العدد : ١٧٢١٧ - الثلاثاء ١٣ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٥ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢١٧ - الثلاثاء ١٣ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٥ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

مئة عام على صدور كتاب «الإسلام وأصول الحكم»

بقلم: د. هاني نسيرة {

الاثنين ١٢ مايو ٢٠٢٥ - 02:00

خلال‭ ‬العام‭ ‬الجاري‭ ‬سيكون‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬الزمان‭ ‬قد‭ ‬مر‭ ‬على‭ ‬الصدور‭ ‬الأول‭ ‬لكتاب‭ ‬‮«‬الإسلام‭ ‬وأصول‭ ‬الحكم‮»‬،‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬الذي‭ ‬عاش‭ ‬صاحبه‭ ‬الشيخ‭ ‬علي‭ ‬عبد‭ ‬الرازق‭ (‬1888-‭ ‬1966‭) ‬بعده‭ ‬أربعة‭ ‬عقود،‭ ‬يعاني‭ ‬الهجمات‭ ‬والعزلة‭ ‬ويمارس‭ ‬الكتابة‭ ‬بحذر‭ ‬ورهاب‭ ‬مما‭ ‬أحدثه‭ ‬كتابه‭ ‬الأول،‭ ‬فكان‭ ‬قليل‭ ‬الإنتاج،‭ ‬ولم‭ ‬يصدر‭ ‬له‭ ‬بعده‭ ‬إلا‭ ‬كتابان‭ ‬هما‭ ‬الأمالي‭ ‬وآخر‭ ‬حول‭ ‬الإجماع‭ ‬جمع‭ ‬محاضراته‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭ ‬بكلية‭ ‬الحقوق‭.‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬الشيخ‭ ‬علي‭ ‬عبدالرازق‭ ‬غير‭ ‬صوت‭ ‬تاريخي‭ ‬واقعي،‭ ‬قرأ‭ ‬تاريخ‭ ‬المسلمين،‭ ‬وحاول‭ ‬تحرير‭ ‬عقيدتهم‭ ‬مما‭ ‬شابها‭ ‬باكرًا‭ ‬من‭ ‬فتن‭ ‬الإمامة‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬سُلَّ‭ ‬سيف‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬كما‭ ‬سُل‭ ‬عليها،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يقول‭ ‬الشهرستاني‭ ‬صاحب‭ ‬‮«‬الملل‭ ‬والنحل‮»‬،‭ ‬رآها‭ ‬مسألة‭ ‬تاريخية‭ ‬واجتهادية‭ ‬تقديرية‭ ‬كما‭ ‬رآها‭ ‬الإمام‭ ‬الجويني‭ ‬صاحب‭ ‬الغياثي،‭ ‬وافترض‭ ‬زوالها‭ ‬دون‭ ‬تأثير‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬،‭ ‬وعرف‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬أمر‭ ‬شوكة‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬فقهاء‭ ‬وكتاب‭ ‬الأدب‭ ‬السياسي‭ ‬الإسلامي‭ ‬منذ‭ ‬القرن‭ ‬الرابع‭ ‬الهجري،‭ ‬ولكن‭ ‬الرجل‭ ‬لم‭ ‬يتحمله‭ ‬أحد،‭ ‬ولم‭ ‬ينصفه‭ ‬أحد،‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬كتابه‭ ‬ودعوته‭ ‬وطرحه‭ ‬المتخلص‭ ‬من‭ ‬البكاء‭ ‬على‭ ‬سقوط‭ ‬الخلافة‭ ‬في‭ ‬الآستانة‭ ‬التي‭ ‬صدر‭ ‬بعدها‭ ‬بعام،‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬المراجعة‭ ‬وإعادة‭ ‬القراءة‭ ‬المنصفة‭ ‬لأطروحات‭ ‬الكتاب‭ ‬وسياقاته‭. ‬

يبدو‭ ‬كتاب‭ ‬الشيخ‭ ‬علي‭ ‬عبد‭ ‬الرازق‭ ‬وطرحه‭ ‬ردًا‭ ‬من‭ ‬محاولة‭ ‬وطموح‭ ‬ثلاثة‭ ‬عشر‭ ‬حاكمًا‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي،‭ ‬لمنصب‭ ‬الخلافة‭ ‬آنذاك،‭ ‬رغم‭ ‬فقدانها‭ ‬دورها،‭ ‬وحركات‭ ‬وجماعات‭ ‬في‭ ‬زمانه‭ ‬لاستعادتها‭ ‬مثل‭ ‬حركة‭ ‬الخلافة‭ ‬الهندية‭ (‬1919-‭ ‬1924‭) ‬بقيادة‭ ‬شوكت‭ ‬علي،‭ ‬وانضم‭ ‬إليها‭ ‬أبو‭ ‬الكلام‭ ‬أزاد‭ ‬في‭ ‬مرحلته‭ ‬الأولى،‭ ‬حتى‭ ‬جماعات‭ ‬ودعوات‭ ‬استعادة‭ ‬الخلافة‭ ‬والحاكمية‭ ‬المستمرة‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬من‭ ‬جماعة‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬سنة‭ ‬1928،‭ ‬وحزب‭ ‬التحرير‭ ‬سنة‭ ‬1953،‭ ‬وصولًا‭ ‬إلى‭ ‬حركات‭ ‬أنصار‭ ‬الخلافة‭ ‬بأفغانستان،‭ ‬وداعش‭ (‬تنظيم‭ ‬الدولة‭) ‬سنة‭ ‬2014،‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬السيل‭ ‬مستمرًا‭! ‬

بعد‭ ‬مئة‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬صدور‭ ‬الكتاب‭ ‬ربما‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نؤكد‭ ‬أن‭ ‬الشيخ‭ ‬علي‭ ‬عبدالرازق‭ ‬كان‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬سياقه،‭ ‬ومتفاعلًا‭ ‬مع‭ ‬واقعه،‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬يأتِ‭ ‬بخارجية‭ ‬نشاز‭ ‬لم‭ ‬يسبق‭ ‬إليها،‭ ‬قدر‭ ‬ما‭ ‬تعاطى‭ ‬وحاول‭ ‬علاج‭ ‬مرض‭ ‬الفتن‭ ‬الكبرى‭ ‬والصغرى‭ ‬حول‭ ‬الإمامة‭ ‬والخلافة،‭ ‬تاريخًا‭ ‬وواقعًا،‭ ‬وتكلم،‭ ‬مستبقًا‭ ‬إذا‭ ‬شئنا‭ ‬دعوة‭ ‬تجديد‭ ‬علم‭ ‬العقيدة‭ ‬والكلام،‭ ‬التي‭ ‬بدأها‭ ‬المفكر‭ ‬الهندي‭ ‬الراحل‭ ‬شبلي‭ ‬النعماني‭ (‬1857‭- ‬1914‭) ‬إلى‭ ‬دعوة‭ ‬المفكر‭ ‬مرتضى‭ ‬مطهري‭ (‬1919-‭ ‬1979‭) ‬وصولًا‭ ‬إلى‭ ‬جهود‭ ‬كثيرين‭ ‬بعدهم،‭ ‬وكان‭ ‬الجامع‭ ‬بين‭ ‬كثير‭ ‬ممن‭ ‬يهتمون‭ ‬بهذا‭ ‬الطرح‭ ‬هو‭ ‬تخليص‭ ‬مباحث‭ ‬العقيدة‭ ‬من‭ ‬مبحث‭ ‬الإمامة‭ ‬والحكم‭ ‬أو‭ ‬الحاكمية‭ ‬بالتعبير‭ ‬المعاصر،‭ ‬الذى‭ ‬صار‭ ‬كأنه‭ ‬ثابت‭ ‬ديني‭ ‬لا‭ ‬خلاف‭ ‬عليه‭ ‬ولا‭ ‬اختلاف‭ ‬فيه،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الخلافة‭ ‬كانت‭ ‬منذ‭ ‬بدايتها‭ ‬شأنًا‭ ‬دنيويًّا‭ ‬أكثر‭ ‬منه‭ ‬شأنًا‭ ‬دينيًّا،‭ ‬وأمرًا‭ ‬اجتهاديًّا‭ ‬تقديريًّا‭ ‬يخضع‭ ‬للشوكة‭ ‬والاستيلاء‭ ‬في‭ ‬تاريخنا،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬شرطه‭ ‬يومًا‭ ‬الاستقامة‭ ‬الدينية‭ ‬أو‭ ‬العقدية،‭ ‬فكل‭ ‬ولاية‭ ‬بحسبها،‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬ابن‭ ‬تيمية‭ ‬وغيره‭.‬

كما‭ ‬نرى‭ ‬أن‭ ‬صدور‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬الإسلام‭ ‬وأصول‭ ‬الحكم‮»‬‭ ‬كان‭ ‬حلقة‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬سلسلة‭ ‬استمرت‭ ‬سنوات‭ ‬قبله‭ ‬وبعده‭ ‬حول‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬الخلافة‭ ‬والسلطنة‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬وحول‭ ‬شرعية‭ ‬الخلافة‭ ‬ثم‭ ‬إلغائها‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬ربما‭ ‬كانت‭ ‬بدايتها‭ ‬في‭ ‬قرار‭ ‬الكماليين‭ ‬الذين‭ ‬سيطروا‭ ‬على‭ ‬المؤسسة‭ ‬التشريعية‭ ‬بتركيا‭ ‬بالفصل‭ ‬بين‭ ‬الخلافة‭ ‬والسلطنة،‭ ‬وعزل‭ ‬السلطان‭ ‬وحيد‭ ‬الدين،‭ ‬بعد‭ ‬اتهامه‭ ‬بالتورط‭ ‬في‭ ‬مساندة‭ ‬الحلفاء‭ ‬الذين‭ ‬احتلوا‭ ‬البلاد‭ ‬ضد‭ ‬المقاومة،‭ ‬وسقوط‭ ‬صورته،‭ ‬وصعود‭ ‬صورة‭ ‬أتاتورك‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬صدر‭ ‬ووقّع‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬والبرلمانيين‭ ‬الأتراك‭ ‬تقريرًا‭ ‬عن‭ ‬الفصل‭ ‬بين‭ ‬الخلافة‭ ‬والمجلس‭ ‬الوطني،‭ ‬تم‭ ‬تعريبه‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬عبدالغني‭ ‬سني‭ ‬بك‭ ‬سنة‭ ‬1914،‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬الخلافة‭ ‬وسلطة‭ ‬الأمة‮»‬‭ ‬وتمت‭ ‬إعادة‭ ‬نشره‭ ‬وقدم‭ ‬له‭ ‬المرحوم‭ ‬الدكتور‭ ‬نصر‭ ‬حامد‭ ‬أبوزيد‭.‬

وقد‭ ‬تم‭ ‬نفى‭ ‬السلطان‭ ‬وحيد‭ ‬الدين‭ ‬خارج‭ ‬البلاد‭ ‬وتعيين‭ ‬خليفته‭ ‬عبدالمجيد‭ ‬الثاني‭ ‬في‭ ‬19‭ ‬نوفمبر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬العام،‭ ‬والذي‭ ‬تم‭ ‬نفيه‭ ‬مع‭ ‬إلغاء‭ ‬الخلافة‭ ‬ونفي‭ ‬كل‭ ‬بني‭ ‬عثمان‭ ‬معه‭ ‬وحملهم‭ ‬على‭ ‬ترك‭ ‬البلاد،‭ ‬ورغم‭ ‬نشاط‭ ‬حركة‭ ‬الخلافة‭ ‬الهندية‭ ‬في‭ ‬دعمه‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬سريعًا‭ ‬ما‭ ‬استقر‭ ‬الأمر‭ ‬للأتاتوركيين،‭ ‬ولكن‭ ‬رغم‭ ‬نقد‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المفكرين‭ ‬والعلماء‭ ‬والفقهاء‭ ‬لأداء‭ ‬الخليفة‭ ‬والخلافة‭ ‬وضعف‭ ‬دورها،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬سقوطها‭ ‬انقلبوا‭ ‬يبكونها‭ ‬وينتقدون‭ ‬غيابها‭.‬

لقد‭ ‬نسوا‭ ‬حالة‭ ‬الرجل‭ ‬المريض‭ ‬للدولة‭ ‬العثمانية‭ ‬الذي‭ ‬انكسر‭ ‬مع‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى،‭ ‬شأن‭ ‬الإمبراطوريتين‭ ‬الروسية‭ ‬والألمانية،‭ ‬لكن‭ ‬ضعفها‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬ظهر‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬بعقود،‭ ‬مع‭ ‬احتلال‭ ‬أغلب‭ ‬الدول‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭. ‬نعم‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬إقرار‭ ‬إلغاء‭ ‬الخلافة‭ ‬على‭ ‬وجدان‭ ‬المسلمين‭ ‬والأتراك‭ ‬سهلًا،‭ ‬وبعد‭ ‬سقوطها‭ ‬بقي‭ ‬حلمها‭ ‬يراود‭ ‬ثلاثة‭ ‬عشر‭ ‬حاكمًا‭ ‬عربيًا‭ ‬ومسلمًا،‭ ‬وتمت‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬استعادة‭ ‬الخلافة،‭ ‬وعُقدت‭ ‬مؤتمرات‭ ‬ثلاثة‭ ‬لاستعادة‭ ‬الخلافة،‭ ‬كان‭ ‬آخرها‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬سنة‭ ‬1926،‭ ‬والذي‭ ‬انتهى‭ ‬إلى‭ ‬استحالة‭ ‬قيامها‭ ‬واستعادتها،‭ ‬وعدم‭ ‬تاريخية‭ ‬أو‭ ‬واقعية‭ ‬قيامها‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬بعد‭ ‬استقرار‭ ‬الدول‭ ‬الوطنية،‭ ‬ووجود‭ ‬الاستعمار‭ ‬آنذاك‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية،‭ ‬ولكن‭ ‬السهام‭ ‬وُجهت‭ ‬لصدر‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬فقط‭ ‬الشيخ‭ ‬علي‭ ‬عبدالرازق‭ ‬الذى‭ ‬صرح‭ ‬برؤيته‭ ‬وكتابه‭ ‬قبل‭ ‬مئة‭ ‬عام‭.‬

 

{‭ ‬كاتب‭ ‬وباحث‭ ‬في‭ ‬الدرسات‭ ‬الإسلامية

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا