يرغب الناخبون في الولايات المتحدة الأمريكية في إنهاء الحرب الإسرائيلية الدائرة رحاها في قطاع غزة، وهم يريدون من الرئيس دونالد ترامب حجب المساعدات الأمريكية، إذا لزم الأمر، للضغط على إسرائيل لإنهائها.
خلال حملته الانتخابية العام الماضي، وعد ترامب بتغييرات جذرية في سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط، حيث صرّح بأن حرب غزة ما كانت لتحدث لو كان رئيسًا؛ ووعد بإنهائها، كما تباهى بأن ضغطه هو ما أجبر إسرائيل على قبول وقف إطلاق النار؛ ثم اقترح، كرئيس، إجلاء الفلسطينيين من غزة لإفساح المجال لإقامة منتجع أشبه بالريفييرا.
قبيل انتخابات عام 2024، أجرينا استطلاعًا للرأي بين الناخبين الأمريكيين، وقد أظهرت نتائجه تأييدًا عامًا لإنهاء الحرب واستخدام المساعدات الأمريكية لإسرائيل كوسيلة ضغط عليها لإنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية وإنهاء الحرب في غزة. وقد انطبق هذا على أغلبية كبيرة من الديمقراطيين، مع موافقة بعض الجمهوريين أيضًا.
لقد مضى الآن أكثر من ثلاثة أشهر على الولاية الثانية للرئيس ترامب، وقد أنهت إسرائيل وقف إطلاق النار، واستأنفت حملة القصف، واستأنفت فرض «التهجير» الجماعي القسري للمدنيين، وأعادت فرض الحصار على إدخال الغذاء والدواء للسكان الفلسطينيين في غزة.
في الأسبوع الماضي، في استطلاع جديد للرأي، كررنا الأسئلة نفسها عام 2024. وكانت النتائج الإجمالية متقاربة، مع اختلاف جوهري واحد. فبعد ثلاثة أشهر من توليه منصبه، لا الديمقراطيون فحسب، بل قاعدة من ناخبي الرئيس ترامب الجمهوريين أيضًا، يطالبونه باتخاذ موقف أكثر صرامة للضغط على إسرائيل لتغيير سلوكها.
كان هذا أحد أهم نتائج الاستطلاع الذي نشرته مؤسسة المعهد العربي الأمريكي في 30 أبريل الماضي. وقد كلفت المؤسسة شركة جون زغبي ستراتيجيز باستطلاع آراء ألف ناخب أمريكي لتقييم مواقفهم تجاه سياسات إدارة ترامب تجاه حرب إسرائيل على غزة.
وما يتضح جليًا هو أن الاستجابات العامة لم تتغير بشكل ملحوظ بين نوفمبر 2024 وأبريل 2025، غير أن أهم ما تغير هو أن إسرائيل تفقد شعبيتها لدى الجمهوريين، الذين يطالبون الآن الرئيس ترامب باتخاذ موقف أكثر حزمًا لكبح جماح إسرائيل.
مع ذلك، لا يعني هذا غياب دعم ناخبي الحزب الجمهوري لسياسات الرئيس الداخلية المتعلقة بمزاعم معاداة السامية، وقمع الجامعات، وترحيل الطلاب المشاركين في الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين والمعادية لإسرائيل.
أظهر الاستطلاع أن تعاطف الناخبين مع إسرائيل لا يزال أعلى قليلاً منه مع الفلسطينيين. لكن بهامش كبير (46% مقابل 30%)، يرى الناخبون الأمريكيون أن سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط منحازة للغاية لصالح إسرائيل، حيث وافق 39% من الجمهوريين على ذلك، بينما عارضه 37%.
ومما لا شك فيه أن هذا يمثل هذا تحولا كبيرا عن عام 2024 عندما اعتبر 33% فقط من الناخبين الجمهوريين على أن السياسة مؤيدة لإسرائيل بشكل مفرط مقابل 43% قالوا إنها ليست كذلك وخالفوا هذا الرأي.
وبفارق 2 إلى 1، يتفق الناخبون الأمريكيون أيضاً على أن الرئيس ترامب يجب أن «يمارس ضغوطاً أكبر على إسرائيل لإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية والسماح للفلسطينيين بإنشاء دولة مستقلة خاصة بهم».
ورغم أن نسبة الموافقة/الاختلاف هذه تتوافق إلى حد كبير مع نتائج العام الماضي، فإن الفارق الرئيسي في نتائج هذا العام تتمثل في الزيادة الكبيرة في عدد الجمهوريين الذين يوافقون على أن الرئيس ينبغي أن يطبق مثل هذه الضغوط على إسرائيل.
وفي عام 2024، كانت نسبة الموافقة والرفض بين الجمهوريين 37% مقابل 40%. الآن، يوافق 49% على ضرورة ممارسة ضغط أكبر، مقابل 29% فقط ممن يعارضون.
وعند سؤالهم عمّا إذا كان ينبغي للولايات المتحدة الأمريكية الاستمرار في تقديم مساعدات غير مقيدة لإسرائيل، أو تقييدها إذا «استمرت إسرائيل في العمل بطريقة تُعرّض حياة المدنيين للخطر في غزة ولبنان»، كانت النتائج الإجمالية لهذا العام مطابقةً تقريبًا لنتائج العام الماضي، إذ أيّد 23% المساعدات غير المقيدة، بينما عارضها 53%.
كما أن أغلبية الناخبين الأمريكيين تتفق مع قرارات محكمة العدل الدولية التي خلصت إلى أن حرب إسرائيل في غزة ترتقي إلى الإبادة الجماعية، وقرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
والخلاصة التي يمكن أن نخرج بها من هذه النتائج الأولية هي أنه في حين يظل الأمريكيون متعاطفين مع إسرائيل، فإنهم يواصلون معارضة السياسات الإسرائيلية ويريدون من الرئيس، سواء كان ديمقراطيا أو جمهوريا، استخدام المساعدات الأمريكية كوسيلة ضغط لتغيير تصرفات إسرائيل.
والأمر الأهم الآن هو أن أغلبية من الناخبين الجمهوريين، بما في ذلك أولئك الذين يعرّفون أنفسهم بأنهم «مسيحيون مولودون من جديد»، يريدون أيضاً من الرئيس الذي صوتوا له أن يتخذ إجراءات صارمة ضد سياسات إسرائيل فيما يتعلق بقصف المدنيين واحتلال الأراضي الفلسطينية.
لكن الاستجابات تختلف عندما يتعلق الأمر بقياس تقييم الناخبين لتعامل الرئيس ترامب مع التداعيات المحلية للحرب في قطاع غزة.
كذلك لا تتفق الأغلبية مع قرارات الإدارة بترحيل حاملي تأشيرات الطلبة بسبب مشاركتهم في الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين والمعادية لإسرائيل (قائلين إنهم «معادون للسامية ويشكلون تهديدا للسياسة الخارجية للولايات المتحدة») أو خفض التمويل عن عديد من الجامعات متهمين إياها بعدم الموافقة على المطالبات ببذل المزيد من الجهود لمحاربة مزاعم معاداة السامية.
ولكن هناك انقسام حزبي عميق بشأن هذه القضايا، حيث يعارض الديمقراطيون والناخبون المستقلون بشكل ساحق تصرفات الإدارة، بينما يدعم الجمهوريون (بما في ذلك الناخبون الذين «ولدوا من جديد») سياسات الرئيس ترامب بقوة.
وما يتضح من كل هذه النتائج هو أنه في حين أن أغلبية كبيرة من الناخبين الديمقراطيين والمستقلين قد اختلفوا منذ فترة طويلة مع إسرائيل بسبب حرب غزة والاحتلال، فإن الجمهوريين وقاعدتهم المسيحية الإنجيلية يفقدون الآن صبرهم أيضاً تجاه السياسات الإسرائيلية.
ولكن ما لا نعرفه هو ما إذا كان التغيير في موقفهم نابعا من إحباط أكبر إزاء العدوان والسياسات الإسرائيلية، أو ما إذا كان ذلك يرجع إلى أن إسرائيل، في ظل وجود رئيس جمهوري الآن في البيت الأبيض، تُرى على أنها تجعل مهمة الرئيس أكثر صعوبة.
وفي كلتا الحالتين، فإن ما يظهره الاستطلاع هو أنه إذا كان لدى الرئيس ترامب الإرادة للتحرك لكبح جماح إسرائيل وحكومتها، فسوف يحظى بدعم كبير من كلا الحزبين للقيام بذلك.
{ رئيس المعهد العربي الأمريكي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك