في الجلسة الافتتاحية للمنتدى الاقتصادي الثلاثي بين آسيان والصين
ومجلس التعاون لدول الخليج العربية كوالالمبور يوم ٢٧ مايو عام ٢٠٢٥
دولة السيد أنور إبراهيم رئيس الوزراء الماليزي المحترم السادة الضيوف رجال الأعمال والسيدات والسادة
يسعدني أن أجتمع معكم في كوالالمبور للمشاركة في الجلسة الافتتاحية للمنتدى الاقتصادي الثلاثي بين آسيان والصين ومجلس التعاون لدول الخليج العربية.
انعقدت قمة أسيان - الصين - الخليج اليوم بنجاح، حيث تم الاتفاق على تعزيز علاقات الشراكة بين الأطراف الثلاثة، مما فتح صفحة جديدة للتعاون بين الأطراف الثلاثة ودار النقاش المعمق بين قادة الدول المشاركين في القمة حول العنوان الرئيسي «الشراكة في خلق الفرص وتقاسم الازدهار»، ويرى الجميع أن المعادلة السياسية والاقتصادية العالمية تشهد الآن تغيرات عميقة ومعقدة، حيث ازدادت تحديات مشتركة أمام التنمية في كل الدول بشكل ملحوظ، وأصبحت الفرص التنموية أكثر ندرة وقيمة، وزاد الحاجة إلى تعزيز التعاون والحاجة إلى البصيرة البعيدة. أعتقد أن هذا النقاش، لما يكتسب من أهمية بالغة، ينبغي أن يجرى في كل الجوانب بما فيه قطاع الأعمال، بما يبلور الحكمة والتوافق على نطاق أوسع. أود أن أنتهز هذه الفرصة لأشارككم رؤيتي ذات النقاط الثلاث.
أولا: في ظل الظروف العصرية الحالية، إن تمكننا من مواجهة التحديات يدا بيد هو بذاته خلق فرص. تتعرض العولمة الاقتصادية في الوقت الراهن لصدمات كبيرة غير مسبوقة. ويواجه ما تتمسك به منذ زمن طويل من القيم والمفاهيم مثل التنمية السلمية والتعاون والكسب المشترك تحديات خطيرة. إن التعامل المشترك بشكل جيد لهذه المشاكل سيأتي بفرص مهمة لدول الأطراف الثلاثة في وجه تصاعد الصراعات الجيوسياسية والاستقطاب والمواجهة، سنتمكن من خلق فرص استراتيجية طويلة المدى، طالما تمسكنا بتعميق الثقة المتبادلة وتعزيز التضامن. تدل سيرة التنمية السريعة لأسيا طيلة العقود الماضية بشكل عميق على أنه لا يمكن تحقيق التنمية والازدهار إلا من خلال التضامن، والثقة المتبادلة والسلام والاستقرار. إن كل الدول في مجتمع يرتبط فيه مستقبل بعضها بالبعض، ستظهر وتتصاعد الخلافات في حالة نقص الثقة المتبادلة، ولا مجال للحديث عن التعاون. أما إذا عززنا التضامن والثقة المتبادلة، فسنتمكن من تبادل الدعم الاستراتيجي، وإجراء التعاون الاقتصادي العالي المستوى على نطاق أوسع وبشكل أكثر استدامة، بما يحقق الاستقرار والتنمية على المدى الطويل. في وجه تصاعد الحمائية والأحادية سنتمكن من خلق فرص سوق رحبة طالما تمسكنا بتوسيع الانفتاح وإزالة الحواجز. تعد دول الأطراف الثلاثة من المستفيدين من العولمة الاقتصادية، إذ إنها كسبت فرصا تنموية هائلة أثناء اندماجها في السوق العالمية. ستبني الأطراف الثلاثة إحدى أكبر الأسواق الإقليمية في العالم من خلال التواصل والترابط بين أسواقها، بما يشكل التأثير المضاعف الذي يمكن كل الدول من تقاسم فوائد أوفر عبر التشارك في بناء السوق الضخمة في وجه الممارسات المتزايدة من فك الارتباط وقطع السلاسل وبناء الجدران ووضع الحواجز. سنتمكن من خلق فرص للتحول والترقية طالما تمسكنا بتقاسم الموارد والتمكين المتبادل نظرا لتباين الدول من حيث الموارد والإمكانيات والهياكل الصناعية. يمكن لكل الدول تحقيق التوزيع الأمثل للموارد ورفع الكفاءة الصناعية وتعزيز القوة الدافعة للتنمية المستدامة من خلال المشاركة النشطة في التعاون الصناعي الدولي، وتمكين الدول الأخرى بمزاياها مع تطوير ذاتها بمزايا الدول الأخرى.
ثانيا: يضرب التعاون الودي بين الصين ودول آسيان ومجلس التعاون الخليجي بجذوره في أعماق التاريخ، ويبشر بمستقبل أكثر إشراقا. منذ وصول أول قافلة صينية إلى الشرق الأوسط وأول أسطول صيني إلى جنوب شرقي آسيا قبل أكثر من ألفي سنة. امتدت التبادلات الاقتصادية والتجارية والشعبية والثقافية بين دول الأطراف الثلاثة لأكثر من 20 قرنا، ولم تنقطع، بل تزداد متانة مع مرور الزمن. سيسجل التعاون الثلاثي صفحات باهرة جديدة بكل تأكيد. على أساس الإرث التاريخي العميق سنتمتع بمجال أرحب للتنمية. يشكل عدد السكان الإجمالي وحجم الاقتصاد الإجمالي لدول الأطراف الثلاثة حوالي ربع سكان واقتصاد العالم، إلا أن حجم تجارتها الإجمالي ليس سوى نحو 5% من التجارة العالمية، فلا تزال هناك إمكانيات هائلة. مع تعميق التعاون الثلاثي باستمرار سيتنامى حجم التجارة والاستثمار باطراد، بما يسهم بقوة في تعزيز التنمية في كل الدول ونمو شركاتها. سنتمتع بفوائد اقتصادية على مستوى أعلى. إن التدفق السلس للعوامل والارتباط والتناسق بين القطاعات الصناعية لدول الأطراف الثلاثة، يعني الوصول إلى موارد الطاقة بتكلفة أقل ونظام لوجستي أكثر كفاءة وخدمات مالية أسهل ودعم علمي وتكنولوجي أحدث وسيعزز ذلك تنافسية وصلابة الاقتصاد للأطراف الثلاثة بشكل ملحوظ، وسيحقق تنمية أكثر فعالية وسلامة. سنتمتع ببيئة أكثر حيوية للابتكار. تظهر الأنشطة الابتكارية في دول الأطراف الثلاثة نشاطا كبيرا ولكل منها خصائصها المتميزة. إن تعزيز التعاون في هذا الصدد سيسهم في تعزيز التواصل والاستفادة المتبادلة بين المواهب وتكامل المزايا بين الدول في مجال الابتكار وتوفير الدعم البحثي والتطويري المتميز وسيناريوهات التطبيق الغنية للابتكار. وتربية مزيد من الصناعات والأعمال الجديدة، بما يزيد من قدرة ومكانة الأطراف الثلاثة في معادلة الابتكار العالمية.
إن المحيط الأزرق للتعاون بين الأطراف الثلاثة شاسع جدا، وذلك يتطلب منا اتخاذ خطوات ملموسة للتحكم في المستقبل وتكوينه بصورة أفضل. إن الجانب الصيني على استعداد للعمل مع دول آسيان ومجلس التعاون الخليجي على تعزيز المواءمة للاستراتيجيات التنموية وتعميق التعاون في التكامل الإقليمي ورفع مستوى تحرير وتسهيل التجارة والاستثمار. وفي الوقت نفسه، يتطلب منا أن نحافظ بحزم على منظومة التجارة المتعددة الأطراف التي تكون منظمة التجارة العالمية مركزا لها، وتدفع بتهيئة بيئة مستقرة ومنتظمة للسوق الدولية في وجه الجولة الجديدة من الثورة التكنولوجية والتحول الصناعي.
من منظور التوجه الاستراتيجي، إن الصين اقتصاد فائق الضخامة، وما يتميز به اقتصاد الدولة الكبيرة مثل الاقتصاد الصيني هو الطلب المحلي السائد وقابلية التدوير الداخلي. ستركز استراتيجياتنا التنموية على زيادة الطلب المحلي وتقوية الدورة المحلية بصورة أكثر، بما يعزز القوة الدافعة الداخلية للاقتصاد الصيني باستمرار. نعمل حاليا على تنفيذ استراتيجية زيادة الطلب المحلي بوتيرة متسارعة وإطلاق الحملة الخاصة بتحفيز الاستهلاك بهدف توجيه مزيد من السياسات والموارد، الأمر الذي سيحرر إمكانية ضخمة من الطلب. كما تواصل تعميق الإصلاح على نحو شامل وتسريع تحول الصناعات لتصبح صناعات راقية وذكية وخضراء، الأمر الذي سيخلق مزيدا من الطلب الجديد أيضا. إن حجم الاقتصاد الصيني الهائل يمكن أن يوفر سوقا ضخمة للمنتجات ذات الجودة المميزة من كل الدول سنعمل على توسيع الانفتاح العالي المستوى بكل ثبات وتطبيق مزيد من التدابير للانفتاح المستقل والانفتاح الأحادي الجانب، وتعزيز التكامل بين الدورتين المحلية والدولية، وتمكين الشركات من دول آسيان ودول مجلس التعاون الخليجي وباقي دول العالم من تقاسم الفرص الناجمة عن تنمية الصين بشكل كاف.
السيدات والسادة والأصدقاء،
إن التعاون هو الجواب الصائب الوحيد للتغلب على التحديات المشتركة. تحرص الصين على بذل جهود مشتركة مع دول آسيان ودول مجلس التعاون الخليجي لتعزيز النمو الاقتصادي المستقر والسليم من خلال تعاون أكثر انفتاحا والعمل يدا بيد على خلق الفرص وتقاسم الازدهار.
شكرا لكم
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك