وسط مشهد إقليمي يموج بالتحولات وتتعاظم فيه التحديات الأمنية، تواصل مملكة البحرين ترسيخ حضورها كدولة تُدار برؤية قيادية متبصرة وحكمة مؤسسية راسخة، ما يجعلها في موقع الفعل لا رد الفعل.
فالأمن الوطني لم يعد استجابة ظرفية، بل ممارسة سيادية مستدامة تنطلق من مؤسسات فاعلة وقرارات مدروسة، تقودها قيادة تدرك أن الاستعداد الاستراتيجي هو جوهر السيادة وأن صون الأوطان يبدأ من متانة البنى المؤسسية لا من مركزية القرار.
وقد تفضل سيدي حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، بعقد لقاء مع كبار المسؤولين الأمنيين والعسكريين في خطوة عكست القراءة الملكية المتقدمة للمشهد الإقليمي وعززت مسار الدولة في إدارة الأمن بمنهج تكاملي.
اللقاء، وما تبعه من اجتماعات سيادية رفيعة المستوى أكد أن أمن المواطن يُصان بعقلانية القرار ورشادة التخطيط لا بحدة الانفعال، في تأكيد واضح على جاهزية مؤسسية متكاملة تجسد الرؤية الملكية في إدارة الأمن الوطني بمنهجية استباقية وتنسيقية. وهو ما يرسخ موقع البحرين في طليعة الدول القادرة على التعامل مع المتغيرات من دون أن تمس بثوابتها أو استقرارها.
وفي هذا السياق، فإن الحوكمة في مملكة البحرين لا تختزل في النظم الإدارية أو الأطر التنظيمية بل تتجلى في نهج قيادي متكامل تتبناه القيادة العليا في الدولة وفي مقدمتها سيدي حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه، حيث لا تطرح الحوكمة كمصطلح تجريدي بل كقيمة وطنية تسكن فلسفة القرار. وتقوم هذه الرؤية على تحقيق التوازن بين ثوابت الدولة والانفتاح المسؤول، وبين العدالة والاستقرار ضمن إطار يرتكز إلى سيادة القانون وتعزيز التكامل المؤسسي وترسيخ مبادئ الحكم الرشيد.
وتعد الحوكمة الاستباقية أحد أعمدة هذا النهج .. إذ تقوم على تمكين المؤسسات من تقييم أدائها واستباق المخاطر ومعالجة الثغرات قبل أن تتحول إلى أزمات. وفي المؤسسات السيادية.. تكتسب الحوكمة بعداً خاصاً، حيث تُدار الملفات ذات الحساسية العالية ضمن أطر داخلية شفافة ومنضبطة تحافظ على الجاهزية من دون المساس بسرية المهام أو خصوصية المعلومات.
وتبرز في التجربة البحرينية ملامح نموذج مؤسسي مرن يجمع بين الرصانة والجاهزية، حيث تتكامل أدوار الجهات المعنية، الأمنية والمدنية والعسكرية، تحت إشراف القيادة العليا، من خلال منظومة وطنية متكاملة تضم المجالس العليا واللجان والهيئات المختصة. ويعكس هذا التنسيق المؤسسي بنية إدارية ناضجة تتيح اتخاذ قرارات فاعلة بسرعة من دون الإخلال بمبادئ العدالة والمساءلة.
أما داخلياً، فيتجلى البعد الإنساني في نهج سيدي جلالة الملك المعظم حفظه الله من خلال التوازن في القرارات بين الحزم والرحمة، وإرساء بيئة مؤسسية تستوعب تطلعات المواطنين وتحترم صوتهم، وهو ما يعزز التلاحم الوطني بوصفه نتاجاً لحوار مجتمعي ومؤسسات قوية، لا مجرد استقرار مؤقت تفرضه الإجراءات.
وخارجياً، تنعكس الحوكمة في السياسة المتزنة التي تنتهجها مملكة البحرين في علاقاتها الإقليمية والدولية، حيث تقوم على شراكات استراتيجية مدروسة وتحرص على تجنب الانزلاق أو الانخراط في تصعيد غير محسوب، ضمن إطار يحترم السيادة المتبادلة ويوازن بدقة بين المصالح الوطنية والاستقرار المشترك.
فالقيادة في البحرين لا تنتظر الظروف، بل تصوغ الواقع بمنطق الرؤية والتخطيط. وهذا هو لبّ الحوكمة السيادية «منظومة تُمكن الدولة من حسن توظيف مواردها، وتعزيز ثقة المواطن، وترجمة فكر القيادة إلى واقع مطمئن ومتوازن».
في هذا الإطار، تعد الحوكمة عقداً وطنياً يقوم على الثقة.. ويتفعل بالمسؤولية.. ويثمر بالاستقرار. ولا يكتمل هذا البناء من دون وعي مجتمعي أصيل يجعل من المواطن شريكاً واعياً في صون التماسك الوطني، ومصدراً للحصانة من الشائعات عبر التزامه بالمسار المؤسسي واعتماده على المعلومة الدقيقة من مصادرها الرسمية.
{ مهتمة بالحوكمة وتطوير الأداء المؤسسي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك