العدد : ١٧٢٢٠ - الجمعة ١٦ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٨ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٢٠ - الجمعة ١٦ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٨ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

في ذكرى نكبة فلسطين عام 1948

بقلم: باسم برهوم {

الجمعة ١٦ مايو ٢٠٢٥ - 02:00

تمر‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬ذكرى‭ ‬نكبة‭ ‬فلسطين‭ ‬التي‭ ‬اقترنت‭ ‬بإعلان‭ ‬قيام‭ ‬دولة‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬في‭ ‬15‭ ‬مايو‭ ‬عام‭ ‬1948،‭ ‬وهي‭ ‬النكبة‭ ‬التي‭ ‬جرت‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وشهدت‭ ‬استيلاء‭ ‬المنظمة‭ ‬الصهيونية‭ ‬خلالها‭ ‬على‭ ‬78‭ ‬بالمائة‭ ‬من‭ ‬مساحة‭ ‬فلسطين‭ ‬التاريخية‭. ‬واستشهد‭ ‬فيها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬15‭ ‬ألف‭ ‬فلسطيني،‭ ‬وجرح‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭. ‬وتم‭ ‬تشريد‭ ‬وتهجير‭ ‬نحو‭ ‬900‭ ‬ألف‭ ‬فلسطيني‭ ‬من‭ ‬مدنهم‭ ‬وقراهم‭ ‬وبلداتهم،‭ ‬وأحرقت‭ ‬ودمرت‭ ‬نحو‭ ‬500‭ ‬قرية‭.‬

وكانت‭ ‬النتيجة‭ ‬النهائية‭ ‬لتلك‭ ‬النكبة‭ ‬أن‭ ‬فلسطين‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬شطبها‭ ‬عن‭ ‬خريطة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬وكنتيجة‭ ‬للنكبة‭ ‬ان‭ ‬يتم‭ ‬طمس‭ ‬هوية‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وإلغاء‭ ‬وجوده‭ ‬كشعب‭.‬

ويعيش‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭ ‬أوضاع‭ ‬نكبة‭ ‬ثانية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬فصولها‭ ‬تجري‭ ‬بصورة‭ ‬دامية،‭ ‬وما‭ ‬نتج‭ ‬عنها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬250‭ ‬ألف‭ ‬شهيد‭ ‬وجريح،‭ ‬وتدمير‭ ‬80‭ ‬بالمائة‭ ‬من‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬بيوت‭ ‬المواطنين،‭ ‬المستشفيات‭ ‬والمدارس،‭ ‬والجامعات،‭ ‬والبنى‭ ‬التحتية‭ ‬وشوارع‭ ‬وشبكات‭ ‬ماء‭ ‬وكهرباء،‭ ‬ومن‭ ‬نتائج‭ ‬هذه‭ ‬النكبة‭ ‬الثانية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬12‭ ‬ألف‭ ‬طفل‭ ‬بلا‭ ‬أطراف،‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬15‭ ‬ألف‭ ‬بنت‭ ‬وصبية‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬عمر‭ ‬15‭ ‬سنة‭ ‬وحتى‭ ‬العشرين‭ ‬بلا‭ ‬أطراف،‭ ‬وعدد‭ ‬مشابه‭ ‬من‭ ‬الرجال‭ ‬والشباب،‭ ‬كما‭ ‬ان‭ ‬خطر‭ ‬التهجير‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬قائما،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬القطاع‭ ‬بمجمله‭ ‬أصبح‭ ‬منطقة‭ ‬غير‭ ‬صالحة‭ ‬للحياة،‭ ‬وأن‭ ‬إعادة‭ ‬بنائه‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬50‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬وإلى‭ ‬مدة‭ ‬زمنية‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬عشرة‭ ‬وخمسة‭ ‬عشر‭ ‬عاما‭.‬

لم‭ ‬تقتصر‭ ‬هذه‭ ‬النكبة‭ ‬الثانية،‭ ‬أو‭ ‬الحالية،‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬إسرائيل‭ ‬استغلت‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬في‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬عام‭ ‬2023،‭ ‬وقامت‭ ‬بعملية‭ ‬عسكرية‭ ‬واسعة‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬جرى‭ ‬خلالها‭ ‬محاولة‭ ‬تصفية‭ ‬مخيمي‭ ‬جنين‭ ‬وطولكرم‭ ‬وشردت‭ ‬سكانهما،‭ ‬وقامت‭ ‬بتغيير‭ ‬معالم‭ ‬المخيمين‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يعود‭ ‬اليهما‭ ‬معظم‭ ‬سكانهما‭ ‬الذين‭ ‬يزيد‭ ‬عددهم‭ ‬على‭ ‬60‭ ‬ألف‭ ‬نسمة‭. ‬وفي‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬أطلقت‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬مارد‭ ‬إرهاب‭ ‬المستوطنين،‭ ‬وقام‭ ‬جيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬بتقطيع‭ ‬أوصال‭ ‬الضفة‭ ‬عبر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ألف‭ ‬حاجز‭ ‬عسكري‭ ‬وبوابات،‭ ‬وجعل‭ ‬التنقل‭ ‬بين‭ ‬القرى‭ ‬والمدن،‭ ‬والمدن‭ ‬والمدن‭ ‬والقرى‭ ‬والقرى‭ ‬أمرا‭ ‬صعبا،‭ ‬وأحيانا‭ ‬يبدو‭ ‬مستحيلا‭.‬

بالتأكيد‭ ‬هناك‭ ‬أوجه‭ ‬شبه‭ ‬واختلاف‭ ‬بين‭ ‬النكبتين،‭ ‬سياسية‭ ‬وإنسانية،‭ ‬وفي‭ ‬النتائج‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬في‭ ‬النكبة‭ ‬الأولى‭ ‬تم‭ ‬عمليا‭ ‬تدمير‭ ‬المجتمع‭ ‬الفلسطيني‭ ‬سياسيا‭ ‬واقتصاديا‭ ‬واجتماعيا،‭ ‬فقد‭ ‬تم‭ ‬حرمان‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬من‭ ‬حقه‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬موجودا‭ ‬في‭ ‬وطنه،‭ ‬يطور‭ ‬حياته‭ ‬بشكل‭ ‬طبيعي،‭ ‬وينمي‭ ‬اقتصاده‭ ‬وثقافته‭ ‬وتراثه،‭ ‬حرم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬شعبا‭ ‬له‭ ‬حقوق‭ ‬سياسية،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬حقه‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬المصير‭ ‬على‭ ‬أرضه،‭ ‬دمر‭ ‬اقتصاده‭ ‬وتفكك‭ ‬ترابطه‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬باختصار‭ ‬تم‭ ‬تفكيك‭ ‬فلسطين‭ ‬وشعبها‭. ‬

وفي‭ ‬النكبة‭ ‬الحالية،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الخروج‭ ‬بشأنها‭ ‬باستنتاجات‭ ‬نهائية‭ ‬لأن‭ ‬فصولها‭ ‬لم‭ ‬تنته‭ ‬بعد‭. ‬ولكن‭ ‬وما‭ ‬نحن‭ ‬فيه‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬فقد‭ ‬دمرت‭ ‬إسرائيل‭ ‬اقتصاد‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬بالكامل،‭ ‬والضفة‭ ‬بشكل‭ ‬واسع،‭ ‬كما‭ ‬انها‭ ‬دمرت‭ ‬عمليا‭ ‬المجتمع‭ ‬الغزاوي،‭ ‬وهي‭ ‬لا‭ ‬تقوم‭ ‬بقتل‭ ‬الناس‭ ‬وحسب،‭ ‬وإنما‭ ‬تدميرهم‭ ‬نفسيا‭ ‬ومعنويا،‭ ‬وتحويل‭ ‬المجتمع‭ ‬الغزاوي‭ ‬إلى‭ ‬مجتمع‭ ‬منهك‭ ‬مفكك‭.‬

أما‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬السياسي،‭ ‬فإن‭ ‬أحد‭ ‬أوجه‭ ‬الشبه‭ ‬الخطيرة،‭ ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬النكبة‭ ‬الأولى‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يملك‭ ‬قراره‭ ‬الوطني‭ ‬المستقل،‭ ‬واليوم‭ ‬مجموعة‭ ‬قوى‭ ‬ودول‭ ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬القرار‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وبالذات‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬وخاصة‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالحرب‭ ‬والمفاوضات‭.‬

ومن‭ ‬أوجه‭ ‬الشبه‭ ‬ان‭ ‬ميزان‭ ‬القوى‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لمصلحة‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬بالكامل،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬كافة‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1948،‭ ‬كانت‭ ‬جميعها‭ ‬بلا‭ ‬استثناء‭ ‬تقف‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬إقامة‭ ‬دولة‭ ‬إسرائيل،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وحقوقه‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬وطنه‭. ‬وفي‭ ‬النكبة‭ ‬الحالية‭ ‬فإن‭ ‬ميزان‭ ‬القوة‭ ‬مازال‭ ‬لصالح‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭.‬

ومازالت‭ ‬مواقف‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬غير‭ ‬منصفة‭ ‬بالقدر‭ ‬الكافي،‭ ‬وأن‭ ‬معظمها‭ ‬يزود‭ ‬إسرائيل‭ ‬بالسلاح،‭ ‬صحيح‭ ‬أننا‭ ‬نقرأ‭ ‬ونسمع‭ ‬بعض‭ ‬التصريحات‭ ‬والمواقف‭ ‬الايجابية،‭ ‬لكن‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬جديا‭ ‬بما‭ ‬يكفي‭ ‬لوقف‭ ‬الحرب‭. ‬وبما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالدول‭ ‬العربية،‭ ‬وقفت‭ ‬موقفا‭ ‬معقولا‭ ‬وقويا،‭ ‬وخصوصا‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بمسألة‭ ‬التهجير،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬لمصر‭ ‬والأردن‭ ‬موقفان‭ ‬صلبان‭ ‬وواضحان‭ ‬من‭ ‬المسألة،‭ ‬كما‭ ‬قدمتا‭ ‬المساعدات‭ ‬الإغاثية‭ ‬لقطاع‭ ‬غزة‭.‬

المطلوب‭ ‬الآن‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تتوقف‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬والضفة،‭ ‬ولكن‭ ‬على‭ ‬القطاع‭ ‬تحديدا،‭ ‬لأن‭ ‬استمرارها‭ ‬قد‭ ‬يقود‭ ‬إلى‭ ‬نكبة‭ ‬أشد‭ ‬قسوة‭ ‬في‭ ‬نتائجها‭ ‬الإنسانية‭ ‬والسياسية‭ ‬من‭ ‬النكبة‭ ‬الأولى،‭ ‬وبما‭ ‬أن‭ ‬قرار‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬في‭ ‬جزء‭ ‬كبير‭ ‬منه‭ ‬بيد‭ ‬حماس،‭ ‬فإن‭ ‬عليها‭ ‬وعلى‭ ‬الأطراف‭ ‬المتابعة‭ ‬للملف‭ ‬الفلسطيني‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬وقف‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬ونزع‭ ‬كل‭ ‬ذرائع‭ ‬استمرارها،‭ ‬وذلك‭ ‬قبل‭ ‬فوات‭ ‬الأوان‭.‬

 

{ كاتب‭ ‬من‭ ‬فلسطين

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا