العدد : ١٧٢١٣ - الجمعة ٠٩ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢١٣ - الجمعة ٠٩ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

في ذم ومدح نوبل

قلت‭ ‬الكثير‭ ‬عبر‭ ‬السنين‭ ‬في‭ ‬ذمّ‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬لعاب‭ ‬الكثيرين‭ ‬يسيل‭ ‬كلما‭ ‬جاء‭ ‬ذكرها،‭ ‬وفي‭ ‬مجال‭ ‬الآداب‭ ‬زعم‭ ‬البعض‭ ‬ان‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬نالها‭ ‬لأنه‭ ‬من‭ ‬أنصار‭ ‬التطبيع‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬ويغمز‭ ‬هؤلاء‭ -‬من‭ ‬منطلق‭ ‬الغيرة‭ ‬المَرَضيّة‭- ‬في‭ ‬قدرات‭ ‬محفوظ‭ ‬كروائي‭. ‬يعني‭ ‬بالعربي‭ ‬يريدون‭ ‬ان‭ ‬يقولوا‭ ‬انه‭ ‬لا‭ ‬يستأهل‭ ‬الجائزة،‭ ‬ومعنى‭ ‬هذا‭ ‬ان‭ ‬هناك‭ ‬مبدعا‭ ‬عربيا‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬يستحقها‭. ‬يعني‭ ‬الجائزة‭ ‬حلال‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬‮«‬لا‭ ‬تطبيعيا‮»‬‭.‬

وكما‭ ‬قلت‭ ‬مرارا‭ ‬في‭ ‬مقالاتي‭ ‬هنا،‭ ‬فجائزة‭ ‬نوبل‭ ‬مشبوهة‭ ‬منذ‭ ‬طرحها‭ ‬وليس‭ ‬سرّا‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬أداة‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬بين‭ ‬الغرب‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وموسكو‭ ‬وحلفائها‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬اخرى،‭ ‬وقد‭ ‬نال‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬للآداب‭ ‬بالذات‭ ‬كل‭ ‬كاتب‭ ‬روسي‭ ‬تمرد‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬الشيوعي،‭ ‬وهناك‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬الإجماع‭ ‬في‭ ‬الدوائر‭ ‬الأدبية‭ ‬أن‭ ‬الروسيين‭ ‬بوريس‭ ‬باسترناك‭ ‬والكسندر‭ ‬سولجنيتسن‭ ‬ما‭ ‬كانا‭ ‬لينالا‭ ‬الجائزة‭ ‬لولا‭ ‬انهما‭ ‬كانا‭ ‬من‭ ‬المغضوب‭ ‬عليهم‭ ‬في‭ ‬موسكو،‭ ‬ومن‭ ‬المؤكد‭ ‬ان‭ ‬غورباتشوف‭ ‬آخر‭ ‬زعماء‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬نال‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬للسلام‭ ‬لجهوده‭ ‬المقدرة‭ ‬في‭ ‬تحطيم‭ ‬بلاده،‭ ‬ولماذا‭ ‬نذهب‭ ‬بعيدا‭ ‬ومناحيم‭ ‬بيغن‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬اسرائيل‭ ‬الراحل‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬صقرا‭ ‬متوحشا‭ ‬ومسعورا‭ ‬من‭ ‬حَمَلة‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬للسلام‭.‬

ولكن‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬فإن‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬تبقى‭ ‬أهم‭ ‬وسام‭ ‬للإنجاز‭ ‬عرفه‭ ‬الجنس‭ ‬البشري،‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬مشكلة‭ ‬الجائزة‭ ‬في‭ ‬أنها‭ ‬ذات‭ ‬جذور‭ ‬مشبوهة‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬انها‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الآداب‭ ‬بالذات‭ ‬صارت‭ ‬تمنح‭ ‬لنكرات‭ ‬يصاب‭ ‬الواحد‭ ‬منهم‭ ‬بذبحة‭ ‬صدرية‭ ‬عند‭ ‬سماعه‭ ‬الفوز‭ ‬بها‭ ‬لأنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ليخطر‭ ‬على‭ ‬باله‭ ‬ان‭ ‬ينال‭ ‬شرفا‭ ‬رفيعا‭ ‬جُل‭ ‬رفعته‭ ‬في‭ ‬الحافز‭ ‬المادي‭ ‬الضخم‭ ‬الذي‭ ‬يصاحبها‭.. ‬مما‭ ‬يطرح‭ ‬تساؤلا‭ ‬مشروعا‭: ‬هل‭ ‬اصبحت‭ ‬حواء‭ ‬المعاصرة‭ ‬عقيما‭ ‬وغير‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬إنجاب‭ ‬شعراء‭ ‬في‭ ‬قامة‭ ‬طاغور‭ ‬وبابلو‭ ‬نيرودا‭ ‬وناظم‭ ‬حكمت‭ ‬وادباء‭ ‬مثل‭ ‬غبرائيل‭ ‬غارسيا‭ ‬ماركيث‭ ‬وايرنست‭ ‬همينغواي؟‭ ‬أليس‭ ‬واردا‭ ‬والحال‭ ‬كذلك‭ ‬ان‭ ‬يفوز‭ ‬بنوبل‭ ‬شاعر‭ ‬السح‭ ‬الدح‭ ‬امبو‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬انه‭ ‬رائد‭ ‬الحداثة‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬العربي؟

من‭ ‬الاسماء‭ ‬التي‭ ‬ورد‭ ‬ترشيحها‭ ‬كثيرا‭ ‬لجائزة‭ ‬نوبل‭ ‬للآداب‭ ‬الشاعر‭ ‬والناقد‭ ‬ادونيس،‭ ‬ولو‭ ‬فاز‭ ‬بها‭ ‬فسينبري‭ ‬لنبش‭ ‬سيرته‭ ‬ولعن‭ ‬أجداده‭ ‬ثلة‭ ‬من‭ ‬النقاد‭ ‬والمفكرين‭ ‬الذين‭ ‬قد‭ ‬يتهمون‭ ‬لجنة‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬بالعمالة‭ ‬لمونت‭ ‬كارلو‭. ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬ديدننا،‭ ‬ما‭ ‬ان‭ ‬يرفع‭ ‬أحدنا‭ ‬رأسه‭ ‬ويصيب‭ ‬حظا‭ ‬من‭ ‬الشهرة‭ ‬والمجد‭ ‬والاحتفاء‭ ‬حتى‭ ‬تنهال‭ ‬عليه‭ ‬السكاكين،‭ ‬انظروا‭ ‬ماذا‭ ‬حل‭ ‬بإدوارد‭ ‬سعيد‭ ‬المواطن‭ ‬الامريكي‭ ‬الذي‭ ‬رفض‭ ‬ان‭ ‬ينفصل‭ ‬عن‭ ‬جذوره‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وملأ‭ ‬الساحة‭ ‬بكتب‭ ‬رصينة‭ ‬عن‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وهز‭ ‬المنابر‭ ‬في‭ ‬امريكا‭ ‬بمحاضراته‭ ‬عن‭ ‬القضية،‭ ‬فقد‭ ‬منعوا‭ ‬كتبه‭ ‬من‭ ‬التداول‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬منها؟‭ ‬ادونيس‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬من‭ ‬يحتفي‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬فهاجر‭ ‬الى‭ ‬أوروبا‭ ‬وصار‭ ‬محاضرا‭ ‬في‭ ‬جامعات‭ ‬من‭ ‬وزن‭ ‬اكسفورد‭ ‬والسوربون‭! ‬هل‭ ‬كان‭ ‬الطيب‭ ‬صالح‭ ‬سيكون‭ ‬الطيب‭ ‬صالح‭ ‬ذا‭ ‬الشنة‭ ‬والرنة‭ ‬لو‭ ‬بقي‭ ‬موظفا‭ ‬في‭ ‬وزارة‭ ‬الزراعة‭ ‬بالخرطوم؟‭ ‬هل‭ ‬كان‭ ‬نسيم‭ ‬حميد‭ ‬سيصبح‭ ‬برنس‭ ‬الملاكمة‭ ‬لو‭ ‬بقي‭ ‬في‭ ‬اليمن؟‭ ‬هل‭ ‬كان‭ ‬أحمد‭ ‬زويل‭ ‬سيشم‭ ‬رائحة‭ ‬جائزة‭ ‬لو‭ ‬بقي‭ ‬في‭ ‬مصر؟‭ ‬وهل‭ ‬كان‭ ‬مجدي‭ ‬يعقوب‭ ‬سيبلغ‭ ‬غايات‭ ‬المجد‭ ‬الطبي‭ ‬لو‭ ‬بقي‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬عربية؟‭ ‬كلهم‭ ‬كانوا‭ ‬سيعانون‭ ‬من‭ ‬الذبحات‭ ‬الصدرية‭ ‬بسبب‭ ‬‮«‬لفت‭ ‬النظر‮»‬‭ ‬ومجالس‭ ‬التأديب،‭ ‬والنقل‭ ‬التعسفي‭ ‬والتقاعد‭ ‬المبكر‭ ‬بسبب‭ ‬الغيرة‭ ‬أو‭ ‬سوء‭ ‬التقدير‭.‬

نحن‭ ‬أمة‭ ‬تتقن‭ ‬تطفيش‭ ‬أبنائها‭ ‬وتجيد‭ ‬لطم‭ ‬الخدود‭ ‬وشق‭ ‬الجيوب‭ ‬والدعاء‭ ‬بدعوى‭ ‬الجاهلية،‭ ‬وصلت‭ ‬الى‭ ‬اسكتلندا‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬سودانية‭ ‬وأجادت‭ ‬الانجليزية‭ ‬هناك،‭ ‬وخلال‭ ‬سنوات‭ ‬معدودة‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬فازت‭ ‬بجائزة‭ ‬أفضل‭ ‬روائية‭ ‬في‭ ‬اسكتلندا‭ ‬وإفريقيا،‭ ‬ولم‭ ‬يسمع‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬إلا‭ ‬القليلون،‭ ‬وفي‭ ‬معظم‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬تنهال‭ ‬المشارط‭ ‬على‭ ‬المبدعين‭ ‬لأنهم‭ ‬يملكون‭ ‬الجسارة‭ ‬لطبع‭ ‬أعمالهم‭ ‬وتوزيعها،‭ ‬والمبدعون‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬الشعبي‭ ‬يتهمون‭ ‬بالإضرار‭ ‬بالعربية‭ ‬الفصحى،‭ ‬مع‭ ‬ان‭ ‬العرب‭ ‬ظلوا‭ ‬يتحدثون‭ ‬بالعاميات‭ ‬لقرون‭ ‬خلت‭ ‬ولم‭ ‬تتضرر‭ ‬الفصحى‭ ‬من‭ ‬ذلك‭.‬

خلوها‭ ‬على‭ ‬الله‭!‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا