الإسلام عقيدة، وشريعة، ومن شعائر الإسلام العبادات التي تحمل في مضامينها من الوسائل والغايات التي يتوسل بها لبلوغ الغايات القريبة والبعيدة، والمحدودة وغير المحدودة، فإذا تحققت هذه العبادة المحدودة تحولت إلى وسيلة في ذاتها، وأصبحت غاية عظيمة هي مرضاة الله تعالى، فالصلاة هي وسيلة لتجديد الولاء والانتماء لهذا الدين العظيم، وفيها الإصرار على البقاء على العهد مهما واجه العبد من العقبات، وفيها - أي الصلاة- استمرار على ديمومة التواصل مع الخالق سبحانه وتعالى.
أما الزكاة، فهي عبادة اجتماعية تحقق الطهر للعبد، وتزكي أعماله الصالحات، يقول تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم) التوبة / 103.
إذًا، فمن عطاء الزكاة كوسيلة: الطهر، أي تطهير مال المزكي من الحرام، ومن الشح والبخل، وفيها شعور بالسعادة وذلك حين يشارك إخوانه من الفقراء والمساكين في أمواله، يقول تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم) التوبة يس في سورة / 60.
هذه الأصناف الثمانية من أهل الحاجة يمثلون أغلب فئات المجتمع التي تشكو الحاجة والفقر، وعندما ينال العبد، من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا أعظم العطاء الذي تحققه الزكاة كوسيلة وغاية، عندها يشعر العبد ببركة في الرزق، واستمرار في البذل لمن هم دونه في الغنى.
إذًا، فالزكاة وسيلة إلى الطهر والزيادة، وهذه غايتها القريبة، فإنها كذلك لها غاية مطلوبة يحرص عليها المؤمن.
أما الصوم فهو عبادة فيه خير من تجتمع الوسائل والغايات، فالوسيلة المرجوة منه هي تحفيز الهمم على تنمية العلاقات الاجتماعية، وتوثيق الروابط الإنسانية بين الأغنياء وأصحاب الحاجات من الفقراء والمساكين الذين فرض الله تعالى الزكاة لهم في أموال الأغنياء لتحقق الزكاة بعد ذلك غاية نبيلة تتحقق للمزكي غاية عظمى هي المغفرة والعتق من النيران وجحيم يوم القيامة.
والحج عبادة تجمع بين الوسائل والغايات، فهي وسيلة فيها منافع كثيرة، يقول تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) آل عمران / 97.
وفي اجتماع المسلمين في الحج من أقطار الدنيا منافع كثيرة منها: تحقيق الوحدة الإسلامية، فهم يتجهون في صلاتهم في المسجد الحرام إلى جهة واحدة تجمع الجهات الأصلية، والجهات الفرعية، وفي هذا تفعيل حقيقي للوحدة الإسلامية، وإلى عالمية الدعوة الإسلامية، ثم هناك منافع كثيرة فيما يقومون به من تبادل تجاري، وتلمس أخبار إخوان لهم من المسلمين، ما يعانونه من مصاعب، وفي الحج تحقيق غاية عظمى هي إعلان الولاء بالانتماء لهذه العقيدة العظيمة حين يتردد دعاؤهم بالتلبية: لبيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. هذا الدعاء الجامع المانع فيه تحقيق للعبودية الخالصة لله تعالى، وتجديد الانتماء لهذا الدين العظيم.
وفي عرفات ترفع الأكف بالضراعة والدعاء إلى الله تعالى، ويتجلى الحق سبحانه وتعالى على عباده المؤمنين بالمغفرة، وكأنهم يفتحون صفحة جديدة في سجلات أعمالهم مع خالقهم سبحانه وتعالى، وعليهم أن يحرصوا على الإيمان الوثيق، والعمل الصالح لأنه القوة الرافعة للكلم الطيب، يقول تعالى: (من كان يريد العزة فلله العزة جميعًا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور) فاطر/10.
إذًا، فلا يكفي أن يقدم العبد بين يد الله تعالى إيمانا مجردًا، بل لابد وأن يقرنه بعمل صالح حتى يبلغ الكلم الطيب غايته المرجوة، ويحقق للعبد السعادة الأبدية في جنة عرضها السموات والأرض أعدت لأهل الإيمان الوثيق من المؤمنين الذين استقاموا على صراط الله المستقيم، وقال الله عنهم: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون (30) نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون (31) نزلًا من غفور رحيم (32)) فصلت.
هذه هي الضمانات التي يقدمها الحق سبحانه وتعالى لأهل الاستقامة من المؤمنين الذين قرنوا الإيمان بالعمل الصالح، وداوموا عليه في غير توان أو تكاسل، فنسأل الله تعالى أن نكون منهم.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك