في الثالث من مايو من كل عام، نحيي اليوم العالمي لحرية الصحافة، وهو مناسبة لتجديد التأكيد على حقيقة أساسية هي: حرية التعبير ركيزة أساسية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان.
هذا فيما لا يزال الصحفيون حول العالم، ولا سيما في منطقتنا، يواجهون الترهيب والعنف وحتى الموت لمجرد قيامهم بواجبهم في البحث عن الحقيقة ونقلها ومشاركتها.
في أوقات النزاعات المسلحة، تتضاعف المخاطر التي يتعرض لها الصحفيون والمصورون والعاملون في وسائل الإعلام، حيث يخاطرون بحياتهم يومياً لنقل الوقائع إلى أنظار العالم. وفي كثير من الأحيان يدفعون ثمناً باهظاً، حيث يتم استهدافهم عمداً، ممّا يشكّل انتهاكاً جسيماً للقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان.
يعتبر القانون الدولي الإنساني أن الصحفيين العاملين في مناطق النزاعات المسلحة يجب احترام حقوقهم وحمايتها ومعاملتهم كأشخاص مدنيين بما في ذلك حمايتهم من أي شكل من أشكال العنف، إلا أننا نشهد انتهاكات متزايدة بهذا الخصوص وشيوع للإفلات من العقاب.
اليوم، ومع تصاعد النزاعات في عدة أنحاء من منطقتنا، يتجلّى الثمن الذي يدفعه الصحفيون بوضوح. في غزة ولبنان وسوريا واليمن والسودان وغيرها، حيث قُتل صحفيون أو أصيبوا أو احتجزوا تعسفياً أو اختفوا قسرياً.
وعلى امتداد المنطقة، لا تزال أوضاع حرية التعبير تبعث على القلق الشديد، فالقوانين التي تُجرّم انتقاد السلطات، والتفسيرات الفضفاضة للعديد من المفاهيم كالـ«الأخبار الكاذبة»، واستخدام تشريعات مكافحة الإرهاب وقوانين الجرائم الإلكترونية لتكميم الأفواه، جميعها أدوات تُستخدم لقمع حرية التعبير.
حيث تُغلق وسائل الإعلام المستقلة، ويتعرض الصحفيون للملاحقات القضائية، وتُصادر معداتهم، وتُدمر مكاتبهم، وتُهدد عائلاتهم، وتشتد الرقابة، ويصبح العمل الصحفي المستقل مغامرة محفوفة بالمخاطر، وتتفاقم ظاهرة الرقابة الذاتية كوسيلة للبقاء.
ولا يؤدي ذلك إلى إسكات الأصوات الفردية فحسب، بل يحرم المجتمعات بأسرها، والمجتمع الدولي أيضاً، من الحق في المعرفة. وفقاً للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، يجب أن تكون القيود المفروضة على حرية التعبير منصوصاً عليها في القانون، وتخدم هدفاً مشروعاً، وأن تكون ضرورية ومتناسبة.
وفي كثير من الحالات، لا تلبي القيود المفروضة في منطقتنا هذه الضوابط، مما يؤدي إلى تآكل الثقة العامة، وكبت الحوار، وزيادة زعزعة الاستقرار.
اليوم، يجب أن نقف متضامنين مع الصحفيين، خاصة أولئك الذين يؤدون واجبهم تحت النيران.
وندعو جميع أطراف النزاعات إلى احترام القانون الدولي وضمان حماية الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام.
ونحث الدول على مراجعة أو تعديل القوانين التي تقيد حرية التعبير أو تفرض عليها ضوابط لا تنسجم مع القانون الدولي لحقوق الإنسان، وأن تهيئ بيئة آمنة ومواتية للعمل الصحفي الحر والمستقل.
إن حرية التعبير ليست رفاهية ولا تهديداً، بل هي حق أساسي من حقوق الإنسان، وجوهر الكرامة والمساءلة والسلام.
وعندما ندافع عن حقوق الصحفيين، فإننا في الحقيقة ندافع عن حق كل فرد في الوصول إلى المعلومات، والمشاركة، والسعي لتحقيق العدالة والمساءلة.
في اليوم العالمي لحرية الصحافة هذا العام، دعونا نجدد التزامنا، ليس فقط بالكلمات، بل بالأفعال، بحماية الصحفيين، وصون حرية التعبير، والدفاع عن الحقيقة.
{ الممثل الإقليمي لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك