العدد : ١٧٢٢١ - السبت ١٧ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٩ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٢١ - السبت ١٧ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٩ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

قراءة في وثيقة صهيونية لتفتيت العالم العربي

بقلم: د. حسن نافعة {

السبت ١٧ مايو ٢٠٢٥ - 02:00

نشرت‭ ‬صحيفة‭ ‬كيفونيم‭ (‬الاتجاهات‭) ‬العبرية،‭ ‬في‭ ‬فبراير‭ ‬1982،‭ ‬مقالاً‭ ‬مطوّلاً‭ ‬حمل‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬استراتيجية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬الثمانينيّات‮»‬،‭ ‬كتبه‭ ‬الصحفي‭ ‬والدبلوماسي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬السابق‭ ‬عوديد‭ ‬ينون‭. ‬ولخطورة‭ ‬ما‭ ‬ورد‭ ‬فيه،‭ ‬اهتمّت‭ ‬به‭ ‬رابطة‭ ‬الخرّيجين‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وكلّفت‭ ‬أستاذ‭ ‬الكيمياء‭ ‬العضوية‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬العبرية‭ ‬ورئيس‭ ‬الرابطة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬للحقوق‭ ‬الإنسانية‭ ‬والمدنية،‭ ‬الناشط‭ ‬الحقوقي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الراحل‭ ‬يسرائيل‭ ‬شاحاك،‭ ‬بترجمته‭ ‬إلى‭ ‬الانجليزية،‭ ‬ونشرت‭ ‬الترجمة‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬الخطّة‭ ‬الصهيونية‭ ‬للشرق‭ ‬الأوسط‮»‬،‭ ‬مصحوبةً‭ ‬بمقدّمة‭ ‬وخاتمة‭ ‬كتبهما‭ ‬شاحاك‭ ‬نفسه‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ (‬أو‭ ‬الدراسة‭) ‬الذي‭ ‬يعد‭ ‬وثيقة‭ ‬تاريخية،‭ ‬قدّم‭ ‬ينون‭ ‬لإسرائيل‭ ‬نصيحةً‭ ‬مفادها‭ ‬بأنه‭ ‬ينبغي‭ ‬لها‭ ‬ألّا‭ ‬تعتمد‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬أمنها‭ ‬على‭ ‬مفهوم‭ ‬التفوّق‭ ‬العسكري‭ ‬والتكنولوجي‭ ‬وحده،‭ ‬فالعالم‭ ‬العربي‭ ‬يملك‭ ‬من‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬أكبر‭ ‬بكثير‭ ‬ممّا‭ ‬لدى‭ ‬إسرائيل،‭ ‬ما‭ ‬يتيح‭ ‬له‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬حسم‭ ‬الصراع‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬لصالحه‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬الطويل،‭ ‬خصوصاً‭ ‬إذا‭ ‬تمكّنت‭ ‬الأنظمة‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬المحافظة‭ ‬في‭ ‬الحدّ‭ ‬الأدنى‭ ‬على‭ ‬التضامن‭ ‬فيما‭ ‬بينها،‭ ‬أو‭ ‬أتيح‭ ‬لبعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬أن‭ ‬تتحّد‭ ‬حول‭ ‬هدف‭ ‬معين،‭ ‬مثلما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬مراحل‭ ‬تاريخية‭ ‬مختلفة‭. ‬لذا،‭ ‬يقترح‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬تبنّي‭ ‬استراتيجيةً‭ ‬موازيةً‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تفتيت‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬إلى‭ ‬دويلات‭ ‬تُرسّم‭ ‬حدودها‭ ‬استناداً‭ ‬إلى‭ ‬معايير‭ ‬عرقية‭ ‬أو‭ ‬دينية‭ ‬أو‭ ‬طائفية‭ ‬أو‭ ‬مذهبية‭ ‬أو‭ ‬قبلية‭. ‬ولأنّ‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬ليس‭ ‬كلّاً‭ ‬موحّداً،‭ ‬إنما‭ ‬يضمّ‭ ‬دولاً‭ ‬عديدة‭ ‬متباينة‭ ‬الأحجام‭ ‬والأوزان،‭ ‬يشتمل‭ ‬كلٌّ‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬تجمّعات‭ ‬عرقية‭ ‬ودينية‭ ‬وطائفية‭ ‬ومذهبية‭ ‬وقبلية‭ ‬متنوعة،‭ ‬ومتصارعة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬فإن‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬التي‭ ‬يقترحها‭ ‬كفيلة‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬الطويل‭ (‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظره‭ ‬طبعاً‭) ‬بتحقيق‭ ‬‮«‬الأمن‭ ‬المطلق‮»‬‭ ‬بالنسبة‭ ‬لإسرائيل‭. ‬فحين‭ ‬يتحوّل‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬إلى‭ ‬دويلاتٍ‭ ‬طائفيةً،‭ ‬تصبح‭ ‬إسرائيل‭ ‬لا‭ ‬دولةً‭ ‬متّسقةً‭ ‬مع‭ ‬محيطها‭ ‬الإقليمي‭ ‬فحسب،‭ ‬إنما‭ ‬الدولة‭ ‬الأقوى‭ ‬والأقدر‭ ‬على‭ ‬ضبط‭ ‬التفاعلات‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬برمّتها‭.‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬ينون‭ ‬أوّل‭ ‬من‭ ‬طرح‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة،‭ ‬فقد‭ ‬سبقه‭ ‬إليها‭ ‬دبلوماسيون‭ ‬وسياسيون‭ ‬وعسكريون‭ ‬ومثقّفون‭ ‬وأكاديميون‭ ‬كُثر،‭ ‬وأضاف‭ ‬إليها‭ ‬آخرون‭ ‬من‭ ‬بعده‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬كاتب‭ ‬هذه‭ ‬السطور‭ ‬يولي‭ ‬عنايةً‭ ‬خاصّة‭ ‬لما‭ ‬قاله‭ ‬ينون‭ ‬بالذات‭ ‬في‭ ‬الموضوع،‭ ‬وهذه‭ ‬ليست‭ ‬المرّة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬يكتب‭ ‬عنها،‭ ‬فسبق‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬كتب‭ ‬عنها‭ ‬سلسلةً‭ ‬متتاليةً‭ ‬من‭ ‬المقالات،‭ ‬نُشرت‭ ‬في‭ ‬صحف‭ ‬عربية‭ ‬مختلفة‭ (‬أردنية‭ ‬ومصرية‭ ‬وسعودية‭)‬،‭ ‬وفي‭ ‬مراحل‭ ‬تغطّي‭ ‬العقود‭ ‬الثلاثة‭ ‬السابقة‭ ‬على‭ ‬الأقلّ‭. ‬ويعود‭ ‬الاهتمام‭ ‬المتجدّد‭ ‬لدى‭ ‬كاتب‭ ‬هذه‭ ‬السطور‭ ‬بأطروحة‭ ‬ينون‭ ‬بالذات‭ ‬إلى‭ ‬سببَين‭ ‬رئيسيَّين‭: ‬الأول‭ ‬شخصية‭ ‬ينون‭ ‬نفسه،‭ ‬لأنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مجرّد‭ ‬صحفي‭ ‬أو‭ ‬دبلوماسي‭ ‬سابق،‭ ‬لكنّه‭ ‬شغل‭ ‬أيضاً‭ ‬منصب‭ ‬المستشار‭ ‬السياسي‭ ‬لرئيس‭ ‬وزراء‭ ‬إسرائيل‭ ‬الأسبق،‭ ‬آرييل‭ ‬شارون،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أنه‭ ‬اقترب‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬المطبخ‭ ‬السياسي‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬وأصبح‭ ‬ملمّاً‭ ‬بما‭ ‬يُخطَّط‭ ‬له‭ ‬داخل‭ ‬مراكز‭ ‬صنع‭ ‬القرار‭ ‬الصهيوني‭. ‬ففي‭ ‬المقدّمة‭ ‬التي‭ ‬كتبها‭ ‬للنسخة‭ ‬المترجمة‭ ‬إلى‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬وصف‭ ‬شاحاك‭ ‬مقال‭ ‬ينون‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬الأكثر‭ ‬شمولاً‭ ‬والأدّق‭ ‬تعبيراً‭ ‬عمّا‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬العقل‭ ‬الصهيوني،‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الفكري‭ ‬فحسب،‭ ‬إنّما‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الحركي‭ ‬أيضاً‮»‬‭. ‬الثاني‭: ‬تاريخ‭ ‬النشر‭. ‬فقد‭ ‬نُشر‭ ‬مقال‭ ‬ينون‭ ‬بعد‭ ‬أقلّ‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬أعوام‭ ‬على‭ ‬توقيع‭ ‬مصر‭ ‬معاهدة‭ ‬سلام‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬وقبل‭ ‬أشهر‭ ‬قليلة‭ ‬من‭ ‬اجتياح‭ ‬لبنان‭ ‬واحتلال‭ ‬بيروت‭ (‬1982‭). ‬ومنذ‭ ‬ذلك‭ ‬التاريخ،‭ ‬وفي‭ ‬كلّ‭ ‬مرّة،‭ ‬يواجه‭ ‬النظام‭ ‬العربي‭ ‬تحدّياً‭ ‬كبيراً،‭ ‬مثلما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬الغزو‭ ‬الأمريكي‭ ‬للعراق‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬ثورات‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬أو‭ ‬‮«‬اتفاقيات‭ ‬التطبيع‮»‬،‭ ‬كان‭ ‬كاتب‭ ‬هذه‭ ‬السطور‭ ‬يشعر‭ ‬بأن‭ ‬الواجب‭ ‬يفرض‭ ‬عليه‭ ‬تذكير‭ ‬الشباب‭ ‬العربي‭ ‬بأن‭ ‬توقيع‭ ‬الأنظمة‭ ‬العربية‭ ‬معاهدات‭ ‬سلام‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬لا‭ ‬يضمن‭ ‬للعالم‭ ‬العربي‭ ‬أمناً‭ ‬أو‭ ‬استقراراً‭ ‬أو‭ ‬ازدهاراً،‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬مجرّد‭ ‬إجراء‭ ‬عابر‭ ‬تلجأ‭ ‬إليه‭ ‬إسرائيل‭ ‬لضرورات‭ ‬مرحلية،‭ ‬لكنّها‭ ‬لا‭ ‬تتخلّى‭ ‬مطلقاً‭ ‬عن‭ ‬استراتيجيتها‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬تفتيت‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭. ‬واليوم‭ ‬ينتاب‭ ‬كاتب‭ ‬هذه‭ ‬السطور‭ ‬الشعور‭ ‬نفسه‭ ‬بأن‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬يواجه‭ ‬تحدّياً‭ ‬كبيراً‭ ‬وخطيراً،‭ ‬فسقوط‭ ‬نظام‭ ‬بشار‭ ‬الأسد‭ ‬يغري‭ ‬إسرائيل‭ ‬للعمل‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬إحياء‭ ‬مشروع‭ ‬تفتيت‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬انطلاقاً‭ ‬من‭ ‬سورية‭ ‬هذه‭ ‬المرّة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬فشلت‭ ‬في‭ ‬وضعه‭ ‬موضع‭ ‬التنفيذ،‭ ‬انطلاقاً‭ ‬من‭ ‬لبنان‭ ‬عام‭ ‬1983،‭ ‬وتعثّرت‭ ‬عملية‭ ‬إعادة‭ ‬إطلاقه‭ ‬من‭ ‬العراق‭ ‬عقب‭ ‬الغزو‭ ‬الأمريكي‭ ‬عام‭ ‬2003‭. ‬فعقب‭ ‬سقوط‭ ‬نظام‭ ‬بشّار،‭ ‬لم‭ ‬تكتف‭ ‬إسرائيل‭ ‬بالتدمير‭ ‬التامّ‭ ‬لكلّ‭ ‬ما‭ ‬تبقّى‭ ‬من‭ ‬مقدرات‭ ‬الجيش‭ ‬السوري،‭ ‬كي‭ ‬تضمن‭ ‬بقاء‭ ‬الدولة‭ ‬السورية‭ ‬ضعيفةً‭ ‬وعاجزةً‭ ‬عن‭ ‬إدارة‭ ‬مرحلة‭ ‬انتقالية‭ ‬هشّة،‭ ‬إنما‭ ‬سعت‭ ‬على‭ ‬الفور‭ ‬إلى‭ ‬تغذية‭ ‬وتعميق‭ ‬الصراعات‭ ‬الطائفية،‭ ‬خصوصاً‭ ‬حين‭ ‬عبّرت‭ ‬علناً‭ ‬عن‭ ‬استعدادها‭ ‬التامّ‭ ‬للتدخّل‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬سورية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حماية‭ ‬الدروز،‭ ‬وعن‭ ‬رفضها‭ ‬للوجود‭ ‬العسكري‭ ‬التركي‭ ‬في‭ ‬سورية،‭ ‬ليس‭ ‬حرصاً‭ ‬على‭ ‬سلامة‭ ‬واستقلال‭ ‬الدولة‭ ‬السورية،‭ ‬إنما‭ ‬رغبةً‭ ‬في‭ ‬توظيف‭ ‬الورقة‭ ‬الكردية‭ ‬أداةً‭ ‬في‭ ‬مخطّط‭ ‬يستهدف‭ ‬تفتيتها‭. ‬ومن‭ ‬الطبيعي،‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬كهذا،‭ ‬أن‭ ‬يتولّد‭ ‬لدى‭ ‬كاتب‭ ‬هذه‭ ‬السطور‭ ‬شعور‭ ‬بأنّه‭ ‬ربّما‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬المفيد‭ ‬إعادة‭ ‬تذكير‭ ‬الأجيال‭ ‬الشابّة‭ ‬بالمخطّط‭ ‬الصهيوني،‭ ‬الذي‭ ‬يستهدف‭ ‬تفتيت‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬ما‭ ‬يفسّر‭ ‬عودته‭ ‬اليوم‭ ‬إلى‭ ‬الكتابة‭ ‬عن‭ ‬مقال‭ ‬كتب‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬40‭ ‬عاماً‭ ‬وبعد‭ ‬أقلّ‭ ‬من‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬توقيع‭ ‬أكبر‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬معاهدة‭ ‬سلام‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭.‬

يرى‭ ‬ينون‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬مكان‭ ‬لدولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬مستقلّة‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬لحكم‭ ‬ذاتي‭ ‬على‭ ‬أيّ‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬التي‭ ‬احتلتها‭ ‬إسرائيل‭ ‬عام‭ ‬1967،‭ ‬لأنه‭ ‬يعتبر‭ ‬جميع‭ ‬هذه‭ ‬الأراضي‭ ‬حقّاً‭ ‬تاريخياً‭ ‬لليهود‭ ‬وحدهم‭. ‬صحيح‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬ينكر‭ ‬وجود‭ ‬شعب‭ ‬فلسطيني،‭ ‬بل‭ ‬يعتقد‭ ‬أيضاً‭ ‬أنه‭ ‬شعب‭ ‬يستحقّ‭ ‬العيش‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬مستقلّة،‭ ‬لكنّه‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬لهذا‭ ‬الشعب‭ ‬دولة‭ ‬هي‭ ‬الأردن،‭ ‬وأنه‭ ‬يعيش‭ ‬فيها‭ ‬بالفعل،‭ ‬كما‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬الحلّ‭ ‬الوحيد‭ ‬بالنسبة‭ ‬للاجئين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬هو‭ ‬توطينهم‭ ‬حيث‭ ‬يقيمون‭ ‬حالياً‭.‬

وبالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬مصر،‭ ‬أكبر‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬المجاورة‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬يرى‭ ‬ينون‭ ‬أنها‭ ‬تحوّلت‭ ‬إلى‭ ‬دولةً‭ ‬قديمةً،‭ ‬تسيطر‭ ‬عليها‭ ‬بيروقراطية‭ ‬معوقة،‭ ‬بالتالي‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تشكل‭ ‬أيَّ‭ ‬تهديد‭ ‬استراتيجي‭ ‬لإسرائيل‭. ‬الأغرب‭ ‬أنه‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬أن‭ ‬تسعى‭ ‬لاسترداد‭ ‬سيناء‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬أيّ‭ ‬وقت‭ ‬تراه‭ ‬مناسباً،‭ ‬ويعتقد‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬تستطيع‭ ‬تحقيقه‭ ‬خلال‭ ‬24‭ ‬ساعة،‭ ‬كما‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬إعادة‭ ‬احتلال‭ ‬سيناء‭ ‬يمثّل‭ ‬ضرورةً‭ ‬قصوى‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل،‭ ‬ليس‭ ‬لاستيعاب‭ ‬سكاّن‭ ‬قطاع‭ ‬غزّة‭ ‬المكتظّ‭ ‬فحسب،‭ ‬إنما‭ ‬أيضاً‭ ‬لاستيعاب‭ ‬المهاجرين‭ ‬اليهود‭ ‬الجدد‭ ‬الذين‭ ‬يتوقّع‭ ‬أن‭ ‬يتدفّقوا‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬تباعاً‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬المقبلة‭. ‬أمّا‭ ‬الأجزاء‭ ‬المتبقّية‭ ‬من‭ ‬مصر‭ ‬بعد‭ ‬استقطاع‭ ‬سيناء،‭ ‬فيرى‭ ‬تقسيمها‭ ‬بين‭ ‬ثلاث‭ ‬دول‭ ‬على‭ ‬الأقلّ‭: ‬سنّية‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬الدلتا،‭ ‬وقبطية‭ ‬في‭ ‬الصعيد،‭ ‬ونوبية‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬الغربي‭ ‬للبلاد‭. ‬وحين‭ ‬تصبح‭ ‬مصر‭ ‬بلا‭ ‬سلطة‭ ‬مركزية‭ ‬ومجزّأة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو،‭ ‬يسهل‭ ‬تقسيم‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬مجاورة‭ (‬ليبيا‭ ‬والسودان‭) ‬إلى‭ ‬دويلات‭ ‬صغيرة‭.‬

على‭ ‬صعيد‭ ‬آخر،‭ ‬تحتلّ‭ ‬منطقة‭ ‬المشرق‭ ‬العربي‭ ‬موقعاً‭ ‬رئيسياً‭ ‬في‭ ‬أطروحة‭ ‬ينون‭ ‬التفتيتية‭. ‬ولأن‭ ‬لبنان‭ ‬كان‭ ‬يبدو،‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬التي‭ ‬اندلعت‭ ‬عام‭ ‬1975،‭ ‬مجزّأً‭ ‬بين‭ ‬خمسة‭ ‬أقاليم‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬كلّ‭ ‬منها‭ ‬عائلة‭ ‬تنتمي‭ ‬إلى‭ ‬طائفة‭ ‬بعينها،‭ ‬فقد‭ ‬اعتقد‭ ‬ينون‭ ‬أن‭ ‬تقسيم‭ ‬لبنان‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬طائفية‭ ‬أصبح‭ ‬مسألة‭ ‬وقت‭. ‬أمّا‭ ‬سورية‭ ‬فكان‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬بنيتها‭ ‬الطائفية‭ ‬تساعد‭ ‬على‭ ‬تفكيكها‭ ‬إلى‭ ‬عدّة‭ ‬دويلات،‭ ‬واحدة‭ ‬شيعية‭ ‬في‭ ‬طول‭ ‬الساحل‭ ‬الغربي،‭ ‬ودويلتان‭ ‬سنّيتان‭ ‬في‭ ‬كلٍّ‭ ‬من‭ ‬حلب‭ ‬ودمشق،‭ ‬ورابعة‭ ‬درزية‭ ‬تبدأ‭ ‬من‭ ‬الجولان‭ ‬وتمتدّ‭ ‬إلى‭ ‬شمال‭ ‬المملكة‭ ‬الأردنية‭. ‬ولأنّه‭ ‬تصوّر‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬العراقية‭ ‬الايرانية‭ ‬عمّقت‭ ‬من‭ ‬حدّة‭ ‬صراعات‭ ‬العراق‭ ‬الداخلية‭ ‬المتفاقمة،‭ ‬فقد‭ ‬اعتقد‭ ‬ينون‭ ‬أن‭ ‬احتدام‭ ‬هذه‭ ‬الصراعات‭ ‬يساعد‭ ‬على‭ ‬إنضاج‭ ‬العوامل‭ ‬اللازمة‭ ‬لتقسيم‭ ‬العراق‭ ‬بين‭ ‬ثلاث‭ ‬دويلات‭ ‬طائفية،‭ ‬واحدة‭ ‬شيعية‭ ‬في‭ ‬الجنوب،‭ ‬وثانية‭ ‬سنّية‭ ‬في‭ ‬الوسط،‭ ‬وثالثة‭ ‬كردية‭ ‬في‭ ‬الشمال‭. ‬وعلى‭ ‬المنوال‭ ‬نفسه،‭ ‬راح‭ ‬ينون‭ ‬ينسج‭ ‬خطوط‭ ‬تقسيماته‭ ‬الطائفية‭ ‬للمنطقة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المغرب‭ ‬العربي‭ ‬وشبه‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية‭. ‬وعلينا‭ ‬أن‭ ‬نتذكّر‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬كتب‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬ليس‭ ‬عضواً‭ ‬حالياً‭ ‬في‭ ‬حزب‭ ‬إيتمار‭ ‬بن‭ ‬غفير‭ ‬أو‭ ‬بتسلئيل‭ ‬سموتريتش،‭ ‬ولكنه‭ ‬دبلوماسي‭ ‬سابق‭ ‬في‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬ومستشار‭ ‬لشارون‭. ‬ولأن‭ ‬المقام‭ ‬لا‭ ‬يتّسع‭ ‬هنا‭ ‬لعرض‭ ‬كلّ‭ ‬ما‭ ‬طرحه‭ ‬ينون‭ ‬من‭ ‬أفكار‭ ‬ورؤى‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الصعيد،‭ ‬فمن‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬تطرح‭ (‬في‭ ‬سياق‭ ‬ما‭ ‬تقدّم‭) ‬تساؤلات‭ ‬حول‭ ‬علاقة‭ ‬ذلك‭ ‬كلّه‭ ‬بما‭ ‬يجري‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬العربية‭.‬

تكفي‭ ‬نظرة‭ ‬سريعة‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬حالياً‭ ‬لإدراك‭ ‬أن‭ ‬المخطّطات‭ ‬الرامية‭ ‬الى‭ ‬تفتيت‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬وتقسيمه‭ ‬بين‭ ‬كيانات‭ ‬طائفية‭ ‬تسير‭ ‬على‭ ‬قدم‭ ‬وساق‭. ‬صحيحٌ‭ ‬أن‭ ‬الخريطة‭ ‬الحالية‭ ‬للعالم‭ ‬العربي‭ ‬لا‭ ‬تتطابق‭ ‬تماماً‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬طرحه‭ ‬ينون،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬يصحّ‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬الفارق‭ ‬بين‭ ‬الاثنين‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬النوع،‭ ‬إنّما‭ ‬في‭ ‬الدرجة،‭ ‬فالسودان‭ ‬انقسم‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬بين‭ ‬دولتَين،‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬إحداهما‭ ‬حالياً‭ ‬حرب‭ ‬أهلية‭ ‬طاحنة‭ ‬قد‭ ‬تنهي‭ ‬بتقسيمها‭ ‬بين‭ ‬عدّة‭ ‬دويلات،‭ ‬وكذلك‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬الصومال‭ ‬التي‭ ‬ننسى‭ ‬أحيانا‭ ‬أنها‭ ‬دولة‭ ‬عضو‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭. ‬وفي‭ ‬ليبيا‭ ‬حالياً‭ ‬حكومتان‭ ‬وثلاثة‭ ‬أقاليم‭ ‬شبه‭ ‬منفصلة،‭ ‬وحرب‭ ‬أهلية‭ ‬تبدو‭ ‬خامدةً‭ ‬حالياً،‭ ‬لكنّها‭ ‬قد‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬الاشتعال‭ ‬في‭ ‬أيّ‭ ‬لحظة‭. ‬أمّا‭ ‬قطاع‭ ‬غزّة‭ ‬فقد‭ ‬أحالته‭ ‬إسرائيل‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬غير‭ ‬قابل‭ ‬للحياة،‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬تدور‭ ‬فوق‭ ‬ساحته‭ ‬حرب‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬تستهدف‭ ‬إجبار‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬على‭ ‬الهجرة‭ ‬إلى‭ ‬شبه‭ ‬جزيرة‭ ‬سيناء‭. ‬أمّا‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬شنّتها‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬لبنان،‭ ‬عقب‭ ‬مساندة‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬للفلسطينيين،‭ ‬فقد‭ ‬أصابت‭ ‬التماسك‭ ‬الهشّ‭ ‬للجبهة‭ ‬الداخلية‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬بهزّة‭ ‬عنيفة‭. ‬ولأن‭ ‬إسرائيل‭ ‬مازالت‭ ‬تصول‭ ‬وتجول‭ ‬في‭ ‬سورية،‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬معرّضة‭ ‬بالفعل‭ ‬للتفتت‭ ‬إلى‭ ‬دويلات‭ ‬طائفيّة‭ ‬متصارعة،‭ ‬فليس‭ ‬من‭ ‬المستغرب‭ (‬في‭ ‬سياق‭ ‬كهذا‭) ‬أن‭ ‬يعلن‭ ‬نتنياهو‭ ‬صباح‭ ‬مساء‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬تحقيق‭ ‬نصر‭ ‬مطلق،‭ ‬وأصبحت‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬وهي‭ ‬عبارةٌ‭ ‬توحي،‭ ‬في‭ ‬حدّ‭ ‬ذاتها،‭ ‬بأن‭ ‬المخطّط‭ ‬الصهيوني‭ ‬لتفتيت‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬يوشك‭ ‬أن‭ ‬يتحوّل‭ ‬أمراً‭ ‬واقعاً‭.‬

لا‭ ‬يقول‭ ‬كاتب‭ ‬هذه‭ ‬السطور‭ ‬هذا‭ ‬لأن‭ ‬شعوراً‭ ‬دفيناً‭ ‬بالهزيمة‭ ‬أو‭ ‬بالمرارة‭ ‬بدأ‭ ‬يجتاحه،‭ ‬فهو‭ ‬على‭ ‬يقين‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الهزيمة‭ ‬ستكون‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬من‭ ‬نصيب‭ ‬المشروع‭ ‬الصهيوني،‭ ‬ولكن‭ ‬آملاً‭ ‬أن‭ ‬تستيقظ‭ ‬الامة‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬نعاسها‭ ‬الذي‭ ‬طال‭. ‬فلن‭ ‬يغيّر‭ ‬الله‭ ‬ما‭ ‬بقوم‭ ‬حتى‭ ‬يغيّروا‭ ‬ما‭ ‬بأنفسهم‭.‬

 

{‭ ‬أستاذ‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية‭ ‬

في‭ ‬جامعة‭ ‬القاهرة‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا