منذ حوالي سنة أو ربما أكثر قليلا اتصل بي صديق من دولة شقيقة، فطلب مني أن أقوم بزيارته لأنه يحتاج إليّ لأداء مهمة استشارية، فاستغربت وسألته: في ماذا؟ فأجاب: تعال ثم نتحدث.
ذهبت، وبعدها تبين لي أن هذا الصديق قد استقال من وظيفته الرسمية الحكومية، وأسس مع مجموعة من المستثمرين مؤسسة خاصة تعمل في مجال الاستشارات والتجارة العامة وما إلى ذلك، وكان صديقي يشغل وظيفته المدير التنفيذي للمؤسسة، فباركت له هذه الخطوة، ثم جلسنا مع بعض المسؤولين في المؤسسة جلسة عمل لمعرفة ماذا يريد هذا الصديق.
دار حديث طويل عدة أيام، وكان ملخصه أنه وشركاؤه يريدون أن أساعدهم في تأسيس هذه المؤسسة بطريقة منهجية من جوانبها المختلفة؛ تبدأ من وضعية الإدارة ومن ثم الموظفين والعمليات وما إلى ذلك، وهذا يعني أن الموضوع كبير ويحتاج إلى جهد كبير وتصور مستقبلي وخاصة ونحن نتحول إلى عصر الذكاء الاصطناعي واستخدام التقنيات التي يمكن أن تسهم بصورة كبيرة في إدارة العمل.
وبعد وضع المخطط والموافقة عليه، كان من ضمن المخطط جزئية خاصة بالموظفين وكيفية تطويرهم وتنمية قدراتهم وإمكانياتهم وبعض الأمور الأخرى، فرتبنا لإقامة دورة تدريبية وورش عمل لمجموعات الموظفين والعاملين في المؤسسة، فقسمنا تلك الورش إلى مجموعات وأيام، فكان من الموضوع الأبرز الإسهام في تطوير الموظف نفسه، الموضوع التالي:
أولاً: أمور تساعد الموظف على النجاح، وهي كالتالي:
التعلم المستمر؛ النجاح – سواء في العمل أو بصورة عامة– يتطلب التعلم الذاتي المستمر وتطوير المهارات، حتى إن لم تقم المؤسسة بذلك، فعلى الموظف حضور دورات تدريبية، قراءة الكتب، أو متابعة التطورات في مجاله، فلا ينتظر أن تقوم المؤسسة بمنهجية ذلك، وإنما ذلك يعود عليه هو بالنفع على المدى البعيد.
إدارة الوقت؛ يجب أن يكون معلومًا لجميع الموظفين في أي مستوى من الهيكل التنظيمي أن إدارة الوقت بشكل فعال تساعد في زيادة الإنتاجية وتقليل الهدر والأخطاء، بالإضافة إلى أنه يسهم في التقليل من القلق وضغوط العمل والتوتر، فالعمل الذي ينجز في ساعة يجب أن ينجز في ساعة والعمل الذي ينجز في يوم يمكن أن ينجز في يوم، وهكذا، ويمكن ترتيب ذلك باستخدام بعض الأدوات البسيطة مثل الجداول الزمنية والقوائم لتحديد الأولويات.
التواصل الفعال؛ من أكثر الأمور التي تؤدي إلى التوتر والمشاكل وضغوط العمل ضعف التواصل بين زملاء العمل، وبين الإدارة العليا والإدارات المختلفة، فسوء التواصل والتفاهم مشكلة كبيرة يمكن أن تؤدي إلى هدم وتفتيت المؤسسة حتى وإن قامت على أسس سليمة، فالتواصل الجيد مع الزملاء والمسؤولين يمكن أن يسهم في تحسين العمل الجماعي وحل المشكلات بسرعة.
العمل ضمن فريق عمل؛ تحدثنا كثيرًا مع الموظفين عن موضوع العمل بأسلوب فرق العمل، واجهنا العديد من الاعتراضات وذلك بسبب أن الموظف يعتقد أنه عندما يعمل منفردًا سيظهر عمله أمام المسؤول وبالتالي يمكن أن يكافأ ويترقى في وظيفته، ولكن في الحقيقة العمل بأسلوب فرق العمل أكثر جودة ويسهم في تقليل الأخطاء الناتجة من الخطأ البشري، وبالتالي لا تظهر العيوب وهذا يساعد في الترقي والتنمية أكثر، كما يساعد الموظف في التعلم من الأفراد الأكثر خبرة ودراية، ولقد تحدثنا في هذا الموضوع كثيرًا من خلال هذه الزاوية.
التحفيز الذاتي؛ أن نطالب المؤسسة أن تسهم في تحفيز الموظف فهذا أمر ضروري، ولكن أن نطالب الموظف أن يقوم بتحفيز نفسه وذاته بين فينة وأخرى فإن هذه العملية صعبة جدًا وتحتاج إلى قناعات وثقافة قد لا توجد عند كثير من الموظفين، لذلك فإن على الموظف أن يعلم أن الحفاظ على الحماس والدافع الذاتي للعمل يمكن أن يساعد بصورة كبيرة في تحقيق النجاح، وحتى يمكن أن يحدث ذلك فإن على الموظف أن يكافئ نفسه مكافآت صغيرة بين فترة وأخرى عند تحقيق أهداف معينة.
الاهتمام بالعمل الذي يقوم به؛ فالعمل بجودة ترضي نفسه أولاً والإدارة ثانيًا والعميل ثالثًا، هو من أجل الأمور التي يجب أن يفكر فيها الموظف، وحتى يتم ذلك فإن على الموظف أن يتعلم مهنته والعمل الذي يقوم به ودراسته بصورة جيده، حتى لا تفوته شاردة ولا وارده، ويمكن الاستعانة به كلما برزت المشكلات، فليصبح هو القادر على تجاوز المعضلات.
تقسيم المهام الكبيرة؛ كثيرًا ما نكلف ببعض المهام الكبيرة التي ربما تفوق قدراتنا أو حتى الوقت المسموح لإنجازه، لذلك فإنه بأسلوب العمل ضمن فريق عمل يمكن تقسيم المهام الكبيرة إلى خطوات صغيرة وقابلة للتحقيق، وكذلك تفويض بعض الأعمال وتوزيعها على أفراد الفريق، فإن العمل سيتم في الوقت المحدد وبنفس الجودة المطلوبة، بالإضافة إلى أن هذا يجعل العمل يبدو أقل إرهاقًا ويعطيك شعورًا بالإنجاز عند إتمام كل خطوة.
ثانيًا: تقسيم المهام الكبيرة إلى خطوات صغيرة، كيف؟
من أكثر الأمور التي أثارت انتباه المشاركين في تلك الورش موضوع تقسيم المهام الكبيرة إلى مهام أصغر حتى يتم إنجازها، وهذا الموضوع يذكرني بسؤال طرح عندما حضرنا أول دروة في الإدارة، وهو: كيف تضع فيلا في ثلاجة؟ ولكن الإجابة بسيطة وهي أن نقطع الفيل إلى قطع صغيرة ونضعها بعد ذلك في الثلاجة، ولكن معظمنا أو بالأحرى كلنا لم نعرف الإجابة، فكانت معضلة، وكان بالفعل يمكن إنجاز كل الأعمال والمهام الكبيرة بتجزئتها إلى أعمال ومهام أصغر، فإنها حينئذ تنجز بسهولة، ويتم ذلك بالطرق التالية:
تحديد الهدف النهائي؛ ابدأ بتحديد الهدف النهائي الذي تريد تحقيقه، أو الفترة الزمنية التي من المطلوب أن تسلم فيها المهمة، ففهم المطلوب والنتيجة المطلوبة يساعدك كثيرًا على تحديد الأجزاء الأكثر ضرورية وتحديد الأولويات من أجل تحقيق هذا الهدف المطلوب، وهذا يساعد على فهم ما نحتاج إلى القيام به للوصول إلى ذلك الهدف.
الجلوس مع أعضاء الفريق؛ من العوامل التي تسهل عملية توزيع المهام وإنجازها أن يعرف كل عضو من الفريق ما المهام المنوطة به قبل توزيع العمل، إذ يجب أن يعرف الجميع المهمة المطلوب إنجازها، وأهداف تحقيق ذلك العمل وكل ما يتعلق بذلك، وكذلك أن يفهم القائد نقاط القوة ونقاط الضعف عند كل عضو من أعضاء الفريق، وعلى أساس هذا الفهم يُكلف كل عضو بالمهام والمسؤوليات المطلوبة منه، وخلال هذه المرحلة لا بد من الاستفسار عن اهتمامات كل عضو في الفريق، لتحديد ما إذا كان أي الأشخاص متحمسًا لمهمة ما أو مشروع معين.
قسم المهمة إلى مراحل ومهام؛ حدد المراحل الأساسية التي تتطلبها المهمة، على سبيل المثال، إذا كنت تعمل على إعداد خطة عمل، قد تشمل المراحل: البحث، كتابة المقدمة، تحليل البيانات، كتابة التوصيات، والمراجعة النهائية، ومن ثم تحديد المهام الصغيرة القابلة للتنفيذ، إذ إن داخل كل مرحلة، حدد مهام صغيرة جدًا يمكنك إنجازها في فترة زمنية قصيرة. على سبيل المثال، بدلًا من محاولة (كتابة تقرير كامل)، ابدأ بـ(كتابة مقدمة من 500 كلمة) وهكذا.
إيصال المهام بفاعلية؛ بعد التأكد من اختيار كل عضو من أعضاء الفريق المهمة المناسبة له، تأتي خطوة توصيل التعليمات المحددة للمشروع، وفي هذه المرحلة يستفيد القائد من مهارات التواصل الفعال التي يمتلكها، في توضيح كيفية قيام الأعضاء بالمهام المطلوبة، ويجدر التنويه إلى أن تقديم التعليمات الواضحة يساعد أعضاء الفريق على فهم مسؤولياتهم بشكل أفضل والوفاء بالمواعيد النهائية.
إنشاء قائمة بالخطوات؛ على قائد الفريق والمكلف بالمهمة أن يقوم بكتابة قائمة بجميع الخطوات الصغيرة التي يحتاج إلى القيام بها لتحقيق الهدف النهائي، ومن الضروري أن يكون محددًا قدر الإمكان.
تحديد الأولويات؛ أثناء تقسيم المهام وتوزيعها على أعضاء الفريق ينبغي على قائد الفريق أن يقوم بتحديد الأولويات بين الخطوات. فما الخطوات التي يجب القيام بها أولاً؟ وما الخطوات التي يمكن تأجيلها؟
وضع جدول زمني؛ بعد تقسيم المهام، يجب على القائد أن يضع جدولاً زمنيًا واضحًا لكل جزء، وكذلك التأكد من تحديد مواعيد نهائية قابلة للتحقيق فإن ذلك يعطي شعورًا بالإلحاح دون الشعور بالإرهاق.
تحديد مواعيد نهائية؛ ومن ضمن الجدول الزمني ينبغي أو بالأحرى ومن الضروري تحديد مواعيد نهائية للمهام المُكلف بها أعضاء المشروع، إذ يساعد ذلك على قيامهم بإكمال تلك المهام قبل موعد استحقاق المشروع، مع إبقاء أعضاء الفريق في موضع مسؤولية. فالمواعيد النهائية تساعد على البقاء على المسار الصحيح ويمنع التسويف.
مراقبة تقدم الفريق؛ مع كل تلك الإجراءات فإنه يجب استخدم بعض التقنيات مثل القوائم أو التطبيقات لتنظيم المهام وتتبع تقدم الأعضاء، فكلما أنهى أحد أعضاء الفريق جزءًا فإنه يجب أن يتم شطب المهمة من القائمة، فإن هذا يعطي شعورًا بالإنجاز ويعزز التحفيز.
طلب المساعدة إذا لزم الأمر؛ وفي النهاية لا تتردد في طلب المساعدة من الآخرين إذا كنت بحاجة إلى دعم أو مشورة.
هذه بعض الأمور، والموضوع كبير، ولكنه يستحق العناء
Zkhunji@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك