العدد : ١٧٢٢١ - السبت ١٧ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٩ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٢١ - السبت ١٧ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٩ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

هل ستتخلى إيران عن الحوثيين قريبا؟

بقلم: فاروق يوسف {

الجمعة ١٦ مايو ٢٠٢٥ - 02:00

منذ‭ ‬أن‭ ‬سيطر‭ ‬الحوثيون‭ ‬على‭ ‬صنعاء‭ ‬عام‭ ‬2014‭ ‬نجحت‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬نفوذ‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬سبأ‭ ‬التي‭ ‬تكتسب‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬أهميتها‭ ‬المعاصرة‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الجيوسياسي‭ ‬من‭ ‬كونها‭ ‬تمتلك‭ ‬حدودا‭ ‬طويلة‭ ‬مع‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭. ‬وفي‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬يثير‭ ‬تطلعات‭ ‬كثيرة‭ ‬لدى‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬موقع‭ ‬الجزء‭ ‬الشمالي‭ ‬من‭ ‬اليمن‭ ‬على‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬يثير‭ ‬شهوة‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬ممرات‭ ‬الملاحة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬استراتيجية‭ ‬عالميا،‭ ‬كونها‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬قناة‭ ‬السويس‭ ‬وتمثل‭ ‬بوابتها‭.‬

لم‭ ‬يعد‭ ‬اليوم‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬المسافة‭ ‬المذهبية‭ ‬التي‭ ‬تفصل‭ ‬بين‭ ‬جماعة‭ ‬الحوثي‭ ‬الزيدية‭ ‬وإيران‭ ‬الإثني‭ ‬عشرية‭ ‬شيعيا‭ ‬مناسبا‭ ‬أو‭ ‬مفيدا‭. ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬صار‭ ‬تابعا‭ ‬لمصالح‭ ‬سياسية‭ ‬ركنت‭ ‬كل‭ ‬خلاف‭ ‬مذهبي‭ ‬جانبا‭ ‬وضمت‭ ‬تحت‭ ‬معطفها‭ ‬الطرفين‭. ‬وهما‭ ‬ليسا‭ ‬متساويين‭ ‬لا‭ ‬في‭ ‬الحجم‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬القوة‭. ‬غير‭ ‬أنهما‭ ‬متساويان‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬عدائهما‭ ‬لسياسات‭ ‬دول‭ ‬عربية‭. ‬لقد‭ ‬تمت‭ ‬تغطية‭ ‬ذلك‭ ‬الاتفاق‭ ‬السياسي‭ ‬النفعي‭ ‬بشعارات‭ ‬الحماسة‭ ‬للمذهب‭.‬

تصرف‭ ‬الحوثيون‭ ‬بذكاء‭ ‬حين‭ ‬خُيّل‭ ‬إليهم‭ ‬أنهم‭ ‬يستدرجون‭ ‬إيران‭ ‬إلى‭ ‬صراع‭ ‬مباشر‭ ‬مع‭ ‬جارتهم‭ ‬الكبرى،‭ ‬فيما‭ ‬كان‭ ‬الإيرانيون‭ ‬يفكرون‭ ‬بطريقتهم‭ ‬الخاصة‭. ‬لقد‭ ‬عثروا‭ ‬على‭ ‬ضالتهم‭ ‬في‭ ‬إزعاج‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬من‭ ‬الجنوب‭ ‬فيما‭ ‬كانت‭ ‬لديهم‭ ‬وسيلتهم‭ ‬الجاهزة‭ ‬للإزعاج‭ ‬شمالا‭ ‬والمتمثلة‭ ‬في‭ ‬المليشيات‭ ‬العراقية‭. ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬تذكرنا‭ ‬أن‭ ‬حسن‭ ‬نصرالله‭ ‬كان‭ ‬يهدد‭ ‬بين‭ ‬حين‭ ‬وآخر‭ ‬بصواريخه‭ ‬يمكننا‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬إيران‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬هدفها‭ ‬في‭ ‬إرباك‭ ‬المشهد‭ ‬وزيادة‭ ‬الشعور‭ ‬بعدم‭ ‬الأمان‭.‬

زودت‭ ‬إيران‭ ‬وكلاءها‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬تملك‭ ‬من‭ ‬سلاح‭ ‬تقليدي‭ ‬متقدم‭.. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬تفكر‭ ‬بطريقة‭ ‬معينة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬فإنها‭ ‬تعرف‭ ‬جيدا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬مَن‭ ‬يحاول‭ ‬ابتزاز‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬عبر‭ ‬البوابة‭ ‬الأمنية‭. ‬وهناك‭ ‬تواطؤ‭ ‬أمريكي‭ ‬ربحت‭ ‬منه‭ ‬إيران‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأوقات‭ ‬والمنافع‭.‬

عهدت‭ ‬إيران‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬للحوثيين‭ ‬دورا‭ ‬أكبر‭ ‬منهم‭ ‬بكثير‭. ‬فالحوثيون‭ ‬الذين‭ ‬يحكمون‭ ‬الجزء‭ ‬الشمالي‭ ‬من‭ ‬اليمن‭ ‬لا‭ ‬يملكون‭ ‬برنامجا‭ ‬سياسيا‭ ‬لإعادة‭ ‬بناء‭ ‬الدولة‭ ‬اليمنية‭ ‬المنهارة‭ ‬وهم‭ ‬على‭ ‬بينة‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تطبيع‭ ‬أوضاعهم‭ ‬عالميا‭ ‬يمر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬البنية‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬بنية‭ ‬قبلية‭ ‬في‭ ‬بلادهم‭ ‬لذلك‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬هروبهم‭ ‬إلى‭ ‬الخارج‭ ‬هو‭ ‬الحل‭ ‬الأمثل‭ ‬لمأزقهم‭. ‬وقد‭ ‬رغب‭ ‬الحوثيون‭ ‬في‭ ‬ممارسة‭ ‬دور‭ ‬أكبر‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ألا‭ ‬يواجهوا‭ ‬حقيقة‭ ‬أنهم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬نسيان‭ ‬غدرهم‭ ‬بالأطراف‭ ‬اليمنية‭ ‬الأخرى‭ ‬قفزوا‭ ‬على‭ ‬أوضاعهم‭ ‬الداخلية‭ ‬في‭ ‬اليمن‭ ‬ليكونوا‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬مشكلة‭ ‬عالمية‭.‬

لم‭ ‬تكن‭ ‬إيران‭ ‬تتفرج،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬هي‭ ‬الجهة‭ ‬التي‭ ‬خططت‭ ‬للحوثي‭ ‬عبدالملك‭ ‬مساره‭ ‬ورسمت‭ ‬له‭ ‬شخصيته‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬دفعه‭ ‬متأثرا‭ ‬بالدعاية‭ ‬الإيرانية‭ ‬إلى‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬نصرالله‭ ‬اليمن‭. ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬نافعا‭ ‬اليوم،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الصورة‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬كافية‭ ‬للتغطية‭ ‬على‭ ‬حقيقة‭ ‬الوضع‭ ‬السيء‭. ‬لقد‭ ‬قُتل‭ ‬حسن‭ ‬نصرالله‭ ‬وقياداته‭ ‬كلها‭ ‬ولم‭ ‬تفعل‭ ‬إيران‭ ‬شيئا‭. ‬هُزمت‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬تدمير‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬وهو‭ ‬تاج‭ ‬إمبراطوريتها‭ ‬الوهمية‭ ‬ولم‭ ‬تفعل‭ ‬شيئا‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الحوثي‭ ‬عبدالملك‭ ‬وهو‭ ‬أقل‭ ‬أهمية‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬نصرالله‭ ‬بمئات‭ ‬بل‭ ‬وآلاف‭ ‬المرات‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يُقتل‭ ‬ولا‭ ‬ترى‭ ‬إيران‭ ‬مصلحة‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬الثأر‭ ‬له‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬أجله‭.‬

ولكن‭ ‬إيران‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتخلى‭ ‬عن‭ ‬الحوثي‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬اغتياله‭. ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬الحوثيون‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬تهديد‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قصف‭ ‬السفن‭ ‬المارة‭ ‬بالبحر‭ ‬الأحمر‭ ‬أو‭ ‬إرسال‭ ‬المسيرات‭ ‬إلى‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ضروري‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬إيران‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الضرورة‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬محل‭ ‬في‭ ‬الإعراب‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬قررت‭ ‬إيران‭ ‬النجاة‭ ‬بنفسها‭ ‬وترك‭ ‬الحوثيين‭ ‬يواجهون‭ ‬مصيرا‭ ‬أسوأ‭ ‬من‭ ‬مصير‭ ‬حزب‭ ‬الله‭. ‬فإيران‭ ‬ترى‭ ‬أنها‭ ‬محقة‭ ‬حين‭ ‬تفكّر‭ ‬في‭ ‬مصيرها‭ ‬ولا‭ ‬تفكّر‭ ‬في‭ ‬الآخرين‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يفكرون‭ ‬في‭ ‬مصيرهم‭.‬

ستتخلى‭ ‬إيران‭ ‬عن‭ ‬الحوثي‭ ‬وجماعته‭ ‬حين‭ ‬تقرر‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ذلك‭. ‬فعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬اضطرت‭ ‬عدة‭ ‬أسابيع‭ ‬لتوجيه‭ ‬ضربات‭ ‬نوعية‭ ‬إلى‭ ‬الحوثيين،‭ ‬غير‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬عبر‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬مقتنعة‭ ‬بأن‭ ‬يمنا‭ ‬يحكمه‭ ‬الحوثيون‭ ‬هو‭ ‬الأقرب‭ ‬إلى‭ ‬رؤيتها‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬ابتزاز‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭. ‬اليوم‭ ‬تغيرت‭ ‬المعادلة‭ ‬لأن‭ ‬الحوثيين‭ ‬صاروا‭ ‬يزعجون‭ ‬إسرائيل‭. ‬صار‭ ‬التفكير‭ ‬الأمريكي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬هو‭ ‬ضرورة‭ ‬القضاء‭ ‬عليهم‭. ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬لن‭ ‬تتحرك‭ ‬إيران‭ ‬لمقاومته‭.‬

 

{ كاتب‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا