يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره
الحسابات الإيرانية القاتلة
البحرين والدول العربية وأغلب دول العالم أدانت الهجوم الإسرائيلي الواسع على إيران. فقط بعض الدول الغربية رددت المقولة المستفزة أن «من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها».
الإدانات العالمية للهجوم أمر طبيعي. هذا عدوان إسرائيلي سافر على سيادة واستقلال إيران، وخرق فاضح للقانون الدولي. لا يمكن أبدا تبرير هذا العدوان تحت أي ذريعة أيًّا كانت.
ومع الإدانة لهذا العدوان، لا بد أن نقر بأنه في جانب أساسي منه بكل الدمار الذي ألحقه بإيران، نتاج لحسابات إيرانية خاطئة، بل قاتلة.
الخطط الإسرائيلية لشن هجوم كبير على إيران وتدمير مقدراتها معروفة ومعلنة منذ سنوات، لكن الذي حدث أنه حين أتى ترامب إلى السلطة في أمريكا أتيحت لإيران فرصة التوصل إلى اتفاق حول برنامجها النووي كان من الممكن أن يجنبها هذا الهجوم. وترامب كان جادا بالفعل وحريصا على التوصل إلى هذا الاتفاق إن لم يكن لشيء، فعلى الأقل كي يظهر في صورة صانع السلام الذي حقق إنجازا كبيرا. ومنذ البداية حدد ترامب مدة شهرين للتوصل إلى الاتفاق.
الذي حدث أن إيران أضاعت هذه الفرصة، واتخذت موقفا متشددا فيما يتعلق بموضوع تخصيب اليورانيوم بالذات الذي اعتبره ترامب المعيار الأساسي لضمان سلمية البرنامج النووي الإيراني، وماطلت في تقديم ضمانات بأنها لا تسعى فعلا لامتلاك السلاح النووي.
إيران اتخذت هذا الموقف بناء على حسابات محددة. بنت حساباتها على أساس أنه طالما أن هناك مفاوضات مع أمريكا فلا يمكن أن تفكر الإدارة الأمريكية في شن أي هجوم عسكري على الرغم من أن ترامب أكد مرارا أنه على إيران أن تختار بين الاتفاق وبين هذا الهجوم. كما بنت حسابتها على قناعة بأن ترامب سوف يمارس ضغوطا على إسرائيل كي لا تقوم بدورها بشن أي هجوم، وأن إسرائيل لا يمكن أن تقدم على خطوة كهذه من دون موافقة أمريكا.
وفي الأيام القليلة التي سبقت العدوان الإسرائيلي، اتخذت إيران موقفا تصعيديا غريبا ربما في إطار هذه الحسابات.
مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية أصدر قرارا يتهم إيران بعدم الامتثال لالتزاماتها بالضمانات النووية، وأن الوكالة لا تستطيع التأكد من مدنية البرنامج الإيراني.
بدلا من أن تقدم إيران رسالة تطمين أو استعداد للتعاون، شنت هجوما عنيفا على الوكالة واعتبرت أنها أداة سياسية. ولم تكتف بهذا، بل أعلنت أنها ستزيد نسبة التخصيب وسوف تقوم بتشغيل مركز جديد لتخصيب اليورانيوم.
من الغريب جدا أن تكون هذه هي حسابات إيران. أسباب كثيرة لذلك في مقدمتها ما يلي:
1 - أنه من المعروف منذ البداية ومنذ انطلقت المفاوضات الأمريكية الإيرانية أن إسرائيل لم تكن راضية أبدا عن هذه المفاوضات وتريد وقفها أو إفشالها بأي شكل، وأنها أعدت خططا لذلك وسوف تنفذها في أول فرصة، ولديها في الوقت نفسه خطط لضرب إيران. كل هذا كان معلنا ومعروفا.
2 - أنه من البديهيات الاستراتيجية المعروفة أن أمريكا التزامها الأول والأخير هو مع إسرائيل. بغض النظر عن التصريحات العلنية لترامب أو غيره، والتي قد يفسرها البعض بأنها تعكس خلافا مع إسرائيل، فإن تبني الموقف الإسرائيلي والدفاع عنه والدعم الاستراتيجي لإسرائيل من أكبر ثوابت السياسة الأمريكية، وخصوصا في أوقات الأزمات أو الحروب.
3 - أن إيران نفسها أصبحت في حالة ضعف بعد الضربات القاسية التي تلقتها القوى والجماعات التابعة لها في المنطقة والتي أصبحت تحاول أن تنأى بنفسها عن إيران ومواقفها بقدر الإمكان. هذا ناهيك عن الأوضاع الداخلية المتدهورة في إيران.
إيران تجاهلت هذه الاعتبارات. وبنت حساباتها على تقديرات خاطئة.
وبسبب هذه الحسابات الخاطئة، من الواضح أن النظام استخف باحتمالات العدوان الإسرائيلي، ولم يستعد لها الاستعداد الواجب.
نتائج هذه الحسابات الخاطئة كانت قاتلة على نحو ما نتابع. الشعب الإيراني هو الذي يدفع الثمن. دمار واسع لمقدرات إيران وإمكانياتها.. عشرات العلماء والكفاءات الوطنية والقادة تم اغتيالهم.. وهكذا.
تقارير تتحدث عن أن مسؤولين إيرانيين أعربوا عن عزمهم العودة إلى المفاوضات مع أمريكا بعد انتهاء الرد على إسرائيل.
إذا حدث هذا، فسوف تعود إيران وهي في موقف أكثر ضعفا، وستضطر إلى قبول شروط لم تفكر في قبولها من قبل.
إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك