زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
في ذم ومدح نوبل
قلت الكثير عبر السنين في ذمّ جائزة نوبل، رغم أن لعاب الكثيرين يسيل كلما جاء ذكرها، وفي مجال الآداب زعم البعض ان نجيب محفوظ نالها لأنه من أنصار التطبيع مع إسرائيل ويغمز هؤلاء -من منطلق الغيرة المَرَضيّة- في قدرات محفوظ كروائي. يعني بالعربي يريدون ان يقولوا انه لا يستأهل الجائزة، ومعنى هذا ان هناك مبدعا عربيا أو أكثر يستحقها. يعني الجائزة حلال على غير نجيب محفوظ إذا كان «لا تطبيعيا».
وكما قلت مرارا في مقالاتي هنا، فجائزة نوبل مشبوهة منذ طرحها وليس سرّا أنها كانت أداة في الحرب الباردة بين الغرب من جهة، وموسكو وحلفائها من جهة اخرى، وقد نال جائزة نوبل للآداب بالذات كل كاتب روسي تمرد على النظام الشيوعي، وهناك ما يشبه الإجماع في الدوائر الأدبية أن الروسيين بوريس باسترناك والكسندر سولجنيتسن ما كانا لينالا الجائزة لولا انهما كانا من المغضوب عليهم في موسكو، ومن المؤكد ان غورباتشوف آخر زعماء الاتحاد السوفييتي نال جائزة نوبل للسلام لجهوده المقدرة في تحطيم بلاده، ولماذا نذهب بعيدا ومناحيم بيغن رئيس وزراء اسرائيل الراحل الذي كان صقرا متوحشا ومسعورا من حَمَلة جائزة نوبل للسلام.
ولكن من ناحية أخرى فإن جائزة نوبل تبقى أهم وسام للإنجاز عرفه الجنس البشري، ولم تعد مشكلة الجائزة في أنها ذات جذور مشبوهة بل في انها في مجال الآداب بالذات صارت تمنح لنكرات يصاب الواحد منهم بذبحة صدرية عند سماعه الفوز بها لأنه لم يكن ليخطر على باله ان ينال شرفا رفيعا جُل رفعته في الحافز المادي الضخم الذي يصاحبها.. مما يطرح تساؤلا مشروعا: هل اصبحت حواء المعاصرة عقيما وغير قادرة على إنجاب شعراء في قامة طاغور وبابلو نيرودا وناظم حكمت وادباء مثل غبرائيل غارسيا ماركيث وايرنست همينغواي؟ أليس واردا والحال كذلك ان يفوز بنوبل شاعر السح الدح امبو من منطلق انه رائد الحداثة في الشعر العربي؟
من الاسماء التي ورد ترشيحها كثيرا لجائزة نوبل للآداب الشاعر والناقد ادونيس، ولو فاز بها فسينبري لنبش سيرته ولعن أجداده ثلة من النقاد والمفكرين الذين قد يتهمون لجنة جائزة نوبل بالعمالة لمونت كارلو. هذا هو ديدننا، ما ان يرفع أحدنا رأسه ويصيب حظا من الشهرة والمجد والاحتفاء حتى تنهال عليه السكاكين، انظروا ماذا حل بإدوارد سعيد المواطن الامريكي الذي رفض ان ينفصل عن جذوره الفلسطينية وملأ الساحة بكتب رصينة عن القضية الفلسطينية وهز المنابر في امريكا بمحاضراته عن القضية، فقد منعوا كتبه من التداول في فلسطين أو ما تبقى منها؟ ادونيس لم يجد من يحتفي به في العالم العربي فهاجر الى أوروبا وصار محاضرا في جامعات من وزن اكسفورد والسوربون! هل كان الطيب صالح سيكون الطيب صالح ذا الشنة والرنة لو بقي موظفا في وزارة الزراعة بالخرطوم؟ هل كان نسيم حميد سيصبح برنس الملاكمة لو بقي في اليمن؟ هل كان أحمد زويل سيشم رائحة جائزة لو بقي في مصر؟ وهل كان مجدي يعقوب سيبلغ غايات المجد الطبي لو بقي في أي دولة عربية؟ كلهم كانوا سيعانون من الذبحات الصدرية بسبب «لفت النظر» ومجالس التأديب، والنقل التعسفي والتقاعد المبكر بسبب الغيرة أو سوء التقدير.
نحن أمة تتقن تطفيش أبنائها وتجيد لطم الخدود وشق الجيوب والدعاء بدعوى الجاهلية، وصلت الى اسكتلندا قبل سنوات سودانية وأجادت الانجليزية هناك، وخلال سنوات معدودة كانت قد فازت بجائزة أفضل روائية في اسكتلندا وإفريقيا، ولم يسمع بها في السودان إلا القليلون، وفي معظم الدول العربية تنهال المشارط على المبدعين لأنهم يملكون الجسارة لطبع أعمالهم وتوزيعها، والمبدعون في الشعر الشعبي يتهمون بالإضرار بالعربية الفصحى، مع ان العرب ظلوا يتحدثون بالعاميات لقرون خلت ولم تتضرر الفصحى من ذلك.
خلوها على الله!
إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك