العدد : ١٧٢١١ - الأربعاء ٠٧ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٩ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢١١ - الأربعاء ٠٧ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٩ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

كيف نعزز مستقبل العمل المدني وصناعة التقدم في المجتمع؟

بقلم: نبيلة رجب

الأربعاء ٠٧ مايو ٢٠٢٥ - 02:00

لا‭ ‬تُبنى‭ ‬المجتمعات‭ ‬القوية‭ ‬على‭ ‬المؤسسات‭ ‬الرسمية‭ ‬وحدها،‭ ‬ولا‭ ‬على‭ ‬المبادرات‭ ‬الأهلية‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬حين‭ ‬يتلاقى‭ ‬الطرفان،‭ ‬تبدأ‭ ‬معادلة‭ ‬الاستدامة‭ ‬في‭ ‬التكوين‭.‬

انطلاقا‭ ‬من‭ ‬توجيهات‭ ‬صاحبة‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأميرة‭ ‬سبيكة‭ ‬بنت‭ ‬إبراهيم‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬رئيسة‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للمرأة،‭ ‬عقد‭ ‬في‭ ‬الشهر‭ ‬المنصرم‭ ‬لقاء‭ ‬جمع‭ ‬بين‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬للمجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للمرأة،‭ ‬الأستاذة‭ ‬لولوة‭ ‬صالح‭ ‬العوضي،‭ ‬والاتحاد‭ ‬النسائي‭ ‬البحريني‭ ‬برئاسة‭ ‬الأستاذة‭ ‬أحلام‭ ‬أحمد‭ ‬رجب،‭ ‬تأكيدا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬بناء‭ ‬مجتمع‭ ‬أكثر‭ ‬شمولا‭ ‬وازدهارًا‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬تكاتف‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف‭.‬

ان‭ ‬توقيع‭ ‬مذكرة‭ ‬التفاهم‭ ‬بين‭ ‬الجانبين‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬خطوة‭ ‬تقليدية،‭ ‬بل‭ ‬تحركا‭ ‬مدروسا‭ ‬لتوحيد‭ ‬الجهود‭ ‬حول‭ ‬قضايا‭ ‬جوهرية،‭ ‬شملت‭ ‬تعزيز‭ ‬الإرشاد‭ ‬الأسري،‭ ‬مكافحة‭ ‬العنف‭ ‬ضد‭ ‬المرأة،‭ ‬تبادل‭ ‬الدراسات‭ ‬والإحصاءات،‭ ‬والعمل‭ ‬المشترك‭ ‬على‭ ‬إدماج‭ ‬احتياجات‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬سياسات‭ ‬وخطط‭ ‬التنمية‭ ‬الوطنية‭. ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المبادرات‭ ‬تبني‭ ‬أرضية‭ ‬صلبة‭ ‬لأي‭ ‬مجتمع‭ ‬يتطلع‭ ‬إلى‭ ‬الاستدامة،‭ ‬حيث‭ ‬تتكامل‭ ‬الأدوار،‭ ‬ويتعزز‭ ‬الشعور‭ ‬بالمشاركة‭ ‬الفاعلة‭ ‬في‭ ‬صياغة‭ ‬المستقبل‭.‬

لكن‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬التعاون‭ ‬بين‭ ‬الرسمي‭ ‬والأهلي‭ ‬يؤسس‭ ‬لحاضر‭ ‬أكثر‭ ‬اتساقا،‭ ‬فإن‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬طرحه‭ ‬هو‭: ‬ماذا‭ ‬عن‭ ‬المستقبل؟

رغم‭ ‬الإنجازات‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬حققتها‭ ‬مؤسسات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني،‭ ‬يواجه‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭ ‬اليوم‭ ‬تحديات‭ ‬صامتة‭ ‬تتعلق‭ ‬بتراجع‭ ‬انخراط‭ ‬الشباب،‭ ‬نتيجة‭ ‬تغير‭ ‬أنماط‭ ‬المبادرة‭ ‬والانتماء‭ ‬في‭ ‬الأجيال‭ ‬الجديدة‭. ‬فجيل‭ ‬اليوم‭ ‬يتطلع‭ ‬إلى‭ ‬مساحات‭ ‬تتيح‭ ‬له‭ ‬الابتكار‭ ‬والمشاركة‭ ‬الفاعلة،‭ ‬بمرونة‭ ‬تتناسب‭ ‬مع‭ ‬طبيعة‭ ‬العصر‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يستدعي‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬آليات‭ ‬العمل‭ ‬المجتمعي‭ ‬بما‭ ‬يحافظ‭ ‬على‭ ‬أصالة‭ ‬الرسالة،‭ ‬ويواكب‭ ‬تطلعات‭ ‬الشباب،‭ ‬لضمان‭ ‬استمرار‭ ‬الحضور‭ ‬الفاعل‭ ‬لهذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭.‬

التجديد‭ ‬هنا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬القيم‭ ‬المؤسسة،‭ ‬بل‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التكيف‭. ‬فمن‭ ‬خلال‭ ‬تطوير‭ ‬طرق‭ ‬العمل،‭ ‬وتبني‭ ‬منهجيات‭ ‬أكثر‭ ‬انفتاحا،‭ ‬واستحداث‭ ‬برامج‭ ‬يقودها‭ ‬الشباب‭ ‬أنفسهم،‭ ‬يمكن‭ ‬لمؤسسات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬أن‭ ‬تظل‭ ‬حية‭ ‬ومتجددة‭. ‬وهذا‭ ‬ليس‭ ‬ترفا‭ ‬فكريا،‭ ‬بل‭ ‬ضرورة‭ ‬عملية‭ ‬لضمان‭ ‬استمرارية‭ ‬الرسالة‭ ‬التي‭ ‬نشأت‭ ‬عليها‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬العريقة‭.‬

تضمنت‭ ‬مذكرة‭ ‬التفاهم‭ ‬الأخيرة‭ ‬إجماعا‭ ‬متقاطعا‭ ‬بتفعيل‭ ‬دور‭ ‬المجتمع‭ ‬وتعزيز‭ ‬التعاون‭ ‬المؤسسي،‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬إيجابية‭ ‬إلى‭ ‬وعي‭ ‬مشترك‭ -‬رسميا‭ ‬وأهليا‭-‬بأهمية‭ ‬إشراك‭ ‬جميع‭ ‬الفئات،‭ ‬وخصوصا‭ ‬الأجيال‭ ‬الجديدة،‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬العمل‭ ‬الوطني‭ ‬المنظم‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬يمكن‭ ‬استلهام‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬التجارب‭ ‬الوطنية‭ ‬التي‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬دمج‭ ‬الطاقات‭ ‬الشبابية‭ ‬ضمن‭ ‬مشاريع‭ ‬مدنية‭ ‬مرنة،‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬لجان‭ ‬العمل‭ ‬التطوعي‭ ‬في‭ ‬الجامعات،‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬المبادرات‭ ‬الرقمية‭ ‬التي‭ ‬أطلقها‭ ‬شباب‭ ‬بحرينيون‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬البيئة،‭ ‬وريادة‭ ‬الأعمال،‭ ‬والثقافة‭ ‬المجتمعية‭. ‬

هذه‭ ‬المبادرات‭ ‬لم‭ ‬تنشأ‭ ‬بديلة‭ ‬عن‭ ‬مؤسسات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني،‭ ‬بل‭ ‬مثلت‭ ‬امتدادًا‭ ‬ديناميكيا‭ ‬لها،‭ ‬مما‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬العمل‭ ‬المدني‭ ‬ليس‭ ‬قالبا‭ ‬ثابتا،‭ ‬بل‭ ‬فضاء‭ ‬متحركا‭ ‬يتشكل‭ ‬بحسب‭ ‬حاجات‭ ‬المجتمع‭ ‬وتطلعات‭ ‬أبنائه‭. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬تبرز‭ ‬أهمية‭ ‬فتح‭ ‬النوافذ‭ ‬أمام‭ ‬الأجيال‭ ‬الجديدة،‭ ‬لا‭ ‬لتكرار‭ ‬الأدوار،‭ ‬بل‭ ‬لإعادة‭ ‬تصورها‭ ‬بطريقة‭ ‬تعيد‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬الأهلي‭ ‬نبضه‭ ‬الشعبي‭ ‬وتجذره‭ ‬الواقعي‭.‬

الخطوة‭ ‬التالية‭ ‬ينبغي‭ ‬ألا‭ ‬تتوقف‭ ‬عند‭ ‬توقيع‭ ‬الاتفاقيات،‭ ‬بل‭ ‬أن‭ ‬تمتد‭ ‬إلى‭ ‬تحويل‭ ‬هذه‭ ‬الرؤية‭ ‬إلى‭ ‬برامج‭ ‬عملية‭ ‬تفتح‭ ‬الأبواب‭ ‬أمام‭ ‬مشاركة‭ ‬الشباب،‭ ‬وتمنحهم‭ ‬الثقة‭ ‬والمساحة‭ ‬لإعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬العمل‭ ‬المجتمعي،‭ ‬بطريقة‭ ‬تحترم‭ ‬أصالة‭ ‬الفكرة،‭ ‬وتواكب‭ ‬روح‭ ‬العصر‭.‬

من‭ ‬المؤشرات‭ ‬الإيجابية‭ ‬أن‭ ‬مؤسسات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬البحريني،‭ ‬برغم‭ ‬كل‭ ‬التحديات،‭ ‬أثبتت‭ ‬مرونة‭ ‬لافتة‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬المتغيرات‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬تظل‭ ‬هناك‭ ‬حاجة‭ ‬ملحة‭ ‬إلى‭ ‬استكمال‭ ‬هذا‭ ‬الحراك‭ ‬بتطوير‭ ‬الهياكل،‭ ‬وإعادة‭ ‬تعريف‭ ‬الأدوار،‭ ‬وربما‭ ‬خلق‭ ‬منصات‭ ‬جديدة‭ ‬أكثر‭ ‬اتصالا‭ ‬بالعصر‭ ‬الرقمي‭ ‬وثقافة‭ ‬المبادرة‭ ‬السريعة‭.‬

ما‭ ‬بين‭ ‬الحاضر‭ ‬والمستقبل،‭ ‬يكمن‭ ‬الرهان‭ ‬الحقيقي‭: ‬أن‭ ‬تبقى‭ ‬الرسالة‭ ‬التي‭ ‬حملتها‭ ‬مؤسسات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬منذ‭ ‬نشأتها،‭ ‬رسالة‭ ‬مجتمعية‭ ‬نابضة‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬قيم‭ ‬التطوع‭ ‬والانتماء‭ ‬والمسؤولية،‭ ‬وأن‭ ‬تجد‭ ‬هذه‭ ‬الرسالة‭ ‬دائما‭ ‬قلوبا‭ ‬وعقولا‭ ‬شابة‭ ‬تحملها‭ ‬إلى‭ ‬الأمام،‭ ‬بأدوات‭ ‬جديدة،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تفقد‭ ‬جوهرها‭ ‬الإنساني‭.‬

ليس‭ ‬الهدف‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الهياكل‭ ‬بحد‭ ‬ذاتها،‭ ‬بل‭ ‬الإبقاء‭ ‬على‭ ‬الفكرة‭ ‬حية‭ ‬ومتجددة‭. ‬وهنا‭ ‬بالضبط‭ ‬تكتسب‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬اللقاءات‭ ‬بين‭ ‬الرسمي‭ ‬والأهلي‭ ‬أهميتها؛‭ ‬فهي‭ ‬لا‭ ‬تكتفي‭ ‬بتثبيت‭ ‬ما‭ ‬تحقق،‭ ‬بل‭ ‬تفتح‭ ‬أفقا‭ ‬لتجديد‭ ‬الحلم‭ ‬الوطني‭ ‬بلغة‭ ‬الأجيال‭ ‬القادمة‭.‬

ولعل‭ ‬من‭ ‬المهم،‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬هذا‭ ‬الحراك،‭ ‬ألا‭ ‬نغفل‭ ‬عن‭ ‬الإرث‭ ‬العميق‭ ‬الذي‭ ‬تمثله‭ ‬الكيانات‭ ‬التطوعية‭ ‬البحرينية،‭ ‬والتي‭ ‬شكلت‭ ‬لعقود‭ ‬طويلة‭ ‬صماما‭ ‬للحراك‭ ‬الأهلي‭ ‬والنسائي‭. ‬إن‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الرصيد‭ ‬التاريخي‭ ‬لا‭ ‬تعني‭ ‬الجمود،‭ ‬بل‭ ‬تستدعي‭ ‬بعثه‭ ‬في‭ ‬وجدان‭ ‬الأجيال‭ ‬الجديدة،‭ ‬ليواصل‭ ‬أداء‭ ‬رسالته‭ ‬بروح‭ ‬الحاضر،‭ ‬وعين‭ ‬على‭ ‬المستقبل‭.‬

 

rajabnabeela@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا