العدد : ١٧٢٤٤ - الاثنين ٠٩ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٣ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٤٤ - الاثنين ٠٩ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٣ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

ما أحلى العبث مع الأطفال (2)

الهواية‭ ‬تعني‭ ‬ممارسة‭ ‬شيء‭ ‬غير‭ ‬العمل‭ ‬الرسمي‭ ‬بغرض‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬المتعة،‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يهوى‭ ‬الرسم،‭ ‬وغيره‭ ‬قد‭ ‬يهوى‭ ‬تنسيق‭ ‬الحدائق‭ ‬أو‭ ‬استخدام‭ ‬آلة‭ ‬موسيقية‭ ‬أو‭ ‬جمع‭ ‬الطوابع‭ ‬إلخ‭ (‬الهواية‭ ‬التي‭ ‬لو‭ ‬سمعت‭ ‬بها‭ ‬تسبب‭ ‬لي‭ ‬التهاب‭ ‬القولون‭ ‬والجيوب‭ ‬الأنفية‭ ‬هي‭ ‬صيد‭ ‬السمك،‭ ‬ولا‭ ‬أعرف‭ ‬كيف‭ ‬يطيق‭ ‬إنسان‭ ‬الجلوس‭ ‬على‭ ‬الشاطئ‭ ‬مدة‭ ‬غير‭ ‬محددة‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬ان‭ ‬تسوق‭ ‬الأقدار‭ ‬سمكة‭ ‬الى‭ ‬السنارة‭ ‬التي‭ ‬يمسك‭ ‬بالعود‭ ‬الذي‭ ‬تتدلى‭ ‬منه،‭ ‬وقد‭ ‬يعود‭ ‬هذا‭ ‬الهاوي‭ ‬الى‭ ‬البيت‭ ‬خاوي‭ ‬الوفاض‭ ‬مرات‭ ‬ومرات،‭ ‬ولكنه‭ ‬يعود‭ ‬الى‭ ‬الشاطئ‭ ‬ويكرر‭ ‬المحاولة‭. ‬ما‭ ‬هو‭ ‬الممتع‭ ‬في‭ ‬الجلوس‭ ‬ساعات‭ ‬مع‭ ‬التحديق‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬سمكة‭ ‬قد‭ ‬تأتي‭ ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬تأتي،‭ ‬والغاية‭ ‬من‭ ‬الجلوس‭ ‬ليست‭ ‬تجارية،‭ ‬والسمك‭ ‬متوافر‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬بمختلف‭ ‬الأشكال‭ ‬والأحجام؟‭).. ‬المهم‭ ‬ان‭ ‬المتعة‭ ‬الحقيقية‭ ‬عندي‭ ‬هي‭ ‬القراءة،‭ ‬بل‭ ‬إنني‭ ‬أضحي‭ ‬أحيانا‭ ‬بساعات‭ ‬النوم‭ ‬الضرورية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إكمال‭ ‬قراءة‭ ‬كتاب‭ ‬أو‭ ‬مقال‭. ‬ولكنني‭ ‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬ان‭ ‬أسمي‭ ‬القراءة‭ ‬هواية،‭ ‬لأنني‭ ‬أصلا‭ ‬لم‭ ‬أخرج‭ ‬بشيء‭ ‬من‭ ‬النظام‭ ‬التعليمي‭ ‬سوى‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬القراءة‭ ‬والكتابة،‭ ‬شأني‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬شأن‭ ‬بلايين‭ ‬الناس،‭ ‬ومصدر‭ ‬المتعة‭ ‬الثاني‭ ‬عندي‭ ‬هو‭ ‬مناكفة‭ ‬الأطفال،‭ ‬فالأطفال‭ ‬يحبون‭ ‬المناكفة‭ ‬لأنها‭ ‬ضرب‭ ‬من‭ ‬‮«‬العبث‭ ‬البريء‮»‬،‭ ‬ولي‭ ‬تفانين‭ ‬في‭ ‬استفزاز‭ ‬الأطفال‭ ‬واستدراجهم‭ ‬لطق‭ ‬الحنك‭ (‬الثرثرة‭) ‬أو‭ ‬اللعب،‭ ‬وعدد‭ ‬أصدقائي‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬سن‭ ‬الثانية‭ ‬والثامنة‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬عدد‭ ‬أصدقائي‭ ‬من‭ ‬الكبار‭ ‬الذين‭ ‬يفترض‭ ‬أنهم‭ ‬راشدون‭.‬

المهم‭ ‬أنني‭ ‬أعتبر‭ ‬نفسي‭ ‬‮«‬فنانا‮»‬‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الصغار،‭ ‬وأشعر‭ ‬بالاستياء‭ ‬عندما‭ ‬أكون‭ ‬ضيفا‭ ‬لدى‭ ‬صديق‭ ‬أو‭ ‬قريب‭ ‬فيأتي‭ ‬أحد‭ ‬صغاره‭ ‬فينتفض‭ ‬الضيف‭ ‬ويهش‭ ‬الصغير‭ ‬كما‭ ‬الذباب‭: ‬يللا‭ ‬يا‭ ‬شاطر‭ ‬روح‭ ‬عند‭ ‬ماما‭.. ‬اما‭ ‬إذا‭ ‬لمس‭ ‬الطفل‭ ‬الضيف‭ ‬بيد‭ ‬متسخة‭ ‬أو‭ ‬مد‭ ‬يده‭ ‬لينزع‭ ‬ساعة‭ ‬الضيف‭ ‬أو‭ ‬نظارته‭ ‬فإن‭ ‬المضيف‭ ‬ينفجر‭ ‬صائحا‭: ‬عيب‭ ‬يا‭ ‬قليل‭ ‬الأدب‭.. ‬امشي‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬يا‭ ‬كلب‭.. ‬ينسى‭ ‬صاحبي‭ ‬انه‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬ينبح‭ ‬وليس‭ ‬الطفل،‭ ‬وتحس‭ ‬في‭ ‬وجوه‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬تزورهم‭ ‬الضيق‭ ‬والألم‭ ‬لأن‭ ‬أحد‭ ‬صغارهم‭ ‬دخل‭ ‬على‭ ‬الضيف‭ ‬بملابس‭ ‬متسخة،‭ ‬أو‭ ‬وجه‭ ‬ملطخ‭ ‬بالريالة،‭ ‬وقد‭ ‬تمتد‭ ‬أيديهم‭ ‬إلى‭ ‬صغارهم‭ ‬بالضرب،‭ ‬مع‭ ‬أنهم،‭ ‬أي‭ ‬الكبار‭ ‬الأجدر‭ ‬بتلقي‭ ‬الضربات،‭ ‬لأن‭ ‬اتساخ‭ ‬جسم‭ ‬أو‭ ‬ملابس‭ ‬الصغير‭ ‬يلام‭ ‬عليه‭ ‬الكبير،‭ ‬ولأن‭ ‬البعض‭ ‬يعامل‭ ‬عياله‭ ‬كالمزهريات‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬نفض‭ ‬الغبار‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬المناسبات‭ ‬التي‭ ‬تستوجب‭ ‬استقبال‭ ‬الضيوف،‭ ‬وعندما‭ ‬يحل‭ ‬عليهم‭ ‬ضيف‭ ‬قبل‭ ‬موسم‭ ‬استحمام‭ ‬الأطفال‭ ‬يصابون‭ ‬بالتوتر،‭ ‬وهناك‭ ‬الصنف‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يلتفت‭ ‬لنظافة‭ ‬أجسام‭ ‬وملابس‭ ‬العيال‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المرتقب‭ ‬أن‭ ‬يداهم‭ ‬البيت‭ ‬بعض‭ ‬الضيوف‭.‬

كسب‭ ‬ود‭ ‬الأطفال‭ ‬أمر‭ ‬ممتع‭ ‬وسهل‭ ‬إذا‭ ‬تفاديت‭ ‬التعالي‭ ‬والتجهم‭.. ‬افترض‭ ‬ان‭ ‬طفلا‭ ‬اسمه‭ ‬سامر‭ ‬يرفض‭ ‬ان‭ ‬تداعبه‭ ‬لأنه‭ ‬عنيد‭ ‬بطبعه‭ ‬أو‭ ‬دلوع‭.. ‬بادره‭ ‬بالتحية‭: ‬أهلا‭ ‬سامي،‭ ‬سيحتج‭ ‬على‭ ‬الفور‭ ‬ويذكرك‭ ‬بأن‭ ‬اسمه‭ ‬سامر،‭ ‬فتستدرك‭ ‬وتقول‭ ‬له‭: ‬آسف‭ ‬يا‭ ‬سامح،‭ ‬سامر‭ ‬يا‭ ‬عمو‭ ‬سامر‭.. ‬ولكن‭ ‬عليك‭ ‬أن‭ ‬تواصل‭ ‬استفزازه‭: ‬سامية؟‭ ‬هذا‭ ‬اسم‭ ‬بنات،‭ ‬هنا‭ ‬سيقترب‭ ‬منك‭ ‬ليحتج‭: ‬أنت‭ ‬أطرش؟‭ ‬اسمي‭ ‬سامر،‭ ‬وتتصنع‭ ‬الأعذار‭: ‬يا‭ ‬سلام‭.. ‬فعلا‭ ‬اسمك‭ ‬جميل‭.. ‬سامط‭.. ‬بياع‭ ‬السميط‭.. ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬تنهار‭ ‬دفاعاته‭ ‬بالكامل،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يدرك‭ ‬تماما‭ ‬أنك‭ ‬مستهبل‭ ‬فينفجر‭ ‬ضاحكا‭ ‬ويقبل‭ ‬عليك‭ ‬منفرج‭ ‬الأسارير،‭ ‬سيحدث‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬واحدة‭ ‬فقط‭: ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يتدخل‭ ‬ذوو‭ ‬سامر‭ ‬لطرده‭ ‬بمجرد‭ ‬تساؤله‭ ‬عن‭ ‬كفاءة‭ ‬أنظمتك‭ ‬السمعية،‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬الطرش‭ ‬ليس‭ ‬تهمة،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬سامر‭ ‬استخدم‭ ‬الكلمة‭ ‬على‭ ‬الوجه‭ ‬الصحيح‭ ‬مقاما‭ ‬ومقالا‭. ‬وبارك‭ ‬الله‭ ‬فيه‭ ‬لأنه‭ ‬لم‭ ‬يستخدم‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬غبي‮»‬‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬تناسب‭ ‬واقع‭ ‬الحال‭ ‬ذاك‭.‬

ولكن‭ ‬حذار‭ ‬من‭ ‬الاستخفاف‭ ‬بذكاء‭ ‬الطفل‭. ‬وكان‭ ‬مدير‭ ‬الإذاعة‭ ‬السودانية‭ ‬في‭ ‬السبعينيات‭ ‬رجلا‭ ‬صارما‭ ‬ومنضبطا،‭ ‬ودخل‭ ‬عليه‭ ‬مذيع‭ ‬سجله‭ ‬الانضباطي‭ ‬غير‭ ‬مشرف،‭ ‬وفرح‭ ‬المذيع‭ ‬عندما‭ ‬وجد‭ ‬ابن‭ ‬المدير‭ ‬البالغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬نحو‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬مع‭ ‬والده‭ ‬في‭ ‬المكتب،‭ ‬فقرر‭ ‬أن‭ ‬يغزو‭ ‬قلب‭ ‬الصغير‭ ‬تمهيدا‭ ‬لغزو‭ ‬قلب‭ ‬والده‭: ‬فشرع‭ ‬يخرج‭ ‬لسانه‭ ‬ويشد‭ ‬خدوده‭ ‬المكتنزة‭ ‬ويصدر‭ ‬أصواتا‭ ‬عجيبة‭ ‬للفت‭ ‬انتباه‭ ‬الصغير،‭ ‬الذي‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬صاح‭ ‬في‭ ‬أبيه‭: ‬بابا‭.. ‬العبيط‭ ‬ده‭ ‬شغال‭ ‬هنا؟

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا