يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره
سمو الأمير سلمان بن حمد ورؤية البحرين الآسيوية الاستراتيجية
ليستا مجرد كلمتين في قمتين. هي رؤية استراتيجية للبحرين طرحها سمو الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس الوزراء.
أقصد بالطبع الكلمتين اللتين القاهما سموه في قمة دول مجلس التعاون ودول الآسيان، وقمة دول مجلس التعاون والآسيان مع الصين.
سمو الأمير سلمان بن حمد لم يرد أن تكون الكلمتان حديثا فقط عن علاقات دول مجلس التعاون ودول الاسيان والصين وأهميتها الاستراتيجية، وإنما أراد ان يقدم رؤية بحرينية استراتيجية شاملة إلى حد بعيد للتحولات التي يشهدها العالم على مختلف المستويات، ولموقع دول المجموعتين والصين من هذه التحولات، وللمستقبل وقضاياه الأساسية كما تراه البحرين.
قبل كل شيء، كان أمرا ملفتا يستحق التقدير الكبير حرص سمو الأمير سلمان بن حمد على أن يبرز في كلمتيه دور البحرين الرائد سواء فيما يتعلق بالعلاقات مع دول الآسيان والصين، أو فيما يتعلق بقضايا العمل الدولي.
أما عن العلاقات مع الدول الآسيوية، فقد كانت البحرين هي التي بادرت قبل خمسة عشر عاما واستضافت الاجتماع الوزاري للحوار الاستراتيجي بين دول مجلس التعاون ودول الآسيان. هذا الاجتماع هو الذي وضع الأسس لعلاقات التعاون بين الجانبين التي تطورت، وتطور الحوار بعد ذلك حتى وصل الى مرحلة الحديث عن الشراكة الاستراتيجية في القمة الحالية.
وكان سمو الأمير سلمان حريصا على أن يشير إلى التزامات البحرين بالعمل الدولي المشترك والذي تجسد في القمة العربية التي احتضنتها البحرين وما طرحه خلالها جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة من رؤى، وما خرجت به من مواقف والتزامات دولية من بينها الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط.
وفي الكلمتين، طرح سمو ولي العهد رئيس الوزراء ابعادا وجوانب محددة تمثل مجتمعة رؤية البحرين الاستراتيجية الاسيوية.
ويمكن تلخيص ابعاد هذه الرؤية في جوانب أربعة هي على النحو التالي:
أولا: أن هناك أسسا راسخة قوية لعلاقات الشراكة الاستراتيجية بين دول مجلس التعاون والآسيان والصين.
كان ملفتا هنا أن سمو الأمير سلمان وضع على رأس هذه الأسس القيم المشتركة والأبعاد الإنسانية.
هذه رؤية صائبة تماما. من المعروف أن دول مجلس التعاون، والدول العربية عموما، والدول الآسيوية، لديها قيم ومبادئ عامة تحكم الحياة الاجتماعية والسياسية والنظرة للعالم، متوافقة الى حد كبير. وهي مثلا تختلف عن القيم والمبادئ التي تحكم الدول الغربية.
هذا البعد المتمثل في التوافق في القيم العامة، والبُعد الإنساني عموما هي، كما قال سموه، في صلب الرؤية المشتركة.
الحقيقة أن حرص سمو الأمير سلمان بن حمد على تأكيد هذا الجانب وراءه قناعة مؤداها أن هذا الأساس للعلاقات من شأنه أن يجعلها أكثر قوة ورسوخا واستدامة.
وهذا صحيح تماما لأن التوافق في القيم والأبعاد الإنسانية يعطي للعلاقات عمقا شعبيا أكبر بكثير من مجرد المصالح المباشرة.
وغير هذا البعد، هناك بطبيعة الحال اعتبارات المصالح المشتركة لكل من دول مجلس التعاون ودول الآسيان والصين، الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية العامة التي تمثل أسسا لعلاقات الشراكة الاستراتيجية.
ثانيا: أنه يجب إدراك أن هذه الشراكة الاستراتيجية ليست مصلحة مشتركة فقط، ولكنها ضرورة تحتمها التحديات العالمية الراهنة.
نعلم بالطبع أن العالم يمر بمرحلة خطيرة من التحولات على كافة الأصعدة، وتغييرات متسارعة في كل المجالات، وفي موازين القوى الدولية. هذه التحولات تفرض بالطبع تحديات هائلة على كل دول العالم، وعلى الدول العربية والآسيوية خصوصا.
سمو الأمير سلمان بن حمد وصف الأجواء العالمية الحالية بأنها «مرتبكة»، ووصف التحديات العالمية الراهنة بأنها معقدة ومتشابكة. وهذا توصيف دقيق.
المهم هنا أنه في مواجهة هذه التحديات وهذا الوضع العالمي، ينبغي إدراك أنه لا يمكن أن تواجهها وتتعامل معها كل دولة بمفردها.
وهذا بالضبط هو الجانب الذي أكده سمو الأمير سلمان بن حمد. أكد أنه لا يمكن مواجهة هذه التحديات والتعامل معها بما يخدم مصالحنا إلا بالعمل معا وعبر الشراكة الاستراتيجية بين دول مجلس التعاون ودول الآسيان والصين.
ثالثا: ان دول مجلس التعاون ودول الآسيان والصين تمثل معا قوة عالمية هائلة اقتصاديا وسياسيا وعلى كل المستويات.
سمو الأمير سلمان بن حمد قال بهذا الصدد: «تشكل دول مجلس التعاون والآسيان والصين معا ربع سكان العالم، ونحو 20% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وهو ما يمنح شراكتها الاستراتيجية إمكانات هائلة، ومسؤوليات عظيمة في الوقت ذاته».
إذن نحن نتحدث عن قوة عالمية كبرى تمتلك إمكانيات كبيرة جدا. هذا بالطبع في إطار الشراكة الاستراتيجية بين دول مجلس التعاون والاسيان والصين.
بعبارة أخرى، بمقدور هذه القوة أن تحقق مصالح دولها وشعوبها حاضرا ومستقبلا إذا هي حشدت قوتها معا. وفي الوقت نفسه فإن هذه القوة مؤهلة لأن تتحمل مسؤوليات كبرى في النظام العالمي بشكل عام على كل المستويات.
هذا بعد استراتيجي للشراكة له أهمية حاسمة.
رابعا: حرص سمو الأمير سلمان بن حمد في رؤيته التي قدم أبعادها وملامحها على أن يحدد بدقة قضايا ومهام المستقبل الملقاة على عاتق دول مجلس التعاون والآسيان والصين في إطار الشراكة الاستراتيجية.
سموه طرح بالتفصيل أبعاد الرؤية المستقبلية وقضاياها وركز خصوصا على القضايا والمهام التالية:
إنشاء نظام لتعزيز الأمن الغذائي.
تطوير السياحة المستدامة.
الاستثمار في رأس المال البشري عبر التعليم والبحث.
التعاون الفعّال في تطوير الطاقة النظيفة، وتحسين كفاءة استخدامها، وإنشاء بنية تحتية مستدامة ومرنة لخدمة الأجيال القادمة.
الإدارة الحكيمة للتحول الرقمي العالمي، وهو مجال يخلق فرصا هائلة، وبينما نُسرّع وتيرة التقدم التكنولوجي، لا بد أن نضمن أن هذا التقدم يستند إلى قيم ثقافية وإنسانية، لا سيما في تطوير وتطبيق الذكاء الاصطناعي.
الدعوة إلى إبرام معاهدة دولية تُنظم تطوير الذكاء الاصطناعي بطريقة مسؤولة وأخلاقية.
توحيد الجهود والالتزام الجماعي لتجديد المنظمات الدولية، بما في ذلك المؤسسات المالية والاقتصادية العالمية، لتكون أكثر شمولاً وإنصافًا وقادرةً على مواكبة متطلبات الحاضر واحتياجات المستقبل.
تجديد الدعوة لتحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وفق حل الدولتين.
إذا تأملنا أبعاد هذه الرؤية المستقبلية وقضاياها وأجندتها التي طرحها سمو الأمير سلمان بن حمد للشراكة الاستراتيجية بين دول مجلس التعاون والآسيان والصين، فسوف نجد انه يطرح أجندة واضحة المعالم بدقة شديدة. وهي رؤية للمستقبل واعية وحضارية وإنسانية متقدمة لها طابع عالمي. هذه رؤية ليس فقط للشراكة الخليجية الآسيوية، وإنما لعالم أكثر أمنا واستقرارا وإنسانية. وليس غريبا أن يضع سموه القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني في قلب الرؤية المستقبلية للشراكة، فهذا هو موقف البحرين الثابت الدائم.
هذه إذن الملامح العامة لرؤية البحرين الآسيوية الاستراتيجية كما طرحها سمو ولي العهد رئيس الوزراء الأمير سلمان بن حمد آل خليفة في كلمتيه.
لا بد أن نؤكد هنا أن هذه الرؤية لها اليوم أهمية استراتيجية كبرى لدول مجلس التعاون والدول العربية عموما والدول الآسيوية.
نعلم أن هناك نظاما عالميا جديدا آخذ في التشكل. العالم يشهد تحولات متسارعة، وتغيرات في موازين القوى العالمية.
الرؤية التي طرحها سموه، بالإضافة إلى أنها تحدد بعضا من ملامح النظام العالمي الجديد العادل والإنساني المنشود، فإن من شأنها أن تضمن أن تكون دول مجلس التعاون والدول الآسيوية معا قوة أساسية فاعلة في تشكيل هذا النظام، وفي تقرير شؤون العالم، بما من شأنه تحقيق المصالح العربية والآسيوية، وفي الوقت نفسه تضمن أن يكون النظام الجديد أكثر تعددية وتحضرا وعدلا وإنسانية.
إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك