العدد : ١٧٢٠٦ - الجمعة ٠٢ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٤ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٠٦ - الجمعة ٠٢ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٤ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

مجلَّة البحرين الثَّقافيَّة منبر يعبِّر عن هويَّة البحرين وإبداعها

بقلم: د. ياسر أحمد جمعة {

الخميس ٠١ مايو ٢٠٢٥ - 02:00

منذ‭ ‬صدورها‭ ‬الأوَّل‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1994،‭ ‬تعدّ‭ ‬مجلَّة‭ ‬البحرين‭ ‬الثَّقافيَّة‭ ‬إحدى‭ ‬أبرز‭ ‬المنارات‭ ‬الفكريَّة‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬العربيِّ‭. ‬فقد‭ ‬استطاعت‭ ‬أن‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬رصانة‭ ‬الفكر‭ ‬وجماليَّات‭ ‬الإبداع،‭ ‬مقدِّمة‭ ‬محتوًى‭ ‬متنوِّعًا‭ ‬يعكس‭ ‬عمق‭ ‬الهويَّة‭ ‬البحرينيَّة،‭ ‬ويخاطب‭ ‬القارئ‭ ‬العربيُّ‭ ‬بمستويات‭ ‬معرفيَّة‭ ‬وفنِّيَّة‭ ‬راقية‭.‬

ليست‭ ‬المجلَّة‭ ‬مجرَّد‭ ‬إصدار‭ ‬دوريّ،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬نافذة‭ ‬تطلُّ‭ ‬منها‭ ‬البحرين‭ ‬على‭ ‬العالم،‭ ‬وتعبِّر‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬مساحات‭ ‬أوسع‭ ‬من‭ ‬الحضور‭ ‬الثَّقافيِّ‭ ‬العربيِّ‭ ‬والدَّوليِّ‭. ‬فمن‭ ‬خلال‭ ‬مقالاتها‭ ‬الَّتي‭ ‬تناولت‭ ‬الأدب،‭ ‬والفنون،‭ ‬والتَّاريخ،‭ ‬والفكر،‭ ‬حافظت‭ ‬المجلَّة‭ ‬على‭ ‬رسالتها‭ ‬الأصيلة،‭ ‬بل‭ ‬ووسَّعت‭ ‬أفقها‭ ‬لتكوُّن‭ ‬ملتقًى‭ ‬للأجيال‭ ‬المختلفة‭ ‬من‭ ‬المثقَّفين‭ ‬والكتَّاب‭.‬

وتنبع‭ ‬أهمِّيَّة‭ ‬المجلَّة‭ ‬من‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬التَّوفيق‭ ‬بين‭ ‬الأصالة‭ ‬والمعاصرة،‭ ‬وبين‭ ‬عمق‭ ‬المضمون‭ ‬وجاذبيَّة‭ ‬الطَّرح،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬منها‭ ‬منبرًا‭ ‬ثقافيًّا‭ ‬للحوار‭ ‬المفتوح‭ ‬بين‭ ‬أجيال‭ ‬المفكِّرين‭ ‬والمبدعين‭. ‬كما‭ ‬لم‭ ‬تقتصر‭ ‬رسالتها‭ ‬على‭ ‬الشَّأن‭ ‬المحلِّيِّ،‭ ‬بل‭ ‬امتدَّت‭ ‬إلى‭ ‬الحراك‭ ‬الثَّقافيِّ‭ ‬الإقليميِّ،‭ ‬وسعت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬جزءًا‭ ‬فاعلاً‭ ‬من‭ ‬الخطاب‭ ‬الثَّقافيِّ‭ ‬العربيِّ‭ ‬المعاصر‭.‬

ورغم‭ ‬التَّحدِّيات‭ ‬الَّتي‭ ‬فرضتها‭ ‬التَّحوُّلات‭ ‬التِّكنولوجيَّة‭ ‬وتغيُّر‭ ‬أنماط‭ ‬النَّشر،‭ ‬نجحت‭ ‬المجلَّة‭ ‬في‭ ‬مواكبة‭ ‬العصر،‭ ‬فاعتمدت‭ ‬الوسائط‭ ‬الرَّقميَّة،‭ ‬وسعت‭ ‬إلى‭ ‬توسيع‭ ‬دائرة‭ ‬قرَّائها‭ ‬عبر‭ ‬المنصَّات‭ ‬الإلكترونيَّة،‭ ‬مع‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬هويَّتها‭ ‬الرَّاسخة‭ ‬ومحتواها‭ ‬المتوازن‭.‬

وتحظى‭ ‬المجلَّة‭ ‬برعاية‭ ‬كريمة‭ ‬من‭ ‬حضرة‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬عاهل‭ ‬البلاد‭ ‬المعظَّم،‭ ‬وصاحب‭ ‬السُّموِّ‭ ‬الملكيِّ‭ ‬الأمير‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬وليُّ‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء،‭ ‬حفظهما‭ ‬اللَّه،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعكس‭ ‬إيمان‭ ‬القيادة‭ ‬بأهمِّيَّة‭ ‬الثَّقافة‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬الهويَّة‭ ‬الوطنيَّة‭ ‬وبناء‭ ‬الإنسان‭. ‬وتترجم‭ ‬هذه‭ ‬الرِّعاية‭ ‬عمليًّا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الدَّعم‭ ‬المؤسَّسيِّ‭ ‬الَّذي‭ ‬توفِّره‭ ‬هيئة‭ ‬البحرين‭ ‬للثَّقافة‭ ‬والآثار،‭ ‬الجهة‭ ‬المشرفة‭ ‬على‭ ‬إصدار‭ ‬المجلَّة،‭ ‬ضمن‭ ‬رؤية‭ ‬وطنيَّة‭ ‬شاملة‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬مكانة‭ ‬البحرين‭ ‬كمركز‭ ‬ثقافيّ‭ ‬عربيّ‭ ‬وعالميّ‭.‬

تطلُّعات‭ ‬تطوير‭ ‬مجلَّة‭ ‬البحرين‭ ‬الثَّقافيَّة‭ ‬تمتدُّ‭ ‬إلى‭ ‬آفاق‭ ‬أرحب،‭ ‬تبدأ‭ ‬بتدشين‭ ‬منصَّة‭ ‬إلكترونيَّة‭ ‬تفاعليَّة‭ ‬متكاملة‭ ‬تتيح‭ ‬للقرَّاء‭ ‬تصفح‭ ‬الأرشيف‭ ‬الكامل‭ ‬للمجلَّة‭ ‬بطريقة‭ ‬ذكيَّة‭ ‬عبر‭ ‬محرِّكات‭ ‬بحث‭ ‬متقدِّمة‭ ‬وتصنيفات‭ ‬موضوعيَّة‭ ‬دقيقة،‭ ‬مع‭ ‬إتاحة‭ ‬خاصِّيَّة‭ ‬التَّصفُّح‭ ‬الصَّوتيِّ‭ ‬والمرئيِّ‭ ‬لكبار‭ ‬السِّنِّ‭ ‬وذوي‭ ‬الإعاقة‭ ‬البصريَّة‭.‬

ويمكن‭ ‬أيضًا‭ ‬تطوير‭ ‬تطبيق‭ ‬ذكيّ‭ ‬للمجلَّة‭ ‬على‭ ‬الهواتف‭ ‬يتيح‭ ‬قراءة‭ ‬المقالات‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬قصص‭ ‬قصيرة‭ ‬أو‭ ‬إشعارات‭ ‬يوميَّة‭ ‬ثقافيَّة،‭ ‬وإنتاج‭ ‬محتوى‭ ‬مرئيّ‭ ‬تفاعليّ‭ (‬وثائقيات‭ ‬قصيرةً،‭ ‬مقابلات‭ ‬مع‭ ‬الكتاب،‭ ‬عروض‭ ‬تحليليَّة‭ ‬للمقالات‭)‬،‭ ‬ويمكن‭ ‬إطلاق‭ ‬بودكاست‭ ‬ثقافي‭ ‬دوريّ‭ ‬يستضيف‭ ‬كتاب‭ ‬المجلَّة،‭ ‬ويحول‭ ‬أبرز‭ ‬مقالاتها‭ ‬إلى‭ ‬حوارات‭ ‬ونقاشات‭ ‬حيَّة‭.‬

من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬يمكن‭ ‬تخصيص‭ ‬قسم‭ ‬رقميّ‭ ‬مستقلّ‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬مختبر‭ ‬الإبداع‮»‬،‭ ‬يحتضن‭ ‬مساهمات‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد‭ ‬من‭ ‬الشَّباب‭ ‬البحرينيِّ‭ ‬والعربيِّ،‭ ‬مع‭ ‬تخصيص‭ ‬جوائز‭ ‬فصليَّة‭ ‬للأعمال‭ ‬المتميِّزة،‭ ‬وتنظيم‭ ‬معسكرات‭ ‬كتابة‭ ‬رقميَّة‭ ‬بإشراف‭ ‬نخبة‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬والمحرَّرين‭.‬

كما‭ ‬يمكن‭ ‬للمجلَّة‭ ‬إطلاق‭ ‬مبادرة‭ ‬‮«‬ترجم‭ ‬مقالاً‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬منصَّة‭ ‬جماهيريَّة‭ ‬مفتوحة‭ ‬تسمح‭ ‬للقرَّاء‭ ‬بترشيح‭ ‬وترجمة‭ ‬مقالات‭ ‬مختارة‭ ‬إلى‭ ‬لغات‭ ‬متعدِّدة‭ ‬بإشراف‭ ‬لغويّ‭ ‬وفنِّيّ،‭ ‬بما‭ ‬يعزِّز‭ ‬من‭ ‬انتشار‭ ‬الفكر‭ ‬البحرينيِّ‭ ‬عالميًّا‭.‬

بل‭ ‬ويمكن‭ ‬التَّفكير‭ ‬في‭ ‬التَّعاون‭ ‬مع‭ ‬متاحف‭ ‬ومراكز‭ ‬ثقافيَّة‭ ‬عربيَّة‭ ‬ودوليَّة‭ ‬لتقديم‭ ‬نسخة‭ ‬ورقيَّة‭ ‬فنِّيَّة‭ ‬خاصَّة‭ ‬من‭ ‬المجلَّة‭ ‬تتزامن‭ ‬مع‭ ‬معارض‭ ‬أو‭ ‬مناسبات‭ ‬ثقافيَّة‭ ‬عالميَّة،‭ ‬تعرَّض‭ ‬كمنتج‭ ‬ثقافيّ‭ ‬يعبِّر‭ ‬عن‭ ‬هويَّة‭ ‬البحرين‭ ‬وتاريخها‭ ‬المعرفيِّ‭.‬

ولا‭ ‬يمكن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬المجلَّة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الإشادة‭ ‬بالجهود‭ ‬الجبَّارة‭ ‬الَّتي‭ ‬يبذلها‭ ‬فريق‭ ‬تحريرها،‭ ‬الَّذين‭ ‬حافظوا‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬رفيع‭ ‬من‭ ‬الجودة‭ ‬والالتزام،‭ ‬وقدَّموا‭ ‬للقارئ‭ ‬العربيِّ‭ ‬نموذجًا‭ ‬ثقافيًّا‭ ‬يحتذى‭. ‬هؤلاء‭ ‬الجنود‭ ‬المجهولون،‭ ‬الَّذين‭ ‬يعملون‭ ‬بصمت‭ ‬وتفان،‭ ‬يستحقُّون‭ ‬كلُّ‭ ‬الثَّناء‭ ‬والتَّقدير‭.‬

إنَّ‭ ‬مجلَّة‭ ‬البحرين‭ ‬الثَّقافيَّة‭ ‬ليست‭ ‬فقط‭ ‬سجلًّا‭ ‬معرفيًّا،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬ذاكرة‭ ‬وطن،‭ ‬ورسالة‭ ‬أمَّة،‭ ‬وجسر‭ ‬تعبِّر‭ ‬به‭ ‬البحرين‭ ‬بثقافتها‭ ‬وهويَّتها‭ ‬نحو‭ ‬العالم‭.‬

 

{ أستاذ‭ ‬اللُّغويَّات‭ ‬وزميل‭ ‬أكاديميَّة

‭ ‬التَّعليم‭ ‬العالي‭ ‬البريطانيَّة

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا