العدد : ١٧٢٣٨ - الثلاثاء ٠٣ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٧ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٣٨ - الثلاثاء ٠٣ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٧ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

أخبار البحرين

ابتعدوا.. إنني أطلب!
ظاهرة منتشرة: وقوف عشوائي للطلب من المحلات.. عرقلة سير المرور.. عدم اكتراث بالآخرين

تحقيق: محمد الساعي : تصوير - عبدالأمير السلاطنة

الأحد ٠١ يونيو ٢٠٢٥ - 02:00

علم النفس: هذه المخالفات «انحراف سلوكي» يعكس شخصيات متهورة.. نرجسية.. أنانية.. تشعر بالنقص!

لماذا قال المواطن للزائر: قف في أي مكان تريد و«اللي فيه خير يعترض»!

نصيحة البعض: «كبر دماغك».. وعلى المتضرر «اللجوء إلى الصبر»!

مواطنون تعرضوا للإهانة والتهديد بسبب تنبيههم إلى هذه المخالفات

سواق يستفسرون: كيف لا يحصل هؤلاء على مخالفات؟


يروي‭ ‬لنا‭ ‬أحد‭ ‬الزائرين‭ ‬للبحرين‭ ‬تجربته‭ ‬وانطباعاته‭ ‬عن‭ ‬قيادة‭ ‬المركبات‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬المملكة،‭ ‬يقول‭: ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الأمور‭ ‬التي‭ ‬لفتت‭ ‬نظري‭ ‬هي‭ ‬إمكانية‭ ‬التوقف‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬بالشارع‭ ‬سواء‭ ‬لطلب‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬مطعم،‭ ‬أو‭ ‬النزول‭ ‬من‭ ‬السيارة‭ ‬والتوجه‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬البرادة‮»‬،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬اكتراث‭ ‬بما‭ ‬قد‭ ‬يسبب‭ ‬هذا‭ ‬التوقف‭ ‬المخالف‭ ‬من‭ ‬عرقلة‭ ‬لسير‭ ‬المركبات‭. ‬والأغرب‭ ‬أنه‭ ‬نادرا‭ ‬ما‭ ‬يعترض‭ ‬أحد‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬التصرف،‭ ‬وإنما‭ ‬يحاول‭ ‬أغلب‭ ‬السائقين‭ ‬التجاوز‭ ‬بأي‭ ‬طريقة،‭ ‬وكأن‭ ‬هناك‭ ‬تقبلا‭ ‬عاما‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬التصرفات‭.‬

ويضيف‭ ‬محدثنا‭: ‬كنت‭ ‬مع‭ ‬صديق‭ ‬لي‭ ‬في‭ ‬السيارة‭ ‬وأخبرته‭ ‬عن‭ ‬مدى‭ ‬مفاجأتي‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭. ‬ولكن‭ ‬كان‭ ‬الرد‭ ‬صادما،‭ ‬حيث‭ ‬أجاب‭ ‬صديقي‭ ‬بابتسامة‭: ‬هنا‭ ‬يمكنك‭ ‬التوقف‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان،‭ ‬و«الي‭ ‬فيه‭ ‬خير‭ ‬خل‭ ‬يعترض‮»‬‭!‬

ولم‭ ‬يقتصر‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الحد،‭ ‬فكنوع‭ ‬من‭ ‬التحدي،‭ ‬قرر‭ ‬الصديق‭ ‬إثبات‭ ‬ذلك‭ ‬للزائر،‭ ‬حيث‭ ‬توقف‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬الشارع‭ ‬تماما،‭ ‬واستدعى‭ ‬عامل‭ ‬مطعم‭ ‬ليطلب‭ ‬وجبة‭ ‬العشاء‭. ‬فيما‭ ‬كان‭ ‬الزائر‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬القلق‭ ‬والتهجس‭ ‬بسبب‭ ‬طبيعة‭ ‬هذا‭ ‬الوقوف‭ ‬الغريب‭. ‬فيما‭ ‬بقي‭ ‬السائق‭ ‬واثقا‭ ‬مبتسما‭. ‬وكانت‭ ‬المفاجأة‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬السيارات‭ ‬الأخرى‭ ‬كانت‭ ‬تحاول‭ ‬جاهدة‭ ‬المرور،‭ ‬إلا‭ ‬ان‭ ‬أحدا‭ ‬لم‭ ‬يعترض‭!‬

 

قف‭ ‬أينما‭ ‬تشاء‭!‬

للأسف‭.. ‬هذه‭ ‬المناظر‭ ‬باتت‭ ‬فعلا‭ ‬مألوفة‭ ‬في‭ ‬كافة‭ ‬شوارع‭ ‬وطرقات‭ ‬البحرين،‭ ‬فالكثير‭ ‬ممن‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يطلب‭ ‬من‭ ‬كافتيريا‭ ‬أو‭ ‬مطعم‭ ‬أو‭ ‬برادة،‭ ‬يقف‭ ‬بكل‭ ‬ثقة‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬الطريق‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الاتجاه‭ ‬المعاكس،‭ ‬معرقلا‭ ‬سير‭ ‬السيارات‭. ‬وكأنه‭ ‬يملك‭ ‬الشارع‭ ‬بما‭ ‬فيه‭. ‬ومن‭ ‬يعترض‭ ‬فقد‭ ‬يتعرض‭ ‬للإهانة‭ ‬والسباب‭ ‬كما‭ ‬سيتضح‭ ‬لاحقا‭. ‬وكأن‭ ‬من‭ ‬حق‭ ‬المرء‭ ‬أن‭ ‬يقف‭ ‬أينما‭ ‬شاء‭ ‬وكيفما‭ ‬شاء‭ ‬ليطلب‭ ‬دينار‭ ‬‮«‬طعمية‮»‬‭ ‬أو‭ ‬علبة‭ ‬مياه‭ ‬غازية‭. ‬وعلى‭ ‬المتضرر‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬الصبر‭ ‬والتحمل‮»‬،‭ ‬لأنه‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬هناك‭ ‬سبيل‭ ‬آخر‭. ‬وهي‭ ‬سلوكيات‭ ‬كما‭ ‬يؤكد‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬أنانية‭ ‬مفرطة‭ ‬وعدم‭ ‬اكتراث‭ ‬بحقوق‭ ‬الآخرين‭.‬

حتى‭ ‬أمس‭ ‬غير‭ ‬بعيد،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هذه‭ ‬السلوكيات‭ ‬مقبولة‭ ‬أو‭ ‬منتشرة،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬يمارسها‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يواجه‭ ‬نظرات‭ ‬الاستهانة‭ ‬والتوبيخ‭ ‬من‭ ‬الآخرين،‭ ‬ولكنها‭ ‬باتت‭ ‬اليوم‭ ‬سلوكيات‭ ‬منتشرة‭ ‬ومقبولة‭ ‬أيضا‭.‬

ونحن‭ ‬نعد‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع،‭ ‬صادفنا‭ ‬موقف‭ ‬هو‭ ‬مصداق‭ ‬لما‭ ‬في‭ ‬الأسطر‭ ‬السابقة،‭ ‬إذ‭ ‬توقفت‭ ‬سيارة‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬الشارع‭ ‬الضيق‭ ‬أمام‭ ‬مطعم‭ ‬معروف‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬وبكل‭ ‬ثقة‭ ‬نزلت‭ ‬السائقة‭ ‬واتجهت‭ ‬إلى‭ ‬داخل‭ ‬المطعم‭. ‬وبعد‭ ‬لحظات‭ ‬حدثت‭ ‬الأزمة‭ ‬المرورية،‭ ‬عشرات‭ ‬السيارات‭ ‬تكدست‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬المرور،‭ ‬واضطر‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬السواق‭ ‬للرجوع‭ ‬إلى‭ ‬الخلف‭ ‬أو‭ ‬تغيير‭ ‬الاتجاه‭. ‬وبعد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشر‭ ‬دقائق،‭ ‬رجعت‭ ‬السائقة‭ ‬بكل‭ ‬ثقة‭ ‬وهي‭ ‬تتبختر‭ ‬وتوزع‭ ‬نظرات‭ ‬التحدي‭ ‬غير‭ ‬آبهة‭ ‬بما‭ ‬سببته‭ ‬من‭ ‬أزمة‭ ‬مرورية‭ (‬وقد‭ ‬وثقنا‭ ‬ذلك‭ ‬بالصور‭ ‬والفيديو‭).‬

لا‭ ‬تتورط‭!‬

المشكلة‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬أحد‭ ‬المواطنين،‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬قنوات‭ ‬مباشرة‭ ‬يمكن‭ ‬تقديم‭ ‬شكاوى‭ ‬لها‭ ‬بهذا‭ ‬الشأن‭ ‬من‭ ‬التصرفات،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬التصوير‭ ‬قد‭ ‬يعرضنا‭ ‬للمساءلة‭. ‬ومع‭ ‬الأسف‭ ‬أننا‭ ‬صرنا‭ ‬نملس‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬التقبل‭ ‬أو‭ ‬‮«‬تكبير‭ ‬الدماغ‮»‬‭ ‬من‭ ‬الآخرين‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يعترضون‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يفاقم‭ ‬المشكلة‭.‬

وهذا‭ ‬ما‭ ‬يؤكده‭ ‬شاب‭ ‬تعرض‭ ‬لموقف‭ ‬لا‭ ‬يحسد‭ ‬عليه‭. ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬يقود‭ ‬سيارته‭ ‬في‭ ‬شارع‭ ‬ضيق،‭ ‬ليفاجأ‭ ‬بسيارة‭ ‬تقف‭ ‬بالاتجاه‭ ‬المعاكس‭ ‬وتغلق‭ ‬الطريق‭ ‬فيما‭ ‬كانت‭ ‬السائقة‭ ‬تنتظر‭ ‬داخلها‭. ‬يقول‭ ‬الشاب‭: ‬انتظرت‭ ‬مدة‭ ‬ثم‭ ‬‮«‬ضربت‭ ‬هرن‮»‬‭ ‬لأطلب‭ ‬منها‭ ‬التحرك‭. ‬فما‭ ‬كان‭ ‬منها‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬رمقتني‭ ‬بنظرة‭ ‬استعلاء‭ ‬واستياء،‭ ‬وأشاحت‭ ‬بوجهها‭. ‬حاولت‭ ‬تنبيهها‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬لكنها‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬أخرجت‭ ‬رأسها‭ ‬من‭ ‬النافذة‭ ‬وبدأت‭ ‬بالصراخ‭ ‬والشتائم‭. ‬وعندها‭ ‬اضطررت‭ ‬إلى‭ ‬ان‭ ‬أصور‭ ‬السيارة‭ ‬ثم‭ ‬اتجهت‭ ‬إلى‭ ‬مركز‭ ‬الشرطة‭ ‬لتقديم‭ ‬شكوى‭ ‬بالسب‭ ‬والاهانة‭ ‬وارفقت‭ ‬صورة‭ ‬السيارة‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬المخالفة‭ ‬الواضحة‭. ‬وبعد‭ ‬مدة‭ ‬حفظت‭ ‬القضية‭ ‬وضاعت‭ ‬الحقوق‭ ‬كالعادة‭. ‬ويعلق‭ ‬الشاب‭: ‬هذا‭ ‬التجاهل‭ ‬للشكاوى‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يشجع‭ ‬مثل‭ ‬هؤلاء‭ ‬على‭ ‬التمادي‭.‬

موقف‭ ‬مشابه‭ ‬تعرض‭ ‬له‭ ‬مواطن‭ ‬كان‭ ‬مع‭ ‬أسرته،‭ ‬ففي‭ ‬أحد‭ ‬طرقات‭ ‬سوق‭ ‬واقف،‭ ‬وهي‭ ‬طرقات‭ ‬غنية‭ ‬عن‭ ‬التعريف‭ ‬في‭ ‬أزماتها‭ ‬المرورية،‭ ‬وقفت‭ ‬سيارة‭ ‬بشكل‭ ‬غريب،‭ ‬مسببة‭ ‬طوابير‭ ‬من‭ ‬المركبات‭ ‬التي‭ ‬تجاهد‭ ‬للمرور‭. ‬نزل‭ ‬السائق‭ ‬واتجه‭ ‬إلى‭ ‬أحد‭ ‬المحلات،‭ ‬وعندما‭ ‬قرر‭ ‬المواطن‭ ‬تصوير‭ ‬السيارة‭ ‬كنوع‭ ‬من‭ ‬التحذير،‭ ‬اتجه‭ ‬إليه‭ ‬السائق‭ ‬ورمقه‭ ‬بنظرات‭ ‬يتطاير‭ ‬منها‭ ‬الشرر‭ ‬وهو‭ ‬مستعد‭ ‬للشجار‭ ‬بالأيدي،‭ ‬وانهال‭ ‬بالسباب‭ ‬على‭ ‬المواطن‭ ‬أمام‭ ‬أسرته‭!‬

‮«‬للأسف‭ ‬انتشرت‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬حركة‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬السيارة‭ ‬وطلب‭ ‬ما‭ ‬تريده‭ ‬من‭ ‬عامل‭ ‬البرادة‭ ‬أو‭ ‬الكافتيريا،‭ ‬واغلب‭ ‬من‭ ‬يقوم‭ ‬بهذا‭ ‬الامر‭ ‬هم‭ ‬الشباب‭ ‬والشابات،‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الخدمة‭ ‬يفترض‭ ‬ان‭ ‬تكون‭ ‬قصرا‭ ‬على‭ ‬كبار‭ ‬السن‭ ‬أو‭ ‬المقعدين،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يضاعف‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬السلوكيات‭ ‬الخاطئة‭ ‬والوقوف‭ ‬العشوائي‭ ‬في‭ ‬الشوارع،‭ ‬ونحن‭ ‬نعلم‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬أمن‭ ‬العقوبة‭ ‬أساء‭ ‬الأدب،‭ ‬فليس‭ ‬هناك‭ ‬رادع‭ ‬حقيقي‭ ‬لهذه‭ ‬السلوكيات‮»‬‭. ‬

كان‭ ‬هذا‭ ‬تعليق‭ ‬أحد‭ ‬كبار‭ ‬السن‭ ‬الذي‭ ‬سألناه‭ ‬عما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬يواجه‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الحالات‭.‬

تقبل‭ ‬المجتمع

سيل‭ ‬القصص‭ ‬لا‭ ‬ينتهي‭ ‬بشأن‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الوقوف‭. ‬فهذه‭ ‬المناظر‭ ‬منتشرة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬لحظة‭ ‬وكل‭ ‬مكان،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يثير‭ ‬سؤالا‭ ‬مهما‭: ‬إذا‭ ‬كنا‭ ‬نشاهد‭ ‬هذه‭ ‬المخالفات‭ ‬المتكررة‭ ‬جهارا‭ ‬نهارا،‭ ‬كيف‭ ‬لا‭ ‬يحصل‭ ‬أصحابها‭ ‬على‭ ‬مخالفات‭ ‬مرورية؟‭ ‬فكثيرٌ‭ ‬منها‭ ‬يحدث‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الطرقات‭ ‬العامة‭ ‬أو‭ ‬أمام‭ ‬الدوريات،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬شاهدناه‭ ‬بأنفسنا‭ ‬خلال‭ ‬إعداد‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭. ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬أي‭ ‬رادع‭ ‬للمخالفين،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬الحالات‭ ‬التي‭ ‬شهدناها‭ ‬عن‭ ‬قرب،‭ ‬كانت‭ ‬مركبة‭ ‬فيها‭ ‬شباب‭ ‬مراهقون‭ ‬تقف‭ ‬بإحدى‭ ‬القرى‭ ‬وسط‭ ‬الشارع‭ ‬تماما‭ ‬وتغلق‭ ‬الطريق،‭ ‬وعندما‭ ‬مرت‭ ‬دورية‭ ‬شرطة،‭ ‬تحركت‭ ‬المركبة‭ ‬أمتارا‭ ‬قليلة‭ ‬لتمر‭ ‬الدورية،‭ ‬ثم‭ ‬عادت‭ ‬لتقف‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬الشارع‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭!‬

وتتضاعف‭ ‬المشكلة‭ ‬عندما‭ ‬يبدأ‭ ‬المجتمع‭ ‬في‭ ‬تقبل‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬السلوكيات‭ ‬الشاذة،‭ ‬وبدل‭ ‬أن‭ ‬يصحح‭ ‬المجتمع‭ ‬نفسه،‭ ‬يصمت‭ ‬عن‭ ‬الخطأ‭ ‬مع‭ ‬صمت‭ ‬الجهات‭ ‬المعنية‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يشجع‭ ‬المخالفين‭ ‬على‭ ‬التمادي،‭ ‬بل‭ ‬ويمارسها‭ ‬الكثيرون‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬خالفت‭ ‬مبادئهم‭ ‬وأخلاقهم‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬‮«‬غيري‭ ‬ليس‭ ‬أفضل‭ ‬مني‮»‬‭!‬

انحراف‭ ‬سلوكي

الدراسات‭ ‬النفسية‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬الشخص‭ ‬الذي‭ ‬يرتكب‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬السلوكيات‭ ‬والمخالفات‭ ‬يتميز‭ ‬بشخصية‭ ‬متهورة‭ ‬مع‭ ‬عدم‭ ‬الاكتراث‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وكثيرا‭ ‬ما‭ ‬يشعر‭ ‬هذا‭ ‬الشخص‭ ‬بالنقص‭.‬

فيما‭ ‬تشير‭ ‬دراسات‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المخالفات‭ ‬المرورية‭ ‬غير‭ ‬المسؤولة‭ ‬تعكس‭ ‬شخصية‭ ‬تعاني‭ ‬التهميش‭ ‬أو‭ ‬الاكتئاب‭!‬

وفي‭ ‬علم‭ ‬النفس،‭ ‬تسمى‭ ‬المخالفة‭ ‬المرورية‭ ‬الصريحة‭ (‬انحرافا‭ ‬سلوكيا‭)‬،‭ ‬لأنها‭ ‬تنحرف‭ ‬عن‭ ‬المعايير‭ ‬والضوابط‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والقانونية،‭ ‬حيث‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬الشخص‭ ‬عن‭ ‬عمد‭ ‬وليس‭ ‬عن‭ ‬جهل،‭ ‬وهو‭ ‬عارف‭ ‬بأنها‭ ‬تضر‭ ‬الآخرين‭.‬

والأسوأ‭ ‬أن‭ ‬البعض‭ ‬يشعر‭ ‬بالتلذذ‭ ‬في‭ ‬مخالفة‭ ‬القوانين‭ ‬أو‭ ‬بالتميز‭ ‬عند‭ ‬الإقدام‭ ‬على‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬السلوكيات،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الشخص‭ ‬السليم‭ ‬يكون‭ ‬ملتزما‭ ‬بالمعايير‭ ‬السلوكية‭ ‬والقانونية‭ ‬والاجتماعية‭.‬

بل‭ ‬كما‭ ‬وصف‭ ‬استشاري‭ ‬الامراض‭ ‬النفسية‭ ‬الدكتور‭ ‬طارق‭ ‬المعداوي،‭ ‬هذه‭ ‬السلوكيات‭ ‬بأنها‭ ‬قد‭ ‬تعكس‭ ‬شخصية‭ ‬‮«‬نرجسية‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬‮«‬سايكوباتية‮»‬،‭ ‬وهذه‭ ‬الأخيرة‭ ‬يتميز‭ ‬صاحبها‭ ‬بسلوك‭ ‬ضد‭ ‬المجتمع‭ ‬وكره‭ ‬الحياة‭ ‬الطبيعية‭. ‬

يضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أسباب‭ ‬نفسية‭ ‬مرضية،‭ ‬وأخرى‭ ‬تتعلق‭ ‬بتقليد‭ ‬الآخرين،‭ ‬خاصة‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يتعرضوا‭ ‬للجزاء‭. ‬وهنا‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬انتشرت‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬السلوكيات،‭ ‬فإن‭ ‬التأثير‭ ‬يكون‭ ‬مباشرا‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬المعايير‭ ‬والأخلاقيات‭ ‬الثابتة،‭ ‬حيث‭ ‬تبدأ‭ ‬هذه‭ ‬المعايير‭ ‬تدريجيا‭ ‬في‭ ‬التغير‭ ‬أو‭ ‬الانحسار‭. ‬ويبدأ‭ ‬المجتمع‭ ‬في‭ ‬تقبل‭ ‬هذا‭ ‬الخلل‭.‬

 

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا