العدد : ١٧٣٤٣ - الثلاثاء ١٦ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٤٣ - الثلاثاء ١٦ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

مقالات

الحوكمة عقد وطني لا مجرد نهج إداري

بقلم: عبير محمد دهام {

الثلاثاء ١٧ يونيو ٢٠٢٥ - 02:00

وسط‭ ‬مشهد‭ ‬إقليمي‭ ‬يموج‭ ‬بالتحولات‭ ‬وتتعاظم‭ ‬فيه‭ ‬التحديات‭ ‬الأمنية،‭ ‬تواصل‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬ترسيخ‭ ‬حضورها‭ ‬كدولة‭ ‬تُدار‭ ‬برؤية‭ ‬قيادية‭ ‬متبصرة‭ ‬وحكمة‭ ‬مؤسسية‭ ‬راسخة،‭ ‬ما‭ ‬يجعلها‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬الفعل‭ ‬لا‭ ‬رد‭ ‬الفعل‭.‬

فالأمن‭ ‬الوطني‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬استجابة‭ ‬ظرفية،‭ ‬بل‭ ‬ممارسة‭ ‬سيادية‭ ‬مستدامة‭ ‬تنطلق‭ ‬من‭ ‬مؤسسات‭ ‬فاعلة‭ ‬وقرارات‭ ‬مدروسة،‭ ‬تقودها‭ ‬قيادة‭ ‬تدرك‭ ‬أن‭ ‬الاستعداد‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬هو‭ ‬جوهر‭ ‬السيادة‭ ‬وأن‭ ‬صون‭ ‬الأوطان‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬متانة‭ ‬البنى‭ ‬المؤسسية‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬مركزية‭ ‬القرار‭.‬

وقد‭ ‬تفضل‭ ‬سيدي‭ ‬حضرة‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬ملك‭ ‬البلاد‭ ‬المعظم‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه،‭ ‬بعقد‭ ‬لقاء‭ ‬مع‭ ‬كبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬الأمنيين‭ ‬والعسكريين‭ ‬في‭ ‬خطوة‭ ‬عكست‭ ‬القراءة‭ ‬الملكية‭ ‬المتقدمة‭ ‬للمشهد‭ ‬الإقليمي‭ ‬وعززت‭ ‬مسار‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬الأمن‭ ‬بمنهج‭ ‬تكاملي‭.‬

اللقاء،‭ ‬وما‭ ‬تبعه‭ ‬من‭ ‬اجتماعات‭ ‬سيادية‭ ‬رفيعة‭ ‬المستوى‭ ‬أكد‭ ‬أن‭ ‬أمن‭ ‬المواطن‭ ‬يُصان‭ ‬بعقلانية‭ ‬القرار‭ ‬ورشادة‭ ‬التخطيط‭ ‬لا‭ ‬بحدة‭ ‬الانفعال،‭ ‬في‭ ‬تأكيد‭ ‬واضح‭ ‬على‭ ‬جاهزية‭ ‬مؤسسية‭ ‬متكاملة‭ ‬تجسد‭ ‬الرؤية‭ ‬الملكية‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬الأمن‭ ‬الوطني‭ ‬بمنهجية‭ ‬استباقية‭ ‬وتنسيقية‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يرسخ‭ ‬موقع‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬طليعة‭ ‬الدول‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬المتغيرات‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تمس‭ ‬بثوابتها‭ ‬أو‭ ‬استقرارها‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬فإن‭ ‬الحوكمة‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬لا‭ ‬تختزل‭ ‬في‭ ‬النظم‭ ‬الإدارية‭ ‬أو‭ ‬الأطر‭ ‬التنظيمية‭ ‬بل‭ ‬تتجلى‭ ‬في‭ ‬نهج‭ ‬قيادي‭ ‬متكامل‭ ‬تتبناه‭ ‬القيادة‭ ‬العليا‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬سيدي‭ ‬حضرة‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬المعظم‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬تطرح‭ ‬الحوكمة‭ ‬كمصطلح‭ ‬تجريدي‭ ‬بل‭ ‬كقيمة‭ ‬وطنية‭ ‬تسكن‭ ‬فلسفة‭ ‬القرار‭.  ‬وتقوم‭ ‬هذه‭ ‬الرؤية‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬ثوابت‭ ‬الدولة‭ ‬والانفتاح‭ ‬المسؤول،‭ ‬وبين‭ ‬العدالة‭ ‬والاستقرار‭ ‬ضمن‭ ‬إطار‭ ‬يرتكز‭ ‬إلى‭ ‬سيادة‭ ‬القانون‭ ‬وتعزيز‭ ‬التكامل‭ ‬المؤسسي‭ ‬وترسيخ‭ ‬مبادئ‭ ‬الحكم‭ ‬الرشيد‭.‬

وتعد‭ ‬الحوكمة‭ ‬الاستباقية‭ ‬أحد‭ ‬أعمدة‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭ .. ‬إذ‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬تمكين‭ ‬المؤسسات‭ ‬من‭ ‬تقييم‭ ‬أدائها‭ ‬واستباق‭ ‬المخاطر‭ ‬ومعالجة‭ ‬الثغرات‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬أزمات‭. ‬وفي‭ ‬المؤسسات‭ ‬السيادية‭.. ‬تكتسب‭ ‬الحوكمة‭ ‬بعداً‭ ‬خاصاً،‭ ‬حيث‭ ‬تُدار‭ ‬الملفات‭ ‬ذات‭ ‬الحساسية‭ ‬العالية‭ ‬ضمن‭ ‬أطر‭ ‬داخلية‭ ‬شفافة‭ ‬ومنضبطة‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬الجاهزية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬المساس‭ ‬بسرية‭ ‬المهام‭ ‬أو‭ ‬خصوصية‭ ‬المعلومات‭.‬

وتبرز‭ ‬في‭ ‬التجربة‭ ‬البحرينية‭ ‬ملامح‭ ‬نموذج‭ ‬مؤسسي‭ ‬مرن‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬الرصانة‭ ‬والجاهزية،‭ ‬حيث‭ ‬تتكامل‭ ‬أدوار‭ ‬الجهات‭ ‬المعنية،‭ ‬الأمنية‭ ‬والمدنية‭ ‬والعسكرية،‭ ‬تحت‭ ‬إشراف‭ ‬القيادة‭ ‬العليا،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬منظومة‭ ‬وطنية‭ ‬متكاملة‭ ‬تضم‭ ‬المجالس‭ ‬العليا‭ ‬واللجان‭ ‬والهيئات‭ ‬المختصة‭. ‬ويعكس‭ ‬هذا‭ ‬التنسيق‭ ‬المؤسسي‭ ‬بنية‭ ‬إدارية‭ ‬ناضجة‭ ‬تتيح‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬فاعلة‭ ‬بسرعة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الإخلال‭ ‬بمبادئ‭ ‬العدالة‭ ‬والمساءلة‭.‬

أما‭ ‬داخلياً،‭ ‬فيتجلى‭ ‬البعد‭ ‬الإنساني‭ ‬في‭ ‬نهج‭ ‬سيدي‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬المعظم‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التوازن‭ ‬في‭ ‬القرارات‭ ‬بين‭ ‬الحزم‭ ‬والرحمة،‭ ‬وإرساء‭ ‬بيئة‭ ‬مؤسسية‭ ‬تستوعب‭ ‬تطلعات‭ ‬المواطنين‭ ‬وتحترم‭ ‬صوتهم،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعزز‭ ‬التلاحم‭ ‬الوطني‭ ‬بوصفه‭ ‬نتاجاً‭ ‬لحوار‭ ‬مجتمعي‭ ‬ومؤسسات‭ ‬قوية،‭ ‬لا‭ ‬مجرد‭ ‬استقرار‭ ‬مؤقت‭ ‬تفرضه‭ ‬الإجراءات‭.‬

وخارجياً،‭ ‬تنعكس‭ ‬الحوكمة‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬المتزنة‭ ‬التي‭ ‬تنتهجها‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬علاقاتها‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية،‭ ‬حيث‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬شراكات‭ ‬استراتيجية‭ ‬مدروسة‭ ‬وتحرص‭ ‬على‭ ‬تجنب‭ ‬الانزلاق‭ ‬أو‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬تصعيد‭ ‬غير‭ ‬محسوب،‭ ‬ضمن‭ ‬إطار‭ ‬يحترم‭ ‬السيادة‭ ‬المتبادلة‭ ‬ويوازن‭ ‬بدقة‭ ‬بين‭ ‬المصالح‭ ‬الوطنية‭ ‬والاستقرار‭ ‬المشترك‭.‬

فالقيادة‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬لا‭ ‬تنتظر‭ ‬الظروف،‭ ‬بل‭ ‬تصوغ‭ ‬الواقع‭ ‬بمنطق‭ ‬الرؤية‭ ‬والتخطيط‭. ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬لبّ‭ ‬الحوكمة‭ ‬السيادية‭ ‬‮«‬منظومة‭ ‬تُمكن‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬حسن‭ ‬توظيف‭ ‬مواردها،‭ ‬وتعزيز‭ ‬ثقة‭ ‬المواطن،‭ ‬وترجمة‭ ‬فكر‭ ‬القيادة‭ ‬إلى‭ ‬واقع‭ ‬مطمئن‭ ‬ومتوازن‮»‬‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬تعد‭ ‬الحوكمة‭ ‬عقداً‭ ‬وطنياً‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬الثقة‭.. ‬ويتفعل‭ ‬بالمسؤولية‭.. ‬ويثمر‭ ‬بالاستقرار‭. ‬ولا‭ ‬يكتمل‭ ‬هذا‭ ‬البناء‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬وعي‭ ‬مجتمعي‭ ‬أصيل‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬المواطن‭ ‬شريكاً‭ ‬واعياً‭ ‬في‭ ‬صون‭ ‬التماسك‭ ‬الوطني،‭ ‬ومصدراً‭ ‬للحصانة‭ ‬من‭ ‬الشائعات‭ ‬عبر‭ ‬التزامه‭ ‬بالمسار‭ ‬المؤسسي‭ ‬واعتماده‭ ‬على‭ ‬المعلومة‭ ‬الدقيقة‭ ‬من‭ ‬مصادرها‭ ‬الرسمية‭.‬

 

{  مهتمة‭ ‬بالحوكمة‭ ‬وتطوير‭ ‬الأداء‭ ‬المؤسسي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا