لطالما شكّلت المجوهرات عنصرًا جوهريًا في الطقوس الدينية عبر العصور، متجاوزةً وظيفتها الجمالية و قيمتها المادية. حيث حملت أبعادًا روحية واجتماعية عميقة، جسّدت من خلالها معتقدات الشعوب ومفاهيمها الدينية. فمن المعادن النفيسة إلى الأحجار الكريمة، صنعت أروع الحُلي والمصوغات، لتُستخدم كوسائل للتقرب من الآلهة، أو كرموز للقوة والقداسة، وحتى كتعويذات تجلب الحظ وتدفع الشر.
ارتبطت المجوهرات في الحضارات القديمة ارتباطًا وثيقًا بالآلهة والكهنة ، واستخدمت في الطقوس الجنائزية والاحتفالات الدينية كوسيلة للتواصل مع العالم الآخر. ففي الحضارة الفرعونية، كانت الأحجار الكريمة مثل اللازورد والفيروز تُستخدم لصنع التمائم التي تحمي مرتديها من الأرواح الشريرة. وكان الكهنة والملوك يرتدون أغطية رأس ذهبية وأطواقًا مرصعة بالجواهر خلال الطقوس الدينية. كما كانت التعويذات المصنوعة من الذهب أو الأحجار الكريمة، والمصممة على شكل رموز معينة مثل عين حورس و الجعران المقدس، تُدفن مع الميت بهدف منحه الحماية في العالم الآخر.
أما في الطقوس الهندوسية والبوذية، فتُزين الآلهة بالذهب والياقوت والمرجان، وتُقدّم المجوهرات كقرابين في المعابد. وتعتبر بعض الحُلي مثل «المانغلسوترا» رموزًا مقدسة تعبر عن رابط الزواج. كما تُصمم المصوغات المصنوعة من الذهب والأحجار الحمراء لتحمل صورة الإلهة لاكشمي، التي ترمز للثروة والبركة. إضافةً إلى ذلك، يؤمن الهندوس بقدرة الأحجار الكريمة على تعديل الطاقات الداخلية، ووفقًا لتعاليم الفيديك، تُرتدى هذه الأحجار لضبط الهالات أو «التشاكرا» في جسم الإنسان. ومن الجدير بالذكر أيضًا بأن البوذيين يستخدمون سبحة تسمى «المالا»، وتتكون من 108 حجراً، تُستخدم في التأمل والصلاة.
للمجوهرات مكانة مميزة في التراث اليهودي، خاصة فيما يتعلق بالكهنة ، وتعتبر أداة شعائرية تحمل دلالات روحية عميقة، وترمز إلى الوحدة الدينية والقومية.فقد ورد في التوراة وصف دقيق لـ»الصُدرة» التي كان يرتديها الكاهن الأعظم، والتي كانت مرصعة بـ12 حجرًا كريمًا، كل حجر منها يرمز إلى أحد أسباط بني إسرائيل.
برزت المجوهرات في الطقوس المسيحية بوضوح في العصور الوسطى، حيث أصبح الصليب الذهبي المطعم بالأحجار الكريمة رمزًا للسلطة الروحية. و تُعد الخواتم الأسقفية التي عادة ما تكون مرصعة بأحجار كريمة مثل الياقوت أو الجمشت ،والصليب والقلائد جزءًا من زي رجال الدين المسيحين، وتحمل رمزية الطاعة والخدمة والربط بالعقيدة. كما وان خواتم الزواج الذهبية المرصعة بالألماس تعد جزءاً أساسيا في الزواج المسيحي و رمزاً مقدسا لطقوس الارتباط الأبدي.
وبالرغم من أن الإسلام يشدد على البساطة في اللباس والزينة، إلا أن بعض الأحجار الكريمة تحظى بتقدير خاص في الثقافة الإسلامية. فقد ورد ذكر اللؤلؤ والمرجان والياقوت في القرآن الكريم. وفي الوقت ذاته، يحذر الإسلام من كنز الذهب والفضة ، ويُوجب إخراج الزكاة عنها عند بلوغها النصاب، في إطار تحقيق التوازن بين الزينة المشروعـة والضوابط الشرعية. ويُحرَّم على الرجال في الإسلام ارتداء الذهب، في حين يُباح لهم التزيّن بالخواتم المصنوعة من الفضة أو الأحجار الكريمة، كما يُستخدم الكهرمان والعقيق وغيرهما في صناعة السُبحات التي تُستعمل في التسبيح والذكر. أما النساء، فلهن مساحة أوسع في ارتداء الذهب والمجوهرات. وتُعد جزءًا من طقوس الزواج الإسلامي، حيث تُقدَّم كمهر ضمن مراسم العقد. وانتشرت أيضًا تصاميم لمجوهرات منقوشة بآيات قرآنية طلبًا للحفظ والبركة، إلا أن هناك جدلية واسعة بجواز ارتدائها لأمور تتعلق بقدسية آيات القران الكريم والطهارة .
تُعد المجوهرات جسرًا يربط بين العالم المادي والروحي. وكل قطعة منها تحمل في طياتها معتقدات راسخة تتوارثها الأجيال عبر الأزمان. وتعكس ملامح الأديان والانتماء والهوية في سياقات ثقافية وحضارية متعدّدة. وعلى الرغم من تنوّع أشكالها واختلاف استخداماتها، تظل المجوهرات شاهدًا حيًّا على التقاء الجمال بالإيمان.
هل ترون بأن للمجوهرات دورٌ محوري في التعبير عن المعتقدات الدينية ؟ شاركونا بآرائكم ونتطلع إلى مقترحاتكم للمواضيع القادمة والاجابة على تساؤلاتكم على البريد الالكتروني: seemajewelsbh@gmail.com مع تمنياتنا لكم بقراءة ممتعة لمحتوى جواهر الخليج القيمة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك