العدد : ١٧٢٤٨ - الجمعة ١٣ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٧ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٤٨ - الجمعة ١٣ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٧ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

الرأي الثالث

محميد المحميد

malmahmeed7@gmail.com

حتى لا تصبح حياتنا.. «الشِّيص في الغِبَّه حِلو»

من‭ ‬الأمثال‭ ‬الشعبية‭ ‬الخليجية،‭ ‬المرتبطة‭ ‬بحياة‭ ‬البحر‭ ‬وثقافة‭ ‬الزراعة‭ ‬والنخلة‭.. ((‬الشِّيص‭ ‬في‭ ‬الغِبَّه‭ ‬حِلو‭)).. ‬و«الشيص‮»‬‭ ‬هو‭ ‬نوع‭ ‬رديء‭ ‬ومر‭ ‬من‭ ‬التمر،‭ ‬و«الغبة‮»‬‭ ‬هي‭ ‬عرض‭ ‬البحر‭.. ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬المثل‭ ‬الدارج‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬أهل‭ ‬البحر،‭ ‬حينما‭ ‬يضطرون‭ ‬إلى‭ ‬أكل‭ ‬التمر‭ ‬الرديء،‭ ‬حينما‭ ‬يوشك‭ ‬الطعام‭ ‬أن‭ ‬ينفد،‭ ‬ويكاد‭ ‬البحارة‭ ‬أن‭ ‬يموتوا،‭ ‬فيلجأون‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬الشيص‮»‬‭ ‬ليأكلوه‭ ‬كي‭ ‬يعيشوا‭.‬

ويضرب‭ ‬هذا‭ ‬المثل‭ ‬عندما‭ ‬يتوافر‭ ‬شيء‭ ‬ما‭ ‬رديء،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬يعز‭ ‬معه‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الشيء‭ ‬الجيد‭.. ‬فالشيص‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يؤكل‭ ‬في‭ ‬الظروف‭ ‬الاعتيادية‭ ‬يصبح‭ ‬عزيزاً‭ ‬في‭ ‬عرض‭ ‬البحر،‭ ‬عندما‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬معك‭ ‬رطب‭ ‬أو‭ ‬تمر‭.. ((‬مجلة‭ ‬الثقافة‭ ‬الشعبية‭ ‬العدد‭ ‬60‭)).‬

في‭ ‬حياتنا‭ ‬اليومية،‭ ‬يكون‭ ‬‮«‬الشيص‮»‬‭ ‬هو‭ ‬الحل‭ ‬المتاح‭ ‬في‭ ‬موقف‭ ‬عصيب‭.. ‬وهو‭ ‬العلاج‭ ‬المر‭ ‬الذي‭ ‬يتجرعه‭ ‬المريض‭ ‬عندما‭ ‬لا‭ ‬يتوافر‭ ‬أي‭ ‬دواء‭ ‬مناسب‭.. ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يسير‭ ‬نحوه‭ ‬المضطر‭ ‬حينما‭ ‬يفقد‭ ‬كل‭ ‬الحلول‭.. ‬وبناء‭ ‬عليه‭ ‬كان‭ ‬‮«‬الشيص‮»‬‭ ‬هو‭ ‬الاستثناء،‭ ‬فيما‭ ‬‮«‬التمر‭ ‬والرطب‮»‬‭ ‬هما‭ ‬الأصل‭ ‬والأساس‭.. ‬ومع‭ ‬تحوّل‭ ‬الأمور‭ ‬وتعاقب‭ ‬الأيام،‭ ‬يحل‭ ‬الاستثناء‭ ‬مكان‭ ‬الأصل‭.‬

والغريب‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭ ‬أن‭ ‬تجد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬تلجأ‭ ‬إلى‭ ‬منهجية‭ ‬‮«‬الشيص‮»‬‭.. ‬باعتباره‭ ‬الحل‭ ‬الأوفر‭ ‬والأقل‭ ‬تكلفة،‭ ‬وأن‭ ‬العاملين‭ ‬أو‭ ‬المستهلكين‭ ‬سوف‭ ‬يقبلون‭ ‬بالعرض،‭ ‬لأنه‭ ‬أقل‭ ‬مرارة‭ ‬عن‭ ‬باقي‭ ‬العروض‭ ‬‮«‬المُرة‮»‬‭.. ‬وبالمقارنة‭ ‬يصبح‭ ‬حل‭ ‬‮«‬الشيص‮»‬‭ ‬أكثر‭ ‬حلاوة‭ ‬من‭ ‬باقي‭ ‬العروض‭.. ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬منهجية‭ ‬‮«‬الشيص‮»‬‭ ‬هذه‭ ‬تكاد‭ ‬تُفرض‭ ‬عنوة‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬الناس‭ ‬اليومية‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المجتمعات‭.‬

تابعنا‭ ‬مؤخرا‭ ‬إعلان‭ ‬شركة‭ ‬استثمارية‭ ‬وقوع‭ ‬خسائر‭ ‬مالية‭ ‬بسبب‭ ‬قيام‭ ‬بعض‭ ‬الموظفين‭ ‬بصرف‭ ‬أموال‭ ‬المودعين‭ ‬في‭ ‬أغراض‭ ‬غير‭ ‬سليمة‭.. ‬مما‭ ‬كبد‭ ‬الخسائر‭ ‬وأضاع‭ ‬أحلام‭ ‬الناس،‭ ‬الذين‭ ‬باتوا‭ ‬ينتظرون‭ ‬أي‭ ‬تحرك‭ ‬أو‭ ‬طوق‭ ‬إنقاذ‭ ‬ينتشلهم‭ ‬من‭ ‬الورطة‭ ‬التي‭ ‬وقعوا‭ ‬فيها،‭ ‬ويأملون‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬تعويضهم،‭ ‬أو‭ ‬رد‭ ‬رأس‭ ‬المال‭ ‬لهم‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬جزء‭ ‬منه‭.. ‬وكما‭ ‬نقول‭ ‬شيء‭ ‬أحسن‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬شيء‭.. ‬‮«‬والشيص‭ ‬في‭ ‬الغبة‭ ‬حلو‮»‬‭.‬

أصحاب‭ ‬العمارات‭ ‬والشقق‭ ‬السكنية،‭ ‬الذين‭ ‬سئموا‭ ‬مماطلة‭ ‬المستأجرين‭ ‬في‭ ‬سداد‭ ‬الإيجار‭ ‬الشهري،‭ ‬وفي‭ ‬تهرب‭ ‬البعض‭ ‬وهروبهم‭ ‬خارج‭ ‬البلاد،‭ ‬وفي‭ ‬طول‭ ‬الإجراءات‭ ‬القانونية‭ ‬والقضائية‭ ‬لردّ‭ ‬حق‭ ‬المؤجر‭.. ‬يتمنون‭ ‬اليوم‭ ‬خروج‭ ‬المستأجر‭ ‬سواء‭ ‬دفع‭ ‬نصف‭ ‬المبلغ‭ ‬المتراكم‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬ربعه‭.. ‬كي‭ ‬يتسنى‭ ‬لصاحب‭ ‬الملك‭ ‬أن‭ ‬يؤجر‭ ‬الشقة‭ ‬أو‭ ‬البيت‭ ‬أو‭ ‬العقار‭ ‬لمستأجر‭ ‬آخر،‭ ‬وحتى‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬تحريك‭ ‬أموره‭ ‬المتراكمة‭ ‬والتزاماته‭ ‬المتأخرة‭ ‬وخسائره‭ ‬المتكدسة‭.. ‬و«الشيص‭ ‬في‭ ‬الغبة‭ ‬حلو‮»‬‭.‬

تبقى‭ ‬مسألة‭ ‬أخيرة‭.. ‬ربما‭ ‬أصبحت‭ ‬حديث‭ ‬الشارع‭ ‬الرياضي‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ ‬اليوم،‭ ‬إثر‭ ‬خروج‭ ‬المنتخب‭ ‬الأول‭ ‬لكرة‭ ‬القدم‭ ‬من‭ ‬تصفيات‭ ‬التأهل‭ ‬لكأس‭ ‬العالم‭ ‬2026،‭ ‬وخسارة‭ ‬المنتخب‭ ‬من‭ ‬الصين‭ ‬أمس،‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬منتخبنا‭ ‬‮«‬بطل‭ ‬كأس‭ ‬الخليج‮»‬‭ ‬يحتل‭ ‬المركز‭ ‬الأخير‭ ‬في‭ ‬المجموعة‭.. ‬فبات‭ ‬وضع‭ ‬المنتخب‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬قرارات‭ ‬حاسمة‭ ‬وحازمة،‭ ‬وبقاء‭ ‬الجهاز‭ ‬الفني‭ ‬والإداري‭ ‬واستمرارهم‭ ‬في‭ ‬مناصبهم‭.. ‬أصبح‭ ‬مستحيلا‭.. ‬ولم‭ ‬نسمع‭ ‬عن‭ ‬استقالة‭ ‬أو‭ ‬إقالة‭ ‬أحد‭.. ‬بعد‭ ‬الفشل‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الحلم‭ ‬المونديالي،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬الخروج‭ ‬المشرف‭.. ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬القائمون‭ ‬على‭ ‬المنتخب‭ ‬الكروي‭ ‬يرون‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الشيص‭ ‬في‭ ‬الغبة‭ ‬حلو‮»‬‭..!!‬

إقرأ أيضا لـ"محميد المحميد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا