علم النفس: هذه المخالفات «انحراف سلوكي» يعكس شخصيات متهورة.. نرجسية.. أنانية.. تشعر بالنقص!
لماذا قال المواطن للزائر: قف في أي مكان تريد و«اللي فيه خير يعترض»!
نصيحة البعض: «كبر دماغك».. وعلى المتضرر «اللجوء إلى الصبر»!
مواطنون تعرضوا للإهانة والتهديد بسبب تنبيههم إلى هذه المخالفات
سواق يستفسرون: كيف لا يحصل هؤلاء على مخالفات؟
يروي لنا أحد الزائرين للبحرين تجربته وانطباعاته عن قيادة المركبات في شوارع المملكة، يقول: من أكثر الأمور التي لفتت نظري هي إمكانية التوقف في أي مكان بالشارع سواء لطلب شيء من مطعم، أو النزول من السيارة والتوجه إلى «البرادة»، من دون اكتراث بما قد يسبب هذا التوقف المخالف من عرقلة لسير المركبات. والأغرب أنه نادرا ما يعترض أحد على هذا التصرف، وإنما يحاول أغلب السائقين التجاوز بأي طريقة، وكأن هناك تقبلا عاما لمثل هذه التصرفات.
ويضيف محدثنا: كنت مع صديق لي في السيارة وأخبرته عن مدى مفاجأتي من هذا الأمر. ولكن كان الرد صادما، حيث أجاب صديقي بابتسامة: هنا يمكنك التوقف في أي مكان، و«الي فيه خير خل يعترض»!
ولم يقتصر الأمر على هذا الحد، فكنوع من التحدي، قرر الصديق إثبات ذلك للزائر، حيث توقف في وسط الشارع تماما، واستدعى عامل مطعم ليطلب وجبة العشاء. فيما كان الزائر في حالة من القلق والتهجس بسبب طبيعة هذا الوقوف الغريب. فيما بقي السائق واثقا مبتسما. وكانت المفاجأة أن أغلب السيارات الأخرى كانت تحاول جاهدة المرور، إلا ان أحدا لم يعترض!
قف أينما تشاء!
للأسف.. هذه المناظر باتت فعلا مألوفة في كافة شوارع وطرقات البحرين، فالكثير ممن يريد أن يطلب من كافتيريا أو مطعم أو برادة، يقف بكل ثقة في منتصف الطريق أو في الاتجاه المعاكس، معرقلا سير السيارات. وكأنه يملك الشارع بما فيه. ومن يعترض فقد يتعرض للإهانة والسباب كما سيتضح لاحقا. وكأن من حق المرء أن يقف أينما شاء وكيفما شاء ليطلب دينار «طعمية» أو علبة مياه غازية. وعلى المتضرر اللجوء إلى «الصبر والتحمل»، لأنه لم يعد هناك سبيل آخر. وهي سلوكيات كما يؤكد علم النفس تدل على أنانية مفرطة وعدم اكتراث بحقوق الآخرين.
حتى أمس غير بعيد، لم تكن هذه السلوكيات مقبولة أو منتشرة، وكان من يمارسها عليه أن يواجه نظرات الاستهانة والتوبيخ من الآخرين، ولكنها باتت اليوم سلوكيات منتشرة ومقبولة أيضا.
ونحن نعد هذا الموضوع، صادفنا موقف هو مصداق لما في الأسطر السابقة، إذ توقفت سيارة في وسط الشارع الضيق أمام مطعم معروف في البحرين، وبكل ثقة نزلت السائقة واتجهت إلى داخل المطعم. وبعد لحظات حدثت الأزمة المرورية، عشرات السيارات تكدست في محاولة المرور، واضطر العديد من السواق للرجوع إلى الخلف أو تغيير الاتجاه. وبعد أكثر من عشر دقائق، رجعت السائقة بكل ثقة وهي تتبختر وتوزع نظرات التحدي غير آبهة بما سببته من أزمة مرورية (وقد وثقنا ذلك بالصور والفيديو).
لا تتورط!
المشكلة كما يقول أحد المواطنين، أنه لا يوجد قنوات مباشرة يمكن تقديم شكاوى لها بهذا الشأن من التصرفات، بل إن التصوير قد يعرضنا للمساءلة. ومع الأسف أننا صرنا نملس نوعا من التقبل أو «تكبير الدماغ» من الآخرين الذين لا يعترضون. وهذا ما يفاقم المشكلة.
وهذا ما يؤكده شاب تعرض لموقف لا يحسد عليه. فقد كان يقود سيارته في شارع ضيق، ليفاجأ بسيارة تقف بالاتجاه المعاكس وتغلق الطريق فيما كانت السائقة تنتظر داخلها. يقول الشاب: انتظرت مدة ثم «ضربت هرن» لأطلب منها التحرك. فما كان منها إلا أن رمقتني بنظرة استعلاء واستياء، وأشاحت بوجهها. حاولت تنبيهها مرة أخرى، لكنها هذه المرة أخرجت رأسها من النافذة وبدأت بالصراخ والشتائم. وعندها اضطررت إلى ان أصور السيارة ثم اتجهت إلى مركز الشرطة لتقديم شكوى بالسب والاهانة وارفقت صورة السيارة في وضع المخالفة الواضحة. وبعد مدة حفظت القضية وضاعت الحقوق كالعادة. ويعلق الشاب: هذا التجاهل للشكاوى هو ما يشجع مثل هؤلاء على التمادي.
موقف مشابه تعرض له مواطن كان مع أسرته، ففي أحد طرقات سوق واقف، وهي طرقات غنية عن التعريف في أزماتها المرورية، وقفت سيارة بشكل غريب، مسببة طوابير من المركبات التي تجاهد للمرور. نزل السائق واتجه إلى أحد المحلات، وعندما قرر المواطن تصوير السيارة كنوع من التحذير، اتجه إليه السائق ورمقه بنظرات يتطاير منها الشرر وهو مستعد للشجار بالأيدي، وانهال بالسباب على المواطن أمام أسرته!
«للأسف انتشرت في البحرين حركة البقاء في السيارة وطلب ما تريده من عامل البرادة أو الكافتيريا، واغلب من يقوم بهذا الامر هم الشباب والشابات، مع أن هذه الخدمة يفترض ان تكون قصرا على كبار السن أو المقعدين، وهذا ما يضاعف من هذه السلوكيات الخاطئة والوقوف العشوائي في الشوارع، ونحن نعلم أن من أمن العقوبة أساء الأدب، فليس هناك رادع حقيقي لهذه السلوكيات».
كان هذا تعليق أحد كبار السن الذي سألناه عما إذا كان يواجه مثل هذه الحالات.
تقبل المجتمع
سيل القصص لا ينتهي بشأن هذا النوع من الوقوف. فهذه المناظر منتشرة في كل لحظة وكل مكان، وهذا ما يثير سؤالا مهما: إذا كنا نشاهد هذه المخالفات المتكررة جهارا نهارا، كيف لا يحصل أصحابها على مخالفات مرورية؟ فكثيرٌ منها يحدث حتى في الطرقات العامة أو أمام الدوريات، وهو ما شاهدناه بأنفسنا خلال إعداد هذا الموضوع. ولكن لم يكن هناك أي رادع للمخالفين، بل في إحدى الحالات التي شهدناها عن قرب، كانت مركبة فيها شباب مراهقون تقف بإحدى القرى وسط الشارع تماما وتغلق الطريق، وعندما مرت دورية شرطة، تحركت المركبة أمتارا قليلة لتمر الدورية، ثم عادت لتقف في وسط الشارع مرة أخرى!
وتتضاعف المشكلة عندما يبدأ المجتمع في تقبل مثل هذه السلوكيات الشاذة، وبدل أن يصحح المجتمع نفسه، يصمت عن الخطأ مع صمت الجهات المعنية. وهذا ما يشجع المخالفين على التمادي، بل ويمارسها الكثيرون حتى لو خالفت مبادئهم وأخلاقهم على اعتبار «غيري ليس أفضل مني»!
انحراف سلوكي
الدراسات النفسية تؤكد أن الشخص الذي يرتكب مثل هذه السلوكيات والمخالفات يتميز بشخصية متهورة مع عدم الاكتراث بالمسؤولية الاجتماعية، وكثيرا ما يشعر هذا الشخص بالنقص.
فيما تشير دراسات إلى أن المخالفات المرورية غير المسؤولة تعكس شخصية تعاني التهميش أو الاكتئاب!
وفي علم النفس، تسمى المخالفة المرورية الصريحة (انحرافا سلوكيا)، لأنها تنحرف عن المعايير والضوابط الاجتماعية والقانونية، حيث يقوم بها الشخص عن عمد وليس عن جهل، وهو عارف بأنها تضر الآخرين.
والأسوأ أن البعض يشعر بالتلذذ في مخالفة القوانين أو بالتميز عند الإقدام على مثل هذه السلوكيات، في حين أن الشخص السليم يكون ملتزما بالمعايير السلوكية والقانونية والاجتماعية.
بل كما وصف استشاري الامراض النفسية الدكتور طارق المعداوي، هذه السلوكيات بأنها قد تعكس شخصية «نرجسية»، أو «سايكوباتية»، وهذه الأخيرة يتميز صاحبها بسلوك ضد المجتمع وكره الحياة الطبيعية.
يضاف إلى ذلك أسباب نفسية مرضية، وأخرى تتعلق بتقليد الآخرين، خاصة إذا لم يتعرضوا للجزاء. وهنا إذا ما انتشرت مثل هذه السلوكيات، فإن التأثير يكون مباشرا حتى على المعايير والأخلاقيات الثابتة، حيث تبدأ هذه المعايير تدريجيا في التغير أو الانحسار. ويبدأ المجتمع في تقبل هذا الخلل.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك