تخيّل السفر على متن طائرة متّجهة من مدينة سياتل في أمريكا إلى مدينة لندن البريطانية، لكن عوض حرق محرّكها الوقود الأحفوري، يعمل بوقود مصنوع من الهواء.
يبدو الأمر قصة خيال علمي، غير أنّ مختبرات الأبحاث تسعى لتحقيقه بالفعل، رغم أنّ الأمر يبقى على نطاق ضيّق جدًا.
تعمل فئة جديدة من وقود الطيران المستدام على سحب ثاني أكسيد الكربون من الهواء لتحوِّله إلى وقود طائرات، مقدمةً لمحة عن مستقبل قد يكون فيه قطاع الطيران خاليًا من الانبعاثات تقريبًا. لكن سعر هذا النوع من الوقود خالي الانبعاثات لا يزال باهظًا جدًا، وهنا تكمن المشكلة.
إمكانات الوقود الاصطناعي وكلفته الباهظة
تختلف أسعار وقود الطيران المستدام باختلاف طريقة تصنيعه، ولم يُستخدم أي من أنواعه على نطاق واسع حتى الآن.
هناك نوعان رئيسيان، هما: وقود الطائرات المستدام الحيوي (SAF)، المصنوع من مواد عضوية مثل زيت الطهي المستعمل، والنفايات الزراعية، ووقود الطائرات المستدام الكهربائي (e-SAF)، والمعروف أيضًا باسم الوقود الاصطناعي، والكيروسين الإلكتروني، وهذا النوع مصنوع من الهيدروجين المتجدد وثاني أكسيد الكربون المُلتَقَط من الهواء.
ويُعدّ الوقود الاصطناعي الخيار الأغلى ثمنًا، ومردّ ذلك إلى حدٍ كبير إلى التكلفة العالية لالتقاط الكربون والتحليل الكهربائي، إلا أنه يتمتّع بإمكانات كبيرة، فيمكنه أن يكون محايدًا للكربون تمامًا.
وقالت مسؤولة سياسات الطيران في منظمة النقل والبيئة الأوروبية غير الربحية التي تُركز على النقل المستدام، كاميل موتريل: «بين جميع بدائل وقود الطائرات الأحفوري، يُمثل الكيروسين الاصطناعي أكثر مسار واعد لإزالة الكربون من قطاع الطيران».
وشرحت: «بخلاف وقود الطائرات المستدام الحيوي، والذي يعيقه توافر المواد الخام ومخاوف استخدام الأراضي، يمكن توسيع نطاق الكيروسين الاصطناعي بشكل مستدام لتلبية الطلب على وقود الطيران من دون أن يتعارض مع إنتاج الغذاء».
ورغم أنّ السوق لا يزال ناشئًا، فإنّه من المتوقع أن تبدأ أولى الرحلات الجوية التجارية التي تستخدم الوقود الاصطناعي، ولو بشكلٍ جزئي، بحلول عام 2030، بحسب ما ذكرته موتريل.
ووفقًا لوكالة سلامة الطيران التابعة للاتحاد الأوروبي، يبلغ متوسط سعر الوقود الاصطناعي 8,720 دولارًا تقريبًا للطن.
ويُعدّ وقود الطائرات المستدام الحيوي أرخص، حيث يبلغ سعره 2,365 دولارًا للطن، لكنه لا يزال أغلى بكثير من وقود الطائرات التقليدي، الذي يبلغ متوسط سعره حوالي 830 دولارًا للطن.
هل يصبح الهواء الوقود الجديد للطائرات في المستقبل؟
من المقرر افتتاح أول منشأة تجريبية تجارية لشركة Twelve في واشنطن قبل نهاية هذا العام.
يأخذ الوقود الاصطناعي ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي (أو الانبعاثات الصناعية)، بالإضافة إلى الهيدروجين المستخرج من الماء عن طريق التحليل الكهربائي باستخدام الكهرباء المتجددة.
وينتج عن ذلك وقود طائرات صناعي يمكن استخدامه في محركات الطائرات الحالية، ويتميز بإمكانية إعادة تدوير الكربون بدلاً من إضافته إلى الغلاف الجوي.
تُعد Twelve التي تأخذ من كاليفورنيا مقرًا لها بين الشركات الرائدة في هذا القطاع، فهي تُطوّر تقنية التحليل الكهربائي لثاني أكسيد الكربون عند درجة حرارة منخفضة.
وأوضح نائب رئيس تطوير الأعمال لدى Twelve، أشوين جادهاف: يعتمد نهجنا على الكيمياء الكهربائية، حيث نُجري التحليل الكهربائي لثاني أكسيد الكربون في المراحل الأولية، ونجريه عند درجات حرارة منخفضة. لا يوجد الكثير من الاختصاصيين في هذا المجال.
تستهلك هذه العملية منخفضة الحرارة طاقة أقل مقارنةً بالطرق التقليدية عالية الحرارة، وتتكامل بسهولة مع طاقة الرياح والطاقة الشمسية، ما يجعل إنتاج الوقود الاصطناعي أكثر كفاءة وقابلية للتوسع.
سيُفتتح أول مصنع تجريبي تجاري لشركة Twelve هذا العام في ولاية واشنطن، وتخطط الشركة لإنتاج 50 ألف غالون من وقود الطيران المستدام سنويًا.
محدودية الانتشار
رغم تَوافر التقنيات التي تُمكّن من الوصول إلى قطاع طيران مستدام، فإنّ الابتعاد عن الوقود الأحفوري يظلّ مسارًا طويلاً ومعقدًا.
تلعب الاستثمارات القائمة وطويلة الأمد في النفط، والاعتبارات السياسية، ووتيرة التشريعات دورًا في سرعة انطلاق عملية التحول.
في هذا الشأن أوضحت أستاذة إدارة الطيران في جامعة مدينة دبلن، مارينا إيفثيميو: نحن بحاجة إلى حجم وافر لخفض الأسعار، لكن التكاليف الأولية المرتفعة تُثني شركات الطيران عن اعتماد وقود الطيران المستدام على نطاق واسع. ومن دون تدخلات قوية من ناحية السياسات، مثل الدعم المالي، والحوافز الضريبية، والالتزامات القانونية، فإن الفجوة المالية ببساطة كبيرة جدًا بحيث يصعب تجاوزها.
كما لَفَتت إلى أنّ الوقود الاصطناعي يُعدّ الأعلى قدرة على خفض الانبعاثات مقارنةً بأي وقود طيران مستدام آخر، ولكنه الأكثر تكلفة أيضًا من حيث التشغيل الأولي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك