العدد : ١٧٢١٢ - الخميس ٠٨ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٠ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢١٢ - الخميس ٠٨ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٠ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

شعوبنا الآن والحرب الفكرية والمعنوية!

{‭ ‬منذ‭ ‬مؤتمر‭ ‬‮«‬كامبل‭ ‬بنرمان‮»‬‭ ‬1905‭ ‬في‭ ‬لندن،‭ ‬وقرار‭ ‬قادة‭ ‬الغرب‭ ‬الاستعماري‭ ‬مواجهة‭ ‬أي‭ ‬نهضة‭ ‬عربية‭ ‬أو‭ ‬وحدة‭ ‬عربية،‭ ‬تقف‭ ‬بما‭ ‬تملكه‭ ‬من‭ ‬إمكانيات‭ ‬مادية‭ ‬وبشرية‭ ‬وثروات‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬التوجهات‭ ‬الاستعمارية‭ ‬الغربية،‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬الترويج‭ ‬لها‭ ‬باسم‭ ‬الحضارة‭ ‬والقيم‭ ‬الغربية‭! ‬فإن‭ ‬الحرب‭ ‬الفكرية‭ ‬والمعنوية‭ ‬بدأت‭ ‬منذئذٍ‭ ‬لتكون‭ ‬الأرضية‭ ‬الخلفية‭ ‬لصناعة‭ ‬وزرع‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬باعتباره‭ ‬منطلقًا‭ ‬أساسيًا‭ ‬لزرع‭ ‬القلاقل‭ ‬والحروب‭ ‬وإعاقة‭ ‬النهضة‭ ‬والتنمية‭ ‬العربية‭! ‬وكانت‭ ‬تلك‭ ‬الأرضية‭ ‬مدججة‭ ‬بموزاييك‭ ‬الخرافات‭ ‬والأساطير‭ ‬التي‭ ‬أسست‭ ‬وبّررت‭ ‬وجود‭ ‬هذا‭ ‬الكيان،‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬من‭ ‬أصبح‭ ‬يتغنى‭ ‬بها‭!‬

{‭ ‬وبالفعل‭ ‬وخلال‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬مرّت‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬بالكثير‭ ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬التقسيمات‭ ‬ومن‭ ‬الحروب‭ ‬ومن‭ ‬القلاقل‭ ‬وعدم‭ ‬الاستقرار،‭ ‬وفوضى‭ ‬الإرهاب‭ ‬والمليشيات‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬تلك‭ ‬المحاور،‭ ‬وكلها‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬كانت‭ ‬تدور‭ ‬حول‭ (‬أمن‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭) ‬وضمان‭ ‬استمراره‭ ‬واستقراره‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭!‬

بل‭ ‬وعدم‭ ‬الاكتفاء‭ ‬بذلك،‭ ‬بل‭ ‬ودعم‭ ‬مشروعه‭ ‬التوسعي‭ ‬الذي‭ ‬يطلّ‭ ‬علينا‭ ‬اليوم‭ ‬مجدّدًا‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الدعم‭ ‬الأمريكي‭ ‬والغربي‭! ‬ولكن‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬يواجهه‭ ‬ورغم‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬السلمية‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬ومنظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬رفض‭ ‬عربي‭ ‬شعبي‭ ‬مطلق،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الرفض‭ ‬عائقًا‭ ‬لمشروعه‭ ‬التوسعي‭ ‬الطامع‭ ‬لمشروع‭ ‬التطبيع‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬لتتحول،‭ ‬معه‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬إلى‭ ‬اتفاقيات‭ ‬بدون‭ ‬روح‭ ‬حقيقية‭!‬

{‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬الأخيرة‭ ‬وبعد‭ ‬اتفاقية‭ ‬‮«‬كامب‭ ‬ديفيد‮»‬‭ ‬بدأت‭ ‬ماكينة‭ ‬الحرب‭ ‬الفكرية‭ ‬والمعنوية‭ ‬تكسب‭ ‬زخمًا‭ ‬كبيرًا،‭ ‬فالهدف‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬عقل‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬وروحها‭ ‬ووعيها‭! ‬وكانت‭ ‬الخطوات‭ ‬الأولى‭ ‬لقبول‭ ‬‮«‬السردية‭ ‬الصهيونية‮»‬‭ ‬تتم‭ ‬ببطء‭ ‬عبر‭ ‬بعض‭ ‬المثقفين‭ ‬والمفكرين‭ ‬والصحفيين‭ ‬والإعلاميين‭ ‬هنا‭ ‬وهناك،‭ ‬والذين‭ ‬يروجون‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬وكأن‭ ‬‮«‬السردية‭ ‬الصهيونية‮»‬‭ ‬حول‭ ‬السلام‭ ‬هي‭ ‬الحلّ‭ ‬لإخراج‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬بؤرة‭ ‬الحروب‭ ‬والصراعات‭! ‬وليتحدثوا‭ ‬بجرأة‭ ‬ووقاحة‭ ‬عن‭ ‬منظورهم،‭ ‬الذي‭ ‬تمادى‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬بدأته‭ ‬قناة‭ ‬الجزيرة‭ ‬تحت‭ ‬شعار‭ (‬الرأي‭ ‬والرأي‭ ‬الآخر‭) ‬باستضافة‭ ‬وجوه‭ ‬صهيونية‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬الكيان‭ ‬مباشرة،‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم،‭ ‬سمة‭ ‬طبيعية‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القنوات‭ ‬العربية‭ ‬والناطقة‭ ‬بالعربية‭! ‬يعزرها‭ ‬اتفاقيات‭ ‬السلام‭ ‬مع‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬مع‭ ‬‮«‬كامب‭ ‬ديفيد‮»‬‭ ‬و«وادي‭ ‬عربة‮»‬‭.‬

{‭ ‬استندت‭ ‬الحرب‭ ‬الفكرية‭ ‬والمعنوية‭ ‬على‭ ‬ترويج‭ ‬أسس‭ ‬دينية‭ ‬توراتية‭ ‬ملفقة،‭ ‬تلقفها‭ ‬بين‭ ‬المثقفين‭ ‬والساسة‭ ‬باعتبارها‭ ‬‮«‬حقائق‭ ‬تاريخية‮»‬‭! ‬مثلما‭ ‬استندت‭ ‬على‭ ‬ترويج‭ ‬إعلامي‭ ‬صهيوني‭ ‬غربي‭ ‬كبير‭ ‬لخلخلة‭ ‬منظومة‭ ‬الثوابت‭ ‬الوطنية‭ ‬والقومية‭ ‬العربية‭! ‬مثلما‭ ‬استندت‭ ‬على‭ ‬مخرجات‭ ‬مراكز‭ ‬البحث‭ ‬الغربية‭ ‬الصهيونية‭ ‬لتغيير‭ ‬خارطة‭ ‬الفكر‭ ‬العربي،‭ ‬وتزامن‭ ‬ذلك‭ ‬مع‭ ‬آليات‭ ‬عمل‭ ‬النت‭ ‬ودخول‭ ‬العالم‭ ‬الافتراضي‭ ‬إلى‭ ‬حيزّ‭ ‬الواقع‭ ‬العربي‭ ‬إعلاميًا‭ ‬وفكريًا‭! ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الضغوط‭ ‬والتدخلات‭ ‬الغربية‭ ‬بقيادة‭ ‬أمريكية‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬لتغيير‭ ‬مناهجها‭ ‬التعليمية،‭ ‬وإزالة‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يمسّ‭ ‬دينيًّا‭ ‬بالصهاينة‭ ‬باعتباره‭ ‬معاداة‭ ‬للسامية‭ ‬وبث‭ ‬الكراهية‭ ‬الخ‭! ‬وتزامن‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬أيضًا‭ ‬مع‭ ‬تكثيف‭ ‬الخطاب‭ ‬الصهيوني‭ ‬على‭ ‬العقل‭ ‬العربي،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬القنوات‭ ‬الفضائية‭ ‬أو‭ ‬المؤتمرات‭ ‬أو‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربي‭! ‬وكثيرة‭ ‬هي‭ ‬أساليب‭ ‬الحرب‭ ‬الفكرية‭ ‬والمعنوية‭ ‬الناعمة‭ ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬بأهم‭ ‬أدوارها‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬‮«‬الوحدة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬8200‮»‬‭ ‬في‭ ‬بث‭ ‬الفرقة‭ ‬والفتن‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الإلكتروني‭! ‬وأهم‭ ‬الاختراقات‭ ‬هي‭ ‬السردية‭ ‬الصهيونية‭ ‬حول‭ ‬مقاومة‭ ‬الاحتلال‭!‬

{‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬المعنويات‭ ‬والقيم‭ ‬والعقل‭ ‬والفكر‭ ‬العربي،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬ستصل‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬أهدافها،‭ ‬لولا‭ ‬أسباب‭ ‬الضعف‭ ‬التي‭ ‬مرّت‭ ‬بها‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬منذ‭ ‬حربي‭ ‬1948‭ ‬و1967،‭ ‬وسقوط‭ ‬الأحزاب‭ ‬التي‭ ‬مثلت‭ ‬إيديولوجيا‭ ‬الفكر‭ ‬القومي‭ ‬العربي،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬القومية‭ ‬العربية‭ ‬غير‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالأحزاب‭ ‬وإنما‭ ‬هي‭ ‬هوّية‭ ‬وامتداد‭ ‬عربي‭ ‬طبيعي‭ ‬استهدفها‭ ‬الغرب‭ ‬الاستعماري‭ ‬بتلك‭ ‬الصفة،‭ ‬وليس‭ ‬بصفة‭ ‬الايديولوجية‭ ‬الحزبية‭ ‬كما‭ ‬يتم‭ ‬الترويج‭ ‬له‭! ‬وربما‭ ‬ضرر‭ ‬تلك‭ ‬الأحزاب‭ ‬كان‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬فائدتها‭!‬

{‭ ‬اليوم‭ ‬وتحديدًا‭ ‬بعد‭ ‬مكابدات‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الجديدة‭ ‬مع‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة،‭ ‬وعار‭ ‬الصمت‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي‭ ‬والدولي‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬ويتم‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحرب،‭ ‬بل‭ ‬ونوايا‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬احتلال‭ ‬غزة‭ ‬والضفة‭ ‬وتهويد‭ ‬فلسطين‭ ‬بالكامل،‭ ‬والبدء‭ ‬في‭ ‬احتلال‭ ‬أجزاء‭ ‬من‭ ‬لبنان‭ ‬وسوريا‭! ‬والتصريح‭ ‬حول‭ ‬نية‭ ‬التوسع‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬أخرى‭! ‬يعيش‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬حرب‭ ‬فكرية‭ ‬ومعنوية‭ ‬ونفسية‭ ‬هي‭ ‬الأشدّ‭ ‬والأقسى‭! ‬حيث‭ ‬يُراد‭ ‬قبول‭ ‬هذا‭ ‬الكيان‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬وحشيته‭ ‬ونواياه‭ ‬التوسعية،‭ ‬وجرائم‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬ويقوم‭ ‬بها،‭ ‬بصفقات‭ ‬جديدة‭ ‬للتطبيع‭ ‬معه،‭ ‬ولذلك‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬من‭ ‬التمهيد‭ ‬لذلك‭ ‬برفض‭ ‬أي‭ ‬مقاومة‭ ‬فلسطينية‭ ‬أو‭ ‬عربية‭ ‬للاحتلال‭ ‬الصهيوني‭ ‬وإغفال‭ ‬مشاريعه‭ ‬التوسعية‭! ‬وقتل‭ ‬الحلم‭ ‬العربي‭ ‬والثوابت‭ ‬والقيم‭ ‬الوطنية‭ ‬والقومية،‭ ‬وتشويه‭ ‬كل‭ ‬رموزها‭ ‬التاريخية،‭ ‬حتى‭ ‬يتقبل‭ ‬العقل‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬خاضت‭ ‬الصهيونية‭ ‬في‭ ‬دهاليزه‭ ‬التاريخية‭ ‬والقيمية‭ (‬من‭ ‬القيم‭) ‬ومبادئه‭ ‬الفكرية‭ ‬حول‭ ‬مقاومة‭ ‬الاحتلال‭ ‬باعتباره‭ ‬حقا‭ ‬مشروعا،‭ ‬وتغيير‭ ‬تلك‭ ‬الأسس‭ ‬إلى‭ ‬قبول‭ ‬المحتل‭ ‬والتغاضي‭ ‬عن‭ ‬تهديداته‭ ‬للأمن‭ ‬القومي‭ ‬العربي‭ ‬وليس‭ ‬النهضة‭ ‬والنمو‭ ‬فقط‭!‬

{‭ ‬ومع‭ ‬مراحل‭ ‬ضخ‭ ‬اليأس‭ ‬في‭ ‬المعنويات‭ ‬وسلب‭ ‬الروح‭ ‬ونموذجه‭ ‬الصارخ‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬غزة‭ ‬والضفة،‭ ‬فإن‭ ‬استلاب‭ ‬الروح‭ ‬العربية‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬العمل‭ ‬الدؤوب‭ ‬عليه،‭ ‬لأن‭ ‬مع‭ ‬استلابه‭ ‬الكامل‭ ‬تكون‭ ‬الحرب‭ ‬الفكرية‭ ‬والمعنوية‭ ‬والنفسية‭ ‬قد‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬أهم‭ ‬محطات‭ ‬نجاحها‭ ‬في‭ ‬جعل‭ ‬هذا‭ ‬المحتلّ‭ ‬الطامع‭ ‬والتوسعي‭ ‬مقبولاً‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬نكشف‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬مخططات‭ ‬وإبادة‭ ‬ووحشية‭ ‬ولا‭ ‬أخلاقية،‭ ‬لم‭ ‬يشهد‭ ‬لها‭ ‬العالم‭ ‬مثيلاً‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬تاريخه‭ ‬المعروف‭! ‬وبالفعل‭ ‬لقد‭ ‬انقلبت‭ ‬المعايير‭ ‬وانقلبت‭ ‬الأفكار‭ ‬وتدهورت‭ ‬القيم‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا