العدد : ١٧٢١٨ - الأربعاء ١٤ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٦ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢١٨ - الأربعاء ١٤ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٦ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

وقت مستقطع

علي ميرزا

النفاق الرياضي

 

في‭ ‬أجواء‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬تسودها‭ ‬الروح‭ ‬الرياضية‭ ‬والعدالة‭ ‬التنافسية‭ ‬تسللت‭ ‬عدوى‭ ‬النفاق‭ ‬بدون‭ ‬استئذان‭ ‬إلى‭ ‬الأجواء‭ ‬الرياضية‭ ‬لتلوث‭ ‬نقاءها‭ ‬وتشوه‭ ‬مبادئها‭.‬

‮«‬النفاق‭ ‬الرياضي‮»‬‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬ظاهرة‭ ‬هامشية،‭ ‬بل‭ ‬أصبح‭ ‬تصرفات‭ ‬متفشية‭ ‬تعكس‭ ‬ازدواجية‭ ‬المعايير،‭ ‬وتكشف‭ ‬عن‭ ‬وجه‭ ‬آخر‭ ‬يقف‭ ‬خلف‭ ‬الشعارات‭ ‬البراقة‭ ‬التي‭ ‬يرفعها‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬له‭ ‬صلة‭ ‬بالرياضة‭.‬

فالنفاق‭ ‬الرياضي‭ ‬في‭ ‬أبسط‭ ‬صوره‭ ‬هو‭ ‬التناقض‭ ‬الصارخ‭ ‬بين‭ ‬القول‭ ‬وما‭ ‬يمارس‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬الرياضية،‭ ‬فماذا‭ ‬نسمي‭ ‬من‭ ‬يرفع‭ ‬شعارات‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬اللعب‭ ‬النظيف‮»‬‭ ‬و‮«‬احترام‭ ‬الخصم‮»‬،‭ ‬بينما‭ ‬سلوكه‭ ‬يقف‭ ‬على‭ ‬النقيض‭ ‬تماما؟‭ ‬كأن‭ ‬يقوم‭ ‬بالتحريض،‭ ‬أو‭ ‬الكيل‭ ‬بمكيالين،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬تشجيع‭ ‬العنف‭ ‬والكراهية‭ ‬طالما‭ ‬كان‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬هو‭ ‬المتهم‭.‬

وهناك‭ ‬أوجه‭ ‬عديده‭ ‬تلوثت‭ ‬بها‭ ‬الأجواء‭ ‬الرياضية،‭ ‬كأن‭ ‬تجد‭ ‬بعض‭ ‬الجماهير‭ ‬تدين‭ ‬العنف‭ ‬عندما‭ ‬يصدر‭ ‬من‭ ‬خصومها،‭ ‬وتبرره‭ ‬أو‭ ‬تتغاضى‭ ‬عنه‭ ‬عندما‭ ‬يصدر‭ ‬من‭ ‬فريقها،‭ ‬ويهاجمون‭ ‬الحكام‭ ‬عندما‭ ‬يخسر‭ ‬فريقهم،‭ ‬ويشيدون‭ ‬بهم‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬الفوز،‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬ارتكبوا‭ ‬الأخطاء‭ ‬ذاتها‭.‬

‭ ‬حتى‭ ‬الإعلام‭ ‬الرياضي‭ ‬الذي‭ ‬يفترض‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬طرفا‭ ‬عادلا‭ ‬ومحايدا‭ ‬لم‭ ‬يسلم‭ ‬من‭ ‬النفاق‭ ‬المبطن‭ ‬مرة‭ ‬والمكشوف‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬عندما‭ ‬يتجاهل‭ ‬أو‭ ‬يطبل‭ ‬أو‭ ‬يتماشى‭ ‬أو‭ ‬يتملق‭ ‬أو‭ ‬يهاجم‭ ‬لغرض‭ ‬في‭ ‬نفسه‭.‬

ولا‭ ‬يتوانى‭ ‬الإداريون‭ ‬واللاعبون‭ ‬عن‭ ‬رفع‭ ‬شعارات‭ ‬براقة‭ ‬ولكنها‭ ‬تصطدم‭ ‬بواقع‭ ‬مغاير،‭ ‬فنسمع‭ ‬تصريحات‭ ‬‮«‬هدفنا‭ ‬هو‭ ‬تقديم‭ ‬مباراة‭ ‬جميلة‭ ‬تليق‭ ‬بالجماهير‮»‬،‭ ‬ولكننا‭ ‬نشاهد‭ ‬احتجاجات،‭ ‬وتضييعا‭ ‬للوقت،‭ ‬وحركات‭ ‬تمثيلية،‭ ‬وأحيانا‭ ‬افتعال‭ ‬مشاحنات،‭ ‬نجدهم‭ ‬يشتكون‭ ‬من‭ ‬الظلم‭ ‬حين‭ ‬يكون‭ ‬القرار‭ ‬ضدهم،‭ ‬ويصمتون‭ ‬إذا‭ ‬استفادوا‭ ‬منه‭.‬

في‭ ‬بعض‭ ‬الحالات‭ ‬تظهر‭ ‬الاتحادات‭ ‬صرامة‭ ‬في‭ ‬تطبيق‭ ‬اللوائح‭ ‬على‭ ‬جهات‭ ‬معينة،‭ ‬وتمارس‭ ‬التساهل‭ ‬مع‭ ‬جهات‭ ‬أخرى،‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الازدواجية‭ ‬تكهرب‭ ‬الأجواء،‭ ‬وتغذي‭ ‬التعصب‭ ‬والانقسام‭.‬

فالنفاق‭ ‬الرياضي‭ ‬يخلق‭ ‬بيئة‭ ‬مشحونة‭ ‬تبتعد‭ ‬كل‭ ‬البعد‭ ‬عن‭ ‬القيم‭ ‬الحقيقية‭ ‬للرياضة‭. ‬وبدل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الملاعب‭ ‬ساحات‭ ‬للتنافس‭ ‬الشريف‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬مسارح‭ ‬للادعاء‭ ‬والتضليل‭.‬

ولمواجهة‭ ‬هذه‭ ‬الآفة‭ ‬البليدة‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬طرف‭ ‬في‭ ‬المنظومة‭ ‬الرياضية‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬مشجعا،‭ ‬أو‭ ‬لاعبا،‭ ‬أو‭ ‬إعلاميا،‭ ‬أو‭ ‬مسؤولا‭ ‬أن‭ ‬يبدأ‭ ‬بنفسه‭ ‬ويحاسبها‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يحاسب‭ ‬غيره،‭ ‬فالانسجام‭ ‬والتناغم‭ ‬بين‭ ‬القول‭ ‬والفعل‭ ‬هما‭ ‬جوهر‭ ‬الروح‭ ‬الرياضية،‭ ‬وحين‭ ‬تطبق‭ ‬القوانين‭ ‬بعدالة،‭ ‬ويعاد‭ ‬للرياضة‭ ‬معناها‭ ‬الحقيقي،‭ ‬يمكن‭ ‬حينها‭ ‬فقط‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬إننا‭ ‬نمارس‭ ‬رياضة‭ ‬نظيفة‭.‬

إقرأ أيضا لـ"علي ميرزا"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا