العدد : ١٧٢١٥ - الأحد ١١ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٣ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢١٥ - الأحد ١١ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٣ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

مهام الإنسان في الأرض

بقلم: د. زكريا الخنجي

الأحد ١١ مايو ٢٠٢٥ - 02:00

من‭ ‬أجل‭ ‬توضيح‭ ‬الفكرة،‭ ‬لنتخيل،‭ ‬مجرد‭ ‬تخيل،‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬توأم‭ ‬أي‭ ‬طفلين‭ ‬في‭ ‬رحم‭ ‬الأم،‭ ‬يقول‭ ‬أحدهما‭ (‬أ‭) ‬للآخر‭ (‬ب‭): ‬هل‭ ‬تؤمن‭ ‬بحياة‭ ‬بعد‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭ ‬التي‭ ‬نعيشها؟

يرد‭ (‬ب‭): ‬بالطبع‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬حياة‭ ‬أخرى،‭ ‬فليس‭ ‬من‭ ‬المعقول‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬حياتنا‭ ‬محصورة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المكان‭ ‬الضيق،‭ ‬ولكن‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نستعد‭ ‬لها‭.‬

يقول‭ (‬أ‭): ‬هذه‭ ‬التخاريف‭ ‬غير‭ ‬منطقية،‭ ‬أي‭ ‬حياة‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تعتقد‭ ‬أنها‭ ‬موجودة‭ ‬خارج‭ ‬هذا‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬نحن‭ ‬فيه؟

يرد‭ (‬ب‭): ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬نوعية‭ ‬تلك‭ ‬الحياة،‭ ‬ولكن‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬الحياة‭ ‬ستكون‭ ‬أكثر‭ ‬اتساعًا‭ ‬وجمالاً‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المكان،‭ ‬وربما‭ ‬نتمكن‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬نمشي‭ ‬ونجري‭ ‬على‭ ‬أرجلنا،‭ ‬ونأكل‭ ‬بيدنا‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬يأتينا‭ ‬الطعام‭ ‬عبر‭ ‬هذا‭ ‬الحبل‭ ‬الذي‭ ‬يربطنا‭ ‬بأمنا،‭ ‬ربما‭ ‬ستكون‭ ‬لدينا‭ ‬حواس‭ ‬لا‭ ‬نفهمها،‭ ‬ربما‭ ‬الحياة‭ ‬ستكون‭ ‬ملونة‭ ‬بهيجة،‭ ‬سعيدة،‭ ‬لا‭ ‬أعرف،‭ ‬ولكن‭ ‬حتمًا‭ ‬ستكون‭ ‬الحياة‭ ‬مختلفة‭ ‬عن‭ ‬حياتنا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المكان‭.‬

يقول‭ (‬أ‭): ‬بدأت‭ ‬تخرف،‭ ‬أي‭ ‬منطق‭ ‬هذا‭ ‬الذي‭ ‬تتكلم‭ ‬عنه،‭ ‬المشي‭ ‬على‭ ‬أرجلنا‭ ‬والأكل‭ ‬بأفواهنا،‭ ‬وحواس‭ ‬لا‭ ‬نفهمها‭! (‬يضحك‭ ‬بسخرية‭)‬،‭ ‬الحبل‭ ‬السري‭ ‬يا‭ ‬صاحبي‭ ‬هو‭ ‬رابطنا‭ ‬بالحياة‭ ‬التي‭ ‬تأتينا‭ ‬من‭ ‬الخارج،‭ ‬فالحياة‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬تتكلم‭ ‬عنها‭ ‬غير‭ ‬منطقية،‭ ‬ولا‭ ‬توجد‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬مخيلتك‭.‬

قال‭ (‬ب‭): ‬ماذا‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬حقيقة،‭ ‬والحياة‭ ‬خارج‭ ‬هذا‭ ‬المكان‭ ‬مختلفة‭ ‬تمامًا؟‭ ‬ماذا‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬نعد‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬الحبل‭ ‬السري؟‭ ‬قال‭ (‬أ‭): ‬حسنٌ،‭ ‬دعني‭ ‬أسايرك‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬غير‭ ‬المنطقي‭ ‬وأطرح‭ ‬عليك‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭: ‬لماذا‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬الأخرى‭ ‬ليحدثنا‭ ‬عما‭ ‬وجده‭ ‬هناك؟‭ ‬الحياة‭ ‬يا‭ ‬صديقي‭ ‬بعد‭ ‬خروجنا‭ ‬من‭ ‬هناك‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬مجرد‭ ‬ظلام‭ ‬وصمت،‭ ‬وخواء‭ ‬وفراغ،‭ ‬لا‭ ‬تضع‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الآمال‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬وجود‭ ‬لها‭.‬

يرد‭ (‬ب‭): ‬ربما‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الأخرى‭ ‬سنلتقي‭ ‬بهذه‭ ‬الأم‭ ‬التي‭ ‬تحتضننا‭ ‬في‭ ‬بطنها،‭ ‬وتغذينا،‭ ‬وتهتم‭ ‬بنا‭.‬

قال‭ (‬أ‭): ‬أي‭ ‬أم‭ ‬وأي‭ ‬والدة،‭ ‬أنت‭ ‬تؤمن‭ ‬بها؟‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬موجودة‭ ‬أين‭ ‬هي‭ ‬الآن؟‭ ‬من‭ ‬أين‭ ‬جاءت‭ ‬وكيف‭ ‬جاءت؟‭ ‬هل‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬صنعتنا،‭ ‬فإن‭ ‬كانت‭ ‬هي‭ ‬فمن‭ ‬صنعها؟

قال‭ (‬ب‭): ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تحتضننا،‭ ‬ونحن‭ ‬نعيش‭ ‬بداخلها‭...‬

ويستمر‭ ‬هذا‭ ‬الحوار،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭ ‬غير‭ ‬واقعي‭ ‬في‭ ‬الرحم،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬واقعي‭ ‬جدًا‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع،‭ ‬فالعقل‭ ‬البشري‭ ‬لا‭ ‬يمكنه‭ ‬أن‭ ‬يتصور‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬يجري‭ ‬خلف‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬يعيشه،‭ ‬فهو‭ ‬محصور‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الجزء‭ ‬المادي‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية،‭ ‬فالحياة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليه،‭ ‬هذه‭ ‬الجزئية‭ ‬فقط،‭ ‬والكثير‭ ‬منا‭ ‬لا‭ ‬يتصور‭ ‬ولا‭ ‬يعتقد‭ ‬بوجود‭ ‬حياة‭ ‬أخرى‭ ‬بعد‭ ‬مرحلة‭ ‬الموت‭ ‬والبرزخ‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬لأن‭ ‬عقلنا‭ ‬محدود‭ ‬جدًا‭ ‬وضيق‭ ‬التفكير‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الإمكانيات‭ ‬والقدرات‭. ‬إن‭ ‬وصلنا‭ ‬في‭ ‬جدالنا‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬النقطة،‭ ‬فإنه‭ ‬حتمًا‭ ‬سيأتي‭ ‬السؤال‭ ‬الأزلي‭ ‬والأبدي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يُعرف‭ ‬له‭ ‬إجابة،‭ ‬وهو‭: ‬لماذا‭ ‬خلقنا‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى؟‭ ‬لماذا‭ ‬خلق‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬الكون؟‭ ‬هل‭ ‬لمجرد‭ ‬أن‭ ‬نقوم‭ ‬بعبادته،‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬الموضوع‭ ‬له‭ ‬أبعاد‭ ‬أخرى؟

مبدئيًا،‭ ‬لا‭ ‬إجابات‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬التساؤلات،‭ ‬حقيقة‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يعرف‭ ‬الإجابة‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬التساؤلات،‭ ‬وذلك‭ ‬بسبب‭ ‬واحد،‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬عقلنا‭ ‬يقيس‭ ‬الأمور‭ ‬المادية‭ ‬الخاضعة‭ ‬للقياس‭ ‬وباستخدام‭ ‬المنهج‭ ‬العلمي‭ ‬فقط،‭ ‬وهذا‭ ‬الأمر‭ ‬وهذه‭ ‬التساؤلات‭ ‬لا‭ ‬تخضع‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬الأدوات‭ ‬والمقاييس،‭ ‬فهي‭ ‬خارجة‭ ‬عن‭ ‬نطاق‭ ‬المألوف‭ ‬الحسي‭ ‬المادي‭ ‬والأدوات‭ ‬العلمية،‭ ‬والعقل‭ ‬البشري‭. ‬

وجانب‭ ‬آخر،‭ ‬فالله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬هو‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬يعلم،‭ ‬لماذا؟‭ ‬فهو‭ ‬الخالق‭ ‬والمنشئ،‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ننازعه‭ ‬هذه‭ ‬المعرفة،‭ ‬فلسنا‭ ‬على‭ ‬قدر‭ ‬معرفته‭ ‬ولا‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نتساوى‭ ‬مع‭ ‬قدرته،‭ ‬فهو‭ (‬لَا‭ ‬يُسْأَلُ‭ ‬عَمَّا‭ ‬يَفْعَلُ‭ ‬وَهُمْ‭ ‬يُسْأَلُونَ‭)‬،‭ ‬فليس‭ ‬من‭ ‬قدرة‭ ‬البشر‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬حقهم‭ ‬التطاول‭ ‬على‭ ‬الذات‭ ‬الإلهية،‭ ‬والدخول‭ ‬في‭ ‬خصوصيات‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬لنسأل‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الرغبة‭ ‬وهذا‭ ‬الفعل،‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬مهمة‭ ‬الإنسان‭ ‬أن‭ ‬يعرف‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬يعرفها‭. ‬أحيانًا‭ ‬ننسى‭ ‬أننا‭ ‬بشر‭ ‬من‭ ‬طين،‭ ‬نجهل‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬نعرف،‭ ‬فما‭ ‬زالت‭ ‬هناك‭ ‬مساحات‭ ‬ضخمة‭ ‬جدّا‭ ‬من‭ ‬أسرار‭ ‬الكون‭ ‬والحياة‭ ‬لا‭ ‬يعرفها‭ ‬البشر،‭ ‬والعلماءُ‭ ‬قبل‭ ‬الجهلاء‭ ‬يقرّون‭ ‬بجهلهم‭ ‬بها‭.‬

وأخيرًا،‭ ‬ماذا‭ ‬يستفيد‭ ‬الإنسان‭ ‬إن‭ ‬عرف‭ ‬الإجابة‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬التساؤلات؟‭ ‬هل‭ ‬سيقيم‭ ‬الحياة‭ ‬الراشدة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدنيا،‭ ‬الخالية‭ ‬من‭ ‬الحروب‭ ‬والكراهية‭ ‬والمجاعات‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك؟‭ ‬لو‭ ‬عرف‭ ‬الإنسان‭ ‬الإجابة‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬التساؤلات،‭ ‬هل‭ ‬كان‭ ‬سيقيم‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الحضارات‭ ‬التي‭ ‬شيدت‭ ‬والعلوم‭ ‬التي‭ ‬انتشرت؟‭ ‬ربما‭ ‬كان‭ ‬إخفاء‭ ‬الإجابة‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬التساؤلات‭ ‬هو‭ ‬الحافز‭ ‬الذي‭ ‬بسببه‭ ‬انطلق‭ ‬الفكر‭ ‬الإنساني‭ ‬المحدود‭ ‬ليبحث‭ ‬في‭ ‬عوالم‭ ‬المعرفة‭ ‬والعمل‭ ‬والفكر‭ ‬والفلسفة،‭ ‬نحن‭ ‬لا‭ ‬نعلم،‭ ‬فالعقول‭ ‬البشرية‭ ‬ذات‭ ‬قدرات‭ ‬محدودة،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬محدوديتها‭ ‬فإن‭ ‬الإنسان‭ ‬لا‭ ‬يمكنه‭ ‬إلا‭ ‬استغلال‭ ‬10%‭ ‬منها‭ ‬فقط،‭ ‬لذلك‭ ‬فإنه‭ ‬دائمًا‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬الحلول‭ ‬والإجابات‭ ‬عن‭ ‬المعضلات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يفهمها،‭ ‬وعلى‭ ‬تلك‭ ‬الإجابات‭ ‬تكونت‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المعرفة‭ ‬وهذه‭ ‬العلوم،‭ ‬فلو‭ ‬عرف‭ ‬الإنسان‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬لجلس‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬شجرة‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أي‭ ‬عمل‭ ‬أو‭ ‬فكر‭.‬

فالأصلُ‭ ‬في‭ ‬الإنسان‭ ‬أن‭ ‬يعمل‭ ‬ويفكر‭ ‬ويسعى‭ ‬لمعرفة‭ ‬الإجابات‭ ‬عن‭ ‬الأسئلة‭ ‬التي‭ ‬تؤثّر‭ ‬الإجابة‭ ‬عنها‭ ‬بمسار‭ ‬حياته،‭ ‬أما‭ ‬أن‭ ‬يسعى‭ ‬للإجابة‭ ‬عن‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يغير‭ ‬من‭ ‬واقعه‭ ‬شيء‭ ‬أو‭ ‬يُبنى‭ ‬عليه‭ ‬أي‭ ‬شيء؛‭ ‬سيكون‭ ‬حينئذ‭ ‬قد‭ ‬خالف‭ ‬المنطق‭ ‬الفكري‭ ‬والعقلي‭ ‬السليم،‭ ‬وضيع‭ ‬وقت‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬يستفيد‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬أمور‭ ‬أفضل‭.‬

وعندما‭ ‬نصل‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬القناعات،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬يؤسس‭ ‬في‭ ‬بضع‭ ‬آيات‭ ‬لمنهج‭ ‬التفكير‭ ‬الواقعي‭ ‬الذي‭ ‬ينبغي‭ ‬للإنسان‭ ‬أن‭ ‬يتحلّى‭ ‬به،‭ ‬فهي‭ ‬تقول‭ ‬إنك‭ ‬إنسان‭ ‬مخلوق‭ ‬ضعيف،‭ ‬مصنوع‭ ‬من‭ ‬طين‭ ‬وتراب،‭ ‬فلا‭ ‬تَسأل‭ ‬الخالق‭ ‬لمَ‭ ‬فعل‭ ‬هذا‭ ‬ولم‭ ‬يفعل‭ ‬ذلك،‭ ‬وما‭ ‬أسباب‭ ‬خلقه‭ ‬للخلق،‭ ‬وإنما‭ ‬أنت‭ ‬كإنسان‭ ‬مسؤول‭ ‬عما‭ ‬أنت‭ ‬مكلف‭ ‬به،‭ ‬فانشغل‭ ‬بشأنك‭ ‬الذي‭ ‬تيقّنت‭ ‬منه،‭ ‬وهو‭ ‬أنك‭ ‬مخلوق‭ ‬لتعبده‭ ‬وتطيعه‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تنسى‭ ‬حظّك‭ ‬من‭ ‬الدنيا،‭ ‬فهذا‭ ‬هو‭ ‬السؤال‭ ‬العملي‭ ‬الواقعي‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نفكر‭ ‬فيه،‭ ‬فنحن‭ ‬لا‭ ‬نعلم‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬عز‭ ‬وجل‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬أعلمَنا‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬وعلى‭ ‬ألسنة‭ ‬رسله،‭ ‬وما‭ ‬دام‭ ‬لم‭ ‬يُعلمنا‭ ‬بسبب‭ ‬خلقه‭ ‬للخلق،‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬ما‭ ‬نحتاجه؛‭ ‬كالحديث‭ ‬عن‭ ‬الغاية‭ ‬وهي‭ ‬إفراده‭ ‬بالعبادة،‭ ‬أو‭ ‬ذكر‭ ‬الابتلاء‭ ‬والاختبار‭ ‬والاختلاف،‭ ‬فما‭ ‬دام‭ ‬لم‭ ‬يُعلمنا‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭ ‬فلا‭ ‬مجال‭ ‬لنعلم‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬نفسه‭ ‬سبحانه‭ ‬مما‭ ‬لم‭ ‬يُطلعنا‭ ‬عليه‭.‬

ثم‭ ‬نأتي‭ ‬إلى‭ ‬الموضوع‭ ‬الآخر‭ ‬المرتبط‭ ‬بهذه‭ ‬التساؤلات،‭ ‬وهو‭ ‬موضوع‭ (‬العبادة‭ ‬والعبودية‭)‬،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭ ‬في‭ ‬سورة‭ ‬الذاريات‭ ‬‭ ‬الآية‭ ‬56‭ (‬وَمَا‭ ‬خَلَقْتُ‭ ‬الْجِنَّ‭ ‬وَالْإِنسَ‭ ‬إِلَّا‭ ‬لِيَعْبُدُونِ‭)‬،‭ ‬فهل‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬محتاج‭ ‬إلى‭ ‬عبادتنا‭ ‬وإلى‭ ‬سجودنا‭ ‬وصلواتنا،‭ ‬أم‭ ‬ماذا؟

يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نوضح‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المحاور‭ ‬التالية،‭ ‬وهي‭:‬

*‭ ‬أنسنة‭ ‬الإله‭ (‬التشبيه‭ ‬بالإنسان‭)‬؛‭ ‬اعتقد‭ ‬الإنسان‭ ‬وما‭ ‬زال‭ ‬يعتقد‭ ‬أن‭ ‬النموذج‭ ‬الإنساني‭ ‬هو‭ ‬أسمى‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬فهو‭ ‬صور‭ ‬الكائنات‭ ‬الفضائية‭ ‬والجن‭ ‬والشياطين‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬سمع‭ ‬به‭ ‬ولم‭ ‬يشاهده‭ ‬على‭ ‬هيئته‭ ‬هو‭ ‬وصورته،‭ ‬وحتى‭ ‬عندما‭ ‬جاء‭ ‬وصنع‭ ‬الأصنام‭ ‬ليعبدها‭ ‬صنعها‭ ‬على‭ ‬صورته‭ ‬هو،‭ ‬فالأحباش‭ ‬يروون‭ ‬إلههم‭ ‬أفطس‭ ‬الأنف،‭ ‬والثراديين‭ ‬يعتقدون‭ ‬أنهم‭ ‬زرق‭ ‬العيون‭ ‬وحمر‭ ‬الشعر،‭ ‬وحتى‭ ‬الإغريق‭ ‬واليونانيون‭ ‬عندما‭ ‬رسموا‭ ‬آلهتهم‭ ‬صوروهم‭ ‬كالبشر‭ ‬في‭ ‬الشكل‭ ‬والسلوك‭ ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬التصورات‭ ‬والأطماع‭ ‬وكل‭ ‬الصفات‭ ‬البشرية،‭ ‬ولكن‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬ابن‭ ‬تيمية‭ ‬‮«‬لا‭ ‬تنال‭ ‬خصائصه‭ ‬لا‭ ‬بقياس‭ ‬الشمول‭ ‬ولا‭ ‬بقياس‭ ‬التمثيل،‭ ‬فإن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬لا‭ ‬مثل‭ ‬له‭ ‬فيقاس‭ ‬به،‭ ‬ولا‭ ‬يدخل‭ ‬هو‭ ‬وغيره‭ ‬تحت‭ ‬قضية‭ ‬كلية‭ ‬تستوي‭ ‬أفرادها‮»‬،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أنه‭ ‬عندما‭ ‬يطلب‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬عبادته‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬خارج‭ ‬حدود‭ ‬الفهم‭ ‬والسلوك‭ ‬والأطماع‭ ‬البشرية،‭ ‬فهو‭ ‬غير‭ ‬محتاج‭ ‬وإنما‭ ‬نحن‭ ‬الذين‭ ‬نحتاج‭.‬

*‭ ‬العبادة‭ ‬الشاملة‭ ‬ارتقاء‭ ‬بالنفس‭ ‬البشرية؛‭ ‬نحن‭ ‬نعرف‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬البشر‭ ‬لعبادته،‭ ‬ولكن‭ ‬نحن‭ ‬نحدث‭ ‬هنا‭ ‬عن‭ ‬العبادة‭ ‬بمفهومها‭ ‬الواسع‭ ‬التي‭ ‬يرتقي‭ ‬بأخلاقيات‭ ‬وسلوكيات‭ ‬الإنسان،‭ ‬وترتقي‭ ‬نفسه‭ ‬وتسمو‭ ‬روحه‭ ‬عن‭ ‬الماديات‭ ‬فقط،‭ ‬حينما‭ ‬نعلم‭ ‬أن‭ ‬إماطة‭ ‬الأذى‭ ‬عن‭ ‬الطريق‭ ‬عبادة‭ ‬فهذا‭ ‬يعني‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المستحيل‭ ‬أن‭ ‬نقتل‭ ‬أو‭ ‬نسرق،‭ ‬وحينما‭ ‬ندرك‭ ‬أن‭ ‬التغافل‭ ‬وكتمان‭ ‬الغضب‭ ‬عبادة‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬أخلاقيات‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬بعضنا‭ ‬البعض‭ ‬ستسمو‭ ‬إلى‭ ‬مراتب‭ ‬عليا‭ ‬من‭ ‬البشرية،‭ ‬فلا‭ ‬ننجرف‭ ‬حتى‭ ‬نصل‭ ‬إلى‭ ‬المناطق‭ ‬المحرمة،‭ ‬وإنما‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬الحوكمة‭ ‬والشريعة‭ ‬أتقنت‭ ‬كل‭ ‬تصرفاتنا‭ ‬وحتى‭ ‬مزاحنا‭ ‬وسيرنا‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬والتعامل‭ ‬بالمادة‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬عندما‭ ‬نفكر‭ ‬في‭ ‬العبادة‭ ‬فإنه‭ ‬ينبغي‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نفكر‭ ‬فيها‭ ‬بعموميتها‭ ‬ولا‭ ‬نغلق‭ ‬أذهاننا‭ ‬في‭ ‬الصلاة‭ ‬والصوم‭ ‬والحج‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬المظاهر‭ ‬جزء‭ ‬أساسي‭ ‬من‭ ‬العبادة‭.‬

*‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬أهل‭ ‬لعبادته؛‭ ‬فمن‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يعبد‭ ‬غير‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬الذي‭ ‬أوجد‭ ‬هذا‭ ‬الكون‭ ‬وهذه‭ ‬البشرية،‭ ‬ومن‭ ‬المعلوم‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬شيء‭ ‬يعبده،‭ ‬فبعض‭ ‬الناس‭ ‬يسجد‭ ‬للأبقار،‭ ‬وبعضهم‭ ‬للمادة‭ ‬وبعضهم‭ ‬يعبد‭ ‬نفسه‭ ‬وعقله‭ ‬معتقدًا‭ ‬أنه‭ ‬بلغ‭ ‬من‭ ‬الكمال‭ ‬المستوى‭ ‬الأعلى‭ ‬فهو‭ ‬جدير‭ ‬بالعبادة،‭ ‬وكذلك‭ ‬بعض‭ ‬البشر‭ ‬وبعض‭ ‬الأشياء‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬ذاتها‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬حتى‭ ‬تعبده،‭ ‬فهل‭ ‬من‭ ‬المعقول‭ ‬أن‭ ‬نعيد‭ ‬عبادة‭ ‬الأوثان‭ ‬بكل‭ ‬صورها‭ ‬وأشكالها‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تحررت‭ ‬عقولنا‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الماديات‭ ‬وذلك‭ ‬الغرور‭ ‬البشري،‭ ‬ولا‭ ‬نعبد‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬الذي‭ ‬صنع‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬؟‭ ‬نسأل‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬وبطريقة‭ ‬أخرى‭: ‬ما‭ ‬المادة‭ ‬الأفضل‭ ‬للاختيار‭ ‬حتى‭ ‬نعبدها‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬نرغب‭ ‬في‭ ‬عبادة‭ ‬الله‭ ‬سبحانه؟‭ ‬وأخيرًا‭ ‬يقول‭ ‬ابن‭ ‬القيم‭ ‬‮«‬التعبد‭ ‬آخر‭ ‬مراتب‭ ‬الحب‮»‬،‭ ‬أفلا‭ ‬نجد‭ ‬لذة‭ ‬الحب‭ ‬عندما‭ ‬نتقرب‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬سبحانه؟‭ ‬

عمومًا،‭ ‬هذه‭ ‬قضية‭ ‬جدلية‭ ‬وستظل‭ ‬جدلية‭ ‬إلى‭ ‬قيام‭ ‬الساعة،‭ ‬ولكن‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬نختم‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نقول‭: ‬هل‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬ملزم‭ ‬لتوضيح‭ ‬كل‭ ‬الأمور‭ ‬للإنسان؟‭ ‬وهل‭ ‬من‭ ‬حق‭ ‬الطفل‭ ‬أن‭ ‬يعرف‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬عن‭ ‬أمه‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يولد؟

 

Zkhunji@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا