منذ صدورها الأوَّل في عام 1994، تعدّ مجلَّة البحرين الثَّقافيَّة إحدى أبرز المنارات الفكريَّة في المشهد العربيِّ. فقد استطاعت أن تجمع بين رصانة الفكر وجماليَّات الإبداع، مقدِّمة محتوًى متنوِّعًا يعكس عمق الهويَّة البحرينيَّة، ويخاطب القارئ العربيُّ بمستويات معرفيَّة وفنِّيَّة راقية.
ليست المجلَّة مجرَّد إصدار دوريّ، بل هي نافذة تطلُّ منها البحرين على العالم، وتعبِّر بها إلى مساحات أوسع من الحضور الثَّقافيِّ العربيِّ والدَّوليِّ. فمن خلال مقالاتها الَّتي تناولت الأدب، والفنون، والتَّاريخ، والفكر، حافظت المجلَّة على رسالتها الأصيلة، بل ووسَّعت أفقها لتكوُّن ملتقًى للأجيال المختلفة من المثقَّفين والكتَّاب.
وتنبع أهمِّيَّة المجلَّة من قدرتها على التَّوفيق بين الأصالة والمعاصرة، وبين عمق المضمون وجاذبيَّة الطَّرح، وهو ما جعل منها منبرًا ثقافيًّا للحوار المفتوح بين أجيال المفكِّرين والمبدعين. كما لم تقتصر رسالتها على الشَّأن المحلِّيِّ، بل امتدَّت إلى الحراك الثَّقافيِّ الإقليميِّ، وسعت إلى أن تكون جزءًا فاعلاً من الخطاب الثَّقافيِّ العربيِّ المعاصر.
ورغم التَّحدِّيات الَّتي فرضتها التَّحوُّلات التِّكنولوجيَّة وتغيُّر أنماط النَّشر، نجحت المجلَّة في مواكبة العصر، فاعتمدت الوسائط الرَّقميَّة، وسعت إلى توسيع دائرة قرَّائها عبر المنصَّات الإلكترونيَّة، مع الحفاظ على هويَّتها الرَّاسخة ومحتواها المتوازن.
وتحظى المجلَّة برعاية كريمة من حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، عاهل البلاد المعظَّم، وصاحب السُّموِّ الملكيِّ الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، وليُّ العهد رئيس مجلس الوزراء، حفظهما اللَّه، وهو ما يعكس إيمان القيادة بأهمِّيَّة الثَّقافة في تعزيز الهويَّة الوطنيَّة وبناء الإنسان. وتترجم هذه الرِّعاية عمليًّا من خلال الدَّعم المؤسَّسيِّ الَّذي توفِّره هيئة البحرين للثَّقافة والآثار، الجهة المشرفة على إصدار المجلَّة، ضمن رؤية وطنيَّة شاملة تهدف إلى تعزيز مكانة البحرين كمركز ثقافيّ عربيّ وعالميّ.
تطلُّعات تطوير مجلَّة البحرين الثَّقافيَّة تمتدُّ إلى آفاق أرحب، تبدأ بتدشين منصَّة إلكترونيَّة تفاعليَّة متكاملة تتيح للقرَّاء تصفح الأرشيف الكامل للمجلَّة بطريقة ذكيَّة عبر محرِّكات بحث متقدِّمة وتصنيفات موضوعيَّة دقيقة، مع إتاحة خاصِّيَّة التَّصفُّح الصَّوتيِّ والمرئيِّ لكبار السِّنِّ وذوي الإعاقة البصريَّة.
ويمكن أيضًا تطوير تطبيق ذكيّ للمجلَّة على الهواتف يتيح قراءة المقالات على شكل قصص قصيرة أو إشعارات يوميَّة ثقافيَّة، وإنتاج محتوى مرئيّ تفاعليّ (وثائقيات قصيرةً، مقابلات مع الكتاب، عروض تحليليَّة للمقالات)، ويمكن إطلاق بودكاست ثقافي دوريّ يستضيف كتاب المجلَّة، ويحول أبرز مقالاتها إلى حوارات ونقاشات حيَّة.
من جهة أخرى، يمكن تخصيص قسم رقميّ مستقلّ بعنوان «مختبر الإبداع»، يحتضن مساهمات الجيل الجديد من الشَّباب البحرينيِّ والعربيِّ، مع تخصيص جوائز فصليَّة للأعمال المتميِّزة، وتنظيم معسكرات كتابة رقميَّة بإشراف نخبة من الكتاب والمحرَّرين.
كما يمكن للمجلَّة إطلاق مبادرة «ترجم مقالاً»، وهي منصَّة جماهيريَّة مفتوحة تسمح للقرَّاء بترشيح وترجمة مقالات مختارة إلى لغات متعدِّدة بإشراف لغويّ وفنِّيّ، بما يعزِّز من انتشار الفكر البحرينيِّ عالميًّا.
بل ويمكن التَّفكير في التَّعاون مع متاحف ومراكز ثقافيَّة عربيَّة ودوليَّة لتقديم نسخة ورقيَّة فنِّيَّة خاصَّة من المجلَّة تتزامن مع معارض أو مناسبات ثقافيَّة عالميَّة، تعرَّض كمنتج ثقافيّ يعبِّر عن هويَّة البحرين وتاريخها المعرفيِّ.
ولا يمكن الحديث عن المجلَّة من دون الإشادة بالجهود الجبَّارة الَّتي يبذلها فريق تحريرها، الَّذين حافظوا على مستوى رفيع من الجودة والالتزام، وقدَّموا للقارئ العربيِّ نموذجًا ثقافيًّا يحتذى. هؤلاء الجنود المجهولون، الَّذين يعملون بصمت وتفان، يستحقُّون كلُّ الثَّناء والتَّقدير.
إنَّ مجلَّة البحرين الثَّقافيَّة ليست فقط سجلًّا معرفيًّا، بل هي ذاكرة وطن، ورسالة أمَّة، وجسر تعبِّر به البحرين بثقافتها وهويَّتها نحو العالم.
{ أستاذ اللُّغويَّات وزميل أكاديميَّة
التَّعليم العالي البريطانيَّة
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك