من المقرر أن يقوم الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»، بزيارة لمنطقة الخليج في منتصف مايو 2025، في مستهل جولته الخارجية، التي اختار أن تكون المنطقة محطتها الأولى، والتي تمتد لأربعة أيام، تشمل كلاً من السعودية، والإمارات، وقطر. ومن المنتظر أن تتناول المحادثات ملفات إقليمية ودولية مهمة في مقدمتها تداعيات الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة، ومستقبل أسعار النفط، بالإضافة إلى مناقشة فرص استثمارات كبرى في الاقتصاد الأمريكي، ضمن إطار تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين.
ومع اقتراب هذه الزيارة، تساءل «أندرياس كريج»، من كلية «كينجز كوليدج»، عن مدى جاهزية «البيت الأبيض»، لتفويض شركائه الإقليميين بتحمل «عبء إدارة العديد من القضايا، وحل النزاعات، والتعامل مع الأزمات» في منطقة الشرق الأوسط. وفي الوقت الذي تكثف فيه «واشنطن»، جهودها لجذب فرص استثمارية وتجارية جديدة من الخليج؛ تبرز مجالات البنية التحتية الرقمية، والذكاء الاصطناعي، كأولويات متزايدة ضمن جهود التعاون المستقبلي بين الجانبين.
وفي هذا السياق، علّق «محمد سليمان»، من «معهد الشرق الأوسط»، بأن دول الخليج، وخاصة السعودية، تسارع في تحولها لتصبح قوة تكنولوجية عالمية، معتبرًا أن «إدارة ترامب»، أمامها «فرصة محورية لإعادة تعريف شراكتها» مع هذه الدول، بحيث تركز على الروابط السياسية والاقتصادية والتكنولوجية الوثيقة. وأكد كل من «غراهام أليسون»، و«إريك شميت»، من «جامعة هارفارد»، أن «غالبية الأمريكيين يعتقدون أن ريادة الولايات المتحدة في التقنيات المتقدمة راسخة، ولا يمكن تحديها»، لكن الواقع يُظهر أن دولًا أخرى، وعلى رأسها الصين، تمتلك الآن الأدوات اللازمة لمجاراة، أو حتى تجاوز التطورات التكنولوجية الأمريكية، وغالبًا بتكاليف أقل بكثير.
وتُعد دول الخليج من بين هذه القوى الصاعدة. وأشار «المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية»، إلى أن «الثورة التكنولوجية» في مجال الذكاء الاصطناعي تفتح بالفعل «آفاقًا استراتيجية جديدة». وأضافت مجلة «الإيكونوميست»، أن قلة من القوى المتوسطة في العالم لديها طموحات تكنولوجية هائلة مثل دول الخليج. وأكد «سليمان»، أن «الموارد المالية الضخمة، والاستثمارات الاستراتيجية في الذكاء الاصطناعي، واحتياطيات الطاقة الكبيرة»، التي تمتلكها السعودية، تجعلها «منافسًا قويًا في السباق العالمي نحو الهيمنة في مجال الحوسبة».
ووفقًا لـ«المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية»، استثمرت المملكة أكثر من 24.8 مليار دولار في بنيتها التحتية الرقمية خلال السنوات الست الماضية، وتخطط لاستثمار 20 مليار دولار إضافية خلال السنوات الخمس المقبلة، بالإضافة إلى إطلاقها مبادرة «مشروع التسامي»، بقيمة 100 مليار دولار لتعزيز مكانتها كمركز تكنولوجي عالمي.
أما الإمارات، فقد شهدت في مارس 2024، إطلاق شركة «إم جي إكس» المتخصصة في الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، ضمن خطوة استراتيجية تهدف إلى تعزيز مكانتها في الاقتصاد الرقمي العالمي. وتسعى الشركة إلى إبرام صفقات تتجاوز قيمتها 100 مليار دولار في قطاعات حيوية، مثل أشباه الموصلات، والذكاء الاصطناعي. ويمثل هذا التوجه دعما واضحا من حكومتها لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، لا سيما في ظل إعلانها نيتها أن تصبح أول دولة في العالم تعتمد على الذكاء الاصطناعي في صياغة ومراجعة تشريعاتها الجديدة.
وعليه، أضاف «المعهد الإيطالي»، أن دول «مجلس التعاون»، أصبحت «نقطة اتصال استراتيجية»، بعد أن نجحت في تجاوز حدة التنافس بين الولايات المتحدة والصين، عبر تبني سياسات مرنة تُعلي من المصلحة الوطنية. ومع تصاعد الحرب التجارية بين «بكين»، و«واشنطن»، نتيجة فرض الأخيرة رسومًا جمركية عالمية أعلى على الصادرات، وبلوغ الرسوم على الواردات الصينية إلى الولايات المتحدة 145%، في مقابل رسوم جديدة بنسبة 125% على الصادرات الأمريكية إلى الصين، فمن المتوقع أن تستمر الضغوط السياسية والاقتصادية على الدول التي لا تصطف بشكل كامل مع أي من القوتين.
وفي هذا السياق، توقعت «كورتني فرير»، من «جامعة إيموري»، أن يسعى «ترامب»، إلى مطالبة دول الخليج، بالانحياز إلى الولايات المتحدة في مواجهتها الاستراتيجية مع الصين، سواء في المجالات التجارية، أو في مسارات التعاون التكنولوجي المستقبلي؛ إلا أن «آنا جاكوبس»، من «معهد دول الخليج العربية»، ترى أن هذا التوجه قد ترفضه دول الخليج، بالنظر إلى نجاح استراتيجيتها في موازنة العلاقات مع القوتين العظميين، حفاظاً على مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية.
ورغم أن «الصين»، تظل الشريك الاقتصادي الأبرز لدول الخليج – إذ توقع معهد «آسيا هاوس»، أن يتجاوز حجم التبادل التجاري بينها وبين دول الخليج نظيره مع الدول الغربية بحلول عام 2027– فإن علاقات التعاون الاقتصادي والتكنولوجي بين الولايات المتحدة ودول الخليج شهدت نموا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة.
وفي هذا الإطار، رفع «صندوق الاستثمارات العامة السعودي»، حجم استثماراته في قطاع التكنولوجيا الأمريكي من 20.7 مليار دولار في الربع الثاني من عام 2024، إلى 26.7 مليار دولار في الربع الثالث، وهو ما اعتبره «سليمان»، «دليلًا على دخول الشراكة الثنائية بين «واشنطن»، و«الرياض»، مرحلة جديدة، حيث بات الابتكار والبنية الرقمية في صميم التعاون الاستراتيجي. وفي أوائل مايو 2025، ذكرت صحيفة «فاينانشال تايمز»، أن شركة «جي 42» التابعة لأبو ظبي تستعد لتوسيع عملياتها في الولايات المتحدة، في إطار خطط لزيادة استثماراتها، وترسيخ مكانتها كشركة رائدة عالميًا في التكنولوجيا الناشئة.
وفي ظل هذه العلاقات المتنامية، أشارت «ستيفاني هاوشير»، من «المجلس الأطلسي»، إلى أن الإدارة الأمريكية، قد تدرس تصنيف السعودية، والإمارات -وربما دول خليجية أخرى – كدول «من الدرجة الأولى»، فيما يخص إمكانية الوصول إلى رقائق أشباه الموصلات الأمريكية. وأفادت وكالة «بلومبيرغ»، بأنها تدرس فعليًا تخفيف القيود المفروضة على بيع رقائق شركة «إنفيديا» العملاقة، في خطوة يُعتقد أن دوافعها تتصل جزئيًا بالشراكة البارزة بين «مايكروسوفت»، وشركة «جي 42»، بقيمة 1.5 مليار دولار، بالإضافة إلى الضغوط المتزايدة على الإدارة الأمريكية لتعزيز التعاون التكنولوجي مع شركائها الخليجيين، الذين لا يزالون يُعاملون في إطار أنظمة التصدير الأمريكية كـ«دول من الدرجة الثانية»، رغم عمق التحالفات الاستراتيجية القائمة.
وفي هذا الإطار، ترى «دينا اسفندياري»، من «بلومبيرغ»، أن تعزيز العلاقات التكنولوجية بين الولايات المتحدة ودول الخليج، بشأن الاستثمار في البنية التحتية الرقمية، وتطوير الذكاء الاصطناعي قد يدفع واشنطن لمطالبة هذه الدول بـ«الاختيار بينها وبين بكين»، فيما يخص علاقاتها الاقتصادية المستقبلية. ولكن نظرًا لكون الولايات المتحدة لا تزال «الضامن الأمني الأساسي» لدول الخليج، وبقاء الصين «شريكها الاقتصادي الرئيسي»؛ فإن هذه الدول «بحاجة إلى كليهما»، لضمان استقرارها، والحفاظ على مسارها التنموي الراهن.
لذلك، افترضت «اسفندياري»، أن دول الخليج ستواصل تبني سياسة «التوازن الاستراتيجي»، حيث تسعى لتقديم مكاسب للطرفين – الولايات المتحدة والصين – مما يسمح لها بالاستفادة من الفرص الاقتصادية والتكنولوجية مع كل منهما دون الانحياز التام إلى أي طرف. بينما اقترح «المعهد الإيطالي»، استراتيجيتين متكاملتين لمواجهة التحديات الجيوسياسية في عصر الذكاء الاصطناعي: أولًا، تعزيز التعاون مع قوى متوسطة للحد من احتكار القوى الكبرى للتكنولوجيا، وهو ما يتجلى في تعزيز العلاقات الخليجية مع دول، مثل كوريا الجنوبية، والهند؛ وثانيًا، الاستثمار في تطوير المعرفة المحلية، عبر توطين الإنتاج الصناعي، وتأمين المعادن الخام الأساسية، ونقل المعرفة من خلال الشراكات التكنولوجية.
من جانبه، يرى «سليمان»، أن الولايات المتحدة، من خلال تعاونها الوثيق مع السعودية والإمارات، تستطيع تطوير نموذج تعاون رقمي، يمكن تكراره في بقية منطقة الخليج والجنوب العالمي الأوسع، مضيفا أن «مستقبل ضوابط التصدير» على التقنيات الحيوية، مثل رقائق أشباه الموصلات، يجب أن يعكس واقع الترابط وبناء التحالفات، وليس أن يبقى حبيس «تسلسلات هرمية جامدة»، حكمت سياسات واشنطن التكنولوجية سابقًا.
ويُشير «إميل هوكاييم»، من «المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية»، إلى أن تراجع الصورة العالمية للولايات المتحدة في ظل قيادة «ترامب»، يجب أن يدفع قادة دول الخليج إلى التفكير مليًا؛ ليس فقط في فوائد العلاقة مع واشنطن، بل أيضًا في المخاطر المحتملة المرتبطة بها. ويؤكد أن اتخاذ «البيت الأبيض»، خطوة بترقية دول الخليج في قائمة الدول المؤهلة للحصول على رقائق أشباه الموصلات المتقدمة؛ سيمثل تطورًا مهمًا نحو تعزيز التعاون المشترك، ودعم الاستثمارات المستقبلية؛ مما يسهم في تحقيق رؤية «سليمان»، حول انطلاق عصر جديد من الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك