نصف مليار مراهق سيعانون من السمنة بحلول عام 2030
نشرت صحيفة التايمز البريطانية الأسبوع الماضي تقريرا مقلقا عن صحة المراهقين حول العالم، في ظل الارتفاع غير المسبوق لمعدلات السمنة وارتباط ذلك بمرض السكري والاضطرابات النفسية. ومن المتوقع أن يعاني ما يقرب من نصف مليار مراهق من السمنة بحلول عام 2030. ليدق التقرير ناقوس الخطر حول صحة أطفالنا وشبابنا في دول الخليج فلم يعد بالإمكان تجاهل الخطر القادم وعلى جميع أفراد المجتمع التصدي له.
كما أن التحرك العاجل خلال السنوات الخمس المقبلة قد يكون الحل الأمثل لتجنب أزمة صحية عامة تهدد الأجيال القادمة.
لذا انفرد وأفرد الخليج الطبي بحوار شامل يضم التخصصات ذات الصلة لنجيب عن كيف نستثمر في صحة المراهقين؟ نبدأ من جهود جمعية السكري البحرينية في مكافحة السمنة مرورا بأطباء الغدد الصماء والتغذية والنفسية وجراحة السمنة لنتعرف على أهمية التدخل الجراحي لسمنة المراهقين..
أكدت الدكتورة مريم هرمس الهاجري نائب رئيس جمعية السكري البحرينية أن السمنة تعتبر أحد العوامل التي تزيد من خطر الإصابة بداء السكري النوع الثاني لدى الأطفال والناشئة والبالغين، موضحة أن هناك تزايدا في معدلات انتشار السمنة وداء السكري على المستوى الوطني وعلى مستوى العالم لدى جميع الفئات العمرية.
وأضافت الدكتورة مريم أن السمنة أحد أهم تحديات الصحة العامة التي تستحق تسليط الضوء عليها في مملكة البحرين لما تمثله من عبء صحي واجتماعي واقتصادي يعاني منه الفرد والمجتمع والحكومة.
ونوهت إلى اهمية تكاتف الجهود، حيث ان مكافحة السمنة مسؤولية الجميع، وليس هناك حل واحد وبسيط للوقاية من السمنة ومضاعفاتها.
وردا على سؤالنا عن جهود جمعية السكري البحرينية في مكافحة وباء السمنة قالت «نحتاج إلى سياسات وطنية للتصدي لأنماط الحياة غير الصحية ووضع الاستراتيجيات على مستوى المؤسسات الحكومية والأهلية والشركات والأفراد مع تهيئة البيئات التي تدعم وتعزز أنماط الحياة الصحية كالنظم الغذائية والنشاط البدني التي تشمل مجالات تسويق الأغذية والمنتجات الغذائية. وفي تخطيط المدن إعطاء الأولويات للأماكن المعززة لممارسة النشاط البدني وتيسير مسارات مأمونة للمشي وركوب الدراجات الهوائية، وتعزيز الصحة في المدارس والجامعات وأماكن العمل».
وبما أن السمنة والسكري مرتبطان ارتباطا وثيقا، حيث إن السمنة عامل رئيسي للإصابة بداء السكري من النوع الثاني ومن هذا المنطلق حرصت جمعية السكري البحرينية، وبتوجيهات ودعم من الفريق طبيب الشيخ محمد بن عبدالله آل خليفة رئيس مجلس إدارة جمعية السكري البحرينية العمل على نشر التوعية وتعزيز أنماط الحياة الصحية التي تشمل التغذية الصحية وممارسة النشاط البدني وتعزيز ورفع كفاءة العاملين الصحيين في كيفية الوقاية من السمنة والحد من أعبائها من خلال مبادراتها المتميزة والمتعددة والتي بدأت منذ نشأة الجمعية في سنة 1989م.
- إنشاء مضامير للمشي منذ التسعينيات وتشجيع الأفراد على ممارسة الأنشطة البدنية وتنظيم ماراثونات المشي.
- الوحدة المتنقلة لتوعية أطفال المدارس حيث تم إطلاق أول وحدة متنقلة لتوعية الأطفال بالتعاون مع الجامعة الملكية الإيرلندية وروتاري المنامة في سنة 2012 تحت شعار تحرك معنا، وهذه السنة تم اصدار كتيب توعوي للأطفال تحت شعار تحرك معنا وتعلم معنا وهو عبارة عن قصة توعوية لتمكين الأطفال وأسرهم تبني أنماط الحياة الصحية للتقليل من خطر الإصابة بالسمنة وداء السكري من النوع الثاني.
- مسابقة تحدي المشي وهذه المبادرة أطلقتها جمعية السكري البحرينية منذ سنة 2019 والهدف من هذه المبادرة هو زيادة الوعي بممارسة النشاط البدني وفوائده كجزء من نمط الحياة الصحي ويلتزم المشاركون طوال 3 أشهر بالمشي مدة 30 دقيقة لخمسة أيام في الأسبوع، ويكافئ الفائزون بعد 3 أشهر تشجيعا لمشاركتهم في مسابقة تحدي المشي.
- حملات الوقاية من السمنة والسكري حيث بدأ تنفيذها في 2025 بالمحافظة الجنوبية وبتعاون مع المحافظة وشركة بابكو إنيرجيز.
- ومن أهم المبادرات التي تمت من قبل الجمعية هي أكاديمية السمنة وهو برنامج نظري وعملي من خلالها تم تدريب عدد من أطباء المراكز الصحية على أحدث العلاجات للوقاية والحد من الإصابة بالسمنة مع تطبيق الإرشادات العلمية ضمن ممارستهم اليومية، وذلك من خلال منهج علمي متكامل اشتمل على الاستشارات الصحية لتمكين الأطباء من بناء المعرفة العلمية والعملية لا سيما أن أطباء الرعاية الأولية هم خط الدفاع الأول للوقاية من السمنة ومضاعفاتها.
- تنظيم مؤتمر البحرين للسكري والسمنة تحت شعار السكري وجودة الحياة حيث ركزت الجلسات العلمية على كيفية الوقاية من السمنة ومكافحة السكري وخاصة النوع الثاني كما ركز المؤتمر على صحة المرأة وجودة الحياة من خلالها تم تأكيد أهمية ممارسة النشاط البدني لدى المرأة للحفاظ على صحتها وصحة أسرتها.
- دورات متخصصة في آخر تطورات علاج السكري من النوع الثاني والسمنة تماشيا مع مخرجات مؤتمر البحرين للسكري والسمنة وامتدادا للدورات التدريبية التي تهدف الى تأهيل الأطباء والعاملين في القطاع الصحي للتعامل مع داء السكري والسمنة وفقا لأحدث الإرشادات الدولية والتوصيات العلاجية.
- كما حرصت الجمعية على أن يضم مبناها الجديد مطبخا صحيا وجيم للرياضة للنساء والرجال ومسبح وهذا تأكيد لأهداف جمعية السكري البحرينية لتعزيز أنماط الحياة الصحية.
ومازالت الجمعية «مستمرة في أنشطتها ومبادراتها للتصدي للسمنة والسكري من خلال شراكتها المجتمعية التي تتركز في التثقيف وتوعية المجتمع بأهمية الوقاية من السمنة وتبني أنماط حياة صحية».
وأخذت أطراف الحديث بروفيسور دلال الرميحي استشاري الغدد الصماء والسكري بمستشفى عوالي عضو جمعية السكري البحرينية قائلة «السمنة بين الأطفال والمراهقين في مملكة البحرين تُعد من القضايا الصحية الملحّة، ولها انعكاسات خطيرة على الصحة العامة في المستقبل. وفقًا للمسح الصحي الوطني لعام 2018، ارتفعت معدلات زيادة الوزن بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين سنة وخمس سنوات من 2.3% في عام 2013 إلى 4.9% في عام 2018، بينما بلغت نسبة السمنة في هذه الفئة العمرية 1.3%».
وأشارت بروفيسور دلال إلى كتاب «السمنة في مملكة البحرين» الذي يوضح أن 45.5% من الفتيات و40.4% من الأولاد الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و12 عامًا يعانون من زيادة الوزن أو السمنة، مما يعكس حجم المشكلة في الفئة العمرية المدرسية. مضيفة أن الإحصاءات تشير إلى أن الفتيات في بداية سن البلوغ أكثر عرضة للاحتفاظ بالوزن الزائد مع تقدم العمر.
أسباب السمنة بين الأطفال في البحرين متعددة، وتبدأ من الطفولة المبكرة. واستكملت قائلة «فقد تضاعفت نسبة زيادة الوزن بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين سنة وخمس سنوات من 2.3% في عام 2013 إلى 4.9% في عام 2018. الفتيات أقل نشاطًا بدنيًا من الأولاد، حيث أظهرت الدراسات أن 80% من الأولاد في المرحلة الإعدادية يمارسون نشاطًا بدنيًا مدة 30 دقيقة على الأقل من 4 إلى 6 مرات في الأسبوع، مقارنة بـ64% فقط من الفتيات».
تلعب البيئة دورًا كبيرًا في انتشار السمنة بين الأطفال مثل ارتفاع استهلاك الوجبات السريعة، والمشروبات المحلاة بالسكر، وتوصيل المأكولات للمنازل بسهولة ويسر باستخدام التطبيقات المتعددة، وزيادة وقت مشاهدة الشاشات الالكترونية وهي عوامل رئيسية تسهم في زيادة الوزن. وتشير البيانات إلى أن 60% من المراهقين الذين يعانون من السمنة يتناولون وجباتهم أمام التلفاز، مقارنة بـ46% من غير المصابين بالسمنة. كما أن قلة تناول الفواكه والخضراوات تمثل تحديًا، حيث إن معظم الأطفال لا يتناولون الكمية الموصى بها يوميًا.
اتخذت البحرين عدة مبادرات لمواجهة السمنة بين الأطفال، منها «إطلاق وحدة متنقلة لتثقيف طلاب المرحلة الابتدائية حول أساليب الحياة الصحية من خلال الألعاب، وبرامج التوعية في المدارس والإشراف على المقاصف الدراسية. ومع ذلك، لا تزال هناك حاجة إلى توسيع هذه المبادرات وتوفير برامج تدخلية أكثر استدامة وتكاملًا بين المدارس والمجتمع، لضمان صحة أفضل للأجيال القادمة».
التدخل الجراحي في عمر المراهقة
ومن جانبه علق الدكتور هاني الساعاتي استشاري الجراحة العامة وجراحة المناظير والسمنة على ضرورة الاستثمار في صحة المراهقين مؤكدا أن السمنة اصبحت ظاهرة مرضية خطيرة وباتت تشكل قلقا وتهديدا للصحة على صعيد الأفراد في سن المراهقة بشكل خاص وعلى صعيد المجتمعات بشكل عام، موضحا أن تقارير منظمة الصحة العالمية أظهرت أن في عام 2022 أكثر من 390 مليون طفل وشاب في سن المراهقة من بين الأعمار 5 إلى 19 سنة يعانون من زيادة في الوزن. والذين من بينهم 160 مليونا يعانون فعليا من مرض السمنة بحسب التعريف العالمي.
مشيرا إلى الإحصائيات التي تتنبأ بالزيادة في معدلات السمنة في سن البلوغ عالميا لتصل في عام 2030 إلى 464 مليون وهذه المؤشرات تعكس خطورة ما يترتب عليه من مخاطر ومضاعفات صحية على الناشئة مثل مرض السكري النوع الثاني وأمراض القلب والشرايين والأورام والأمراض العصبية وأمراض الصحة العقلية والنفسية.
ونوه الدكتور الساعاتي أن مملكة البحرين تعتبر من الدول ذات معدلات العالية عالميا أسوة بدول الخليج المجاورة، حيث تبلغ نسبة السمنة بين سن الأطفال والناشئة بين الأعمار 5 إلى 19 سنة 20% وهذا يتماشى طرديا مع زيادة نسبة السمنة من النوع الثاني بين سن الأطفال والمراهقين.
وأضاف «لا شك أن هذه الظاهرة أوشكت ان تدق أجراس الخطر في مملكة البحرين على وجه التحديد وفي دول الخليج العربي بشكل عام، وذلك لعدة أسباب منها التغير الجذري في السلوك الغذائي والتمدن المتسارع وما نجم عنه من سلوكيات قلة الحركة والرياضة والإقبال على المشروبات والمواد الغذائية ذات السعرات الحرارية العالية والقيمة الغذائية الضئيلة».
في مملكة البحرين ودول الخليج أصبح التصدي لهذا الوباء العصري الخطير واجبا ومن الضرورات القصوى.
ويجب علينا البدء في وضع الخطط والاستراتيجيات والتكاتف يدا بيد بين جميع مكونات المجتمع من القطاع العام والقطاع الخاص للحد من ازدياد ظاهرة السمنة بين أفراد المجتمع من الأطفال والناشئة إلى سن البلوغ، فصحة ابنائنا اليوم سوف تعكس صحة شعبنا وصحة مستقبلنا وأمننا الصحي.
علينا بالبدء في الآتي: 1. حملات التوعوية المجتمعية من هذا المرض الصامت. 2. وضع اللوائح والاستراتيجيات المدرسية للتثقيف الغذائي والرياضي. 3. وضع الرقابة والتنظيم وتحديد الإطارات المنظمة لتسويق المواد الغذائية غير الصحية للأطفال.
4. زيادة الضرائب على المشروبات السكرية ومشروبات الطاقة.
5. خلق بيئة تدعم الرياضة والترفيه الفيزيائي (الحركي) في الحدائق ومراكز الترفيه.
6- «عمليات السمنة آمنة للشباب والمراهقين من عمر 14 عاما وهناك بعض مراكز جراحات مخصصة للأطفال في بعض الحالات إذا تطلب الأمر».
واختتم الدكتور الساعاتي حديثه مشددا على أهمية تسليط الضوء على هذه الظاهرة بشكل أقوى لمحاربة وباء السمنة والذي بدأ يهدد صحة أبنائنا وشبابنا والذي أوشك على الخروج عن صمته ليصبح شبحا يفاجئ مستقبل أجيال قادمة.
الجانب النفسي
ولمعرفة تأثير سمنة المراهقين على الصحة النفسية استكملنا الحوار مع الدكتور طارق المعداوي استشاري الطب النفسي وبدأ حواره معنا بحقائق مهمة.
«تُعد السمنة من القضايا الصحية البارزة في مرحلة المراهقة، حيث لا تقتصر آثارها على الجسم فقط، بل تمتد لتؤثر بشكل مباشر على الصحة النفسية. وتشير الإحصائيات الحديثة إلى تزايد معدلات السمنة بين المراهقين على مستوى العالم، مما يدق ناقوس الخطر حول الأبعاد النفسية والاجتماعية لهذه الظاهرة».
كما أظهرت مراجعة بحثية منشورة في مجلة علم النفس السريري أن معدلات الاكتئاب والقلق بين المراهقين الذين يعانون من السمنة تتجاوز الضعف مقارنة بالمراهقين ذوي الوزن المثالي.
هذا «التأثير لا ينتج فقط عن المشاكل الصحية، بل يتأثر بشكل كبير بعوامل اجتماعية مثل التنمر المدرسي والوصمة المرتبطة بالمظهر الجسدي».
وأضاف الدكتور طارق من المثير للقلق أيضًا أن التصور الذاتي يلعب دورًا كبيرًا؛ حيث أظهرت دراسة أمريكية أن المراهقين الذين يعتقدون بأنهم بدناء، حتى لو لم يكونوا كذلك، يعانون من مشاكل نفسية بنسبة أعلى من أولئك الذين يعانون من سمنة فعلية دون تصورات سلبية عن الذات.
ومن جهة أخرى، قد تتسبب الاضطرابات النفسية نفسها في زيادة احتمالات الإصابة بالسمنة، حيث يلجأ بعض المراهقين إلى تناول الطعام كوسيلة للهروب من التوتر أو الحزن، ما يخلق حلقة مفرغة يصعب الخروج منها.
وأشار إلى بعض العوامل المهمة التي لا ينبغي إغفالها، أن بعض الأدوية النفسية المستخدمة لعلاج الاكتئاب والقلق واضطرابات المزاج قد تُسبب زيادة في الوزن كأحد الآثار الجانبية الشائعة، خاصةً عند استخدامها فترات طويلة. مبينا ان المراهقون أكثر حساسية لهذه التغيرات بسبب طبيعة مرحلة النمو والتغيرات الهرمونية التي يمرون بها. لذلك، من الضروري أن تتم متابعة الحالة الصحية والنفسية للمراهقين بشكل متكامل، مع مراعاة التأثيرات الجانبية المحتملة للعلاج، لضمان التوازن بين الفائدة النفسية والصحة الجسدية.
واختتمت الدكتور طارق قائلا: «السمنة عند المراهقين ليست مجرد قضية وزن، بل هي حالة متعددة الأبعاد تؤثر على الصحة النفسية بشكل مباشر. الوقاية والتدخل المبكر، والدعم النفسي المتكامل، عوامل أساسية لتحسين جودة حياة هؤلاء الشباب وضمان مستقبل صحي متوازن».
التغذية الصحية
حذرت الدكتورة أسيل الصالح، اختصاصية التغذية العلاجية في المركز الطبي الجامعي بمدينة الملك عبدالله وأستاذة مشاركة في طب العائلة بجامعة الخليج، من ارتفاع معدلات السمنة وداء السكري من النوع الثاني لدى الأطفال، حيث وصلت إلى مستويات مقلقة في دول مجلس التعاون الخليجي، مما يشكل تحديات صحية عامة كبيرة. وأشارت إلى بعض الدراسات الحديثة التي توضح أن معدل انتشار زيادة الوزن والسمنة لدى الأطفال في الشرق الأوسط يصل إلى 49.4%.
ونوهت الدكتورة أسيل إلى الزيادة الكبيرة في السمنة، وارتباطها الوثيق بارتفاع معدلات الإصابة بداء السكري من النوع الثاني بين الأطفال، مؤكدة أن معدل انتشار داء السكري من النوع الثاني في دول مجلس التعاون الخليجي يتراوح بين 8% و22%. وعلى سبيل المثال، يعاني 22% من سكان الكويت الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و79 عامًا من داء السكري.
وأضافت أن هناك عدة عوامل تسهم في هذه الزيادة، منها استبدال الأنظمة الغذائية التقليدية الغنية بالألياف والبروتينات بأطعمة مصنعة عالية السعرات الحرارية. وأصبح استهلاك الوجبات السريعة والمشروبات السكرية والكربوهيدرات المكررة أمرًا شائعًا، مما يؤدي إلى زيادة السمنة ومقاومة الأنسولين. إضافة إلى ذلك، فإن أنماط الحياة الخاملة الناتجة عن الرفاهية، والقيود المناخية، وزيادة وقت استخدام الشاشات كلها عوامل أسهمت في تفاقم المشكلة.
تُسبب السمنة في مرحلة الطفولة المبكرة اضطرابًا في استجابة الأنسولين، مما يؤدي إلى ارتفاع مزمن في مستوى سكر الدم والإصابة المبكرة بداء السكري من النوع الثاني. كما تحفز الدهون المفرطة التهابًا شاملاً طفيفًا يزيد من مقاومة الأنسولين عبر مركبات مناعية تُسمى السيتوكينات. بالإضافة إلى ذلك، تؤدي السمنة إلى تغيير تكوين ميكروبات الأمعاء، مما يؤثر على أيض الجلوكوز وتوازن الطاقة.
استجابةً لذلك، طبقت العديد من دول مجلس التعاون الخليجي سياسات غذائية، وفرضت ضرائب على المنتجات الغذائية التي تحتوي على السكر، ونفذت برامج للنشاط البدني في المدارس لمعالجة سمنة الأطفال. كما أطلقت حملات صحية عامة تهدف إلى تشجيع العادات الغذائية الصحية، والتحكم في الكميات، وممارسة الرياضة للتخفيف من الأمراض المصاحبة المرتبطة بالسمنة. ويُعد الفحص المبكر لمقاومة الأنسولين وتعديل نمط الحياة أمرًا ضروريًا للوقاية من داء السكري.
ويدعو اختصاصيو الرعاية الصحية إلى إعادة هيكلة النظام الغذائي، وإعطاء الأولوية للأطعمة الكاملة والكربوهيدرات المعقدة، وتناول كميات كافية من البروتين. كما يمكن لدمج التربية البدنية والحد من وقت الشاشات أن يُحسن من عملية الأيض. ولا تزال مشاركة الوالدين والمبادرات المجتمعية بالغة الأهمية لتحقيق تأثير مستدام.
تتطلب معالجة سمنة الأطفال وداء السكري من النوع الثاني في دول الخليج تداخلات متعددة الجوانب تُركز على العادات الغذائية، وتعديل سلوكيات نمط الحياة، ونهج الرعاية الصحية الشاملة. وشددت الدكتورة أسيل على أهمية استراتيجيات الوقاية الهادفة التي تدمج التثقيف الغذائي، واللوائح التنظيمية، والتداخلات السريرية المبكرة للحد من هذا الوباء المتفاقم.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك