العدد : ١٧٢٠٧ - السبت ٠٣ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٥ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٠٧ - السبت ٠٣ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٥ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

مقالات

في أوقات النزاع.. حماية الصحفيين هي حماية الحقيقة

بقلم: مازن شقورة

الجمعة ٠٢ مايو ٢٠٢٥ - 02:00

في‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬مايو‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬عام،‭ ‬نحيي‭ ‬اليوم‭ ‬العالمي‭ ‬لحرية‭ ‬الصحافة،‭ ‬وهو‭ ‬مناسبة‭ ‬لتجديد‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬حقيقة‭ ‬أساسية‭ ‬هي‭: ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬ركيزة‭ ‬أساسية‭ ‬لتعزيز‭ ‬وحماية‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭. ‬

هذا‭ ‬فيما‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬الصحفيون‭ ‬حول‭ ‬العالم،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬منطقتنا،‭ ‬يواجهون‭ ‬الترهيب‭ ‬والعنف‭ ‬وحتى‭ ‬الموت‭ ‬لمجرد‭ ‬قيامهم‭ ‬بواجبهم‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الحقيقة‭ ‬ونقلها‭ ‬ومشاركتها‭.‬

في‭ ‬أوقات‭ ‬النزاعات‭ ‬المسلحة،‭ ‬تتضاعف‭ ‬المخاطر‭ ‬التي‭ ‬يتعرض‭ ‬لها‭ ‬الصحفيون‭ ‬والمصورون‭ ‬والعاملون‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام،‭ ‬حيث‭ ‬يخاطرون‭ ‬بحياتهم‭ ‬يومياً‭ ‬لنقل‭ ‬الوقائع‭ ‬إلى‭ ‬أنظار‭ ‬العالم‭. ‬وفي‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬يدفعون‭ ‬ثمناً‭ ‬باهظاً،‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬استهدافهم‭ ‬عمداً،‭ ‬ممّا‭ ‬يشكّل‭ ‬انتهاكاً‭ ‬جسيماً‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي‭ ‬الإنساني‭ ‬وقانون‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭.‬

يعتبر‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬الإنساني‭ ‬أن‭ ‬الصحفيين‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬النزاعات‭ ‬المسلحة‭ ‬يجب‭ ‬احترام‭ ‬حقوقهم‭ ‬وحمايتها‭ ‬ومعاملتهم‭ ‬كأشخاص‭ ‬مدنيين‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬حمايتهم‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬العنف،‭ ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬نشهد‭ ‬انتهاكات‭ ‬متزايدة‭ ‬بهذا‭ ‬الخصوص‭ ‬وشيوع‭ ‬للإفلات‭ ‬من‭ ‬العقاب‭.‬

اليوم،‭ ‬ومع‭ ‬تصاعد‭ ‬النزاعات‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬أنحاء‭ ‬من‭ ‬منطقتنا،‭ ‬يتجلّى‭ ‬الثمن‭ ‬الذي‭ ‬يدفعه‭ ‬الصحفيون‭ ‬بوضوح‭. ‬في‭ ‬غزة‭ ‬ولبنان‭ ‬وسوريا‭ ‬واليمن‭ ‬والسودان‭ ‬وغيرها،‭ ‬حيث‭ ‬قُتل‭ ‬صحفيون‭ ‬أو‭ ‬أصيبوا‭ ‬أو‭ ‬احتجزوا‭ ‬تعسفياً‭ ‬أو‭ ‬اختفوا‭ ‬قسرياً‭.‬

وعلى‭ ‬امتداد‭ ‬المنطقة،‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬أوضاع‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬تبعث‭ ‬على‭ ‬القلق‭ ‬الشديد،‭ ‬فالقوانين‭ ‬التي‭ ‬تُجرّم‭ ‬انتقاد‭ ‬السلطات،‭ ‬والتفسيرات‭ ‬الفضفاضة‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬المفاهيم‭ ‬كالـ‮«‬الأخبار‭ ‬الكاذبة‮»‬،‭ ‬واستخدام‭ ‬تشريعات‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬وقوانين‭ ‬الجرائم‭ ‬الإلكترونية‭ ‬لتكميم‭ ‬الأفواه،‭ ‬جميعها‭ ‬أدوات‭ ‬تُستخدم‭ ‬لقمع‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭.‬

حيث‭ ‬تُغلق‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬المستقلة،‭ ‬ويتعرض‭ ‬الصحفيون‭ ‬للملاحقات‭ ‬القضائية،‭ ‬وتُصادر‭ ‬معداتهم،‭ ‬وتُدمر‭ ‬مكاتبهم،‭ ‬وتُهدد‭ ‬عائلاتهم،‭ ‬وتشتد‭ ‬الرقابة،‭ ‬ويصبح‭ ‬العمل‭ ‬الصحفي‭ ‬المستقل‭ ‬مغامرة‭ ‬محفوفة‭ ‬بالمخاطر،‭ ‬وتتفاقم‭ ‬ظاهرة‭ ‬الرقابة‭ ‬الذاتية‭ ‬كوسيلة‭ ‬للبقاء‭.‬

ولا‭ ‬يؤدي‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬إسكات‭ ‬الأصوات‭ ‬الفردية‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬يحرم‭ ‬المجتمعات‭ ‬بأسرها،‭ ‬والمجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬أيضاً،‭ ‬من‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬المعرفة‭. ‬وفقاً‭ ‬للمعايير‭ ‬الدولية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬القيود‭ ‬المفروضة‭ ‬على‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬منصوصاً‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬القانون،‭ ‬وتخدم‭ ‬هدفاً‭ ‬مشروعاً،‭ ‬وأن‭ ‬تكون‭ ‬ضرورية‭ ‬ومتناسبة‭.‬

وفي‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الحالات،‭ ‬لا‭ ‬تلبي‭ ‬القيود‭ ‬المفروضة‭ ‬في‭ ‬منطقتنا‭ ‬هذه‭ ‬الضوابط،‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تآكل‭ ‬الثقة‭ ‬العامة،‭ ‬وكبت‭ ‬الحوار،‭ ‬وزيادة‭ ‬زعزعة‭ ‬الاستقرار‭.‬

اليوم،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نقف‭ ‬متضامنين‭ ‬مع‭ ‬الصحفيين،‭ ‬خاصة‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يؤدون‭ ‬واجبهم‭ ‬تحت‭ ‬النيران‭.‬

وندعو‭ ‬جميع‭ ‬أطراف‭ ‬النزاعات‭ ‬إلى‭ ‬احترام‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬وضمان‭ ‬حماية‭ ‬الصحفيين‭ ‬والعاملين‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭.‬

ونحث‭ ‬الدول‭ ‬على‭ ‬مراجعة‭ ‬أو‭ ‬تعديل‭ ‬القوانين‭ ‬التي‭ ‬تقيد‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬أو‭ ‬تفرض‭ ‬عليها‭ ‬ضوابط‭ ‬لا‭ ‬تنسجم‭ ‬مع‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬وأن‭ ‬تهيئ‭ ‬بيئة‭ ‬آمنة‭ ‬ومواتية‭ ‬للعمل‭ ‬الصحفي‭ ‬الحر‭ ‬والمستقل‭.‬

إن‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬ليست‭ ‬رفاهية‭ ‬ولا‭ ‬تهديداً،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬حق‭ ‬أساسي‭ ‬من‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬وجوهر‭ ‬الكرامة‭ ‬والمساءلة‭ ‬والسلام‭.‬

وعندما‭ ‬ندافع‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الصحفيين،‭ ‬فإننا‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬ندافع‭ ‬عن‭ ‬حق‭ ‬كل‭ ‬فرد‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬المعلومات،‭ ‬والمشاركة،‭ ‬والسعي‭ ‬لتحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬والمساءلة‭.‬

في‭ ‬اليوم‭ ‬العالمي‭ ‬لحرية‭ ‬الصحافة‭ ‬هذا‭ ‬العام،‭ ‬دعونا‭ ‬نجدد‭ ‬التزامنا،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬بالكلمات،‭ ‬بل‭ ‬بالأفعال،‭ ‬بحماية‭ ‬الصحفيين،‭ ‬وصون‭ ‬حرية‭ ‬التعبير،‭ ‬والدفاع‭ ‬عن‭ ‬الحقيقة‭.‬

 

{ ‭ ‬الممثل‭ ‬الإقليمي‭ ‬لمفوضية‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬السامية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وشمال‭ ‬إفريقيا‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا