نستعيد مع الأستاذ محمد جاسم حمادة الرئيس الأسبق للاتحادين البحريني والعربي للكرة الطائرة صفحات مضيئة من تاريخ الكرة الطائرة البحرينية، إذ كان لفريق الأمل دور مفصلي في تكوين جيل جديد من اللاعبين، ورفد المنتخب الوطني بعناصر واعدة قد أثبتت وجودها، وتبقى مثل هذه اللقاءات شاهدة على تاريخ يصنع بالعزيمة، وتحمل في طياتها رسائل للأجيال المقبلة حول أهمية التخطيط والرؤية في بناء الإنجاز الرياضي، فكل الشكر للأستاذ مبارك المغربي ومجلسه الذي أتاح لنا الفرصة من أوسع أبوابها للقاء الأب محمد جاسم حمادة كي نستذكر معا من خلاله «منتخب الأمل».
{ في البداية، حدثنا عن الظروف التي دفعت الاتحاد في تلك الفترة إلى تأسيس فريق الأمل، وما الأهداف التي كنتم تسعون إلى تحقيقها من خلاله؟
- عند تأسيس الاتحاد، وضعنا خطتين أساسيتين: الأولى إدارية، والثانية فنية، وضمن الخطة الثانية، بدأنا بالتفكير في تطوير الأندية والمنتخب الوطني، فقمنا بتشكيل منتخب من أفضل اللاعبين المتاحين في تلك الفترة، وكان أسلوب اللعب حينها تقليديا، إذ يلتزم كل لاعب بمكانه دون مرونة أو تحديث في الأسلوب.
وتابع: بدأنا بالمشاركة في البطولات العربية، ولكن النتائج جاءت مخيبة للآمال، ثم استضفنا بطولة آسيا في البحرين، وجاء منتخبنا في المركز الأخير، وهو ما شكل نقطة تحول في طريقة تفكيرنا، وبدأنا البحث الجاد عن حلول.
في البداية، لم تكن الإمكانات والوقت في صالحنا، لكننا قررنا إعادة النظر في وضع الدوري، الأندية، واللاعبين، ومن أهم القرارات التي اتخذناها آنذاك، منع أي لاعب للكرة الطائرة من المشاركة في أي لعبة جماعية أخرى، لضمان تركيزه الكامل على اللعبة.
وأضاف: المرحلة الحاسمة جاءت عندما شاركنا في البطولة العربية الأفريقية في الكويت، ورغم أنني كنت من المعارضين للمشاركة بسبب تدني مستوى الفريق، أصرت إدارة المنتخب واللاعبون على خوض البطولة، فوضعت شرطا واضحا: تحقيق نتيجة إيجابية، وإلا فسيتم حل الفريق بالكامل، من جهاز فني وإداري ولاعبين، وللأسف، خرج الفريق من البطولة دون تحقيق أي نتيجة تذكر، وخلال رحلة العودة على متن الطائرة، وبموافقة مجلس الإدارة، اتخذنا القرار الصعب: حل الفريق وتجميد المشاركات الخارجية مؤقتا، للتركيز على بناء منتخب جديد يليق بسمعة البحرين ويحقق تطلعاتنا.
{ يقال إن فكرة الفريق كانت استثنائية في وقتها، من كان صاحب المبادرة الأساسية لإنشاء فريق الأمل؟
- طرحت على مجلس الإدارة مقترحا بتشكيل منتخب وطني لفئة الصغار يحمل اسم «فريق الأمل»، ليكون نواة المستقبل وأساس تطوير اللعبة في المملكة، وقد حظي المقترح بموافقة المجلس، وشرعنا بعدها في تشكيل المنتخب بالتعاون مع المدرب الكوري، وقمنا بزيارات ميدانية لعدد من المدارس لاكتشاف المواهب واختيار العناصر المناسبة، وبفضل الله، وبالتعاون المثمر مع الأندية الوطنية التي بادرت بدورها إلى تشكيل فرق للصغار، بدأ المشروع في تحقيق أهدافه الأولى بخطى ثابتة.
{ كيف تم انتقاء اللاعبين الذين مثلوا هذا الفريق؟ وما المعايير التي اعتمدتم عليها؟
- قمنا بإنشاء مركزين لتدريب فئة الصغار، أحدهما في المحرق والآخر في مدينة عيسى، وذلك ضمن استراتيجية تهدف إلى بناء قاعدة قوية لمستقبل الكرة الطائرة، وبتنسيق مع الأمانة العامة للمجلس الأعلى للشباب والرياضة، تم استقدام مدربين من كوريا الجنوبية لدعم المنتخبات الوطنية والأندية بخبراتهم، وتم تنظيم مسابقة إلزامية للفئة العمرية الصغيرة، وقد تشكل فريق عمل برئاسة مدرب المنتخب الوطني، وبمشاركة نخبة من مدربي الأندية، وذلك لاختيار أفضل العناصر الواعدة، وستعطى الأولوية في الاختيار للاعبين ذوي القامة الطويلة، بما يتماشى مع متطلبات اللعبة والمستقبل الرياضي.
{ ما أبرز التحديات التي واجهتكم أثناء تأسيس الفريق وتسييره في سنواته الأولى؟
- من أبرز العقبات التي واجهتنا في البداية كانت ندرة الملاعب في الأندية، إلا أن المؤسسة ساعدتنا مشكورة في تجاوز هذه العقبة من خلال إنشاء الصالة الرياضية في أم الحصم، وقد جرى تنظيم استخدام الصالة إذ توزعت أيام الأسبوع بين تدريبات الكرة الطائرة وكرة السلة، وبتعاون مثمر مع الأندية، ومن خلال اللقاءات المتكررة مع أولياء أمور اللاعبين، تم إعداد لائحة خاصة بالمنتخب وضعت في أولوياتها دعم اللاعبين من جميع الجوانب، سواء من حيث توفير التغذية السليمة، أو المساعدة في تحصيلهم الدراسي، عبر تقديم دروس خصوصية تسهم في نجاحهم وتفوقهم، وبفضل الله، تحقق النجاح المرجو، وتكونت أسرة واحدة متماسكة تجمع بين إدارة الاتحاد، وإدارة المنتخب، وأهالي اللاعبين، وقد كان لحضور بعض أولياء الأمور تدريبات المنتخب ومباريات الفئات العمرية أثر بالغ في تعزيز روح الانتماء والدعم.
{ هل وجدتم دعما مؤسسيا كافيا وإعلاميا لتثبيت أقدام الفريق في الساحة الرياضية؟
- لقد حظينا بدعم كبير من المجلس الأعلى للشباب والرياضة، وتمتعنا بعلاقة متميزة مع الإخوة الإعلاميين، إذ كان مقر الاتحاد يعج بالنشاط كخلية نحل، يجتمع فيه الإعلاميون وإداريو الأندية والاتحادات بروح من التعاون والعمل المشترك.
{ من هم أبرز اللاعبين الذين تخرجوا من الفريق وانضموا لاحقا للمنتخب الوطني؟
- معظم عناصر فريق الأمل واصلوا مع منتخب الشباب والمنتخب الأول.
{ هل ساهم فريق الأمل في إحداث أي نقلة نوعية في مستوى الكرة الطائرة البحرينية؟
نعم، فقد أحدث الفريق نقلة نوعية في الكرة الطائرة البحرينية، إذ ساهم في سيطرة الطائرة البحرينية على البطولات العربية والخليجية، سواء على مستوى المنتخبات أو الأندية.
{ كيف كانت العلاقة بين الفريق والأندية؟ وهل واجهتم اعتراضا أو دعما من الأطراف المختلفة؟
-علاقتنا بجميع الأندية قائمة على المحبة والاحترام، ولم يسبق أن واجهتنا أي مشكلات معهم، بل على العكس، حظينا بدعم وتعاون كبيرين من جميع الأندية.
{ ما أول بطولة شارك فيها الفريق؟ وكيف كانت انطلاقة الفريق على مستوى المنافسات الرسمية؟
- انطلقت مسيرة الفريق من البحرين، إذ نظمنا البطولة العربية الأولى لفئة الصغار وحققنا فيها المركز الثاني، وفي البطولة الثانية التي أُقيمت في الإمارات، ارتقى الفريق إلى فئة الشباب، وواصل تألقه بحصوله على المركز الثاني في السعودية، ثم توج بالبطولة في مشاركته الثانية في مصر. واستمرت إنجازات المنتخب على الصعيد العربي، محققا المركز الرابع آسيويا، والمركز الثامن عالميا.
{ هل هناك لحظة فارقة شعرت فيها بأن الفريق بلغ مرحلة من النضج أو التفوق اللافت؟
بدأ النضج الفعلي عندما شاركنا في البطولة العربية للشباب التي أُقيمت في مصر، إذ توجنا باللقب بعد فوزنا على المنتخب المصري في المباراة النهائية، وسط حضور جماهيري كبير ملأ الصالة، أعقب ذلك مشاركتنا مباشرة في بطولة الخليج الأولى في قطر مع المنتخب الأول.
{ كيف كانت العلاقة الإدارية والفنية داخل الفريق؟ وهل كان هناك انسجام في الرؤى والتوجهات؟
- علاقتنا باللاعبين كانت على شاكلة علاقة الأب بأبنائه، وقد كانوا جميعا على قدر كبير من المسؤولية، ومتمسكين باحترامهم لإدارة الاتحاد والجهازين الإداري والفني، كما تجمعهم مع بعضهم بعضا علاقة أخوية مميزة ونادرة، لم أشهد مثلها من قبل.
{ ما العوامل التي ترى أنها كانت سبباً في نجاح التجربة؟
المحبة بين اللاعبين، كان المنتخب يتحرك بروح الفريق الواحد، كان الإخلاص والتفاني من أجل مصلحة المنتخب الوطني هما الدافع الأول، ولم تكن المادة هي المحرك الأساسي، فقد كان بعض اللاعبين في السابق يضحون برواتبهم، ويأخذون إجازات دون أجر فقط من أجل شرف تمثيل بلادهم، حبا وولاء للوطن.
{ كيف تقرأ تأثير الفريق على الأجيال اللاحقة من لاعبي المنتخب الوطني؟
يتطلب من اللاعبين الحاليين التفاني في تمثيل منتخب بلدهم لأن هذا يمثل شرفا لأي لاعب يرتدي قميص بلاده.
{ هل هناك لاعب من فريق الأمل ترك أثرا خاصا في ذاكرتك؟ ولماذا؟
جميع لاعبي المنتخب والأندية لهم مكانة خاصة في قلبي، وأحمد الله أنني عشت بين هذه المجموعة الرائعة التي كان لها دور كبير في دعمي ومساعدتي على تحقيق النجاح.
{ هل كانت هناك تطلعات لم تتحقق مع الفريق؟ وإن وجدت، ما أبرزها؟
كان الطموح كبيرا، وبفضل الله تمكنا من تحقيق جزءٍ كبير من خطتنا، وذلك بفضل تعاون إخوتي أعضاء مجالس الإدارة المتعاقبة. غير أن تطلعنا الأكبر كان يتمثل في بناء فريقٍ قادر على الوصول إلى منصات التتويج في البطولات القارية والدولية.
{ كيف تقيم دور المجالس الاجتماعية، مثل مجلس مبارك المغربي، في حفظ الذاكرة الرياضية الوطنية؟
أود أولا أن أتقدم بالشكر الجزيل للأخ مبارك المغربي على جهوده الكبيرة في تنظيم اللقاءات الرياضية في مجلسه، والتي تعد خطوة مميزة تستحق الثناء، وأتمنى من أصحاب المجالس أن تحذوا حذوه، خصوصا من لهم باع في المجال الرياضي، بإقامة مثل هذه اللقاءات التي تتيح للأجيال الجديدة التعرف على ما قدمه الرواد من الرياضيين السابقين، ولا يفوتني أن أشكر الإعلاميين، وبالأخص من رافقونا في مسيرة تحقيق الإنجازات، وأوجه شكري كذلك لك عزيزي علي على اهتمامك المتواصل بالكرة الطائرة ومتابعتك لأنشطتها.
{ كلمة أخيرة تود توجيهها للدكتور فتحي المكور « تونسي» الذي لا يذكر «منتخب الأمل» إلا ويذكر اسمه؟
فتحي المكور من المدربين الأكفاء الذين عملوا معنا بإخلاص وتفان، وكان سندا حقيقيا لنا في تطوير أداء المنتخب. لا أنسى موقفا جمعني به خلال البطولة العربية للناشئين التي أُقيمت في السعودية، حين طلبت منه بذل أقصى ما لديه للفوز على المنتخب التونسي والتأهل إلى المباراة النهائية، تعاهدنا على ذلك، وصدق الوعد، فحققنا الفوز على تونس بقيادة مدربها التونسي، امتدت مسيرته معنا ثماني سنوات، أصبح خلالها واحدا منا، أحب البحرين وأحبه الجميع.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك