العدد : ١٧٢٠٥ - الخميس ٠١ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٣ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٠٥ - الخميس ٠١ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٣ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

بين الموج والتراث: بيئتنا البحرية مرآة للهوية المجتمعية والسياحية

بقلم: د. فاطمة ناصر

الخميس ٠١ مايو ٢٠٢٥ - 02:00

إن‭ ‬البيئة‭ ‬البحرية‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬امتداد‭ ‬جغرافي‭ ‬بين‭ ‬اليابسة‭ ‬والماء،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬ثروة‭ ‬حضارية‭ ‬ووطنية،‭ ‬وهي‭ ‬أنظمة‭ ‬متكاملة‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬تنوع‭ ‬بيولوجي‭ ‬غني‭ ‬ومقومات‭ ‬طبيعية‭ ‬كــ«الشعب‭ ‬المرجانية‭ ‬والمستنقعات‭ ‬الساحلية،‭ ‬والخلجان‮»‬،‭ ‬ووفقًا‭ ‬لما‭ ‬ذكره‭ ‬Lew‭ (‬2014‭) & ‬Hall‭ ‬عن‭ ‬السياحة‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الساحلية‭: ‬ان‭ ‬هذه‭ ‬المناطق‭ ‬تضم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬60%‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬العالم،‭ ‬مما‭ ‬يجعلها‭ ‬مناطق‭ ‬شديدة‭ ‬الحساسية‭ ‬بيئيًا‭ ‬واجتماعيا‭. ‬وكذلك‭ ‬تعتبر‭ ‬السواحل‭ ‬خزانًا‭ ‬للتراث‭ ‬غير‭ ‬المادي‭ ‬من‭ ‬صناعة‭ ‬السفن‭ ‬التقليدية‭ ‬وفنون‭ ‬الصيد‭ ‬والأغاني‭ ‬الشعبية‭ ‬التي‭ ‬تندرج‭ ‬تحت‭ ‬‮«‬التراث‭ ‬الثقافي‭ ‬اللامادي‮»‬‭ ‬بحسب‭ ‬تصنيف‭ ‬اليونسكو2003‭) _(‬UNESCO‭ ‬الذي‭ ‬يشتمل‭ ‬على‭ ‬العادات‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالبيئة‭ ‬والمجتمع‭ ‬والمهارات‭ ‬التي‭ ‬يمتلكها‭ ‬السكان‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المجتمعات‭.‬

وفي‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربي،‭ ‬ومنها‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين،‭ ‬أصبحت‭ ‬البيئات‭ ‬البحرية‭ ‬والساحلية‭ ‬وجهات‭ ‬سياحية‭ ‬مهمة‭ ‬نظرًا‭ ‬لارتباطها‭ ‬بالتراث‭ ‬البحري‭ ‬الفريد،‭ ‬الذي‭ ‬ارتبط‭ ‬بمهنة‭ ‬الغوص‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬الطبيعي،‭ ‬حيثُ‭ ‬شكلّ‭ ‬جزءًا‭ ‬مهمًا‭ ‬من‭ ‬الهوية‭ ‬الثقافية‭ ‬التي‭ ‬اشتهرت‭ ‬بها‭ ‬المملكة‭. ‬وقد‭ ‬أوضحت‭ ‬دراسة‭ ‬تم‭ ‬تطبيقها‭ ‬على‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬أن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬عينة‭ ‬الدراسة،‭ ‬وخاصة‭ ‬الوافدين‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬يفضلون‭ ‬المواقع‭ ‬الساحلية‭ ‬بسبب‭ ‬المزج‭ ‬بين‭ ‬الحداثة‭ ‬والطابع‭ ‬التقليدي‭ ‬للأنشطة‭ ‬البحرية؛‭ ‬لذا‭ ‬فإن‭ ‬سواحلنا‭ ‬تشكل‭ ‬في‭ ‬عصرنا‭ ‬الحالي‭ ‬أهم‭ ‬الخطوط‭ ‬الامامية‭ ‬في‭ ‬المعركة‭ ‬البيئية‭ ‬التي‭ ‬نخوضها‭ ‬ضد‭ ‬التهديدات‭ ‬البيئية‭ ‬الأكثر‭ ‬إلحاحًا،‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬التآكل‭ ‬الذي‭ ‬يهدد‭ ‬الشواطئ‭ ‬والسواحل‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬مستويات‭ ‬سطح‭ ‬البحر‭ ‬الذي‭ ‬يهدد‭ ‬بتقليص‭ ‬أجزاء‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬اليابسة‭ ‬للمناطق‭ ‬الساحلية،‭ ‬والتلوث‭ ‬الناتج‭ ‬عن‭ ‬الأنشطة‭ ‬البشرية‭ ‬التي‭ ‬أسهمت‭ ‬في‭ ‬تدهور‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأنظمة‭ ‬البحرية‭ ‬وموائلها‭. ‬إن‭ ‬المناطق‭ ‬الساحلية‭ ‬والشواطئ‭ ‬تواجه‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التهديدات‭ ‬في‭ ‬منطقتنا،‭ ‬وإننا‭ ‬ندرك‭ ‬تمامًا‭ ‬أن‭ ‬صحة‭ ‬سواحلنا‭ ‬لا‭ ‬تقتصر‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬البيئة‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬اقتصادنا‭ ‬ومجتمعاتنا‭ ‬بشكل‭ ‬ملحوظ؛‭ ‬لذا‭ ‬فإن‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬إشراك‭ ‬المجتمع‭ ‬المحلي‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬المشاريع‭ ‬السياحية‭ ‬الساحلية‭ ‬يعزز‭ ‬من‭ ‬شعورهم‭ ‬بالانتماء‭ ‬ويدعم‭ ‬الاقتصاد‭ ‬المباشر‭ ‬للمشروعات،‭ ‬وهذا‭ ‬بدوره‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬صون‭ ‬الهوية‭ ‬المجتمعية‭.‬

وبين‭ ‬الموج‭ ‬والتراث‭ ‬تمتد‭ ‬سواحل‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬كأشرطة‭ ‬من‭ ‬ذاكرتنا‭ ‬الحية‭ ‬التي‭ ‬ارتبطت‭ ‬بجذور‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬الطيبة،‭ ‬هي‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬حدود‭ ‬جغرافية‭ ‬أو‭ ‬وجهات‭ ‬سياحية،‭ ‬بل‭ ‬تشكل‭ ‬فضاءً‭ ‬ثقافيًا‭ ‬واجتماعيًا‭ ‬نابضًا‭ ‬بالحياة،‭ ‬حيث‭ ‬تتعانق‭ ‬فيه‭ ‬أصالة‭ ‬تراثنا‭ ‬الوطني‭ ‬مع‭ ‬حركات‭ ‬الأمواج‭ ‬في‭ ‬توليفة‭ ‬فريدة‭ ‬تظهر‭ ‬هوية‭ ‬المجتمعات‭ ‬الساحلية‭ ‬وتروي‭ ‬قصصها‭ ‬المتجذرة‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬التاريخ‭. ‬

ان‭ ‬البيئات‭ ‬البحرية‭ ‬والساحلية‭ ‬اليوم‭ ‬تأتي‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬القضايا‭ ‬التنموية‭ ‬المستدامة،‭ ‬بوصفها‭ ‬موردًا‭ ‬طبيعيًا‭ ‬وثقافيًا‭ ‬حساسًا‭ ‬لا‭ ‬يحتمل‭ ‬التجاوز‭ ‬والتعدي‭ ‬عليها‭ ‬باعتبارها‭ ‬أهم‭ ‬المقدرات‭ ‬الوطنية‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬فإن‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬تنمية‭ ‬متوازنة‭ ‬يتطلب‭ ‬ضرورة‭ ‬الدمج‭ ‬بين‭ ‬الأبعاد‭ ‬والمرتكزات‭ ‬الرئيسية‭ ‬للتنمية‭ ‬المستدامة‭: ‬البيئية‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬ومثالًا‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬يمكننا‭ ‬تطوير‭ ‬مواقع‭ ‬سياحية‭ ‬ساحلية‭ ‬تقدم‭ ‬خدمات‭ ‬تعليمية‭ ‬وثقافية،‭ ‬وترفيهية‭ ‬تحاكي‭ ‬التراث‭ ‬والواقع‭ ‬المحلي،‭ ‬وتُعرف‭ ‬السياح‭ ‬بالتراث‭ ‬البحري‭ ‬للمنطقة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬المساس‭ ‬بالبيئة‭ ‬الأصلية،‭ ‬وتكون‭ ‬إدارتها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع‭ ‬المحلي،‭ ‬وتسهم‭ ‬السواحل‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة،‭ ‬بحيث‭ ‬تكون‭ ‬أداة‭ ‬للنمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬مع‭ ‬ضمان‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬الموارد‭ ‬البيئية‭ ‬وصيانتها‭ ‬والهوية‭ ‬المجتمعية‭.‬

لذا‭ ‬تعتبر‭ ‬السياحة‭ ‬الساحلية‭ ‬أحد‭ ‬أسرع‭ ‬الأنماط‭ ‬السياحية‭ ‬نموًا‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وذلك‭ ‬وفقًا‭ ‬لتقرير‭ ‬منظمة‭ ‬السياحة‭ ‬العالمية‭ (‬2022‭ -‬UNWTO‭  (‬،‭ ‬فإن‭ ‬80%‭ ‬من‭ ‬مجمل‭ ‬الأنشطة‭ ‬السياحية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬الأنشطة‭ ‬السياحية‭ ‬العالمية‭ ‬يتم‭ ‬ممارستها‭ ‬في‭ ‬المواقع‭ ‬الساحلية‭. ‬ويرجع‭ ‬السبب‭ ‬لعدة‭ ‬عوامل‭ ‬أبرزها‭: ‬المناظر‭ ‬الطبيعية،‭ ‬والمناخ‭ ‬المعتدل،‭ ‬وتنوع‭ ‬الأنشطة‭ ‬البحرية‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالعادات‭ ‬والتقاليد‭ ‬والمهن‭ ‬القديمة،‭ ‬كـ‮«‬الغوص،‭ ‬وصيد‭ ‬الأسماك‭ ‬واستخراج‭ ‬اللؤلؤ‮»‬‭. ‬ومع‭ ‬تطور‭ ‬مفاهيم‭ ‬السياحة‭ ‬والبيئة،‭ ‬بدأت‭ ‬السواحل‭ ‬تُشكّل‭ ‬مجالًا‭ ‬حيويًا‭ ‬للتنمية‭ ‬السياحية‭ ‬المستدامة‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬المرتكزات‭ ‬الأساسية‭ ‬بأبعادها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والبيئية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬وأي‭ ‬تنمية‭ ‬تلغي‭ ‬أحد‭ ‬هذه‭ ‬المرتكزات‭ ‬فإنها‭ ‬لا‭ ‬تعد‭ ‬مستدامة،‭ ‬وما‭ ‬نراه‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬في‭ ‬المشاريع‭ ‬السياحية‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬التوظيف‭ ‬الأمثل‭ ‬للبيئات‭ ‬البحرية‭ ‬والساحلية،‭ ‬فإنه‭ ‬يجب‭ ‬الأخذ‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬البعد‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬والبيئي‭ ‬باعتبار‭ ‬هذه‭ ‬السواحل‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬البيئات‭ ‬الطبيعية‭ ‬التي‭ ‬ارتبطت‭ ‬بالحياة‭ ‬البشرية‭ ‬منذ‭ ‬العصور‭ ‬القديمة‭ ‬إلى‭ ‬يومنا‭ ‬الحاضر،‭ ‬لما‭ ‬تمثله‭ ‬من‭ ‬مصدرًا‭ ‬للرزق،‭ ‬والتفاعل‭ ‬الثقافي‭ ‬الواسع‭ ‬بين‭ ‬الإنسان‭ ‬والطبيعة‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬يحافظ‭ ‬على‭ ‬الهوية‭ ‬الثقافية‭ ‬للمجتمعات‭ ‬الساحلية‭ ‬ويصون‭ ‬إرثها‭ ‬التاريخي‭ ‬والحضاري‭.‬

إن‭ ‬أحد‭ ‬الجوانب‭ ‬الأساسية‭ ‬لتحقيق‭ ‬هذه‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬هو‭ ‬ضرورة‭ ‬التحركات‭ ‬النيابية‭ ‬والمجتمعية،‭ ‬فقد‭ ‬أثبت‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬جهود‭ ‬الكتلة‭ ‬النيابية‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬وعيًا‭ ‬جماعيًا‭ ‬بأهمية‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬السواحل‭ ‬باعتبارها‭ ‬جزءًا‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية؛‭ ‬لذا‭ ‬فقد‭ ‬شهدت‭ ‬البحرين‭ ‬تحركات‭ ‬نيابية‭ ‬نشطة‭ ‬لضمان‭ ‬عدم‭ ‬التعدي‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬السواحل،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المبادرات‭ ‬المجتمعية‭ ‬قد‭ ‬انطلقت‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬السكان‭ ‬المحليين،‭ ‬ومن‭ ‬أحد‭ ‬هذه‭ ‬النماذج‭ ‬التي‭ ‬تعكس‭ ‬أهمية‭ ‬السواحل،‭ ‬هو‭ ‬ساحل‭ ‬المالكية،‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬أحد‭ ‬أبرز‭ ‬الأمثلة‭ ‬على‭ ‬الصلة‭ ‬العميقة‭ ‬بين‭ ‬أهل‭ ‬البحرين‭ ‬والبحر،‭ ‬لما‭ ‬لهذه‭ ‬المعالم‭ ‬المهمة‭ ‬من‭ ‬أدوار‭ ‬ذات‭ ‬أثر‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬المجتمعات‭ ‬المحلية،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬سابقًا‭ ‬مصدر‭ ‬رزق‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬الأسر‭ ‬البحرينية‭ ‬عبر‭ ‬الأجيال،‭ ‬وفي‭ ‬وقتنا‭ ‬الحاضر‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬التغيرات‭ ‬الحديثة‭ ‬والتطورات‭ ‬العمرانية،‭ ‬باتت‭ ‬هذه‭ ‬السواحل‭ ‬والبيئات‭ ‬البحرية‭ ‬معرضة‭ ‬لخطر‭ ‬التعديات‭ ‬البشرية،‭ ‬مما‭ ‬يستدعي‭ ‬ضرورة‭ ‬الحفاظ‭ ‬عليها‭ ‬وتحقيق‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬التنمية‭ ‬والمحافظة‭ ‬على‭ ‬البيئة‭. ‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الصدد،‭ ‬يمكن‭ ‬تحقيق‭ ‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مشروعات‭ ‬سياحية‭ ‬بيئية‭ ‬تخلق‭ ‬فرص‭ ‬عمل‭ ‬للمجتمعات‭ ‬المحلية،‭ ‬وتسهم‭ ‬في‭ ‬تحسين‭ ‬مستوى‭ ‬المعيشة‭ ‬والدخل‭ ‬للأفراد،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬المساس‭ ‬بالمكونات‭ ‬البيئية‭ ‬والتاريخية‭ ‬لهذه‭ ‬السواحل‭ ‬التي‭ ‬تقف‭ ‬شاهدًا‭ ‬حيًا‭ ‬على‭ ‬التفاعل‭ ‬العميق‭ ‬بين‭ ‬الإنسان‭ ‬والبيئة،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬السواحل‭ ‬كانت‭ ‬منذ‭ ‬القدم‭ ‬محطات‭ ‬للتبادل‭ ‬التجاري‭ ‬والتواصل‭ ‬الحضاري،‭ ‬وقد‭ ‬امتزجت‭ ‬فيها‭ ‬المهن‭ ‬البحرية‭ ‬كالغوص‭ ‬وصيد‭ ‬الأسماك‭ ‬بصور‭ ‬التعبير‭ ‬الفني‭ ‬والتراث‭ ‬الشعبي،‭ ‬لتُكوّن‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬الزمن‭ ‬تراثًا‭ ‬معيشيًا‭ ‬يعكس‭ ‬طابعًا‭ ‬اجتماعيًا‭ ‬بحرينيًا‭ ‬متمايزًا‭.‬

واليوم،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬التحولات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬تمر‭ ‬بها‭ ‬اغلبية‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬تبرز‭ ‬السواحل‭ ‬كـ«أداة‭ ‬استراتيجية‭ ‬لأحداث‭ ‬التنمية‭ ‬السياحية‮»‬،‭ ‬لما‭ ‬تمتلكه‭ ‬من‭ ‬مرتكزات‭ ‬طبيعية‭ ‬وثقافية‭ ‬مهمة‭ ‬تجعل‭ ‬منها‭ ‬واجهة‭ ‬للسياحية‭ ‬جاذبة‭ ‬لمختلف‭ ‬الزوار‭. ‬فالاستثمار‭ ‬السياحي‭ ‬في‭ ‬السواحل‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬إقامة‭ ‬المنشآت‭ ‬الترفيهية‭ ‬والفنادق،‭ ‬بل‭ ‬يتعداه‭ ‬إلى‭ ‬إحياء‭ ‬الموروث‭ ‬الشعبي‭ ‬وتعزيز‭ ‬الممارسات‭ ‬الثقافية‭ ‬المحلية،‭ ‬مما‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬ترسيخ‭ ‬الهوية‭ ‬المجتمعية‭ ‬لدى‭ ‬الأجيال‭ ‬الجديدة،‭ ‬كما‭ ‬أنّ‭ ‬تطوير‭ ‬السياحة‭ ‬الساحلية‭ ‬بأساليب‭ ‬مستدامة‭ ‬يتيح‭ ‬فرص‭ ‬عمل‭ ‬متنوعة،‭ ‬ويعزز‭ ‬الاقتصاد‭ ‬المحلي‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬التفريط‭ ‬بالموروث‭ ‬الثقافي‭ ‬أو‭ ‬الإضرار‭ ‬بالبيئة‭ ‬البحرية،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬فإن‭ ‬الرؤية‭ ‬المتكاملة‭ ‬التي‭ ‬توازن‭ ‬بين‭ ‬متطلبات‭ ‬التنمية‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬الأصالة‭ ‬تشكّل‭ ‬الطريق‭ ‬الأمثل‭ ‬لتعزيز‭ ‬مكانة‭ ‬البيئات‭ ‬البحرية‭ ‬كمرآة‭ ‬للهوية‭ ‬ومورد‭ ‬دائم‭ ‬للتنمية‭.‬

وختامًا‭: ‬إن‭ ‬البيئات‭ ‬البحرية‭ ‬والساحلية‭ ‬ليست‭ ‬فقط‭ ‬فضاءات‭ ‬للترفيه،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬ذاكرة‭ ‬حية‭ ‬تعكس‭ ‬عمق‭ ‬المجتمعات‭ ‬الساحلية‭ ‬وتاريخها‭. ‬والاستثمار‭ ‬فيها‭ ‬سياحيًا‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مجرد‭ ‬استثمار‭ ‬اقتصادي،‭ ‬بل‭ ‬استثمار‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬والهوية‭ ‬والمستقبل‭. ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬تطبيق‭ ‬مبادئ‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة،‭ ‬تصبح‭ ‬هذه‭ ‬البيئات‭ ‬المهمة‭ ‬أداة‭ ‬حضارية‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬الموج‭ ‬والتراث،‭ ‬وتبني‭ ‬جسورًا‭ ‬بين‭ ‬الأجيال‭. ‬فالموج‭ ‬لا‭ ‬يتوقف،‭ ‬والتراث‭ ‬لا‭ ‬يُنسى،‭ ‬وبينهما‭ ‬تولد‭ ‬إمكانات‭ ‬لا‭ ‬حصر‭ ‬لها‭ ‬لصياغة‭ ‬مستقبل‭ ‬يرتكز‭ ‬على‭ ‬الجذور‭ ‬وينفتح‭ ‬على‭ ‬آفاق‭ ‬أوسع‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا