العدد : ١٧٢٢٤ - الثلاثاء ٢٠ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٢ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٢٤ - الثلاثاء ٢٠ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٢ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

هل الهجرة تشكل «مشكلة» في أمريكا؟!

بقلم: د. منار الشوربجي

الاثنين ١٩ مايو ٢٠٢٥ - 02:00

يمكن‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬الهجرة‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ليست‭ ‬مشكلة‭ ‬أصلًا‭. ‬على‭ ‬العكس،‭ ‬فأمريكا‭ ‬تشهد‭ ‬تناقصًا‭ ‬في‭ ‬معدلات‭ ‬الهجرة‭ ‬ولها‭ ‬تأثيراته‭ ‬السلبية‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭.‬

‭ ‬فمنذ‭ ‬أن‭ ‬رشح‭ ‬نفسه‭ ‬للرئاسة‭ ‬عام‭ ‬2015،‭ ‬وضع‭ ‬ترامب‭ ‬ما‭ ‬يسميه‭ ‬‮«‬بمشكلة‮»‬‭ ‬الهجرة‭ ‬على‭ ‬سلم‭ ‬أولوياته‭ ‬باعتبارها‭ ‬تدمر‭ ‬المجتمع‭. ‬وكثيرة‭ ‬هي‭ ‬تصريحاته‭ ‬التي‭ ‬يتهم‭ ‬فيها‭ ‬دول‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬تفرغ‭ ‬سجونها‭ ‬عمدًا‮»‬‭ ‬لتطلق‭ ‬‮«‬مجرميها‮»‬‭ ‬نحو‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬ولا‭ ‬يكف‭ ‬ترامب‭ ‬عن‭ ‬وصف‭ ‬المهاجرين‭ ‬بأنهم‭ ‬يأتون‭ ‬‮«‬بالملايين‮»‬‭ ‬الى‭ ‬بلاده‭ ‬فيعيثون‭ ‬فيها‭ ‬فسادًا‭ ‬ويرفعون‭ ‬معدلات‭ ‬الجريمة،‭ ‬وبأنهم‭ ‬‮«‬وحوش‮»‬‭ ‬واتهمهم‭ ‬بأنهم‭ ‬‮«‬يأكلون‭ ‬القطط‭ ‬والكلاب‮»‬‭ ‬بل‭ ‬‮«‬يسرقون‭ ‬وظائف‮»‬‭ ‬الأمريكيين‭.‬

غير‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬اللغة‭ ‬التي‭ ‬تنضح‭ ‬بالعنصرية‭ ‬لا‭ ‬تصمد‭ ‬أمام‭ ‬الإحصاءات‭ ‬الرسمية‭ ‬الأمريكية‭ ‬ذاتها‭. ‬فلا‭ ‬يوجد‭ ‬دليل‭ ‬واحد‭ ‬تملكه‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬دول‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية‭ ‬‮«‬تفرغ‭ ‬سجونها‮»‬‭ ‬نحو‭ ‬أمريكا‭.‬

‭ ‬ويقول‭ ‬مركز‭ ‬‮«‬كيتو‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬أحد‭ ‬مراكز‭ ‬الفكر‭ ‬اليمينية‭ ‬أصلًا،‭ ‬إن‭ ‬احتمال‭ ‬قتل‭ ‬أمريكي‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬مهاجر‭ ‬شرعي‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬شرعي‭ ‬نسبته‭ ‬صفر‭! ‬أما‭ ‬مركز‭ ‬الدراسات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التابع‭ ‬للحكومة‭ ‬فيقول‭ ‬إن‭ ‬ارتكاب‭ ‬المهاجرين‭ ‬الشرعيين‭ ‬وغير‭ ‬الشرعيين‭ ‬لأي‭ ‬جرائم،‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬نوع،‭ ‬أقل‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬نسبة‭ ‬الجريمة‭ ‬بين‭ ‬المواطنين‭ ‬أنفسهم‭. ‬

ووفق‭ ‬آخر‭ ‬الإحصاءات‭ ‬السكانية،‭ ‬الصادرة‭ ‬عام‭ ‬2020،‭ ‬يمثل‭ ‬المهاجرون‭ ‬14%‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬عدد‭ ‬السكان،‭ ‬أي‭ ‬45‭ ‬مليونا‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬332‭ ‬مليونا‭ ‬هو‭ ‬المجموع‭ ‬الكلي‭ ‬لسكان‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬ويمثل‭ ‬المهاجرون‭ ‬غير‭ ‬الشرعيين‭ ‬11,4‭ ‬مليون،‭ ‬ثلثاهم‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬يعيشون‭ ‬ويعملون‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬منذ‭ ‬عقد‭ ‬كامل‭ ‬على‭ ‬الأقل‭. ‬

والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬عمل‭ ‬المهاجرين‭ ‬غير‭ ‬الشرعيين‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يدفع‭ ‬عجلة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الأمريكي‭. ‬فلأن‭ ‬أجورهم‭ ‬هي‭ ‬الأقل‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬بسبب‭ ‬ابتزازهم‭ ‬واستغلال‭ ‬وضعهم‭ ‬القانوني‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬أصحاب‭ ‬العمل،‭ ‬تحقق‭ ‬الشركات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬توظفهم‭ ‬أرباحًا‭ ‬خيالية‭. ‬فهناك‭ ‬قطاعات‭ ‬اقتصادية،‭ ‬كالفنادق‭ ‬والخدمات‭ ‬والبناء‭ ‬والزراعة،‭ ‬لن‭ ‬تحقق‭ ‬أرباحًا‭ ‬لولا‭ ‬الأجور‭ ‬الزهيدة‭ ‬التي‭ ‬يدفعونها‭ ‬للمهاجرين‭ ‬غير‭ ‬الشرعيين‭.‬

والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬أمس‭ ‬الحاجة‭ ‬الى‭ ‬المهاجرين،‭ ‬لا‭ ‬العكس‭! ‬فوفق‭ ‬مكتب‭ ‬الميزانية‭ ‬التابع‭ ‬للكونجرس،‭ ‬فإن‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬الآن‭ ‬وحتى‭ ‬2053،‭ ‬لن‭ ‬يزداد‭ ‬النمو‭ ‬السكاني‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬سوى‭ ‬بنسبة‭ ‬0,3%‭. ‬فمعدلات‭ ‬المواليد‭ ‬انخفضت‭ ‬بنسبة‭ ‬20%‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2007‭. ‬وبدون‭ ‬الهجرة،‭ ‬يغدو‭ ‬المجتمع‭ ‬الأمريكي‭ ‬مجتمعًا‭ ‬من‭ ‬العجائز‭ ‬وكبار‭ ‬السن‭!‬

وهناك‭ ‬بالفعل‭ ‬نقص‭ ‬حاد‭ ‬في‭ ‬العمالة‭ ‬تعاني‭ ‬منه‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬مواقع‭ ‬العمل‭. ‬فهناك،‭ ‬مثلًا،‭ ‬نقص‭ ‬في‭ ‬القوة‭ ‬العاملة‭ ‬في‭ ‬التمريض‭ ‬والزراعة‭ ‬وقيادة‭ ‬سيارات‭ ‬النقل‭.‬

ويقول‭ ‬مركز‭ ‬بيو‭ ‬إن‭ ‬نسبة‭ ‬المهاجرين‭ ‬التي‭ ‬تمثل‭ ‬17%‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬العمل‭ ‬ليست‭ ‬كافية‭. ‬وبدون‭ ‬المهاجرين،‭ ‬ستنخفض‭ ‬قوة‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بنسبة‭ ‬10%‭ ‬عام‭ ‬2035‭. ‬ولتعويض‭ ‬النقص‭ ‬في‭ ‬القوة‭ ‬العاملة،‭ ‬عادت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لعمالة‭ ‬الأطفال‭. ‬

فحاكم‭ ‬ولاية‭ ‬فلوريدا،‭ ‬مثلًا،‭ ‬تقدم‭ ‬لمجلسها‭ ‬التشريعي‭ ‬بمشروع‭ ‬قانون‭ ‬لو‭ ‬تمت‭ ‬الموافقة‭ ‬عليه،‭ ‬فستصبح‭ ‬عمالة‭ ‬المراهقين‭ ‬قانونية‭ ‬وتزداد‭ ‬ساعات‭ ‬عملهم‭ ‬المسموح‭ ‬بها‭.‬

‭ ‬كذلك‭ ‬فإن‭ ‬الطلاب‭ ‬الأجانب،‭ ‬الذين‭ ‬يشن‭ ‬عليهم‭ ‬ترامب‭ ‬حملة‭ ‬شرسة،‭ ‬تعتمد‭ ‬عليهم‭ ‬الجامعات‭ ‬الأمريكية‭ ‬لتحافظ‭ ‬على‭ ‬معدلات‭ ‬الالتحاق‭ ‬بها،‭ ‬وهم‭ ‬يمثلون‭ ‬مصدرًا‭ ‬رئيسيًا‭ ‬لملء‭ ‬الوظائف‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬اليها‭ ‬أمريكا‭ ‬لتدور‭ ‬عجلة‭ ‬الاقتصاد‭. ‬

ووفق‭ ‬مؤسسة‭ ‬‮«‬بيو‮»‬،‭ ‬لا‭ ‬تلبي‭ ‬معدلات‭ ‬الهجرة‭ ‬الحالية‭ ‬سوى‭ ‬ربع‭ ‬ما‭ ‬تحتاج‭ ‬اليه‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬الأمريكية‭ ‬سنويًا‭. ‬باختصار،‭ ‬المهاجرون‭ ‬ليسوا‭ ‬مجرمين‭ ‬‮«‬ولا‭ ‬يسرقون‭ ‬الوظائف‮»‬،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬أمس‭ ‬الحاجة‭ ‬إليهم‭.‬

أين‭ ‬المشكلة‭ ‬إذن؟‭ ‬الإجابة‭ ‬عندي‭ ‬هي‭ ‬لون‭ ‬بشرة‭ ‬المهاجرين‭! ‬فالمهاجرون‭ ‬الجدد‭ ‬لأمريكا‭ ‬ليسوا‭ ‬من‭ ‬البيض،‭ ‬فهم‭ ‬في‭ ‬أغلبيتهم‭ ‬الساحقة‭ ‬يأتون‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬جنوب‭ ‬العالم‭. ‬لذلك،‭ ‬كان‭ ‬يتحتم‭ ‬اختراع‭ ‬لغة‭ ‬شفرية‭ ‬جوهرها‭ ‬الحقيقي‭ ‬المسألة‭ ‬العرقية‭ ‬بل‭ ‬واختراع‭ ‬اسم‭ ‬آخر‭ ‬‮«‬للمشكلة‮»‬‭ ‬فصار‭ ‬الاسم‭ ‬هو‭ ‬‮«‬الهجرة‮»‬‭!‬

 

{ باحثة‭ ‬مختصة‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الأمريكية

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا