ‬وتصعيد‭ ‬العقوبات‭ ‬ضدها،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬كافيا‭ ‬لغلق‭ ‬الملف،‭ ‬أو‭ ‬إنهاء‭ ‬المشكلة؛‭ ‬إذ‭ ‬اعتبرت‭ ‬طهران‭ ‬أنها‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬يسمح‭ ‬لها‭ ‬بالمناورة،‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬الوقت،‭ ‬وتحمل‭ ‬ضغوط‭ ‬العقوبات،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬هدفها‭ ‬الذى‭ ‬يعرفه‭ ‬العالم‭ ‬وتصر‭ ‬في‭ ‬مواقفها‭ ‬المعلنة‭ ‬على‭ ‬انكاره‭.. ‬أي‭ ‬تطوير‭ ‬السلاح‭ ‬النووي‭.‬

ثم‭ ‬خسر‭ ‬ترامب‭ ‬الانتخابات‭ ‬أمام‭ ‬بايدن‭ ‬في‭ ‬2020،‭ ‬وكانت‭ ‬خطة‭ ‬بايدن‭ ‬تتلخص‭ ‬في‭ ‬ثلاثة‭ ‬أبعاد‭ ‬رئيسية‭ ‬تجاه‭ ‬إيران،‭ ‬وتضمن‭ ‬البعد‭ ‬الأول‭ ‬الالتزام‭ ‬بمنع‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬امتلاك‭ ‬سلاح‭ ‬نووي،‭ ‬بينما‭ ‬اختص‭ ‬البعد‭ ‬الثاني‭ ‬بعرض‭ ‬طريق‭ ‬واضح‭ ‬للعودة‭ ‬إلى‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬والتفاوض،‭ ‬بحيث‭ ‬يعمل‭ ‬بايدن‭ ‬مع‭ ‬حلفاء‭ ‬بلاده‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬وتوسيع‭ ‬بنود‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي‭. ‬أما‭ ‬البعد‭ ‬الثالث‭ ‬فيقضى‭ ‬بمواصلة‭ ‬العمل‭ ‬ضد‭ ‬أنشطة‭ ‬طهران‭ ‬‮«‬المزعزعة‭ ‬للاستقرار‭ ‬والتي‭ ‬تهدد‭ ‬أصدقاء‭ ‬وشركاء‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

لكن‭ ‬بايدن‭ ‬أيضا‭ ‬أخفق‭ ‬بدوره،‭ ‬وظلت‭ ‬مشكلة‭ ‬الملف‭ ‬النووي‭ ‬الإيراني‭ ‬موضوعا‭ ‬مؤرقا‭ ‬للسياسة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬كما‭ ‬ظلت‭ ‬إسرائيل‭ ‬تشكو‭ ‬وتندد‭ ‬وتحذر‭ ‬وتهدد،‭ ‬بينما‭ ‬انشغل‭ ‬الإيرانيون‭ ‬بتوسيع‭ ‬مناطق‭ ‬نفوذهم‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬وباتوا‭ ‬يسيطرون‭ ‬على‭ ‬أربع‭ ‬عواصم‭ ‬عربية،‭ ‬وتمتد‭ ‬أصابعهم‭ ‬إلى‭ ‬عواصم‭ ‬ومناطق‭ ‬أخرى‭.‬

وعندما‭ ‬عاد‭ ‬ترامب‭ ‬إلى‭ ‬سدة‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬الماضي،‭ ‬كان‭ ‬عازما‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬على‭ ‬إيجاد‭ ‬حل‭ ‬جذري‭ ‬لهذه‭ ‬المشكلة‭ ‬المُزمنة،‭ ‬وقد‭ ‬وجد‭ ‬مساعدة‭ ‬نوعية‭ ‬نادرة‭ ‬من‭ ‬حركة‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬التي‭ ‬شنت‭ ‬هجوم‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬2023،‭ ‬وهو‭ ‬الهجوم‭ ‬الذي‭ ‬مكّن‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬إعادة‭ ‬رسم‭ ‬حدود‭ ‬النفوذ‭ ‬والقوة‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬بعدما‭ ‬ضربت‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬‭ ‬اللبناني‭ ‬بقوة،‭ ‬واستفادت‭ ‬من‭ ‬تغيير‭ ‬النظام‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬وواصلت‭ ‬جرائمها‭ ‬المروعة‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬غزة‭.‬

وبينما‭ ‬كانت‭ ‬إيران‭ ‬تفقد‭ ‬أذرعها‭ ‬بوتيرة‭ ‬منتظمة،‭ ‬تلقت‭ ‬ضربات‭ ‬من‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وردت‭ ‬على‭ ‬استحياء،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يمنحها‭ ‬ترامب‭ ‬مهلة‭ ‬مدة‭ ‬60‭ ‬يوما،‭ ‬انتهت،‭ ‬لتبدأ‭ ‬إسرائيل‭ ‬شن‭ ‬هجوم‭ ‬واسع‭ ‬ضدها‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الـ‭ ‬61‭.‬

لقد‭ ‬تلقت‭ ‬إيران‭ ‬ضربة‭ ‬ساحقة،‭ ‬قتلت‭ ‬نحو‭ ‬عشرين‭ ‬من‭ ‬قادتها‭ ‬العسكريين‭ ‬وعلمائها‭ ‬النوويين،‭ ‬كما‭ ‬قوضت‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬مقدراتها‭ ‬النووية،‭ ‬وهي‭ ‬الآن‭ ‬ترد‭ ‬على‭ ‬الهجوم،‭ ‬ونحن‭ ‬نتابع‭ ‬تفاصيل‭ ‬المعركة‭.‬

والشاهد‭ ‬أن‭ ‬السيناريو‭ ‬الثالث‭ ‬تحقق؛‭ ‬أي‭ ‬ضرب‭ ‬إيران‭ ‬بهدف‭ ‬شل‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬سلاح‭ ‬نووي،‭ ‬وربما‭ ‬أيضا‭ ‬لأغراض‭ ‬أخرى‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬أعمق‭ ‬وأخطر‭.‬

لا‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬ترامب‭ ‬مثل‭ ‬سلفيه‭ ‬أوباما‭ ‬وبايدن،‭ ‬اللذين‭ ‬راهنا‭ ‬على‭ ‬الحلول‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬والضغوط‭ ‬والعقوبات،‭ ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬نتنياهو‭ ‬وجد‭ ‬أن‭ ‬ضرب‭ ‬إيران‭ ‬سينقذه‭ ‬من‭ ‬أزماته‭ ‬الداخلية‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬سلطته،‭ ‬وأن‭ ‬الوقت‭ ‬مناسب‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬الخطر‭ ‬الإيراني،‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬العواقب‭ .‬واليوم،‭ ‬تقف‭ ‬المنطقة‭ ‬مشدوهة‭ ‬أمام‭ ‬التصعيد‭ ‬الخطير،‭ ‬الذي‭ ‬سيعيد‭ ‬تشكيلها،‭ ‬بحيث‭ ‬لن‭ ‬تعود‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬قبل‭ ‬عودة‭ ‬ترامب،‭ ‬وقبل‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬‭.‬

{‭ ‬كاتب‭ ‬وباحث‭ ‬إعلامي‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا