العدد : ١٧٢٥٢ - الثلاثاء ١٧ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢١ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٥٢ - الثلاثاء ١٧ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢١ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

الحسابات الإيرانية القاتلة

البحرين‭ ‬والدول‭ ‬العربية‭ ‬وأغلب‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬أدانت‭ ‬الهجوم‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الواسع‭ ‬على‭ ‬إيران‭. ‬فقط‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬رددت‭ ‬المقولة‭ ‬المستفزة‭ ‬أن‭ ‬‮«‬من‭ ‬حق‭ ‬إسرائيل‭ ‬أن‭ ‬تدافع‭ ‬عن‭ ‬نفسها‮»‬‭.‬

الإدانات‭ ‬العالمية‭ ‬للهجوم‭ ‬أمر‭ ‬طبيعي‭. ‬هذا‭ ‬عدوان‭ ‬إسرائيلي‭ ‬سافر‭ ‬على‭ ‬سيادة‭ ‬واستقلال‭ ‬إيران،‭ ‬وخرق‭ ‬فاضح‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي‭. ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أبدا‭ ‬تبرير‭ ‬هذا‭ ‬العدوان‭ ‬تحت‭ ‬أي‭ ‬ذريعة‭ ‬أيًّا‭ ‬كانت‭.‬

ومع‭ ‬الإدانة‭ ‬لهذا‭ ‬العدوان،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬نقر‭ ‬بأنه‭ ‬في‭ ‬جانب‭ ‬أساسي‭ ‬منه‭ ‬بكل‭ ‬الدمار‭ ‬الذي‭ ‬ألحقه‭ ‬بإيران،‭ ‬نتاج‭ ‬لحسابات‭ ‬إيرانية‭ ‬خاطئة،‭ ‬بل‭ ‬قاتلة‭.‬

الخطط‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬لشن‭ ‬هجوم‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬إيران‭ ‬وتدمير‭ ‬مقدراتها‭ ‬معروفة‭ ‬ومعلنة‭ ‬منذ‭ ‬سنوات،‭ ‬لكن‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬أنه‭ ‬حين‭ ‬أتى‭ ‬ترامب‭ ‬إلى‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬أتيحت‭ ‬لإيران‭ ‬فرصة‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬حول‭ ‬برنامجها‭ ‬النووي‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬يجنبها‭ ‬هذا‭ ‬الهجوم‭. ‬وترامب‭ ‬كان‭ ‬جادا‭ ‬بالفعل‭ ‬وحريصا‭ ‬على‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الاتفاق‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لشيء،‭ ‬فعلى‭ ‬الأقل‭ ‬كي‭ ‬يظهر‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬صانع‭ ‬السلام‭ ‬الذي‭ ‬حقق‭ ‬إنجازا‭ ‬كبيرا‭. ‬ومنذ‭ ‬البداية‭ ‬حدد‭ ‬ترامب‭ ‬مدة‭ ‬شهرين‭ ‬للتوصل‭ ‬إلى‭ ‬الاتفاق‭.‬

الذي‭ ‬حدث‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬أضاعت‭ ‬هذه‭ ‬الفرصة،‭ ‬واتخذت‭ ‬موقفا‭ ‬متشددا‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بموضوع‭ ‬تخصيب‭ ‬اليورانيوم‭ ‬بالذات‭ ‬الذي‭ ‬اعتبره‭ ‬ترامب‭ ‬المعيار‭ ‬الأساسي‭ ‬لضمان‭ ‬سلمية‭ ‬البرنامج‭ ‬النووي‭ ‬الإيراني،‭ ‬وماطلت‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬ضمانات‭ ‬بأنها‭ ‬لا‭ ‬تسعى‭ ‬فعلا‭ ‬لامتلاك‭ ‬السلاح‭ ‬النووي‭.‬

إيران‭ ‬اتخذت‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬حسابات‭ ‬محددة‭. ‬بنت‭ ‬حساباتها‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬أنه‭ ‬طالما‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬مفاوضات‭ ‬مع‭ ‬أمريكا‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تفكر‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬شن‭ ‬أي‭ ‬هجوم‭ ‬عسكري‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬ترامب‭ ‬أكد‭ ‬مرارا‭ ‬أنه‭ ‬على‭ ‬إيران‭ ‬أن‭ ‬تختار‭ ‬بين‭ ‬الاتفاق‭ ‬وبين‭ ‬هذا‭ ‬الهجوم‭. ‬كما‭ ‬بنت‭ ‬حسابتها‭ ‬على‭ ‬قناعة‭ ‬بأن‭ ‬ترامب‭ ‬سوف‭ ‬يمارس‭ ‬ضغوطا‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬تقوم‭ ‬بدورها‭ ‬بشن‭ ‬أي‭ ‬هجوم،‭ ‬وأن‭ ‬إسرائيل‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تقدم‭ ‬على‭ ‬خطوة‭ ‬كهذه‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬موافقة‭ ‬أمريكا‭.‬

وفي‭ ‬الأيام‭ ‬القليلة‭ ‬التي‭ ‬سبقت‭ ‬العدوان‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬اتخذت‭ ‬إيران‭ ‬موقفا‭ ‬تصعيديا‭ ‬غريبا‭ ‬ربما‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬هذه‭ ‬الحسابات‭.‬

مجلس‭ ‬محافظي‭ ‬الوكالة‭ ‬الدولية‭ ‬للطاقة‭ ‬الذرية‭ ‬أصدر‭ ‬قرارا‭ ‬يتهم‭ ‬إيران‭ ‬بعدم‭ ‬الامتثال‭ ‬لالتزاماتها‭ ‬بالضمانات‭ ‬النووية،‭ ‬وأن‭ ‬الوكالة‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬التأكد‭ ‬من‭ ‬مدنية‭ ‬البرنامج‭ ‬الإيراني‭.‬

بدلا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تقدم‭ ‬إيران‭ ‬رسالة‭ ‬تطمين‭ ‬أو‭ ‬استعداد‭ ‬للتعاون،‭ ‬شنت‭ ‬هجوما‭ ‬عنيفا‭ ‬على‭ ‬الوكالة‭ ‬واعتبرت‭ ‬أنها‭ ‬أداة‭ ‬سياسية‭. ‬ولم‭ ‬تكتف‭ ‬بهذا،‭ ‬بل‭ ‬أعلنت‭ ‬أنها‭ ‬ستزيد‭ ‬نسبة‭ ‬التخصيب‭ ‬وسوف‭ ‬تقوم‭ ‬بتشغيل‭ ‬مركز‭ ‬جديد‭ ‬لتخصيب‭ ‬اليورانيوم‭.‬

من‭ ‬الغريب‭ ‬جدا‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬حسابات‭ ‬إيران‭. ‬أسباب‭ ‬كثيرة‭ ‬لذلك‭ ‬في‭ ‬مقدمتها‭ ‬ما‭ ‬يلي‭:‬

1‭ - ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المعروف‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬ومنذ‭ ‬انطلقت‭ ‬المفاوضات‭ ‬الأمريكية‭ ‬الإيرانية‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬راضية‭ ‬أبدا‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬المفاوضات‭ ‬وتريد‭ ‬وقفها‭ ‬أو‭ ‬إفشالها‭ ‬بأي‭ ‬شكل،‭ ‬وأنها‭ ‬أعدت‭ ‬خططا‭ ‬لذلك‭ ‬وسوف‭ ‬تنفذها‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬فرصة،‭ ‬ولديها‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬خطط‭ ‬لضرب‭ ‬إيران‭. ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬كان‭ ‬معلنا‭ ‬ومعروفا‭.‬

2‭ - ‬أنه‭ ‬من‭ ‬البديهيات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬المعروفة‭ ‬أن‭ ‬أمريكا‭ ‬التزامها‭ ‬الأول‭ ‬والأخير‭ ‬هو‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭. ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬التصريحات‭ ‬العلنية‭ ‬لترامب‭ ‬أو‭ ‬غيره،‭ ‬والتي‭ ‬قد‭ ‬يفسرها‭ ‬البعض‭ ‬بأنها‭ ‬تعكس‭ ‬خلافا‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل،‭ ‬فإن‭ ‬تبني‭ ‬الموقف‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬والدفاع‭ ‬عنه‭ ‬والدعم‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬لإسرائيل‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬ثوابت‭ ‬السياسة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وخصوصا‭ ‬في‭ ‬أوقات‭ ‬الأزمات‭ ‬أو‭ ‬الحروب‭.‬

3‭ - ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬نفسها‭ ‬أصبحت‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬ضعف‭ ‬بعد‭ ‬الضربات‭ ‬القاسية‭ ‬التي‭ ‬تلقتها‭ ‬القوى‭ ‬والجماعات‭ ‬التابعة‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬والتي‭ ‬أصبحت‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬تنأى‭ ‬بنفسها‭ ‬عن‭ ‬إيران‭ ‬ومواقفها‭ ‬بقدر‭ ‬الإمكان‭. ‬هذا‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬الأوضاع‭ ‬الداخلية‭ ‬المتدهورة‭ ‬في‭ ‬إيران‭.‬

إيران‭ ‬تجاهلت‭ ‬هذه‭ ‬الاعتبارات‭. ‬وبنت‭ ‬حساباتها‭ ‬على‭ ‬تقديرات‭ ‬خاطئة‭.‬

وبسبب‭ ‬هذه‭ ‬الحسابات‭ ‬الخاطئة،‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬استخف‭ ‬باحتمالات‭ ‬العدوان‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬ولم‭ ‬يستعد‭ ‬لها‭ ‬الاستعداد‭ ‬الواجب‭.‬

نتائج‭ ‬هذه‭ ‬الحسابات‭ ‬الخاطئة‭ ‬كانت‭ ‬قاتلة‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ ‬نتابع‭. ‬الشعب‭ ‬الإيراني‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يدفع‭ ‬الثمن‭. ‬دمار‭ ‬واسع‭ ‬لمقدرات‭ ‬إيران‭ ‬وإمكانياتها‭.. ‬عشرات‭ ‬العلماء‭ ‬والكفاءات‭ ‬الوطنية‭ ‬والقادة‭ ‬تم‭ ‬اغتيالهم‭.. ‬وهكذا‭.‬

تقارير‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬مسؤولين‭ ‬إيرانيين‭ ‬أعربوا‭ ‬عن‭ ‬عزمهم‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬المفاوضات‭ ‬مع‭ ‬أمريكا‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭.‬

إذا‭ ‬حدث‭ ‬هذا،‭ ‬فسوف‭ ‬تعود‭ ‬إيران‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬موقف‭ ‬أكثر‭ ‬ضعفا،‭ ‬وستضطر‭ ‬إلى‭ ‬قبول‭ ‬شروط‭ ‬لم‭ ‬تفكر‭ ‬في‭ ‬قبولها‭ ‬من‭ ‬قبل‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا