العدد : ١٧٢٢٤ - الثلاثاء ٢٠ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٢ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٢٤ - الثلاثاء ٢٠ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٢ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

في هذا العصر.. ليس بالتكنولوجيا وحدها يعيش الإنسان!

بقلم: د. جاسم بونوفل

الثلاثاء ٢٠ مايو ٢٠٢٥ - 02:00

الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬من‭ ‬التقنيات‭ ‬المثيرة‭ ‬للجدل‭ ‬في‭ ‬الأوساط‭ ‬العلمية‭ ‬والسياسية‭ ‬والثقافية‭ ‬والتربوية؛‭ ‬بسبب‭ ‬أن‭ ‬تطبيقاته‭ ‬دخلت‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬مجالات‭ ‬الحياة‭. ‬وأصبح‭ ‬واقعا‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬لأي‭ ‬مجتمع‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يجاري‭ ‬التقدم‭ ‬والتطور‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الاستغناء‭ ‬عنه‭ ‬ويغض‭ ‬الطرف‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الاختراع‭ ‬المثير‭ ‬للعجب‭ ‬الذي‭ ‬بات‭ ‬العصر‭ ‬الذي‭ ‬نعيشه‭ ‬اليوم‭ ‬ينعت‭ ‬باسمه‭.‬

لكن‭ ‬مع‭ ‬إيماننا‭ ‬الراسخ،‭ ‬بقدرات‭ ‬ومميزات‭ ‬هذا‭ ‬الابتكار‭ ‬العجيب،‭ ‬ودوره‭ ‬الفاعل‭ ‬في‭ ‬تسهيل‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬أمور‭ ‬حياتنا،‭ ‬وقناعاتنا‭ ‬بأن‭ ‬تقدم‭ ‬الدول‭ ‬وتطورها‭ ‬يمر‭ ‬عبر‭ ‬بوابته،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يعفينا‭ ‬من‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬الوجه‭ ‬المعتم‭ ‬لهذه‭ ‬التقنية‭ ‬الساحرة،‭ ‬والتنبيه‭ ‬إلى‭ ‬مخاطرها‭ ‬على‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تحبو‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬التكنولوجيا،‭ ‬ولا‭ ‬داعي‭ ‬للتذكير‭ ‬بأن‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬العربية‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تواجه‭ ‬تحديات‭ ‬عدة‭ ‬تعرقل‭ ‬تطور‭ ‬مسيرتها؛‭ ‬فالتعليم‭ ‬في‭ ‬بلداننا‭ ‬العربية‭ ‬لا‭ ‬يلبي‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الحالات‭ ‬طموحاتنا‭ ‬ويسير‭ ‬ببطء‭ ‬نحو‭ ‬تحقيق‭ ‬أهدافه،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬اتساع‭ ‬الفجوة‭ ‬العلمية‭ ‬بين‭ ‬دولنا‭ ‬والدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬عميقة‭ ‬وتظهر‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬عديدة،‭ ‬مثل‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬والتعليم‭ ‬العالي‭.. ‬وبناء‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الحقائق،‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬يقلقنا‭ ‬هو‭: ‬إن‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬سيعمق‭ ‬تلك‭ ‬المشكلات؛‭ ‬إذ‭ ‬سيساعد‭ ‬على‭ ‬انخفاض‭ ‬الدافعية‭ ‬نحو‭ ‬التعليم‭ ‬لدى‭ ‬المواطن‭ ‬العربي،‭ ‬ويجعل‭ ‬لسان‭ ‬حاله‭ ‬يقول‭: ‬لماذا‭ ‬أبذل‭ ‬جهدا‭ ‬في‭ ‬القراءة‭ ‬والتعلم‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬‮«‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‮»‬‭ ‬يوفر‭ ‬لي‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬أريد‭ ‬من‭ ‬معلومات‭ ‬وبيانات‭ ‬ونصوص،‭ ‬ويقدمها‭ ‬لي‭ ‬على‭ ‬طبق‭ ‬من‭ ‬ذهب‭. ‬

لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬أصحاب‭ ‬هذا‭ (‬التخصص‭) ‬متحمسون‭ ‬لهذا‭ ‬الاختراع،‭ ‬ونحن‭ ‬لا‭ ‬نعترض‭ ‬على‭ ‬حماسهم،‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬حقنا‭ ‬أن‭ ‬نذكرهم‭ ‬بأن‭: ‬ليس‭ ‬بالتكنولوجيا‭ ‬وحدها‭ ‬يعيش‭ ‬الإنسان،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬ليس‭ ‬هو‭ ‬البوابة‭ ‬الوحيدة‭ ‬للدخول‭ ‬إلى‭ ‬التنمية‭ ‬والمستقبل‭. ‬لأننا‭ ‬نعي‭ ‬جيداً‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬الاختراعات‭ ‬التي‭ ‬صنعها‭ ‬الإنسان‭ ‬تحمل‭ ‬في‭ ‬طياتها‭ ‬الخير‭ ‬والشر،‭ ‬وأن‭ ‬الإنسان‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يوجهها‭ ‬إلى‭ ‬الخير،‭ ‬وهو‭ ‬أيضاً‭ ‬الذي‭ ‬يوظفها‭ ‬في‭ ‬الشر‭.‬،‭ ‬ونذكر‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬مخترع‭ ‬الديناميت‭ ‬‮«‬ألفرد‭ ‬نوبل‮»‬‭ ‬انتابه‭ ‬شعور‭ ‬بالذنب‭ ‬بسبب‭ ‬اختراعه‭ ‬المدمر‭ ‬للبشرية،‭ ‬وأراد‭ ‬أن‭ ‬يكفر‭ ‬عن‭ ‬ذنبه‭ ‬بسبب‭ ‬هذا‭ ‬الاختراع؛‭ ‬فأوصى‭ ‬بإنشاء‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬للسلام‭ ‬لتمنح‭ ‬للأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬يسهمون‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬السلام‭ ‬والوئام‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬وعليه،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬الاختراع‭ ‬العظيم‭ ‬‮«‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‮»‬‭ ‬لن‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬الاختراعات‭ ‬الأخرى‭ ‬فهو‭ ‬ليس‭ ‬كله‭ ‬خيراً،‭ ‬وإنما‭ ‬يحمل‭ ‬في‭ ‬أحشائه‭ ‬مكامن‭ ‬الشر‭. ‬

المشتغلون‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭ ‬يقولون‭: ‬إن‭ ‬المسألة‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تنظيم‭ ‬وتشريعات‭ ‬وقوانين‭ ‬تنظم‭ ‬استخدام‭ ‬تقنيات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭. ‬ويرى‭ ‬هؤلاء‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬المتقدم‭ ‬قد‭ ‬قطع‭ ‬شوطاً‭ ‬بعيداً‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬وضع‭ ‬المعايير‭ ‬الدولية‭ ‬مثل‭: ‬اللائحة‭ ‬العامة‭ ‬لحماية‭ ‬البيانات‭ (‬GDPR‭)‬،‭ ‬وقوانين‭ ‬منظمة‭ ‬التعاون‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والتنمية‭ (‬OECD‭)‬،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬التشريعات‭ ‬الوطنية‭ ‬مثل‭ ‬قانون‭ ‬حماية‭ ‬البيانات‭ ‬الشخصية‭ (‬PDPL‭) ‬وقوانين‭ ‬مكافحة‭ ‬الجرائم‭ ‬الإلكترونية‭. ‬ويزعم‭ ‬هؤلاء‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التشريعات‭ ‬كفيلة‭ ‬بالحد‭ ‬من‭ ‬المخاطر‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬سوء‭ ‬استخدام‭ ‬تقنيات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭.‬

‭ ‬السؤال‭ ‬المهم‭ ‬الذي‭ ‬يطرح‭ ‬نفسه‭ ‬هو‭: ‬هل‭ ‬وضع‭ ‬التشريعات‭ ‬والقوانين‭ ‬يكفي‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬مخاطر‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي؟

الوقائع‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬القوانين‭ ‬لم‭ ‬تحد‭ ‬من‭ ‬سوء‭ ‬استخدام‭ ‬هذه‭ ‬التقنية‭ ‬بدليل‭ ‬تزايد‭ ‬الجرائم‭ ‬الإلكترونية،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬التاريخ‭ ‬يعلمنا‭ ‬أن‭ ‬القوانين‭ ‬الدولية‭ ‬لم‭ ‬توقف‭ ‬الحروب‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وهي‭ ‬أيضاً‭ ‬لم‭ ‬تمنع‭ ‬أمريكا‭ ‬من‭ ‬إلقاء‭ ‬القنبلة‭ ‬الذرية‭ ‬على‭ ‬هيروشيما‭ ‬ونجازاكي‭ ‬اليابانيتين‭ ‬وتدميرهما‭. ‬

إن‭ ‬ما‭ ‬نحتاج‭ ‬له‭ ‬اليوم،‭ ‬هو‭ ‬إعادة‭ ‬الاعتبار‭ ‬إلى‭ ‬العلوم‭ ‬الإنسانية‭ ‬‭ ‬كالفلسفة‭ ‬وعلم‭ ‬النفس،‭ ‬وعلم‭ ‬الاجتماع،‭ ‬والعلوم‭ ‬السياسية،‭ ‬والأدب،‭ ‬والفنون‭ ‬وهي‭ ‬مجالات‭ ‬تبحث‭ ‬في‭ ‬طبيعة‭ ‬الإنسان‭ ‬وجوهره‭: ‬كيف‭ ‬يفكر،‭ ‬ويتفاعل،‭ ‬ويعبر،‭ ‬ويحكم،‭ ‬ويتطور‭. ‬فهذه‭ ‬العلوم‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تسمو‭ ‬بالإنسان‭ ‬وتهيئه‭ ‬لفهم‭ ‬المتغيرات‭ ‬التي‭ ‬تنعكس‭ ‬آثارها‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العصر‭ ‬الذي‭ ‬بدأت‭ ‬فيه‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬تتحكم‭ ‬بشدة‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬حياة‭ ‬الفرد‭ ‬والمجتمع‭.‬

‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالعلوم‭ ‬الإنسانية‭ ‬باتت‭ ‬حاجة‭ ‬مهمة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى؛‭ ‬لأنها‭ ‬هي‭ ‬السلاح‭ ‬الذي‭ ‬ندافع‭ ‬به‭ ‬ضد‭ ‬من‭ ‬تسول‭ ‬له‭ ‬نفسه‭ ‬سوء‭ ‬استخدام‭ ‬تقنيات‭ ‬التكنولوجيا،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬تسعفنا‭ ‬في‭ ‬توجيه‭ ‬تقنية‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ ‬يعزز‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬تؤكد‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬الإنجازات‭ ‬العلمية‭ ‬لخير‭ ‬الإنسانية‭.‬

‭ ‬إن‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬وحدها‭ ‬لا‭ ‬تنتج‭ ‬مجتمعات‭ ‬متوازنة،‭ ‬ونتيجة‭ ‬لذلك‭ ‬يصبح‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬ضرورياً‭ ‬لفهم‭ ‬المشكلات‭ ‬النفسية‭ ‬للاستخدام‭ ‬المكثف‭ ‬للتكنولوجيا‭ ‬وخصوصاً‭ ‬لدى‭ ‬الأطفال‭ ‬الذين‭ ‬أصبحوا‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬‮«‬بالإدمان‭ ‬الرقمي‮»‬‭.  ‬كما‭ ‬أننا‭ ‬في‭ ‬أمس‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬إحياء‭ ‬الفلسفة،‭ ‬وبعثها‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬لأنها‭ ‬أصبحت‭ ‬ضرورية‭ ‬بحكم‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬طرح‭ ‬الأسئلة‭ ‬التي‭ ‬تتعلق‭ ‬بالأخلاق‭ ‬والضمير‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الثورة‭ ‬الصناعية‭ ‬الثالثة‭.‬

إننا‭ ‬اليوم،‭ ‬أمام‭ ‬ثورة‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬جديد‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬الثورات‭ ‬الصناعية‭ ‬السابقة؛‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬غيرت‭ ‬من‭ ‬طريقة‭ ‬عملنا‭ ‬وحياتنا‭. ‬أما‭ ‬‮«‬ثورة‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‮»‬‭ ‬فقد‭ ‬غيرت‭ ‬من‭ ‬طريقة‭ ‬تفكيرنا،‭ ‬ومشاعرنا،‭ ‬وقراراتنا‭. ‬وأصبح‭ ‬هذا‭ ‬الاختراع‭ ‬متغلغلا‭ ‬في‭ ‬كياننا،‭ ‬ولهذا‭ ‬فلن‭ ‬يكفينا‭ ‬إتقان‭ ‬المهارات‭ ‬التكنولوجية‭ ‬التي‭ ‬تعيننا‭ ‬في‭ ‬التعاطي‭ ‬معه‭ ‬كآلة،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬ما‭ ‬نحتاج‭ ‬إليه‭ ‬هو‭ ‬‮«‬الأخلاقيات‮»‬‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬تقدمها‭ ‬العلوم‭ ‬الإنسانية‭. ‬لذا،‭ ‬لن‭ ‬نستطيع‭ ‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬‮«‬ثورة‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‮»‬‭ ‬بحكمة‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لدينا‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬المشتغلين‭ ‬بهذه‭ ‬التقنية‭ ‬ثلة‭ ‬من‭ ‬المفكرين‭ ‬والفلاسفة‭ ‬وعلماء‭ ‬النفس‭ ‬والفنانين‭. ‬فمن‭ ‬دون‭ ‬هؤلاء‭ ‬ربما‭ ‬ننتج‭ ‬نهضة‭ ‬علمية‭ ‬ومجتمعا‭ ‬متقدما‭ ‬لكنه‭ ‬قد‭ ‬تغيب‭ ‬عنه‭ ‬العدالة‭ ‬وتغلب‭ ‬عليه‭ ‬الماديات‭.‬

إن‭ ‬المجتمعات‭ ‬التي‭ ‬ترنو‭ ‬إلى‭ ‬التقدم،‭ ‬هي‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬تنمية‭ ‬قدرات‭ ‬أبنائها‭ ‬على‭ ‬الفهم‭ ‬والتحليل‭ ‬والربط‭ ‬والتفكير‭ ‬الأخلاقي‭. ‬والعلوم‭ ‬الإنسانية‭ ‬هي‭ ‬البئية‭ ‬الحاضنة‭ ‬التي‭ ‬تصقل‭ ‬فيها‭ ‬هذه‭ ‬القدرات،‭ ‬وتبنى‭ ‬فيها‭ ‬العقول‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬قيادة‭ ‬المستقبل‭. ‬

رب‭ ‬قائل‭ ‬يقول‭: ‬إن‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬متخمة‭ ‬بالمتخصصين‭ ‬بالعلوم‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وهذا‭ ‬القول‭ ‬صحيح،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يعطينا‭ ‬مبرراً‭ ‬لإلغاء‭ ‬هذه‭ ‬العلوم‭ ‬من‭ ‬جامعاتنا‭ ‬أو‭ ‬مدارسنا‭ ‬أو‭ ‬إهمالها‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬الاهتمام‭ ‬بها؛‭ ‬فالدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬لم‭ ‬تلغ‭ ‬هذه‭ ‬العلوم،‭ ‬ولم‭ ‬تهملها،‭ ‬فهي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬محتفظة‭ ‬بمكانتها،‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬أساتذتها‭ ‬ومفكروها‭ ‬لديهم‭ ‬حظوة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬ويحتفى‭ ‬بهم‭ ‬في‭ ‬أرقى‭ ‬الجامعات‭ ‬العريقة‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬عندنا‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬العربية‭. ‬

في‭ ‬تقديري،‭ ‬إن‭ ‬مواجهة‭ ‬سوء‭ ‬استخدام‭ ‬تقنية‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تطبيق‭ ‬إجراءات‭ ‬السلامة‭ ‬والمعايير‭ ‬الأخلاقية‭ ‬المعترف‭ ‬بها‭ ‬دوليا،‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التشريعات،‭ ‬وتعزيز‭ ‬الرقابة،‭ ‬وتكثيف‭ ‬برامج‭ ‬التوعية‭ ‬والتدريب‭ ‬لسبب‭ ‬بسيط‭ ‬وهو‭ ‬أننا‭ ‬لا‭ ‬نزال‭ ‬نعتمد‭ ‬على‭ ‬حلول‭ ‬ذكاء‭ ‬اصطناعي‭ ‬مطورة‭ ‬خارجيا،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يحد‭ ‬من‭ ‬السيطرة‭ ‬الكاملة‭ ‬على‭ ‬المعايير‭ ‬الأخلاقية‭ ‬لهذه‭ ‬الأنظمة‭. ‬

خلاصة‭ ‬القول،‭ ‬إننا‭ ‬لسنا‭ ‬ضد‭ ‬الولوج‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬وبالأخص‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬‮«‬ثورة‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‮»‬‭ ‬لأن‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬المستحيل‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬اليوم،‭ ‬لأن‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬متغلغلة‭ ‬في‭ ‬تفاصيل‭ ‬حياتنا،‭ ‬لكن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬ندعو‭ ‬إليه‭ ‬هو‭ ‬إيجاد‭ ‬بيئة‭ ‬وحاضنة‭ ‬أخلاقية‭ ‬لهذا‭ ‬المولود‭ ‬الجديد‭ ‬حتى‭ ‬يتحصن‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الأمراض‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تفضي‭ ‬إلى‭ ‬انحرافه‭ ‬عن‭ ‬مساره‭ ‬الصحيح،‭ ‬فيتحول‭ ‬إلى‭ ‬وحش‭ ‬كاسر،‭ ‬وشيطان‭ ‬يدمر‭ ‬القيم‭ ‬والفضائل‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬مساهمته‭ ‬في‭ ‬الارتقاء‭ ‬والسمو‭ ‬بها‭. ‬ولكي‭ ‬يظل‭ ‬عوناً‭ ‬للإنسان‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬التحديات‭ ‬والمشكلات‭ ‬التي‭ ‬تواجهه‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬الحياة‭ ‬المختلفة‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا