العدد : ١٧٢٢٠ - الجمعة ١٦ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٨ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٢٠ - الجمعة ١٦ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٨ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

انسحاب المجر من «الجنائية الدولية».. تقويض لآليات العدالة الدولية

مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية

الجمعة ١٦ مايو ٢٠٢٥ - 02:00

في‭ ‬الحادي‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬مارس‭ ‬2025،‭ ‬أُلقي‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬رودريغو‭ ‬دوتيرتي،‭ ‬الرئيس‭ ‬الفلبيني‭ ‬السابق‭ ‬المطلوب‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية؛‭ ‬بتهم‭ ‬ارتكاب‭ ‬جرائم‭ ‬ضد‭ ‬الإنسانية،‭ ‬في‭ ‬مانيلا‭ ‬وسُلّم‭ ‬إلى‭ ‬لاهاي‭ ‬لمحاكمته،‭ ‬فيما‭ ‬وصفته‭ ‬أغنيس‭ ‬كالامارد،‭ ‬الأمينة‭ ‬العامة‭ ‬لمنظمة‭ ‬العفو‭ ‬الدولية،‭ ‬بأنه‭ ‬خطوة‭ ‬تاريخية‭ ‬نحو‭ ‬العدالة‭.‬

وعلى‭ ‬النقيض‭ ‬تمامًا،‭ ‬أفلت‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ -‬الذي‭ ‬اتهمته‭ ‬المحكمة‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬2024،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬يوآف‭ ‬غالانت،‭ ‬وزير‭ ‬دفاعه‭ ‬آنذاك‭ ‬بارتكاب‭ ‬جرائم‭ ‬حرب‭ ‬وجرائم‭ ‬ضد‭ ‬الإنسانية‭ ‬ضد‭ ‬السكان‭ ‬المدنيين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬منذ‭ ‬أكتوبر2023‭- ‬من‭ ‬الاعتقال‭ ‬والتسليم،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬زيارته‭ ‬مرتين‭ ‬لدول‭ ‬أوروبية‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬125‭ ‬دولة‭ ‬صادقت‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬روما‭ ‬الأساسي،‭ ‬والتي‭ ‬هي‭ ‬ملزمة‭ ‬قانونًا‭ ‬بتنفيذ‭ ‬أمر‭ ‬الاعتقال‭ ‬ضده‭.‬

وفي‭ ‬أحدث‭ ‬مثال‭ ‬على‭ ‬تجاهل‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي،‭ ‬وتجاهلها‭ ‬الصريح‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي،‭ ‬استقبلت‭ ‬المجر‭ ‬برئاسة‭ ‬فيكتور‭ ‬أوربان،‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو،‭ ‬في‭ ‬زيارة‭ ‬رسمية‭ ‬يوم‭ ‬3‭ ‬أبريل‭ ‬2025،‭ ‬متجاهلة‭ ‬مذكرة‭ ‬توقيفه‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭. ‬ولم‭ ‬تكد‭ ‬تمر‭ ‬ساعات‭ ‬على‭ ‬الزيارة‭ ‬حتى‭ ‬أعلنت‭ ‬انسحابها‭ ‬الكامل‭ ‬من‭ ‬المحكمة‭.‬

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬باربرا‭ ‬تاش،‭ ‬وآنا‭ ‬هوليجان،‭ ‬من‭ ‬شبكة‭ ‬بي‭ ‬بي‭ ‬سي،‭ ‬أشارتا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬انسحاب‭ ‬بودابست،‭ ‬وحده‭ ‬لن‭ ‬يؤثر‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬القدرة‭ ‬التشغيلية‭ ‬للمحكمة‭ ‬أو‭ ‬إطارها‭ ‬القانوني،‭ ‬إلا‭ ‬أنهما‭ ‬أقرتا‭ ‬بأنه‭ ‬قد‭ ‬يمثل‭ ‬سابقة‭ ‬قد‭ ‬تدفع‭ ‬دولًا‭ ‬أخرى‭ ‬للتشكيك‭ ‬في‭ ‬التزاماتها‭ ‬تجاه‭ ‬العدالة‭ ‬الدولية‭ ‬أو‭ ‬التخلي‭ ‬عنها‭. ‬وقد‭ ‬تجسدت‭ ‬هذه‭ ‬الديناميكية‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬عندما‭ ‬وافق‭ ‬قضاة‭ ‬المحكمة‭ ‬على‭ ‬أوامر‭ ‬الاعتقال‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬الماضي‭. ‬وكانت‭ ‬عدة‭ ‬دول‭ ‬أوروبية‭ -‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬ألمانيا‭ ‬وفرنسا‭ ‬وبلجيكا‭ ‬وبولندا‭- ‬قد‭ ‬رفضت‭ ‬اعتقال‭ ‬نتنياهو‭ ‬إذا‭ ‬قرر‭ ‬زيارتها،‭ ‬فضلا‭ ‬محاولات‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬المحكمة،‭ ‬وتهديدها‭ ‬بفرض‭ ‬عقوبات‭ ‬اقتصادية‭ ‬وحظر‭ ‬سفر‭ ‬على‭ ‬مسؤوليها‭ ‬وعائلاتهم‭.‬

ومع‭ ‬دعوة‭ ‬المستشار‭ ‬الألماني‭ ‬الجديد،‭ ‬فريدريش‭ ‬ميرتس،‭ ‬نتنياهو‭ ‬لزيارة‭ ‬ألمانيا،‭ ‬ورفضه‭ ‬الالتزام‭ ‬بنظام‭ ‬روما‭ ‬الأساسي،‭ ‬مُصرّحًا‭ ‬بأن‭ ‬مجرم‭ ‬الحرب‭ ‬المتهم‭ ‬لن‭ ‬يُعتقل‭ ‬أو‭ ‬يُسلّم؛‭ ‬دخلت‭ ‬سلطات‭ ‬المحكمة‭ ‬في‭ ‬أزمة‭ ‬جديدة‭. ‬وكما‭ ‬ذكرت‭ ‬كاترين‭ ‬بنهولد،‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬نيويورك‭ ‬تايمز،‭ ‬ففي‭ ‬وقت‭ ‬تنهار‭ ‬فيه‭ ‬المؤسسات‭ ‬العالمية‭ ‬ولم‭ ‬يظهر‭ ‬فيه‭ ‬نظام‭ ‬عالمي‭ ‬جديد‭ ‬بعد،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬أحد‭ ‬يعرف‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مسموح‭ ‬به‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬ممنوع‭.‬

وبعد‭ ‬موافقة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية،‭ ‬على‭ ‬طلب‭ ‬إصدار‭ ‬مذكرات‭ ‬توقيف‭ ‬دولية،‭ ‬بحق‭ ‬نتنياهو،‭ ‬وغالانت،‭ ‬وجّه‭ ‬أوربان،‭ ‬دعوة‭ ‬علنية‭ ‬إلى‭ ‬نتنياهو،‭ ‬وأصرّ‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬أمر‭ ‬المحكمة‭ ‬لا‭ ‬أثر‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬المجر،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬بلاده‭ ‬عضو‭ ‬مؤسس‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬روما‭ ‬الأساسي‭. ‬وفي‭ ‬أعقاب‭ ‬الزيارة‭ ‬الرسمية‭ ‬التي‭ ‬بدأها‭ ‬نتنياهو‭ ‬إلى‭ ‬بودابست،‭ ‬في‭ ‬3‭ ‬أبريل،‭ ‬أدان‭ ‬كينيث‭ ‬روث،‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬برينستون،‭ ‬قرار‭ ‬أوربان‭ ‬بشدة،‭ ‬واصفًا‭ ‬إياه‭ ‬بـتجاهل‭ ‬صارخ‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي،‭ ‬منتقدًا‭ ‬استقبال‭ ‬مجرم‭ ‬حرب‭ ‬متهم،‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬اعتقاله‭ ‬كما‭ ‬تقتضي‭ ‬الالتزامات‭ ‬القانونية‭.‬

وبانسحابه‭ ‬من‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية،‭ ‬يرى‭ ‬إيفان‭ ‬كراستيف،‭ ‬من‭ ‬مركز‭ ‬الاستراتيجيات‭ ‬الليبرالية،‭ ‬أن‭ ‬أوربان،‭ ‬يسعى‭ ‬لتكريس‭ ‬دور‭ ‬بلاده،‭ ‬كقوة‭ ‬سياسية‭ ‬مرنة،‭ ‬تقيم‭ ‬علاقات‭ ‬متوازنة‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وروسيا،‭ ‬والصين،‭ ‬ويحاول‭ ‬تصدير‭ ‬صورة‭ ‬للمجر‭ ‬كدولة‭ ‬عضو‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬التصرف‭ ‬بحرية،‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬التزاماتها‭ ‬المعلنة‭ ‬تجاه‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬والعدالة‭. ‬وبتجاهلها‭ ‬لمذكرة‭ ‬المحكمة،‭ ‬تتبع‭ ‬نفس‭ ‬نهج‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب،‭ ‬والدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬في‭ ‬تقاعسها‭ ‬عن‭ ‬محاسبة‭ ‬إسرائيل‭ ‬دوليًا‭ ‬على‭ ‬انتهاكاتها‭ ‬التاريخية‭ ‬والحالية‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين‭.‬

وكما‭ ‬كتبت‭ ‬بنهولد،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التنصل‭ ‬من‭ ‬القواعد‭ ‬العالمية‭ ‬بشأن‭ ‬التحالفات‭ ‬طويلة‭ ‬الأمد‭ ‬وقواعد‭ ‬التجارة؛‭ ‬فإن‭ ‬ترامب‭ ‬أعطى‭ ‬الإذن‭ ‬للآخرين‭ ‬بخرق‭ ‬القواعد‭ ‬أيضًا،‭ ‬وهذا‭ ‬يمتد‭ ‬إلى‭ ‬معاملته‭ ‬للمحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭. ‬وفي‭ ‬فبراير‭ ‬2025،‭ ‬اتهم‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض،‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية،‭ ‬بإساءة‭ ‬استخدام‭ ‬سلطتها،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التحقيق‭ ‬في‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬ارتكبها‭ ‬الأمريكيون‭ ‬وحلفاؤها،‭ ‬ثم‭ ‬فرضه‭ ‬عقوبات‭ ‬لمنع‭ ‬مسؤوليها‭ ‬وعائلاتهم‭ ‬من‭ ‬شراء‭ ‬الممتلكات‭ ‬والأصول‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬ومنعهم‭ ‬من‭ ‬دخول‭ ‬البلاد‭. ‬وأدان‭ ‬فينسنت‭ ‬وارن،‭ ‬من‭ ‬مركز‭ ‬الحقوق‭ ‬الدستورية،‭ ‬هذا‭ ‬الإجراء‭ ‬معتبرًا‭ ‬أنه‭ ‬يشجع‭ ‬الجناة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬ويعرقل‭ ‬سعي‭ ‬العدالة‭ ‬الدولية‭ ‬ضد‭ ‬الأقوى‭.‬

‮ ‬أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية،‭ ‬ففي‭ ‬وقت‭ ‬إصدار‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية،‭ ‬أوامر‭ ‬الاعتقال،‭ ‬حذر‭ ‬أنتوني‭ ‬دوركين،‭ ‬من‭ ‬المجلس‭ ‬الأوروبي‭ ‬للعلاقات‭ ‬الخارجية،‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬مثّل‭ ‬اختبارًا‭ ‬للمبادئ‭ ‬الأوروبية،‭ ‬بشأن‭ ‬استقلال‭ ‬القضاء‭ ‬ودعم‭ ‬سيادة‭ ‬القانون‭ ‬وحماية‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭. ‬ومع‭ ‬إعلان‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الحكومات‭ ‬عن‭ ‬نيتها‭ ‬تجاهل‭ ‬الأمر،‭ ‬وترحيب‭ ‬دولتين‭ ‬موقعتين‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬روما‭ ‬الأساسي‭ ‬بزيارة‭ ‬نتنياهو،‭ ‬لا‭ ‬يُمكن‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬نستنتج‭ ‬أنهم‭ ‬قد‭ ‬أخفقوا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاختبار‭.‬

ورغم‭ ‬أن‭ ‬تاش،‭ ‬وهوليجان،‭ ‬أشارتا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬انسحاب‭ ‬المجر‭ ‬يعني‭ ‬أنها‭ ‬ستكون‭ ‬أول‭ ‬دولة‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬تنسحب،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬حكومات‭ ‬إقليمية‭ ‬أخرى‭ ‬تخطط‭ ‬لارتكاب‭ ‬الفعل‭ ‬ذاته،‭ ‬حيث‭ ‬تستمر‭ ‬في‭ ‬كونها‭ ‬أعضاء‭ ‬في‭ ‬المحكمة‭ ‬بالاسم‭ ‬فقط،‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬نية‭ ‬لتنفيذ‭ ‬أوامرها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يجعلها‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬تقديم‭ ‬قضايا‭ ‬الانتهاكات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬إلى‭ ‬المحاكمة‭ ‬في‭ ‬لاهاي‭.‬

كما‭ ‬لا‭ ‬يعد‭ ‬رفض‭ ‬أوربان،‭ ‬لاختصاص‭ ‬المحكمة،‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬نوعه‭ ‬منذ‭ ‬إصدار‭ ‬أوامر‭ ‬الاعتقال‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭. ‬ففي‭ ‬يناير‭ ‬2025،‭ ‬منحت‭ ‬الحكومة‭ ‬البولندية،‭ ‬نتنياهو،‭ ‬حرية‭ ‬الدخول‭ ‬إلى‭ ‬أراضيها‭ ‬عندما‭ ‬زارها‭ ‬لإحياء‭ ‬الذكرى‭ ‬الثمانين‭ ‬للهولوكوست‭. ‬وفي‭ ‬تلك‭ ‬الفترة،‭ ‬حذرت‭ ‬أليس‭ ‬أوتين،‭ ‬من‭ ‬منظمة‭ ‬هيومن‭ ‬رايتس‭ ‬ووتش،‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬حماية‭ ‬بولندا،‭ ‬لنتنياهو،‭ ‬قد‭ ‬أرسلت‭ ‬رسالة‭ ‬مثيرة‭ ‬للقلق،‭ ‬بشأن‭ ‬احتمال‭ ‬قيام‭ ‬دول‭ ‬أوروبية‭ ‬أخرى‭ ‬بحمايته‭ ‬من‭ ‬التسليم‭ ‬إلى‭ ‬لاهاي،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬دونالد‭ ‬توسك،‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬البولندية‭ ‬يتولى‭ ‬حالياً‭ ‬رئاسة‭ ‬مجلس‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬وبالتالي،‭ ‬فإن‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭ ‬تتطلع‭ ‬إليها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬اقتفاء‭ ‬أثرها‭.‬

علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬ترددت‭ ‬فرنسا‭ ‬في‭ ‬الوفاء‭ ‬بالتزاماتها‭ ‬تجاه‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭. ‬وبعد‭ ‬وقت‭ ‬قصير‭ ‬من‭ ‬موافقة‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬اتفاق‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬بدعم‭ ‬فرنسي،‭ ‬ادعت‭ ‬باريس،‭ ‬أن‭ ‬نتنياهو‭ ‬يتمتع‭ ‬بحصانة‭ ‬من‭ ‬أوامر‭ ‬الاعتقال‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية،‭ ‬لأن‭ ‬إسرائيل‭ ‬ليست‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الموقعة‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬روما‭ ‬الأساسي‭. ‬وزعمت‭ ‬وزارة‭ ‬خارجيتها‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تحميلها‭ ‬مسؤولية‭ ‬فعل‭ ‬يتعارض‭ ‬مع‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬نظرا‭ ‬لما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالحصانات‭ ‬الممنوحة‭ ‬للدول‭ ‬غير‭ ‬الأطراف‭ ‬في‭ ‬المحكمة‭. ‬

من‭ ‬جانبه،‭ ‬أشار‭ ‬جوليان‭ ‬بورجر،‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬الجارديان،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬التبريرات‭ ‬الفرنسية‭ ‬تبدو‭ ‬وكأنها‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬الالتزام‭ ‬بالمادة‭ ‬98‭ ‬من‭ ‬نظام‭ ‬روما‭ ‬الأساسي،‭ ‬متجاهلة‭ ‬أن‭ ‬باريس‭ ‬كان‭ ‬لزاما‭ ‬عليها‭ ‬تطبيق‭ ‬المادة‭ ‬27،‭ ‬التي‭ ‬توضّح‭ ‬أن‭ ‬حصانة‭ ‬المناصب‭ ‬العليا‭ ‬لا‭ ‬تمنع‭ ‬المحكمة‭ ‬من‭ ‬ممارسة‭ ‬سلطتها‭ ‬القضائية‭ ‬على‭ ‬نتنياهو‭. ‬ولفتت‭ ‬ميلينا‭ ‬ستيريو،‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬ولاية‭ ‬كليفلاند،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الموقف‭ ‬القانوني‭ ‬لباريس‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬باعتقال‭ ‬نتنياهو،‭ ‬وتسليمه‭ ‬كان‭ ‬غير‭ ‬متسق‭ ‬مقارنة‭ ‬بموقفها‭ ‬قبل‭ ‬بضعة‭ ‬أشهر‭ ‬فقط‭ ‬تجاه‭ ‬بوتين،‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬فرنسا‭ ‬من‭ ‬المؤيدين‭ ‬المتحمسين‭ ‬لتحقيقات‭ ‬المحكمة‭ ‬بشأنه‭.‬

وبشكل‭ ‬واضح،‭ ‬تتجلى‭ ‬المعايير‭ ‬المزدوجة‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بألمانيا‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬وزيرة‭ ‬خارجيتها‭ ‬السابقة‭ ‬أنالينا‭ ‬بيربوك،‭ ‬انتقدت‭ ‬خروج‭ ‬المجر‭ ‬من‭ ‬المحكمة،‭ ‬ووصفته‭ ‬بأنه‭ ‬سيء‭ ‬للقانون‭ ‬الجنائي‭ ‬الدولي،‭ ‬فقد‭ ‬اعترف‭ ‬المستشار‭ ‬أولاف‭ ‬شولتز‭ ‬آنذاك‭ ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يتخيل،‭ ‬أن‭ ‬حكومته‭ ‬ستعتقل‭ ‬نتنياهو‭ ‬إذا‭ ‬زار‭ ‬ألمانيا‭. ‬كما‭ ‬وعد‭ ‬زعيم‭ ‬حزب‭ ‬الاتحاد‭ ‬الديمقراطي‭ ‬المسيحي‭ ‬فريدريش‭ ‬ميرز،‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬بأنه‭ ‬سيجد‭ ‬السبل‭ ‬والوسائل،‭ ‬التي‭ ‬تمكنه،‭ ‬رغم‭ ‬كونه‭ ‬متهما‭ ‬بارتكاب‭ ‬جرائم‭ ‬حرب،‭ ‬من‭ ‬الزيارة،‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬المغادرة‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬اعتقاله‭. ‬وفي‭ ‬حال‭ ‬جاء‭ ‬نتنياهو‭ ‬إلى‭ ‬ألمانيا،‭ ‬فقد‭ ‬أشار‭ ‬كاي‭ ‬أمبوس،‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬جوتنجن،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬يثير‭ ‬شكوكا‭ ‬حول‭ ‬الفصل‭ ‬المحلي‭ ‬للسلطات،‭ ‬لأن‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬منع‭ ‬اعتقاله‭ ‬يتعين‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬التنفيذية‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬إجراءات‭ ‬الاعتقال‭ ‬والنقل،‭ ‬إلى‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬تحدي‭ ‬استقلال‭ ‬القضاء‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭.‬

وبينما‭ ‬صرحت‭ ‬بريطانيا،‭ ‬بأنها‭ ‬ستلتزم‭ ‬دائما‭ ‬بالتزاماتها‭ ‬القانونية‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬منصوص‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬القانون‭ ‬المحلي‭ ‬والدولي،‭ ‬مما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬نتنياهو،‭ ‬سيتم‭ ‬احتجازه‭ ‬وتسليمه‭ ‬إذا‭ ‬دخل‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة،‭ ‬فإن‭ ‬موجة‭ ‬التبعية‭ ‬والانصياع‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬القادة‭ ‬الأوروبيين‭ ‬لإسرائيل؛‭ ‬تؤكد‭ ‬تصريحات‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬البلجيكي‭ ‬بارت‭ ‬دي‭ ‬ويفر،‭ ‬التي‭ ‬قال‭ ‬فيها‭ ‬إن‭ ‬حكومته‭ ‬لن‭ ‬تعتقل‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬السياسة‭ ‬البراغماتية،‭ ‬حيث‭ ‬تغلب‭ ‬الاعتبارات‭ ‬العملية‭ ‬على‭ ‬المبادئ‭ ‬الأخلاقية‭.‬

وفي‭ ‬ضوء‭ ‬هذه‭ ‬العوامل،‭ ‬أشارت‭ ‬صحيفة‭ ‬فاينانشال‭ ‬تايمز،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬زيارة‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬نتنياهو‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬أوروبية‭ ‬كبرى،‭ ‬مثل‭ ‬ألمانيا،‭ ‬ستمثل‭ ‬تهديدا‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬لسلطة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬زيارته‭ ‬للمجر‭. ‬واشتكت‭ ‬إريكا‭ ‬جيفارا‭ ‬روزاس،‭ ‬من‭ ‬منظمة‭ ‬العفو‭ ‬الدولية،‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬رحلة‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬عضو‭ ‬في‭ ‬المحكمة‭ ‬لا‭ ‬تنتهي‭ ‬باعتقاله،‭ ‬لا‭ ‬تؤدي‭ ‬إلا‭ ‬إلى‭ ‬تشجيع‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬ارتكاب‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الجرائم‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحتلة،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أكده‭ ‬تصعيد‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬الأسابيع‭ ‬الأخيرة‭ ‬لحصاره‭ ‬وقصفه‭ ‬لمدنيي‭ ‬غزة،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬صمت‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬إزاء‭ ‬هذه‭ ‬الانتهاكات‭ ‬للقانون‭ ‬الإنساني‭ ‬الدولي‭. ‬

ورغم‭ ‬تأكيد‭ ‬جيسي‭ ‬يونغ،‭ ‬من‭ ‬شبكة‭ ‬سي‭ ‬إن‭ ‬إن،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬قضية‭ ‬الرئيس‭ ‬الفلبيني‭ ‬السابق‭ ‬رودريغو‭ ‬دوتيرتي،‭ ‬المتهم‭ ‬بارتكاب‭ ‬انتهاكات‭ ‬جسيمة‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬تُظهر‭ ‬أن‭ ‬اعتقال‭ ‬نتنياهو،‭ ‬أمر‭ ‬ممكن‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬القانونية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬جريجوري‭ ‬ثوس،‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬بكين،‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬حالة‭ ‬الإفلات‭ ‬من‭ ‬العقاب‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬نتنياهو،‭ ‬قد‭ ‬ترسخ‭ ‬سابقة‭ ‬خطيرة،‭ ‬ربما‭ ‬لن‭ ‬تظهر‭ ‬نتائجها‭ ‬الآن،‭ ‬لكنها‭ ‬في‭ ‬الأجيال‭ ‬القادمة،‭ ‬قد‭ ‬تشكّل‭ ‬تصورًا‭ ‬جديدًا‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬العدالة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬أعلى‭ ‬قادة‭ ‬الدول‭ ‬عند‭ ‬ارتكابهم‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬يُعد‭ ‬استقبال‭ ‬المجر‭ ‬التي‭ ‬أعلنت‭ ‬انسحابها‭ ‬من‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬لنتنياهو،‭ ‬بمثابة‭ ‬محاولة‭ ‬لتقويض‭ ‬منظومة‭ ‬العدالة‭ ‬الدولية،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬رفضت‭ ‬فيه‭ ‬دول‭ ‬أوروبية‭ ‬أخرى‭ ‬دعم‭ ‬مذكرة‭ ‬التوقيف‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬المحكمة‭ ‬ضده‭. ‬وقد‭ ‬قُوبلت‭ ‬هذه‭ ‬المواقف‭ ‬بإدانات‭ ‬واسعة،‭ ‬باعتبارها‭ ‬تُفرغ‭ ‬الجهود‭ ‬الدولية‭ ‬من‭ ‬مضمونها،‭ ‬وتُجهض‭ ‬المساعي‭ ‬الرامية‭ ‬إلى‭ ‬محاسبته‭ ‬على‭ ‬ارتكابه‭ ‬جرائم‭ ‬حرب،‭ ‬وجرائم‭ ‬ضد‭ ‬الإنسانية‭. ‬وعليه،‭ ‬يظل‭ ‬مستقبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مليوني‭ ‬فلسطيني‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬تحت‭ ‬حصار‭ ‬خانق،‭ ‬رهينًا‭ ‬لواقع‭ ‬مظلم‭ ‬تغيب‭ ‬عنه‭ ‬أي‭ ‬آليات‭ ‬تدخل‭ ‬دولي‭ ‬فعّالة‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا