يعتزم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب زيارة منطقة الخليج العربي خلال الفترة من 13-16 مايو 2025 وسوف تشمل كل من السعودية والإمارات وقطر، وكما هو معتاد قبيل أي زيارة رفيعة المستوى تتناقل وسائل الإعلام العالمية تصريحات عديدة، وكان من أهمها تصريح الرئيس ترامب أن تلك الزيارة «سوف تتضمن تفاهمات اقتصادية أكبر مع دول الخليج العربي».
لاشك أن اختيار الرئيس ترامب منطقة الخليج العربي لتكون أول جولة خارجية له منذ توليه مقاليد الحكم في يناير 2025 يعكس أهمية وطبيعة العلاقات الأمريكية- الخليجية، صحيح أن بعض فترات الحكم في الولايات المتحدة عكست تباينات في وجهات النظر حيال بعض القضايا ولكن لم يصل الأمر إلى حد التصادم، ولوضع تلك الزيارة في سياقها الصحيح لا بد من الحديث عن خبرة الماضي ومستجدات الحاضر وضرورات المستقبل لتلك العلاقات التي تمتد عبر عقود خلت، فالماضي يؤكد أن الولايات المتحدة هي التي قادت التحالفات العسكرية لمواجهة التهديدات الأمنية التي واجهت منطقة الخليج العربي واستهدفت تغيير توازن القوى فيها، ابتداءً بتأسيس الرئيس ريجان تحالفا عسكريا بحريا لحماية السفن خلال الحرب العراقية- الإيرانية في الثمانينيات ومروراً بقيادة الرئيس بوش الأب تحالفاً دولياً مكوناً من 34 دولة لتحرير دولة الكويت عام 1991وانتهاءً بتأسيس الرئيس ترامب تحالفين لأمن الملاحة البحرية الأول عام 2019 والثاني تحالف الازدهار عام 2023 وهذه أمثلة تؤكد وبما لا يدع مجالاً للشك أهمية الدور المحوري الأمريكي تجاه أمن الخليج العربي.
ومع أهمية ما سبق يثار التساؤل حول مستجدات الحاضر، وبكلمات موجزة هل ثمة متغيرات أثرت على مسار تلك الشراكة؟ وواقع الأمر أن النظرة التقليدية لتلك الشراكة – حتى على مستوى تصورات الباحثين – كانت ترتكز على أمرين الأول: أهمية الخليج النفطية، والثاني: انحسار الشراكة في البعد الأمني، وربما يكون ذلك صحيحاً في جزء منه ولا يزال، إلا أن التطورات الإقليمية قد أوجدت مستجدات يجب أن تكون في بؤرة تلك الشراكة وتكون محركاً لتطويرها أولها: أن أمن منطقة الخليج يرتبط على نحو وثيق بالدائرة الإقليمية في ظل ما يمكن وصفه بـ«الانهيارات الإقليمية» في دول الجوار، مما يتيح الفرصة لعمل المليشيات المسلحة، وثانيها: المسألة النووية الإيرانية، صحيح أن دول الخليج العربي ليست طرفاً في المفاوضات ولكنها معنية بها في ظل مبادئ راسخة في السياسات الخارجية لدول الخليج بشأن التسوية السلمية للصراعات ومنع استخدام القوة، فضلاً عن المسارات التصالحية بين دول الخليج وإيران في الوقت الراهن، وثالثها: تغير طبيعة التهديدات الأمنية ذاتها، فلم تعد التهديدات التقليدية هي التهديد بالغزو ولكن توظيف التكنولوجيا العسكرية من جانب الجماعات دون الدول لاستهداف المنشآت الحيوية لدول الخليج العربي.
ويعني ما سبق ثمة حاجة إلى تجديد الشراكة الأمريكية – الخليجية بعيداً عن معادلة النفط والسلاح، فدول الخليج العربي أثبتت أنها مقدمة للأمن أيضاً من خلال دورها في إخلاء رعايا الدول الغربية خلال الانسحاب الغربي من أفغانستان واندلاع الصراع في السودان، فضلاً عن بروز أدوار الوساطة الخليجية في الصراعات الإقليمية والعالمية والتي أسست لتفاهمات بين الأطراف المختلفة بل تحرير أسرى.
من المؤكد أن الزيارة لن تكون ذات طابع اقتصادي بحت برغم أهمية العلاقات الاقتصادية لدول الخليج العربي التي من بين أهدافها تنويع مصادر الدخل من خلال تعزيز الاستثمارات، لكن هناك مجالات عديدة يجب أن تحظى بالنقاش منها حاجة دول الخليج العربي للتكنولوجيا العسكرية، صحيح أن هناك قيودا تضعها شركات السلاح الكبرى معظمها أمريكية، ولكن توطين الصناعات العسكرية هدف استراتيجي لدول الخليج العربي ومنها السعودية التي تستهدف توطين نسبة 50% من تلك الصناعات بحلول 2030، وعلى مستوى مجلس التعاون لا شك أن دعم الولايات المتحدة للمجلس ودوره الإقليمي يعد الضمانة الأساسية للحفاظ على توازن القوى وذلك أساس تحقيق الأمن الإقليمي، من ناحية ثانية فإن الحديث عن مجالات جديدة للتعاون مثل الطاقة والتكنولوجيا النووية السلمية بين الولايات المتحدة والسعودية أمر مهم ويعزز من مضامين تلك الشراكة نحو آفاق أرحب ضمن خطط بعض دول الخليج العربي للاعتماد على تلك الطاقة في الأغراض السلمية، ومن ناحية ثالثة وللبناء على ما سبق تظل هناك حاجة إلى تجديد آلية الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة ودول الخليج، الاتفاقيات والزيارات رفيعة المستوى مهمة بيد أنه لا غنى عن قناة تنسيق دائمة لمراجعة مسار الشراكة ومستجداتها.
إن نجاح الشراكات يرتبط بالتزامات متبادلة من طرفيها، ولكن نجاح وتطور تلك الشراكات ليس مرتهناً بإرادة ورغبة طرفيها فحسب، بل إنها تعمل في بيئة إقليمية وأخرى دولية تتيح فرصاً ولكنها تفرض تحديات في الوقت ذاته، وفي تصوري أن الإدارة الأمريكية الحالية تدرك ذلك جيداً، الآن لدى دول الخليج تنوع في الشراكات الدولية ليست بديلاً عن الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة ولكن تلك الشراكات الجديدة مهمة سواء من الصين أو روسيا أو الهند وكذلك توجه دول الخليج نحو التكتلات الاقتصادية الجديدة ومنها تجمع البريكس، ودول الخليج أيضاً تدرك جيدًا أهمية البعد الأمني في الشراكة لتحقيق مفهوم الردع والحفاظ على توازن القوى الإقليمي ولكن في الوقت ذاته مفهوم الأمن تغير جذرياً خاصة بعد حدثين مهمين وهما جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا، فأصبح الأمن الغذائي والصحي مكونين مهمين من مكونات الأمن، فضلاً عن تأثير التكنولوجيا في مسار وأمد الصراعات كما هو الحال في الحرب الأوكرانية.
إن منطقة الخليج العربي التي استقبلت عبر تاريخها عدداً هائلاً من المبادرات والشراكات من أطراف دولية منها حلف شمال الأطلسي «الناتو» 2004 وروسيا 2021و الاتحاد الأوروبي 2022 والصين من خلال مبادرتها للشرق الأوسط عام 2021 هي بحاجة اليوم إلى تجديد الشراكة مع الولايات المتحدة ليس عبر المسارات التقليدية وإنما الأخذ بالاعتبار التحولات الجيوسياسية والمستجدات الأمنية والتنافس الدولي غير المسبوق تجاه منطقة الخليج والتي ترى دولها في تلك الشراكات الجديدة فرصاً هائلة على الأقل على الصعيد الاقتصادي.
وبغض النظر عما سوف تحتوي عليه أجندة الزيارة القادمة للرئيس ترامب فإن الرسائل الأمريكية بتجديد تلك الشراكات والرغبة في دعم قدرات دول الخليج العربي والأخذ بالاعتبار مخاوفها بشأن تهديدات الأمن الإقليمي ووضع أطر جديدة لتطوير تلك الشراكة لتحقيق مصالح الطرفين بشكل متوازن تبقى تطلعات خليجية من تلك الزيارة التي تأتي في توقيت مهم للغاية ليس فقط بالنسبة لأمن الخليج العربي ولكن بالنسبة إلى الأمن الإقليمي الذي يرتبط بالأمن العالمي على نحو وثيق، حيث أكدت كافة الأحداث خلال السنوات الماضية مقولة مهمة أشرت إليها سابقاً وهي أن «أمن العالم يبدأ من الخليج» ويحتاج إلى سياسات متكاملة ليكون قولاً وفعلاً.
{ مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية والدولية بمركز «دراسات»
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك