العدد : ١٧٢٣٦ - الأحد ٠١ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٥ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٣٦ - الأحد ٠١ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٥ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

هيا إلى لندن

اعترفت‭ ‬مرارا‭ ‬بعدم‭ ‬اعترافي‭ ‬بعمري‭ ‬البيولوجي‭ ‬الحسابي،‭ ‬لأنني‭ ‬كلما‭ ‬تذكرته،‭ ‬أحسست‭ ‬بأن‭ ‬السنوات‭ ‬المنقضية‭ ‬من‭ ‬عمري‭ ‬كانت‭ ‬‮«‬ع‭ ‬الفاضي‮»‬‭ ‬أي‭ ‬أنني‭ ‬لم‭ ‬أحقق‭ ‬فيها‭ ‬الكثير‭ ‬مما‭ ‬أصبو‭ ‬إليه‭. ‬ثم‭ ‬قرأت‭ ‬حكاية‭ ‬البريطانية‭ ‬شيرلي‭ ‬تريج‭ ‬التي‭ ‬تبلغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬44‭ ‬عاما،‭ ‬التي‭ ‬عادت‭ ‬الى‭ ‬سن‭ ‬الشباب‭ ‬علميا‭ ‬وطبيا‭ ‬وليس‭ ‬مثلي‭ ‬بالتزوير‭ ‬والكذب‭.‬

ما‭ ‬حدث‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬قبل‭ ‬أشهر‭ ‬قليلة‭ ‬توجهت‭ ‬شيرلي‭ ‬الى‭ ‬البقالة‭ ‬لشراء‭ ‬لوازم‭ ‬بيتها،‭ ‬وكان‭ ‬البلاط‭ ‬في‭ ‬المتجر‭ ‬مبتلا‭ ‬فانزلقت‭ ‬رجلها‭ ‬وسقطت‭ ‬واصطدم‭ ‬رأسها‭ ‬بالبلاط،‭ ‬ولكنها‭ ‬هبت‭ ‬واقفة‭ ‬وحملت‭ ‬مشترياتها‭ ‬وانصرفت،‭ ‬ثم‭ ‬أخبرت‭ ‬زوجها‭ ‬بما‭ ‬حدث،‭ ‬فقرر‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الاطمئنان‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬يصطحبها‭ ‬إلى‭ ‬المستشفى،‭ ‬وبينما‭ ‬هو‭ ‬يجلس‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬غرفة‭ ‬الطبيب‭ ‬انفجرت‭ ‬صائحة‭ ‬مذعورة‭: ‬من‭ ‬انت‭ ‬والى‭ ‬اين‭ ‬تذهب‭ ‬بي؟‭ ‬يا‭ ‬قليل‭ ‬الحياء‭.. ‬أنا‭ ‬من‭ ‬عائلة‭ ‬محافظة‭. ‬وفي‭ ‬عيادة‭ ‬طبية،‭ ‬فلماذا‭ ‬تجلس‭ ‬جواري‭ ‬يا‭ ‬صعلوك‭ ‬يا‭ ‬صائع‭ ‬يا‭ ‬ضائع‭!! ‬ولما‭ ‬أخبرتها‭ ‬الممرضة‭ ‬بأنه‭ ‬زوجها،‭ ‬احتجت‭ ‬بقولها‭: ‬عمري‭ ‬16‭ ‬سنة،‭ ‬فكيف‭ ‬أكون‭ ‬متزوجة‭ ‬وأنا‭ ‬لم‭ ‬أكمل‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانوية؟‭ ‬باختصار‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬شيرلي‭ ‬فقدت‭ ‬القسم‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬ذاكرتها،‭ ‬بسبب‭ ‬ارتطام‭ ‬رأسها‭ ‬ببلاط‭ ‬المتجر،‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬تذكر‭ ‬إلا‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬فيها‭ ‬شابة‭ ‬بنت‭ ‬16‭ ‬سنة،‭ ‬وما‭ ‬قبلها،‭ ‬واهدي‭ ‬هذه‭ ‬الحكاية‭ ‬للمتصابين‭ ‬والمتصابيات،‭ ‬وانا‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬لتزويدهم‭ ‬باسم‭ ‬البقالة‭ ‬السحرية‭ ‬في‭ ‬لندن،‭ (‬نظير‭ ‬عمولة‭ ‬رمزية‭ ‬أو‭ ‬مقابل‭ ‬تزويدي‭ ‬بتذكرة‭ ‬طائرة‭ ‬إلى‭ ‬لندن‭ ‬على‭ ‬الدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬لأدلهم‭ ‬على‭ ‬موقع‭ ‬البقالة‭ ‬بنفسي‭) ‬ليتوجهوا‭ ‬إلى‭ ‬هناك‭ ‬ويضربوا‭ ‬رؤوسهم‭ ‬على‭ ‬بلاطها،‭ ‬ليفقدوا‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬25‭ ‬إلى‭ ‬ثلاثين‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬أعمارهم،‭ ‬ليكفوا‭ ‬عن‭ ‬شد‭ ‬الجلد‭ ‬واستخدام‭ ‬الدهانات‭ ‬والبوتوكس‭ ‬والورنيش‭ ‬لاسترداد‭ ‬الشباب‭. ‬قبل‭ ‬حين‭ ‬من‭ ‬الزمان‭ ‬ليس‭ ‬بالبعيد‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬مطار‭ ‬دبي‭ ‬ولفت‭ ‬نظري‭ ‬صديق‭ ‬لي‭ ‬مسافرة‭ ‬ذات‭ ‬وجه‭ ‬غير‭ ‬متناسق‭. ‬كانت‭ ‬بها‭ ‬مسحة‭ ‬من‭ ‬جمال‭ ‬غابر،‭ ‬ولكن‭ ‬أحد‭ ‬خديها‭ ‬كان‭ ‬لامعا‭ ‬ومتماسكا‭ ‬بينما‭ ‬الخد‭ ‬الآخر‭ ‬مجعدا‭ ‬وفيه‭ ‬زقزاق‭ ‬يعني‭ ‬عالي‭ ‬‭ ‬واطي‭. ‬وكان‭ ‬واضحا‭ ‬من‭ ‬بقية‭ ‬تقاطيع‭ ‬وجهها‭ ‬أنها‭ ‬استخدمت‭ ‬البوتوكس‭ ‬لشد‭ ‬الوجه‭ ‬فصار‭ ‬جزء‭ ‬منه‭ ‬مشدودا‭ ‬والجزء‭ ‬الآخر‭ ‬مجرورا‭ ‬بالكسر‭ ‬والتجاعيد‭ (‬عندما‭ ‬كانت‭ ‬بنتي‭ ‬مروة‭ ‬في‭ ‬نحو‭ ‬السابعة‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬جلست‭ ‬تطن‭ ‬وتزن‭ ‬في‭ ‬أذني‭ ‬بضع‭ ‬دقائق‭ ‬بينما‭ ‬كنت‭ ‬منهمكا‭ ‬في‭ ‬القراءة‭: ‬حلي‭ ‬عني‭ ‬يا‭ ‬بنت‭ ‬الناس‭! ‬ولكنها‭ ‬طالبت‭ ‬بأن‭ ‬ألعب‭ ‬معها‭ ‬‮«‬الثعابين‭ ‬والسلالم‮»‬‭ ‬عيب‭ ‬يا‭ ‬بنت‭ ‬فهذه‭ ‬لعبة‭ ‬إرهابية‭!! ‬طيب‭ ‬نلعب‭ ‬مونوبولي‭. ‬وهذه‭ ‬اللعبة‭ ‬يتم‭ ‬فيها‭ ‬استخدام‭ ‬عملات‭ ‬ورقية‭ ‬لشراء‭ ‬عقارات‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬وكل‭ ‬من‭ ‬يمر‭ ‬بعقار‭ ‬تملكه‭ ‬يدفع‭ ‬لك‭ ‬أجرا‭ ‬معلوما،‭ ‬وتنهي‭ ‬اللعبة‭ ‬بأن‭ ‬يكوش‭ ‬أحد‭ ‬اللاعبين‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬السيولة‭ ‬المتوافرة،‭ ‬وكلما‭ ‬مارست‭ ‬المونوبولي‭ ‬يستولي‭ ‬أحدهم‭ ‬على‭ ‬نقودي‭ ‬المزيفة‭ ‬فأُصاب‭ ‬بتقلص‭ ‬في‭ ‬الامعاء،‭ ‬يعني‭ ‬حتى‭ ‬فلوس‭ ‬اللعب‭ ‬تفر‭ ‬مني،‭ ‬فقاطعت‭ ‬اللعبة‭ ‬ورفضت‭ ‬بالتالي‭ ‬طلب‭ ‬مروة‭. ‬فما‭ ‬كان‭ ‬منها‭ ‬إلا‭ ‬انتزعت‭ ‬الكتاب‭ ‬من‭ ‬يدي‭ ‬وفرت‭ ‬هاربة‭ ‬فطاردتها‭ ‬فصارت‭ ‬تقفز‭ ‬من‭ ‬مكان‭ ‬الى‭ ‬مكان‭ ‬وخلال‭ ‬ثلاث‭ ‬دقائق‭ ‬كان‭ ‬جهازي‭ ‬التنفسي‭ ‬قد‭ ‬أوشك‭ ‬على‭ ‬الانفجار،‭ ‬فجلست‭ ‬منشدا‭ (‬ألا‭ ‬ليت‭ ‬الشباب‭ ‬يعود‭ ‬يوما‭/ ‬لأخبره‭ ‬بما‭ ‬فعلت‭ ‬مريوة‭).‬

خلونا‭ ‬في‭ ‬المهم‭ ‬ولنعد‭ ‬إلى‭ ‬لندن‭ ‬وإلى‭ ‬البقالة‭ ‬التي‭ ‬ترد‭ ‬الشباب‭ ‬كي‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬فوائد‭ ‬أخرى‭ ‬للسقوط‭ ‬على‭ ‬بلاطها،‭ ‬فعلى‭ ‬المستوى‭ ‬الشخصي‭ ‬فإنني‭ ‬عازف‭ ‬عن‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الشباب‭ ‬فليس‭ ‬لي‭ ‬فيه‭ ‬ذكريات‭ ‬تستأهل،‭ ‬وأود‭ ‬ان‭ ‬أذهب‭ ‬الى‭ ‬ذلك‭ ‬المتجر‭ ‬لأسقط‭ ‬على‭ ‬رأسي‭ ‬مرة‭ ‬وعلى‭ ‬جبهتي‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬كي‭ ‬ترتد‭ ‬بي‭ ‬الذاكرة‭ ‬الى‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬عام‭ ‬1967،‭ ‬لأعيش‭ ‬في‭ ‬وهم‭ ‬اننا‭ ‬قادرون‭ ‬على‭ ‬إلقاء‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬البحر،‭ ‬ولو‭ ‬تمردت‭ ‬ذاكرتي‭ ‬كليا‭ ‬وانمحت‭ ‬كل‭ ‬المعلومات‭ ‬المخزونة‭ ‬في‭ ‬الهارد‭ ‬ديسك‭ ‬الموجود‭ ‬في‭ ‬رأسي‭ ‬‮«‬يكون‭ ‬أبرك‮»‬،‭ ‬كي‭ ‬تنمحي‭ ‬معها‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يفيد‭ ‬بأنني‭ ‬أنتمي‭ ‬إلى‭:‬

‭ ‬قوم‭ ‬إذا‭ ‬ضُرب‭ ‬الحذاء‭ ‬برأسهم ‭ ‬صاح‭ ‬الحذاء‭ ‬بأي‭ ‬ذنب‭ ‬أُضربُ

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا