يمكن القول بأن الهجرة في الولايات المتحدة ليست مشكلة أصلًا. على العكس، فأمريكا تشهد تناقصًا في معدلات الهجرة ولها تأثيراته السلبية على الاقتصاد.
فمنذ أن رشح نفسه للرئاسة عام 2015، وضع ترامب ما يسميه «بمشكلة» الهجرة على سلم أولوياته باعتبارها تدمر المجتمع. وكثيرة هي تصريحاته التي يتهم فيها دول أمريكا اللاتينية بأنها «تفرغ سجونها عمدًا» لتطلق «مجرميها» نحو الولايات المتحدة. ولا يكف ترامب عن وصف المهاجرين بأنهم يأتون «بالملايين» الى بلاده فيعيثون فيها فسادًا ويرفعون معدلات الجريمة، وبأنهم «وحوش» واتهمهم بأنهم «يأكلون القطط والكلاب» بل «يسرقون وظائف» الأمريكيين.
غير أن كل تلك اللغة التي تنضح بالعنصرية لا تصمد أمام الإحصاءات الرسمية الأمريكية ذاتها. فلا يوجد دليل واحد تملكه الولايات المتحدة يقول إن دول أمريكا اللاتينية «تفرغ سجونها» نحو أمريكا.
ويقول مركز «كيتو»، الذي هو أحد مراكز الفكر اليمينية أصلًا، إن احتمال قتل أمريكي على يد مهاجر شرعي أو غير شرعي نسبته صفر! أما مركز الدراسات الاقتصادية التابع للحكومة فيقول إن ارتكاب المهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين لأي جرائم، من أي نوع، أقل بكثير من نسبة الجريمة بين المواطنين أنفسهم.
ووفق آخر الإحصاءات السكانية، الصادرة عام 2020، يمثل المهاجرون 14% فقط من عدد السكان، أي 45 مليونا من بين 332 مليونا هو المجموع الكلي لسكان الولايات المتحدة. ويمثل المهاجرون غير الشرعيين 11,4 مليون، ثلثاهم على الأقل يعيشون ويعملون في الولايات المتحدة منذ عقد كامل على الأقل.
والحقيقة أن عمل المهاجرين غير الشرعيين هو الذي يدفع عجلة الاقتصاد الأمريكي. فلأن أجورهم هي الأقل على الإطلاق، بسبب ابتزازهم واستغلال وضعهم القانوني من جانب أصحاب العمل، تحقق الشركات والمؤسسات الأمريكية التي توظفهم أرباحًا خيالية. فهناك قطاعات اقتصادية، كالفنادق والخدمات والبناء والزراعة، لن تحقق أرباحًا لولا الأجور الزهيدة التي يدفعونها للمهاجرين غير الشرعيين.
والولايات المتحدة في أمس الحاجة الى المهاجرين، لا العكس! فوفق مكتب الميزانية التابع للكونجرس، فإن الفترة من الآن وحتى 2053، لن يزداد النمو السكاني في الولايات المتحدة سوى بنسبة 0,3%. فمعدلات المواليد انخفضت بنسبة 20% منذ عام 2007. وبدون الهجرة، يغدو المجتمع الأمريكي مجتمعًا من العجائز وكبار السن!
وهناك بالفعل نقص حاد في العمالة تعاني منه الكثير من مواقع العمل. فهناك، مثلًا، نقص في القوة العاملة في التمريض والزراعة وقيادة سيارات النقل.
ويقول مركز بيو إن نسبة المهاجرين التي تمثل 17% من قوة العمل ليست كافية. وبدون المهاجرين، ستنخفض قوة العمل في الولايات المتحدة بنسبة 10% عام 2035. ولتعويض النقص في القوة العاملة، عادت الولايات المتحدة لعمالة الأطفال.
فحاكم ولاية فلوريدا، مثلًا، تقدم لمجلسها التشريعي بمشروع قانون لو تمت الموافقة عليه، فستصبح عمالة المراهقين قانونية وتزداد ساعات عملهم المسموح بها.
كذلك فإن الطلاب الأجانب، الذين يشن عليهم ترامب حملة شرسة، تعتمد عليهم الجامعات الأمريكية لتحافظ على معدلات الالتحاق بها، وهم يمثلون مصدرًا رئيسيًا لملء الوظائف التي تحتاج اليها أمريكا لتدور عجلة الاقتصاد.
ووفق مؤسسة «بيو»، لا تلبي معدلات الهجرة الحالية سوى ربع ما تحتاج اليه سوق العمل الأمريكية سنويًا. باختصار، المهاجرون ليسوا مجرمين «ولا يسرقون الوظائف»، بل إن الاقتصاد الأمريكي في أمس الحاجة إليهم.
أين المشكلة إذن؟ الإجابة عندي هي لون بشرة المهاجرين! فالمهاجرون الجدد لأمريكا ليسوا من البيض، فهم في أغلبيتهم الساحقة يأتون من دول جنوب العالم. لذلك، كان يتحتم اختراع لغة شفرية جوهرها الحقيقي المسألة العرقية بل واختراع اسم آخر «للمشكلة» فصار الاسم هو «الهجرة»!
{ باحثة مختصة في الشؤون الأمريكية
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك