العدد : ١٧٣١٧ - الخميس ٢١ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٧ صفر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣١٧ - الخميس ٢١ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٧ صفر ١٤٤٧هـ

الرأي الثالث

محميد المحميد

malmahmeed7@gmail.com

«الرقية الشرعية».. والترخيص الرسمي

في‭ ‬مسلسل‭ (‬الأقدار‭) ‬الكويتي‭ ‬الشهير،‭ ‬يقوم‭ ‬‮«‬الملا‭ ‬حسن‮»‬‭ ‬بالقراءة‭ ‬والرقية‭ ‬على‭ ‬‮«‬منيرة‭ ‬الطواش‮»‬‭.. ‬ويتمتم‭ ‬بكلمات‭ ‬وعبارات‭ ‬وطلاسم‭ ‬غير‭ ‬مفهومة،‭ ‬ثم‭ ‬يطلب‭ ‬من‭ ‬أخيها‭ ‬‮«‬حمود‭ ‬الطواش‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يمثل‭ ‬دوره‭ ‬الفنان‭ ‬الراحل‭ ‬‮«‬عبدالحسين‭ ‬عبدالرضا‮»‬‭ ‬مبلغا‭ ‬من‭ ‬المال‭ ‬كي‭ ‬يأكلها‭ ‬‮«‬الفأر‮»‬‭ ‬كنوع‭ ‬من‭ ‬العلاج‭ ‬اللازم‭ ‬وإبطال‭ ‬السحر‭ ‬والمس‭.. ‬فيدرك‭ ‬عندها‭ ‬‮«‬حمود‭ ‬الطواش‮»‬‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المبلغ‭ ‬ليس‭ ‬لحيوان‭ ‬‮«‬الفأر‮»‬‭.. ‬ولكنه‭ ‬‮«‬للفأر‭ ‬العود‮»‬‭.. ‬ويشير‭ ‬بأصبعه‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬الملا‭ ‬حسن‮»‬‭!‬

مسلسل‭ (‬الأقدار‭) ‬تم‭ ‬إنتاجه‭ ‬وعرضه‭ ‬عام‭ ‬1978،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬مرور‭ (‬47‭ ‬عاما‭) ‬على‭ ‬المسلسل،‭ ‬وتنبيه‭ ‬المسلسل‭ ‬عن‭ ‬خطورة‭ ‬‮«‬المقرئ‭ ‬والراقي‭ ‬النصاب‮»‬‭.. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬وطننا‭ ‬العربي‭ ‬وبلادنا‭ ‬الخليجية‭.. ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬تصدر‭ ‬قرارات‭ ‬وقوانين‭ ‬وتشريعات،‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة،‭ ‬ووضع‭ ‬غرامات‭ ‬وعقوبات‭ ‬مشددة،‭ ‬والقيام‭ ‬بتقنين‭ ‬عملية‭ ‬الرقية‭ ‬الشرعية،‭ ‬والإلزام‭ ‬بإصدار‭ ‬ترخيص‭ ‬رسمي‭ ‬لمن‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬مزاولتها،‭ ‬حفاظا‭ ‬على‭ ‬الدين‭ ‬والأموال،‭ ‬وحماية‭ ‬للأعراض‭ ‬والمصلحة‭ ‬العامة‭.‬

بين‭ ‬فترة‭ ‬وأخرى‭.. ‬نسمع‭ ‬ونقرأ‭ ‬ونشاهد‭ ‬قصصا‭ ‬غريبة‭ ‬وعجيبة،‭ ‬قيام‭ ‬بعض‭ ‬تجار‭ ‬‮«‬الرقية‭ ‬الشرعية‮»‬‭ ‬بالنصب‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬البسطاء،‭ ‬ويتسببون‭ ‬في‭ ‬هدم‭ ‬البيوت‭ ‬وتشتيت‭ ‬الأسر،‭ ‬وإصابة‭ ‬البعض‭ ‬بالأمراض‭ ‬وحتى‭ ‬التحرش،‭ ‬ويكون‭ ‬المبرر‭ ‬هو‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬العين‭ ‬والحسد،‭ ‬والسحر‭ ‬والمس‭ ‬بالجن،‭ ‬وغيرها‭.‬

وكثيرا‭ ‬ما‭ ‬يشكو‭ ‬‮«‬الرقاة‭ ‬الشرعيون‮»‬‭ ‬من‭ ‬استغلال‭ ‬البعض‭ ‬لهذه‭ ‬المسألة،‭ ‬والمتاجرة‭ ‬بها،‭ ‬والتكسب‭ ‬من‭ ‬ورائها،‭ ‬بل‭ ‬وصرف‭ ‬أدوية‭ ‬ووصفات‭ ‬طبية‭ ‬للعلاج،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬تصريح‭ ‬طبي‭ ‬من‭ ‬الجهات‭ ‬المختصة‭.  ‬

في‭ ‬دولنا‭ ‬الخليجية‭ ‬هناك‭ ‬إلزام‭ ‬لإصدار‭ ‬ترخيص‭ ‬رسمي‭ ‬لمزاولة‭ ‬مهنة‭ ‬‮«‬المأذون‭ ‬الشرعي‮»‬،‭ ‬وترخيص‭ ‬لحلقات‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬وترخيص‭ ‬لإمام‭ ‬المسجد‭ ‬والمؤذن‭ ‬وخطيب‭ ‬الجامع‭ ‬وأصحاب‭ ‬الفتاوى‭.. ‬وحتى‭ ‬المعالج‭ ‬بالحجامة‭.. ‬فلماذا‭ ‬لا‭ ‬نرى‭ ‬ترخيصا‭ ‬رسميا‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ ‬للراقي‭ ‬الشرعي؟

الترخيص‭ ‬الرسمي‭ ‬للراقي‭ ‬الشرعي‭ ‬معمول‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬ودولة‭ ‬قطر‭ ‬والمملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬وغيرها‭.. ‬ولكننا‭ ‬هنا‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬‮«‬بعض‮»‬‭ ‬من‭ ‬أصبح‭ ‬مؤذنا‭ ‬أو‭ ‬إماما‭ ‬للمسجد،‭ ‬أو‭ ‬حافظا‭ ‬لجزء‭ ‬‮«‬عمّ‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬محاضرا‭ ‬دينيا،‭ ‬خوّل‭ ‬نفسه‭ ‬لأن‭ ‬يمارس‭ ‬‮«‬الرقية‭ ‬الشرعية‮»‬،‭ ‬وتاجرا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬ويصطاد‭ ‬الضحايا‭ ‬المساكين‭.. ‬والمشكلة‭ ‬أن‭ ‬الموضوع‭ ‬دخل‭ ‬فيه‭ ‬بعض‭ ‬السحرة‭ ‬من‭ ‬الآسيويين‭ ‬والأفارقة‭ ‬والأجانب‭! ‬وأخبار‭ ‬وقضايا‭ ‬الحوادث‭ ‬تكشف‭ ‬هذه‭ ‬المسألة‭.‬

على‭ ‬الموقع‭ ‬الإلكتروني‭ ‬الرسمي‭ ‬لوزارة‭ ‬الأوقاف‭ ‬والشؤون‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬قطر‭ ‬الشقيقة‭ ‬‮«‬مثلا‮»‬،‭ ‬توجد‭ ‬قائمة‭ ‬أسماء‭ ‬الرقاة‭ ‬الشرعيين‭ ‬المعتمدين‭ ‬في‭ ‬قطر،‭ ‬وأرقام‭ ‬هواتفهم‭ ‬ومناطق‭ ‬عملهم،‭ ‬ويتم‭ ‬نشرها‭ ‬علنا،‭ ‬وتحديثها‭ ‬بين‭ ‬فترة‭ ‬وأخرى،‭ ‬وتشترط‭ ‬الوزارة‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬تدرج‭ ‬أسماؤهم‭ ‬في‭ ‬القائمة‭ ‬المعتمدة‭ ‬للرقاة‭ ‬الشرعيين،‭ ‬حفظ‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬كاملا،‭ ‬والعلم‭ ‬بالسنة‭ ‬النبوية‭ ‬المطهرة،‭ ‬لتقديم‭ ‬الرقية‭ ‬بشكلها‭ ‬الشرعي‭ ‬الصحيح‭.. ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬العقيدة‭ ‬الصحيحة‭ ‬للناس،‭ ‬وحمايتهم‭ ‬من‭ ‬المشعوذين‭ ‬والسحرة‭ ‬والدجالين‭ ‬والعرافين‭.‬

مكافحة‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬السلبية،‭ ‬ليست‭ ‬مسؤولية‭ ‬وزارة‭ ‬الأوقاف‭ ‬والشؤون‭ ‬الإسلامية‭ ‬وحدها،‭ ‬ولا‭ ‬وزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬أو‭ ‬وزارة‭ ‬الصحة‭.. ‬ولكنها‭ ‬مسؤولية‭ ‬مجتمعية‭ ‬مشتركة‭.. ‬لأن‭ ‬الضحايا‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬يذهبون‭ ‬بأنفسهم‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬الراقي‭ ‬النصاب‮»‬‭.‬

‮«‬الملا‭ ‬حسن‮»‬‭ ‬في‭ ‬مسلسل‭ (‬الأقدار‭).. ‬انكشفت‭ ‬حكايته‭ ‬مع‭ ‬عدم‭ ‬علاج‭ ‬‮«‬منيرة‭ ‬الطواش‮»‬‭ ‬وموتها،‭ ‬وارتباط‭ ‬زوجها‭ ‬‮«‬خليفة‭ ‬الدهان‮»‬‭ ‬بامرأة‭ ‬أخرى‭.. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬حكاية‭ ‬‮«‬الراقي‭ ‬النصاب‮»‬‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬مستمرة‭ ‬في‭ ‬دولنا‭.. ‬وكأنها‭ ‬من‭ (‬الأقدار‭) ‬المتواصلة‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتنا‭.. ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تطور‭ ‬الحياة‭ ‬والطب‭ ‬والقانون،‭ ‬ووعي‭ ‬وثقافة‭ ‬الناس‭.‬

إقرأ أيضا لـ"محميد المحميد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا