العدد : ١٧٢٢٣ - الاثنين ١٩ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢١ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٢٣ - الاثنين ١٩ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢١ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

دور البحث العلمي في خدمة المجتمع وتطوره

بقلم: د. رامي عطا صديق

الأحد ١٨ مايو ٢٠٢٥ - 02:00

في‭ ‬قاعات‭ ‬قسم‭ ‬الصحافة‭ ‬بكلية‭ ‬الإعلام‭ ‬جامعة‭ ‬القاهرة،‭ ‬كانت‭ ‬الدكتورة‭ ‬عواطف‭ ‬عبدالرحمن‭- ‬متّعها‭ ‬الله‭ ‬بالصحة‭ ‬والعافية‭- ‬تُدرس‭ ‬لنا‭ ‬مادة‭ ‬‮«‬مناهج‭ ‬البحث‮»‬،‭ ‬وكانت‭ ‬تقول‭ ‬لنا‭ ‬إن‭ ‬مهمة‭ ‬الباحث‭ ‬الأساسية‭ ‬هي‭ ‬إنارة‭ ‬منطقة‭ ‬مُعتمة،‭ ‬وكأن‭ ‬الباحث‭ ‬يحمل‭ ‬في‭ ‬يديه‭ ‬كشافًا‭ ‬ويقوم‭ ‬بتسليط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬موضوع‭ ‬أو‭ ‬قضية‭ ‬ما‭ ‬بغرض‭ ‬فهم‭ ‬كل‭ ‬تفاصيلها‭ ‬ومعرفة‭ ‬مختلف‭ ‬أبعادها،‭ ‬وكانت‭ ‬تستضيف‭ ‬بعض‭ ‬الأكاديميين‭ ‬من‭ ‬المُتخصصين‭ ‬في‭ ‬حقول‭ ‬معرفية‭ ‬متنوعة،‭ ‬نتحاور‭ ‬معهم‭ ‬ونستفيد‭ ‬من‭ ‬رؤاهم‭ ‬وأفكارهم،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬تنبهنا‭ ‬إلى‭ ‬أهمية‭ ‬البحوث‭ ‬البينية‭ ‬التي‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬تخصص،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬مدخل‭ ‬التكامل‭ ‬المعرفي‭ ‬بين‭ ‬العلوم‭.‬

هكذا‭ ‬اعتبرنا‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬طريقًا‭ ‬رئيسيًا‭ ‬وسبيلًا‭ ‬أساسيًا‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬المعرفة،‭ ‬وأنه‭ ‬وسيلة‭ ‬يمكن‭ ‬بواسطتها‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬مشكلة‭ ‬محددة،‭ ‬أو‭ ‬اكتشاف‭ ‬حقائق‭ ‬جديدة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬معلومات‭ ‬دقيقة‭. ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬تعريفات‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬شائعة‭ ‬الاستخدام‭ ‬أنه‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬النظامية‭ ‬التي‭ ‬ينتهجها‭ ‬الباحث‭ ‬أو‭ ‬الدارس،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الجوانب‭ ‬المُتعلقة‭ ‬بموضوع‭ ‬أو‭ ‬إشكالية‭ ‬علمية،‭ ‬والهدف‭ ‬النهائي‭ ‬هو‭ ‬حل‭ ‬تلك‭ ‬المشكلة،‭ ‬أو‭ ‬فهم‭ ‬ظاهرة‭ ‬ما‭ ‬ومعرفة‭ ‬أسبابها‭ ‬وآليات‭ ‬معالجتها،‭ ‬وقد‭ ‬يتعلق‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬باستقصاء‭ ‬صحة‭ ‬معلومة‭ ‬أو‭ ‬اختبار‭ ‬فرضية‭ ‬أو‭ ‬توضيح‭ ‬موقف‭.‬

يقوم‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬على‭ ‬تنظيم‭ ‬المعرفة‭ ‬وترتيبها‭ ‬تمهيدًا‭ ‬للاستفادة‭ ‬منها،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬له‭ ‬فوائد‭ ‬متعددة،‭ ‬وعلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مستوى،‭ ‬فالبحث‭ ‬مُهم‭ ‬لكل‭ ‬إنسان‭ ‬وكل‭ ‬مجتمع،‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الشخصي‭ ‬والمهني‭ ‬والوطني‭ ‬أو‭ ‬القومي،‭ ‬فكل‭ ‬منّا‭ ‬يمارس‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬بشكل‭ ‬أو‭ ‬بآخر‭ ‬قبل‭ ‬أي‭ ‬قرار‭ ‬يتم‭ ‬اتخاذه،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬جمع‭ ‬المعلومات‭ ‬السابقة‭ ‬والحالية‭ ‬وتحليلها‭ ‬والربط‭ ‬بينها‭ ‬وإعمال‭ ‬التفكير‭ ‬النقدي‭ ‬والوصول‭ ‬إلى‭ ‬نتائج،‭ ‬ومن‭ ‬ذلك‭ ‬مثلًا‭ ‬عند‭ ‬تحديد‭ ‬مسار‭ ‬الدراسة‭ ‬المناسب‭ ‬وتقييم‭ ‬ظروف‭ ‬العمل‭ ‬والاستثمار‭ ‬وتنفيذ‭ ‬مشروعات‭ ‬اقتصادية،‭ ‬وعند‭ ‬الارتباط‭ ‬وتكوين‭ ‬أسرة،‭ ‬وعند‭ ‬السفر‭ ‬والتخطيط‭ ‬لفترة‭ ‬الصيف‭ ‬وتنظيم‭ ‬رحلة،‭ ‬حيث‭ ‬نفكر‭ ‬جيدًا‭ ‬في‭ ‬أسباب‭ ‬القرار‭ ‬وخطواته‭ ‬والبيئة‭ ‬المحيطة‭ ‬والنتائج‭ ‬المتوقعة‭ ‬وسيناريوهات‭ ‬المستقبل‭.. ‬وغيرها‭.‬

وعلى‭ ‬المستوى‭ ‬المهني‭ ‬فإن‭ ‬البعض‭ ‬قد‭ ‬يتخصص‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬البحث‭ ‬العلمي،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الأكاديمي،‭ ‬أو‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬مراكز‭ ‬بحثية،‭ ‬تكون‭ ‬مهمتها‭ ‬الإنتاج‭ ‬البحثي‭ ‬الفردي‭ ‬والجماعي،‭ ‬والنشر‭ ‬العلمي‭ ‬المحلي‭ ‬والدولي‭.‬

وتتركز‭ ‬الأهمية‭ ‬القومية‭ ‬للبحث‭ ‬العلمي‭ ‬حول‭ ‬دور‭ ‬الأبحاث،‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬الإنسانية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والعلوم‭ ‬الطبيعية‭ ‬والتطبيقية‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء،‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬مشكلات‭ ‬نعانيها‭ ‬أو‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬ظواهر‭ ‬سلبية‭ ‬تواجهنا،‭ ‬بهدف‭ ‬تحسين‭ ‬حياة‭ ‬الإنسان‭.‬

وللأسف‭ ‬فإن‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬الأبحاث‭ ‬العلمية‭ ‬تظل‭ ‬حبيسة‭ ‬الأدراج،‭ ‬تحتفظ‭ ‬بها‭ ‬الجامعات‭ ‬على‭ ‬أرفف‭ ‬المكتبات،‭ ‬وبعض‭ ‬الأبحاث‭ ‬يتم‭ ‬إعدادها‭ ‬وإنجازها‭ ‬بغرض‭ ‬الترقية‭ ‬والحصول‭ ‬على‭ ‬درجات‭ ‬علمية،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يستفيد‭ ‬المواطنون‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تستفيد‭ ‬مؤسسات‭ ‬المجتمع‭ ‬من‭ ‬نتائج‭ ‬هذه‭ ‬الأبحاث‭.‬

من‭ ‬هنا‭ ‬فإننا‭ ‬نتطلع‭ ‬إلى‭ ‬تأكيد‭ ‬الارتباط‭ ‬الصحي‭ ‬والتلازم‭ ‬الطبيعي‭ ‬بين‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬وخدمة‭ ‬المجتمع‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬أهمية‭ ‬أن‭ ‬تتضمن‭ ‬الأبحاث‭ ‬العلمية‭ ‬تطبيقات‭ ‬عملية‭ ‬للمعلومات‭ ‬والمعارف،‭ ‬ومن‭ ‬المتعارف‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬الجامعات‭ ‬في‭ ‬المقاطعات‭ ‬المختلفة‭ ‬هي‭ ‬بمثابة‭ ‬بيت‭ ‬خبرة‭ ‬لتلك‭ ‬المنطقة‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المجالات‭ ‬والقطاعات،‭ ‬ومن‭ ‬المعروف‭ ‬أيضًا‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬كلية‭ ‬وكل‭ ‬جامعة‭ ‬بها‭ ‬إدارة‭ ‬خاصة‭ ‬بشؤون‭ ‬البيئة‭ ‬وخدمة‭ ‬المجتمع‭.‬

ومن‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬تتولى‭ ‬الهيئة‭ ‬المشرفة‭ ‬على‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬إصدار‭ ‬نشرة‭ ‬علمية‭ ‬دورية،‭ ‬تتضمن‭ ‬نبذات‭ ‬مختصرة‭ ‬عن‭ ‬أحدث‭ ‬الأبحاث‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬العلوم،‭ ‬ماذا‭ ‬قدمت‭ ‬وما‭ ‬أوجه‭ ‬الاستفادة‭ ‬منها،‭ ‬مع‭ ‬توفير‭ ‬مساحة‭ ‬مُناسبة‭ ‬لنشر‭ ‬نتائج‭ ‬تلك‭ ‬الأبحاث‭ ‬وعرضها‭ ‬بشكل‭ ‬مناسب‭ ‬في‭ ‬الجرائد‭ ‬والمجلات‭ ‬والمواقع‭ ‬الصحفية‭ ‬الإلكترونية‭ ‬والمحطات‭ ‬الإذاعية‭ ‬والقنوات‭ ‬التليفزيونية،‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يُسهم‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬الثقافة‭ ‬العلمية‭ ‬بين‭ ‬الجمهور‭ ‬العام،‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬التربية‭ ‬والاجتماع‭ ‬وعلم‭ ‬النفس‭ ‬والسياسة‭ ‬والاقتصاد‭ ‬والصحافة‭ ‬والإعلام‭ ‬والتاريخ‭ ‬والآثار‭..‬،‭ ‬والطب‭ ‬البشري‭ ‬والطب‭ ‬البيطري‭ ‬والهندسة‭ ‬والزراعة‭ ‬والصناعة،‭ ‬والتجارة‭ ‬والإدارة،‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬وتطبيقات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭.. ‬وغيرها‭.‬

إن‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬المقترحات‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬التذكير‭ ‬بها‭ ‬وتأكيدها‭ ‬باستمرار‭: ‬إعداد‭ ‬قوائم‭ ‬بالموضوعات‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬إنجازها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬حقل‭ ‬معرفي،‭ ‬وإعداد‭ ‬أجندات‭ ‬بحثية‭ ‬بالموضوعات‭ ‬التي‭ ‬تنتظر‭ ‬اهتمامًا‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الباحثين؛‭ ‬وتخصيص‭ ‬ميزانية‭ ‬مُعتبرة‭ ‬للبحث‭ ‬العلمي‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الدولة‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬مؤسسة‭ ‬بشكل‭ ‬خاص؛‭ ‬وتوفير‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬المنح‭ ‬البحثية‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬والخارج؛‭ ‬وتشجيع‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص،‭ ‬وكذلك‭ ‬قطاع‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني،‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬الباحثين‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬نتائج‭ ‬البحوث‭ ‬والمؤتمرات‭ ‬العلمية‭ ‬والسيمنارات‭ ‬وورش‭ ‬العمل،‭ ‬وهناك‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬التجارب‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭.‬

هذه‭ ‬الأفكار‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مجتمع‭ ‬ناهض‭ ‬ومُتحضر،‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬دعائم‭ ‬العلم،‭ ‬ويحترم‭ ‬البحث‭ ‬العلمي،‭ ‬ويُقدِّر‭ ‬الباحثين‭.‬

{ أكاديمي‭ ‬وباحث‭ ‬إعلامي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا