العدد : ١٧٢٢٣ - الاثنين ١٩ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢١ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٢٣ - الاثنين ١٩ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢١ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

العبادات.. وسائل وغايات!

بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح

الأحد ١٨ مايو ٢٠٢٥ - 02:00

الإسلام‭ ‬عقيدة،‭ ‬وشريعة،‭ ‬ومن‭ ‬شعائر‭ ‬الإسلام‭ ‬العبادات‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬في‭ ‬مضامينها‭ ‬من‭ ‬الوسائل‭ ‬والغايات‭ ‬التي‭ ‬يتوسل‭ ‬بها‭ ‬لبلوغ‭ ‬الغايات‭ ‬القريبة‭ ‬والبعيدة،‭ ‬والمحدودة‭ ‬وغير‭ ‬المحدودة،‭ ‬فإذا‭ ‬تحققت‭ ‬هذه‭ ‬العبادة‭ ‬المحدودة‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬وسيلة‭ ‬في‭ ‬ذاتها،‭ ‬وأصبحت‭ ‬غاية‭ ‬عظيمة‭ ‬هي‭ ‬مرضاة‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬فالصلاة‭ ‬هي‭ ‬وسيلة‭ ‬لتجديد‭ ‬الولاء‭ ‬والانتماء‭ ‬لهذا‭ ‬الدين‭ ‬العظيم،‭ ‬وفيها‭ ‬الإصرار‭ ‬على‭ ‬البقاء‭ ‬على‭ ‬العهد‭ ‬مهما‭ ‬واجه‭ ‬العبد‭ ‬من‭ ‬العقبات،‭ ‬وفيها‭ - ‬أي‭ ‬الصلاة‭- ‬استمرار‭ ‬على‭ ‬ديمومة‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬الخالق‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭.‬

أما‭ ‬الزكاة،‭ ‬فهي‭ ‬عبادة‭ ‬اجتماعية‭ ‬تحقق‭ ‬الطهر‭ ‬للعبد،‭ ‬وتزكي‭ ‬أعماله‭ ‬الصالحات،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: (‬خذ‭ ‬من‭ ‬أموالهم‭ ‬صدقة‭ ‬تطهرهم‭ ‬وتزكيهم‭ ‬بها‭ ‬وصل‭ ‬عليهم‭ ‬إن‭ ‬صلاتك‭ ‬سكن‭ ‬لهم‭ ‬والله‭ ‬سميع‭ ‬عليم‭) ‬التوبة‭ / ‬103‭.‬

إذًا،‭ ‬فمن‭ ‬عطاء‭ ‬الزكاة‭ ‬كوسيلة‭: ‬الطهر،‭ ‬أي‭ ‬تطهير‭ ‬مال‭ ‬المزكي‭ ‬من‭ ‬الحرام،‭ ‬ومن‭ ‬الشح‭ ‬والبخل،‭ ‬وفيها‭ ‬شعور‭ ‬بالسعادة‭ ‬وذلك‭ ‬حين‭ ‬يشارك‭ ‬إخوانه‭ ‬من‭ ‬الفقراء‭ ‬والمساكين‭ ‬في‭ ‬أمواله،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: (‬إنما‭ ‬الصدقات‭ ‬للفقراء‭ ‬والمساكين‭ ‬والعاملين‭ ‬عليها‭ ‬والمؤلفة‭ ‬قلوبهم‭ ‬وفي‭ ‬الرقاب‭ ‬والغارمين‭ ‬وفي‭ ‬سبيل‭ ‬الله‭ ‬وابن‭ ‬السبيل‭ ‬فريضة‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬والله‭ ‬عليم‭ ‬حكيم‭) ‬التوبة‭ ‬يس‭ ‬في‭ ‬سورة‭ / ‬60‭.‬

هذه‭ ‬الأصناف‭ ‬الثمانية‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬الحاجة‭ ‬يمثلون‭ ‬أغلب‭ ‬فئات‭ ‬المجتمع‭ ‬التي‭ ‬تشكو‭ ‬الحاجة‭ ‬والفقر،‭ ‬وعندما‭ ‬ينال‭ ‬العبد،‭ ‬من‭ ‬دعاء‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬وهذا‭ ‬أعظم‭ ‬العطاء‭ ‬الذي‭ ‬تحققه‭ ‬الزكاة‭ ‬كوسيلة‭ ‬وغاية،‭ ‬عندها‭ ‬يشعر‭ ‬العبد‭ ‬ببركة‭ ‬في‭ ‬الرزق،‭ ‬واستمرار‭ ‬في‭ ‬البذل‭ ‬لمن‭ ‬هم‭ ‬دونه‭ ‬في‭ ‬الغنى‭.‬

إذًا،‭ ‬فالزكاة‭ ‬وسيلة‭ ‬إلى‭ ‬الطهر‭ ‬والزيادة،‭ ‬وهذه‭ ‬غايتها‭ ‬القريبة،‭ ‬فإنها‭ ‬كذلك‭ ‬لها‭ ‬غاية‭ ‬مطلوبة‭ ‬يحرص‭ ‬عليها‭ ‬المؤمن‭.‬

أما‭ ‬الصوم‭ ‬فهو‭ ‬عبادة‭ ‬فيه‭ ‬خير‭ ‬من‭ ‬تجتمع‭ ‬الوسائل‭ ‬والغايات،‭ ‬فالوسيلة‭ ‬المرجوة‭ ‬منه‭ ‬هي‭ ‬تحفيز‭ ‬الهمم‭ ‬على‭ ‬تنمية‭ ‬العلاقات‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وتوثيق‭ ‬الروابط‭ ‬الإنسانية‭ ‬بين‭ ‬الأغنياء‭ ‬وأصحاب‭ ‬الحاجات‭ ‬من‭ ‬الفقراء‭ ‬والمساكين‭ ‬الذين‭ ‬فرض‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬الزكاة‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬أموال‭ ‬الأغنياء‭ ‬لتحقق‭ ‬الزكاة‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬غاية‭ ‬نبيلة‭ ‬تتحقق‭ ‬للمزكي‭ ‬غاية‭ ‬عظمى‭ ‬هي‭ ‬المغفرة‭ ‬والعتق‭ ‬من‭ ‬النيران‭ ‬وجحيم‭ ‬يوم‭ ‬القيامة‭.‬

والحج‭ ‬عبادة‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬الوسائل‭ ‬والغايات،‭ ‬فهي‭ ‬وسيلة‭ ‬فيها‭ ‬منافع‭ ‬كثيرة،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: (‬ولله‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬حج‭ ‬البيت‭ ‬من‭ ‬استطاع‭ ‬إليه‭ ‬سبيلا‭ ‬ومن‭ ‬كفر‭ ‬فإن‭ ‬الله‭ ‬غني‭ ‬عن‭ ‬العالمين‭) ‬آل‭ ‬عمران‭ / ‬97‭.‬

وفي‭ ‬اجتماع‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬الحج‭ ‬من‭ ‬أقطار‭ ‬الدنيا‭ ‬منافع‭ ‬كثيرة‭ ‬منها‭: ‬تحقيق‭ ‬الوحدة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬فهم‭ ‬يتجهون‭ ‬في‭ ‬صلاتهم‭ ‬في‭ ‬المسجد‭ ‬الحرام‭ ‬إلى‭ ‬جهة‭ ‬واحدة‭ ‬تجمع‭ ‬الجهات‭ ‬الأصلية،‭ ‬والجهات‭ ‬الفرعية،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬تفعيل‭ ‬حقيقي‭ ‬للوحدة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وإلى‭ ‬عالمية‭ ‬الدعوة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬ثم‭ ‬هناك‭ ‬منافع‭ ‬كثيرة‭ ‬فيما‭ ‬يقومون‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬تبادل‭ ‬تجاري،‭ ‬وتلمس‭ ‬أخبار‭ ‬إخوان‭ ‬لهم‭ ‬من‭ ‬المسلمين،‭ ‬ما‭ ‬يعانونه‭ ‬من‭ ‬مصاعب،‭ ‬وفي‭ ‬الحج‭ ‬تحقيق‭ ‬غاية‭ ‬عظمى‭ ‬هي‭ ‬إعلان‭ ‬الولاء‭ ‬بالانتماء‭ ‬لهذه‭ ‬العقيدة‭ ‬العظيمة‭ ‬حين‭ ‬يتردد‭ ‬دعاؤهم‭ ‬بالتلبية‭: ‬لبيك‭ ‬اللهم‭ ‬لبيك‭. ‬لبيك‭ ‬لا‭ ‬شريك‭ ‬لك‭ ‬لبيك‭ ‬إن‭ ‬الحمد‭ ‬والنعمة‭ ‬لك‭ ‬والملك‭ ‬لا‭ ‬شريك‭ ‬لك‭. ‬هذا‭ ‬الدعاء‭ ‬الجامع‭ ‬المانع‭ ‬فيه‭ ‬تحقيق‭ ‬للعبودية‭ ‬الخالصة‭ ‬لله‭ ‬تعالى،‭ ‬وتجديد‭ ‬الانتماء‭ ‬لهذا‭ ‬الدين‭ ‬العظيم‭.‬

وفي‭ ‬عرفات‭ ‬ترفع‭ ‬الأكف‭ ‬بالضراعة‭ ‬والدعاء‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬ويتجلى‭ ‬الحق‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬على‭ ‬عباده‭ ‬المؤمنين‭ ‬بالمغفرة،‭ ‬وكأنهم‭ ‬يفتحون‭ ‬صفحة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬سجلات‭ ‬أعمالهم‭ ‬مع‭ ‬خالقهم‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى،‭ ‬وعليهم‭ ‬أن‭ ‬يحرصوا‭ ‬على‭ ‬الإيمان‭ ‬الوثيق،‭ ‬والعمل‭ ‬الصالح‭ ‬لأنه‭ ‬القوة‭ ‬الرافعة‭ ‬للكلم‭ ‬الطيب،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: (‬من‭ ‬كان‭ ‬يريد‭ ‬العزة‭ ‬فلله‭ ‬العزة‭ ‬جميعًا‭ ‬إليه‭ ‬يصعد‭ ‬الكلم‭ ‬الطيب‭ ‬والعمل‭ ‬الصالح‭ ‬يرفعه‭ ‬والذين‭ ‬يمكرون‭ ‬السيئات‭ ‬لهم‭ ‬عذاب‭ ‬شديد‭ ‬ومكر‭ ‬أولئك‭ ‬هو‭ ‬يبور‭) ‬فاطر‭/‬10‭.‬

إذًا،‭ ‬فلا‭ ‬يكفي‭ ‬أن‭ ‬يقدم‭ ‬العبد‭ ‬بين‭ ‬يد‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬إيمانا‭ ‬مجردًا،‭ ‬بل‭ ‬لابد‭ ‬وأن‭ ‬يقرنه‭ ‬بعمل‭ ‬صالح‭ ‬حتى‭ ‬يبلغ‭ ‬الكلم‭ ‬الطيب‭ ‬غايته‭ ‬المرجوة،‭ ‬ويحقق‭ ‬للعبد‭ ‬السعادة‭ ‬الأبدية‭ ‬في‭ ‬جنة‭ ‬عرضها‭ ‬السموات‭ ‬والأرض‭ ‬أعدت‭ ‬لأهل‭ ‬الإيمان‭ ‬الوثيق‭ ‬من‭ ‬المؤمنين‭ ‬الذين‭ ‬استقاموا‭ ‬على‭ ‬صراط‭ ‬الله‭ ‬المستقيم،‭ ‬وقال‭ ‬الله‭ ‬عنهم‭: (‬إن‭ ‬الذين‭ ‬قالوا‭ ‬ربنا‭ ‬الله‭ ‬ثم‭ ‬استقاموا‭ ‬تتنزل‭ ‬عليهم‭ ‬الملائكة‭ ‬ألا‭ ‬تخافوا‭ ‬ولا‭ ‬تحزنوا‭ ‬وأبشروا‭ ‬بالجنة‭ ‬التي‭ ‬كنتم‭ ‬توعدون‭ (‬30‭) ‬نحن‭ ‬أولياؤكم‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الدنيا‭ ‬وفي‭ ‬الآخرة‭ ‬ولكم‭ ‬فيها‭ ‬ما‭ ‬تشتهي‭ ‬أنفسكم‭ ‬ولكم‭ ‬فيها‭ ‬ما‭ ‬تدعون‭ (‬31‭) ‬نزلًا‭ ‬من‭ ‬غفور‭ ‬رحيم‭ (‬32‭)) ‬فصلت‭.‬

هذه‭ ‬هي‭ ‬الضمانات‭ ‬التي‭ ‬يقدمها‭ ‬الحق‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬لأهل‭ ‬الاستقامة‭ ‬من‭ ‬المؤمنين‭ ‬الذين‭ ‬قرنوا‭ ‬الإيمان‭ ‬بالعمل‭ ‬الصالح،‭ ‬وداوموا‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬توان‭ ‬أو‭ ‬تكاسل،‭ ‬فنسأل‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬منهم‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا