عالم يتغير

فوزية رشيد
شعوبنا الآن والحرب الفكرية والمعنوية!
{ منذ مؤتمر «كامبل بنرمان» 1905 في لندن، وقرار قادة الغرب الاستعماري مواجهة أي نهضة عربية أو وحدة عربية، تقف بما تملكه من إمكانيات مادية وبشرية وثروات في وجه التوجهات الاستعمارية الغربية، التي تم الترويج لها باسم الحضارة والقيم الغربية! فإن الحرب الفكرية والمعنوية بدأت منذئذٍ لتكون الأرضية الخلفية لصناعة وزرع الكيان الصهيوني في المنطقة، باعتباره منطلقًا أساسيًا لزرع القلاقل والحروب وإعاقة النهضة والتنمية العربية! وكانت تلك الأرضية مدججة بموزاييك الخرافات والأساطير التي أسست وبّررت وجود هذا الكيان، وهناك من العرب من أصبح يتغنى بها!
{ وبالفعل وخلال القرن الماضي مرّت دول المنطقة العربية بالكثير والكثير من التقسيمات ومن الحروب ومن القلاقل وعدم الاستقرار، وفوضى الإرهاب والمليشيات إلى آخر تلك المحاور، وكلها في النهاية كانت تدور حول (أمن الكيان الصهيوني) وضمان استمراره واستقراره في المنطقة!
بل وعدم الاكتفاء بذلك، بل ودعم مشروعه التوسعي الذي يطلّ علينا اليوم مجدّدًا من باب الدعم الأمريكي والغربي! ولكن كل ذلك كان يواجهه ورغم الاتفاقيات السلمية مع بعض الدول العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية، رفض عربي شعبي مطلق، مما يجعل من هذا الرفض عائقًا لمشروعه التوسعي الطامع لمشروع التطبيع في المنطقة، لتتحول، معه الاتفاقيات إلى اتفاقيات بدون روح حقيقية!
{ في العقود الأخيرة وبعد اتفاقية «كامب ديفيد» بدأت ماكينة الحرب الفكرية والمعنوية تكسب زخمًا كبيرًا، فالهدف هذه المرة عقل الشعوب العربية وروحها ووعيها! وكانت الخطوات الأولى لقبول «السردية الصهيونية» تتم ببطء عبر بعض المثقفين والمفكرين والصحفيين والإعلاميين هنا وهناك، والذين يروجون خلال السنوات الماضية وكأن «السردية الصهيونية» حول السلام هي الحلّ لإخراج المنطقة من بؤرة الحروب والصراعات! وليتحدثوا بجرأة ووقاحة عن منظورهم، الذي تمادى على ما بدأته قناة الجزيرة تحت شعار (الرأي والرأي الآخر) باستضافة وجوه صهيونية من داخل الكيان مباشرة، حتى أصبح ذلك اليوم، سمة طبيعية في الكثير من القنوات العربية والناطقة بالعربية! يعزرها اتفاقيات السلام مع عدد من الدول العربية التي بدأت مع «كامب ديفيد» و«وادي عربة».
{ استندت الحرب الفكرية والمعنوية على ترويج أسس دينية توراتية ملفقة، تلقفها بين المثقفين والساسة باعتبارها «حقائق تاريخية»! مثلما استندت على ترويج إعلامي صهيوني غربي كبير لخلخلة منظومة الثوابت الوطنية والقومية العربية! مثلما استندت على مخرجات مراكز البحث الغربية الصهيونية لتغيير خارطة الفكر العربي، وتزامن ذلك مع آليات عمل النت ودخول العالم الافتراضي إلى حيزّ الواقع العربي إعلاميًا وفكريًا! إلى جانب الضغوط والتدخلات الغربية بقيادة أمريكية على دول المنطقة لتغيير مناهجها التعليمية، وإزالة كل ما يمسّ دينيًّا بالصهاينة باعتباره معاداة للسامية وبث الكراهية الخ! وتزامن كل ذلك أيضًا مع تكثيف الخطاب الصهيوني على العقل العربي، سواء من خلال القنوات الفضائية أو المؤتمرات أو الإعلام الغربي! وكثيرة هي أساليب الحرب الفكرية والمعنوية الناعمة التي يقوم بأهم أدوارها منذ سنوات «الوحدة الإسرائيلية 8200» في بث الفرقة والفتن بين الشعوب العربية عبر وسائل التواصل الإلكتروني! وأهم الاختراقات هي السردية الصهيونية حول مقاومة الاحتلال!
{ كل تلك الحرب التي تستهدف المعنويات والقيم والعقل والفكر العربي، لم تكن ستصل إلى أي من أهدافها، لولا أسباب الضعف التي مرّت بها دول المنطقة العربية منذ حربي 1948 و1967، وسقوط الأحزاب التي مثلت إيديولوجيا الفكر القومي العربي، رغم أن القومية العربية غير مرتبطة بالأحزاب وإنما هي هوّية وامتداد عربي طبيعي استهدفها الغرب الاستعماري بتلك الصفة، وليس بصفة الايديولوجية الحزبية كما يتم الترويج له! وربما ضرر تلك الأحزاب كان أكثر من فائدتها!
{ اليوم وتحديدًا بعد مكابدات الشعب الفلسطيني الجديدة مع حرب الإبادة، وعار الصمت العربي والإسلامي والدولي حول ما تم ويتم في تلك الحرب، بل ونوايا الكيان الصهيوني احتلال غزة والضفة وتهويد فلسطين بالكامل، والبدء في احتلال أجزاء من لبنان وسوريا! والتصريح حول نية التوسع إلى دول عربية أخرى! يعيش العرب في خضم حرب فكرية ومعنوية ونفسية هي الأشدّ والأقسى! حيث يُراد قبول هذا الكيان رغم كل وحشيته ونواياه التوسعية، وجرائم الحرب التي قام ويقوم بها، بصفقات جديدة للتطبيع معه، ولذلك لا بدّ من التمهيد لذلك برفض أي مقاومة فلسطينية أو عربية للاحتلال الصهيوني وإغفال مشاريعه التوسعية! وقتل الحلم العربي والثوابت والقيم الوطنية والقومية، وتشويه كل رموزها التاريخية، حتى يتقبل العقل العربي الذي خاضت الصهيونية في دهاليزه التاريخية والقيمية (من القيم) ومبادئه الفكرية حول مقاومة الاحتلال باعتباره حقا مشروعا، وتغيير تلك الأسس إلى قبول المحتل والتغاضي عن تهديداته للأمن القومي العربي وليس النهضة والنمو فقط!
{ ومع مراحل ضخ اليأس في المعنويات وسلب الروح ونموذجه الصارخ في فلسطين غزة والضفة، فإن استلاب الروح العربية هو ما يتم العمل الدؤوب عليه، لأن مع استلابه الكامل تكون الحرب الفكرية والمعنوية والنفسية قد وصلت إلى أهم محطات نجاحها في جعل هذا المحتلّ الطامع والتوسعي مقبولاً رغم كل ما نكشف عنه من مخططات وإبادة ووحشية ولا أخلاقية، لم يشهد لها العالم مثيلاً في كل تاريخه المعروف! وبالفعل لقد انقلبت المعايير وانقلبت الأفكار وتدهورت القيم!
إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك