زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
هيا إلى لندن
اعترفت مرارا بعدم اعترافي بعمري البيولوجي الحسابي، لأنني كلما تذكرته، أحسست بأن السنوات المنقضية من عمري كانت «ع الفاضي» أي أنني لم أحقق فيها الكثير مما أصبو إليه. ثم قرأت حكاية البريطانية شيرلي تريج التي تبلغ من العمر 44 عاما، التي عادت الى سن الشباب علميا وطبيا وليس مثلي بالتزوير والكذب.
ما حدث هو أنه قبل أشهر قليلة توجهت شيرلي الى البقالة لشراء لوازم بيتها، وكان البلاط في المتجر مبتلا فانزلقت رجلها وسقطت واصطدم رأسها بالبلاط، ولكنها هبت واقفة وحملت مشترياتها وانصرفت، ثم أخبرت زوجها بما حدث، فقرر من باب الاطمئنان عليها أن يصطحبها إلى المستشفى، وبينما هو يجلس معها في غرفة الطبيب انفجرت صائحة مذعورة: من انت والى اين تذهب بي؟ يا قليل الحياء.. أنا من عائلة محافظة. وفي عيادة طبية، فلماذا تجلس جواري يا صعلوك يا صائع يا ضائع!! ولما أخبرتها الممرضة بأنه زوجها، احتجت بقولها: عمري 16 سنة، فكيف أكون متزوجة وأنا لم أكمل المرحلة الثانوية؟ باختصار ما حدث هو أن شيرلي فقدت القسم الأكبر من ذاكرتها، بسبب ارتطام رأسها ببلاط المتجر، ولم تعد تذكر إلا الفترة التي كانت فيها شابة بنت 16 سنة، وما قبلها، واهدي هذه الحكاية للمتصابين والمتصابيات، وانا على استعداد لتزويدهم باسم البقالة السحرية في لندن، (نظير عمولة رمزية أو مقابل تزويدي بتذكرة طائرة إلى لندن على الدرجة الأولى لأدلهم على موقع البقالة بنفسي) ليتوجهوا إلى هناك ويضربوا رؤوسهم على بلاطها، ليفقدوا ما بين 25 إلى ثلاثين سنة من أعمارهم، ليكفوا عن شد الجلد واستخدام الدهانات والبوتوكس والورنيش لاسترداد الشباب. قبل حين من الزمان ليس بالبعيد كنت في مطار دبي ولفت نظري صديق لي مسافرة ذات وجه غير متناسق. كانت بها مسحة من جمال غابر، ولكن أحد خديها كان لامعا ومتماسكا بينما الخد الآخر مجعدا وفيه زقزاق يعني عالي – واطي. وكان واضحا من بقية تقاطيع وجهها أنها استخدمت البوتوكس لشد الوجه فصار جزء منه مشدودا والجزء الآخر مجرورا بالكسر والتجاعيد (عندما كانت بنتي مروة في نحو السابعة من العمر جلست تطن وتزن في أذني بضع دقائق بينما كنت منهمكا في القراءة: حلي عني يا بنت الناس! ولكنها طالبت بأن ألعب معها «الثعابين والسلالم» عيب يا بنت فهذه لعبة إرهابية!! طيب نلعب مونوبولي. وهذه اللعبة يتم فيها استخدام عملات ورقية لشراء عقارات في لندن وكل من يمر بعقار تملكه يدفع لك أجرا معلوما، وتنهي اللعبة بأن يكوش أحد اللاعبين على كل السيولة المتوافرة، وكلما مارست المونوبولي يستولي أحدهم على نقودي المزيفة فأُصاب بتقلص في الامعاء، يعني حتى فلوس اللعب تفر مني، فقاطعت اللعبة ورفضت بالتالي طلب مروة. فما كان منها إلا انتزعت الكتاب من يدي وفرت هاربة فطاردتها فصارت تقفز من مكان الى مكان وخلال ثلاث دقائق كان جهازي التنفسي قد أوشك على الانفجار، فجلست منشدا (ألا ليت الشباب يعود يوما/ لأخبره بما فعلت مريوة).
خلونا في المهم ولنعد إلى لندن وإلى البقالة التي ترد الشباب كي نتحدث عن فوائد أخرى للسقوط على بلاطها، فعلى المستوى الشخصي فإنني عازف عن العودة إلى الشباب فليس لي فيه ذكريات تستأهل، وأود ان أذهب الى ذلك المتجر لأسقط على رأسي مرة وعلى جبهتي مرة أخرى، كي ترتد بي الذاكرة الى ما قبل عام 1967، لأعيش في وهم اننا قادرون على إلقاء إسرائيل في البحر، ولو تمردت ذاكرتي كليا وانمحت كل المعلومات المخزونة في الهارد ديسك الموجود في رأسي «يكون أبرك»، كي تنمحي معها كل ما يفيد بأنني أنتمي إلى:
قوم إذا ضُرب الحذاء برأسهم صاح الحذاء بأي ذنب أُضربُ
إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك