السؤال عما إذا كان الذكاء الاصطناعي سيحل محل المعالجين النفسيين ليس بنعم أو لا بشكل مباشر، بل يتعلق بفهم كيف سيحول الذكاء الاصطناعي مشهد الرعاية الصحية النفسية. تجيب عنه الدكتورة شارلوت عوض كامل استشاري الطب النفسي بعد أن أصبح الذكاء الاصطناعي جزءا لا يتجزأ من حياة البعض ومن حديثهم اليومي لذا بدأت الدكتورة شارلوت حديثها معنا قائلة:
فبينما يستمر بعض المرضى في تفضيل المعالجين البشريين لقيمتهم في التواصل الإنساني، قد ينجذب آخرون إلى الأنظمة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، حيث يجدونها أكثر سهولة في الوصول ويشعرون براحة أكبر في مشاركة صراعاتهم العميقة دون الخوف من الحكم البشري.
التكلفة المنخفضة بشكل كبير للعلاج بالذكاء الاصطناعي، إلى جانب توفره الدائم والقضاء على قوائم الانتظار، من المرجح أن تسرّع هذا التحول، خاصة مع إدراك شركات التأمين لإمكانية تحسين النتائج وتقليل التكاليف. من المرجح أن يتطور مجال الرعاية النفسية في اتجاهات متعددة في نفس الوقت. قد تعتمد بعض العيادات نهجًا هجينًا، حيث يتولى الذكاء الاصطناعي التقييمات الأولية والدعم بين الجلسات، بينما يركز المعالجون البشريون على العمل العلاجي الأساسي.
وقد تقدم خدمات أخرى معتمدة بالكامل على الذكاء الاصطناعي، خاصةً مع تطور هذه الأنظمة لتصبح أكثر قدرة على فهم علم النفس البشري وتطوير خطط علاجية. وفي مجال الطب النفسي، قد يركز تبني الذكاء الاصطناعي في البداية على الحالات الروتينية، لكنه قد يتفوق لاحقًا على القدرات البشرية حتى في التعامل مع أكثر التحديات التشخيصية وإدارة الأدوية تعقيدًا، مما قد يؤدي إلى أن يصبح الذكاء الاصطناعي مقدم الرعاية النفسية الأساسي.
مع ذلك، فإن صعود العلاج بالذكاء الاصطناعي يثير أيضًا مخاوف جدية. أحد القضايا الحرجة هو «تسوق المعالجين» – حيث يبحث المرضى عن معالجين يؤكدون فقط وجهات نظرهم الحالية بدلًا من تقديم تدخلات علاجية صعبة لكنها ضرورية.
وهذه المشكلة، الموجودة أصلًا مع المعالجين البشريين، قد تتفاقم مع الأنظمة الذكية حيث يمكن للمرضى التنقل بسهولة بين نماذج مختلفة من الذكاء الاصطناعي حتى يجدوا النظام الذي يقول لهم ما يريدون سماعه. بالإضافة إلى ذلك، تطرح الأسئلة الأخلاقية والقانونية المعقدة حول كيفية تعامل أنظمة الذكاء الاصطناعي مع الحالات التي تشمل أفكارًا انتحارية أو متطلبات قانونية للإبلاغ الإجباري.
وعلى الرغم من أن هذه التحديات لن تمنع الذكاء الاصطناعي من إحداث ثورة في الرعاية الصحية النفسية، إلا أنه يجب التعامل معها بعناية مع تطور هذا المجال.
أهمية العامل البشري
ستستجيب روبوتات المحادثة المدعومة بالذكاء الاصطناعي كما لو كانت معالجين نفسيين إذا طُلب منها ذلك، دون أي إشراف أو تدريب أو مسؤولية كما هو الحال مع المستشارين البشريين أو حتى البرمجيات المتخصصة والمختبرة.
هذه الاستعدادات للتفاعل في مواضيع معقدة دون خبرة تعد من نقاط الضعف الأساسية في نماذج اللغة الكبيرة وطبيعة واجهة المحادثة: فهي تعطي انطباعًا بالفهم والكفاءة من خلال الطلاقة السطحية والحماس في الرد، والتي تم ضبطها من خلال التعلم المعزز واستجابات البشر. وقد شهدنا بالفعل تفاعلات غير آمنة مع أشخاص في أزمات من خلال روبوتات محادثة تركز على العلاقات، ومن المرجح أن تزداد هذه الحالات مع تزايد استخدامها.
سهولة الوصول والتكلفة المنخفضة بشكل جذري قد تدفع المؤسسات إلى تمويل روبوتات المحادثة بدلاً من القيام بالتغييرات المنهجية طويلة الأمد المطلوبة لتوفير معالجين بشريين مؤهلين ومسؤولين وملتزمين أخلاقيًّا. من المرجح أن يؤثر هذا بشكل خاص في الشباب والفئات الضعيفة في المجتمع ممن لا يملكون الموارد المالية أو القدرة على الدفاع عن أنفسهم.
الإنسان سيبقى أساسيًّا
الحقيقة هي أن البشر سيظلون أفضل المعالجين النفسيين للبشر في المستقبل المنظور، على الرغم من أن أدوات الفرز التي تشبه روبوتات المحادثة ستظل توفر وصولًا مبدئيًا إلى المستشارين الحقيقيين. من المحتمل أن تؤدي الزيادة في المعلومات الخاطئة والمضللة، والتي يسرّعها الذكاء الاصطناعي، إلى زيادة الحاجة إلى الإرشاد النفسي أكثر من أي وقت مضى.
وكالعادة، ستستجيب الأنظمة العامة والخاصة بطرق مختلفة، ولكن ليس قبل حدوث العديد من العواقب السلبية.
الذكاء الاصطناعي لن يحل محل المعالجين. خلال العقود الماضية، كانت هناك العديد من كتب المساعدة الذاتية الممتازة، وأقراص CD-ROM، والمواقع الإلكترونية، والتطبيقات. لكنها لم تحل محل المعالجين. يمكن للذكاء الاصطناعي أن يقدم العديد من الأشياء الرائعة، لكن الناس يريدون التواصل مع أشخاص آخرين للعلاج النفسي. ومع ذلك، سيكون للذكاء الاصطناعي دور في تعزيز فاعلية العلاج. «من المخاطر أن نرى موجة أولى من الأشخاص الذين ليس لديهم تدريب أو تراخيص يدّعون أنهم معالجون نفسيون ويقدمون علاجًا باستخدام الذكاء الاصطناعي. استخدام الذكاء الاصطناعي لا يعني أن أي شخص يمكنه أن يكون معالجًا، تمامًا كما أن استخدام جهاز محاكاة الطيران لا يعني أن أي شخص يمكنه أن يكون طيارًا. من الجيد دائمًا أن تسأل أي معالج عن مؤهلاته وخبرته وتدريبه – واليوم أصبح ذلك أكثر أهمية من أي وقت مضى».
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك