العدد : ١٧٣٤٣ - الثلاثاء ١٦ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٤٣ - الثلاثاء ١٦ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

مقالات

فن الصوت الإرث البحريني العريق

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الأحد ٠١ يونيو ٢٠٢٥ - 02:00

القراء‭ ‬الأعزاء،

في‭ ‬ظل‭ ‬المتغيرات‭ ‬العالمية‭ ‬من‭ ‬العولمة‭ ‬والثورة‭ ‬التكنولوجية‭ ‬والذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬بات‭ ‬الموروث‭ ‬الشعبي‭ ‬للأمم‭ ‬يواجه‭ ‬خطر‭ ‬التراجع‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الاندثار‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يتشبث‭ ‬أهله‭ ‬به‭.‬

ومن‭ ‬المعلوم‭ ‬أن‭ ‬الموروث‭ ‬الشعبي‭ ‬هو‭ ‬خلاصة‭ ‬ما‭ ‬حفظته‭ ‬الذاكرة‭ ‬الجمعية‭ ‬الشعبية‭ ‬وتناقلته‭ ‬عبر‭ ‬الأجيال،‭ ‬وغالباً‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬نسبته‭ ‬إلى‭ ‬شخص‭ ‬معيّن‭ ‬أو‭ ‬جيل‭ ‬معيّن،‭ ‬والحقيقة‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬تهم‭ ‬نسبته‭ ‬إلى‭ ‬أشخاص‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يهم‭ ‬المجتمعات‭ ‬العبرة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الموروث‭ ‬والأثر‭ ‬الإنساني‭ ‬الذي‭ ‬يمنح‭ ‬عُمقاً‭ ‬وإرثاً‭ ‬ثقافياً‭ ‬للجماعات‭ ‬ويُميّزها‭ ‬عن‭ ‬بعضها‭ ‬ويمنحها‭ ‬خصوصيتها‭. ‬

ومن‭ ‬أهم‭ ‬مفرزات‭ ‬موروثنا‭ ‬الشعبي‭ ‬البحريني‭ (‬فن‭ ‬الصوت‭) ‬الذي‭ ‬اشتهرت‭ ‬به‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬وارتبط‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬بالبيئة‭ ‬البحرية‭ ‬الخليجية‭. ‬وقد‭ ‬اختلفت‭ ‬المصادر‭ ‬التاريخية‭ ‬في‭ ‬مصدر‭ ‬نشأته‭ ‬بين‭ ‬البحرين‭ ‬والكويت،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬جدال‭ ‬في‭ ‬ان‭ ‬أهم‭ ‬روّاد‭ ‬هذا‭ ‬الفن‭ ‬الأصيل‭ ‬الفنان‭ ‬البحريني‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬فارس‭.‬

وإن‭ ‬الإبقاء‭ ‬على‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الفنون‭ ‬ذات‭ ‬الندرة‭ ‬في‭ ‬تقنياتها‭ ‬وأدائها‭ ‬يستوجب‭ ‬الاهتمام‭ ‬بها‭ ‬وضمان‭ ‬حمايتها‭ ‬على‭ ‬الصعيدين‭ ‬الرسمي‭ ‬والشعبي،‭ ‬شأنها‭ ‬شأن‭ ‬بقية‭ ‬حقوق‭ ‬الانسان‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬من‭ ‬الركائز‭ ‬المهمة‭ ‬للمشروع‭ ‬الإصلاحي‭ ‬لمملكة‭ ‬البحرين‭ ‬المعاصرة‭ ‬في‭ ‬ذهن‭ ‬عاهلها‭ ‬المعظم‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬خطط‭ ‬مدروسة‭ ‬وممنهجة‭ ‬ضمن‭ ‬أهداف‭ ‬مستدامة‭ ‬تسعى‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الفن‭ ‬وبقية‭ ‬عناصر‭ ‬الموروث‭ ‬الشعبي‭ ‬البحريني‭ ‬باعتباره‭ ‬جزءاً‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬الحقوق‭ ‬الثقافية‭ ‬التي‭ ‬كفلتها‭ ‬المواثيق‭ ‬الدولية‭ ‬الخاصة‭ ‬بحقوق‭ ‬الانسان‭.‬

وسأتطرق‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬دور‭ ‬هيئة‭ ‬البحرين‭ ‬للثقافة‭ ‬والسياحة‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬هذا‭ ‬الموروث‭ ‬والحفاظ‭ ‬عليه،‭ ‬والتي‭ ‬حرصت‭ ‬على‭ ‬توثيق‭ ‬هذا‭ ‬الفن‭ ‬ضمن‭ ‬قائمة‭ ‬اليونسكو‭ ‬للتراث‭ ‬الثقافي‭ ‬غير‭ ‬المادي،‭ ‬بجانب‭ ‬اشتغالها‭ ‬على‭ ‬تسليط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الفن‭ ‬ضمن‭ ‬برامجها‭ ‬المختلفة،‭ ‬من‭ ‬ضمنها‭ ‬مهرجان‭ ‬ربيع‭ ‬الثقافة‭ ‬في‭ ‬مواسم‭ ‬مختلفة،‭ ‬منها‭ ‬الموسم‭ ‬الماضي‭ ‬2025،‭ ‬حيث‭ ‬تفنن‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬هذا‭ ‬الفن‭ ‬بجانب‭ ‬المخضرمين‭ ‬من‭ ‬فناني‭ ‬البحرين‭. ‬

وربما‭ ‬كان‭ ‬أول‭ ‬فن‭ ‬من‭ ‬نوعه‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬مصاحبة‭ ‬فرقة‭ ‬موسيقية‭ ‬ذات‭ ‬مزيج‭ ‬من‭ ‬أدوات‭ ‬وترية‭ ‬حديثة‭ ‬مثل‭ ‬الكمان‭ ‬والقانون‭ ‬بجانب‭ ‬آلة‭ ‬العود‭ ‬وأدوات‭ ‬تقليدية‭ ‬مثل‭ ‬الطبل‭ ‬والمرواس‭ ‬حيث‭ ‬يبدأ‭ ‬مطرب‭ ‬فن‭ ‬الصوت‭ ‬بموال‭ ‬ثم‭ ‬يتغنّى‭ ‬بالنص‭ ‬الأصلي‭ ‬فالخاتمة‭ ‬في‭ ‬مقطوعة‭ ‬موسيقية‭ ‬متفردة،‭ ‬بجانب‭ ‬التصفيق‭ ‬باليدين،‭ ‬حيث‭ ‬يتمازج‭ ‬فيها‭ ‬أداء‭ ‬الآلات‭ ‬الموسيقية‭ ‬مع‭ ‬نغمات‭ ‬تصفيق‭ ‬الأيادي‭ ‬ذات‭ ‬الطابع‭ ‬الخاص‭ (‬المتشابك‭) ‬كما‭ ‬يسمّى،‭ ‬وتكون‭ ‬مادته‭ ‬الأساسية‭ ‬هي‭ ‬القصائد‭ ‬العربية‭ ‬الفصيحة‭ ‬التي‭ ‬تضفي‭ ‬نكهة‭ ‬ذات‭ ‬بعد‭ ‬تاريخي‭ ‬على‭ ‬المقطوعات‭ ‬الموسيقية،‭ ‬بجانب‭ ‬التعبير‭ ‬الحركي‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬بعض‭ ‬الفنانين‭ ‬من‭ ‬أفراد‭ ‬الفرقة‭ ‬بشكل‭ ‬ثنائي،‭ ‬وهو‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الرقص‭ ‬الشعبي‭ ‬يُسمّى‭ (‬بالزفان‭)‬،‭ ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬موال‭ ‬المقدمة‭ ‬بنغمته‭ ‬الخاصة‭ ‬بالنص‭ ‬الآتي‭:‬

جسد‭ ‬ناحل‭ ‬وقلب‭ ‬جريح،‭ ‬ودموعُ‭ ‬على‭ ‬الخدود‭ ‬تسيح‭ ‬

وحبيب‭ ‬مُرّ‭ ‬التجنّي‭ ‬ولكن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يفعل‭ ‬المليح‭ ‬مليح‭ (‬من‭ ‬كلمات‭ ‬بلبل‭ ‬الغرام‭ ‬الحاجري‭ ‬من‭ ‬العصر‭ ‬الأيوبي‭ - ‬موقع‭ ‬الديوان‭).‬

‭ ‬ثم‭ ‬يبدأ‭ ‬الغناء‭ ‬بمقطوعة‭ ‬غنائية‭ ‬بلحن‭ ‬آخر،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭: ‬

يا‭ ‬من‭ ‬هواه‭ ‬أعزّه‭ ‬وأذلّني،‭ ‬كيف‭ ‬السبيل‭ ‬إلى‭ ‬وصالك‭ ‬دلّني‭ ‬

وصلتني‭ ‬حتى‭ ‬ملكت‭ ‬حشاشتي،‭ ‬ورجعت‭ ‬من‭ ‬بعد‭ ‬الوصال‭ ‬هجرتني‭ ‬

أنت‭ ‬الذي‭ ‬حلّفتني‭ ‬وحلفت‭ ‬لي،‭ ‬وحلفت‭ ‬أنك‭ ‬لا‭ ‬تخون‭ ‬وخنتني‭ ‬

وحلفت‭ ‬أنك‭ ‬لا‭ ‬تميل‭ ‬مع‭ ‬الهوى،‭ ‬أين‭ ‬اليمين‭ ‬وأين‭ ‬ما‭ ‬عاهدتني؟‭ (‬من‭ ‬كلمات‭ ‬سعيد‭ ‬بن‭ ‬أحمد‭ ‬البوسعيدي‭).‬

ويختم‭ ‬بلحن‭ ‬الختام‭ ‬كالتالي‭: ‬

الخيل‭ ‬والليل‭ ‬والبيداء‭ ‬تعرفني‭ ‬

والسيف‭ ‬والرمح‭ ‬والقرطاس‭ ‬والقلم‭ ‬

أنا‭ ‬الذي‭ ‬نظر‭ ‬الأعمى‭ ‬إلى‭ ‬أدبي‭ ‬

وأسمعت‭ ‬كلماتي‭ ‬من‭ ‬به‭ ‬صمم‭ (‬من‭ ‬كلمات‭ ‬المتنبي‭) ‬

أو‭ ‬بالكلمات‭ ‬الأشهر‭ ‬في‭ ‬فن‭ ‬الصوت‭ ‬وهي‭:‬

يا‭ ‬أم‭ ‬عمرٍ‭ ‬جزاك‭ ‬الله‭ ‬مكرمة‭ ‬

رُدّي‭ ‬عليّ‭ ‬فؤادي،‭ ‬أينما‭ ‬كانا‭ ‬

لا‭ ‬تأخذي‭ ‬فؤادي‭ ‬تلعبين‭ ‬به‭ ‬

وكيف‭ ‬يلعب‭ ‬بالإنسان‭ ‬إنسانا؟‭ ‬من‭ ‬كلمات‭ ‬جرير،‭ ‬بتصرف‭) ‬

وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأمثلة‭ ‬الكثيرة‭ ‬للقصائد‭ ‬الفصيحة‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬العصور‭ ‬الشعرية‭ ‬والتي‭ ‬يُسهم‭ ‬فن‭ ‬الصوت‭ ‬في‭ ‬إضفاء‭ ‬نكهة‭ ‬جديدة‭ ‬ومغايرة‭ ‬على‭ ‬جمالها‭ ‬كعيون‭ ‬للشعر‭ ‬العربي،‭ ‬إذ‭ ‬يعتبر‭ ‬فن‭ ‬الصوت‭ ‬كمنظومة‭ ‬متكاملة‭ ‬فناً‭ ‬جميلاً‭ ‬شجياً‭ ‬كفيلا‭ ‬بأن‭ ‬يُطرب‭ ‬جميع‭ ‬الأذواق‭.‬

وفي‭ ‬رأيي‭ ‬أن‭ ‬تعزيز‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الفن‭ ‬النادر‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬يُترك‭ ‬للصدف،‭ ‬بل‭ ‬يقتضي‭ ‬أن‭ ‬تتبنى‭ ‬أيضا‭ ‬الجهات‭ ‬ذات‭ ‬الصلة‭ ‬فكرة‭ ‬تدريسه‭ ‬والتدريب‭ ‬عليه‭ ‬ثم‭ ‬تبنى‭ ‬المواهب‭ ‬الحقيقية‭ ‬التي‭ ‬سيفرزها‭ ‬مختبر‭ ‬التعليم‭ ‬لتتمكن‭ ‬من‭ ‬صناعة‭ ‬أجيال‭ ‬مستقبلية‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬استمراريته‭ ‬وديمومته‭ ‬حفاظاً‭ ‬على‭ ‬الإرث‭ ‬الشعبي‭ ‬والهوية‭ ‬الوطنية‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا