ظل العرب على مدى عقود من الزمن، وخاصة الفلسطينيين منهم، وأنصار الحقوق الفلسطينية، يمثلون الحلقة الأضعف في واقع الحريات المدنية في الولايات المتحدة الأمريكية.
خلال هذه الفترة، وعندما سعى رئيس الولايات المتحدة أو الكونجرس إلى اتخاذ تدابير لتقييد مجموعة من الحريات المدنية، استغل البعض منهم سوء الفهم الموجود بين عديد من الأمريكيين بشأن الخطر المفترض الذي يشكله العرب لتبرير أفعالهم.
إنهم يشعرون بالارتياح لأنهم يدركون أن الصور النمطية السلبية المرتبطة بالعرب تجعل الإجراءات التي يتخذونها أكثر قبولاً وهو ما يقلل في نظرهم من احتمال اصطدام جهودهم تلك بأطراف معارضة ورافضة لذلك.
لا شك أن الأمثلة على هذه الممارسات التي تطال العرب في الولايات المتحدة الأمريكية كثيرة. ففي ثلاث مناسبات منفصلة خلال ثمانينيات القرن الماضي، عندما سعت إدارة رونالد ريغان إلى تقليص الحريات المدنية، بدأت حملتها تلك باستهداف حقوق العرب.
لقد افترضوا آنذاك أن الدعم الشعبي للدفاع عن الحريات المدنية العربية سيكون محدودًا. ومن ناحية أخرى، لو كانت أهدافهم أشخاصًا من عرقية أخرى، لكان من المرجح أن تكون المعارضة أقوى.
في عام 1981، أصدرت إدارة ريغان أمراً تنفيذياً يقضي بتفكيك الإصلاحات التي قامت بها الإدارة السابقة، برئاسة جيمي كارتر، لحظر المراقبة المحلية من قبل وكالة الاستخبارات المركزية (السي آي إيه) ومكتب التحقيقات الفيدرالي (الأف بي آي)، باستخدام العرب ككبش فداء لتبرير هذا الإجراء التعسفي.
ونتيجة لهذا، نجح مكتب التحقيقات الفيدرالي مدة خمس سنوات في اختراق الجماعات الطلابية الفلسطينية في جميع أنحاء البلاد وتقويضها ــ وقد اضطروا في نهاية المطاف إلى أيقاف تلك المساعي من دون أن ينجحوا في تحقيق أي شيء سوى إهدار ساعات عمل العملاء وإنفاق ملايين الدولارات.
كما تمكنت وزارة العدل في عهد إدارة الرئيس رونالد ريغان من إعادة صياغة قانون تسليم المجرمين في الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي جعل من الأسهل تلبية طلبات الدول الأجنبية بتسليم الأفراد الذين لا يتمتعون بحماية الإجراءات القانونية الواجبة.
لقد فعلوا ذلك متذرعين بقضية حامل تأشيرة فلسطيني طلبت إسرائيل تسليمه آنذاك. واستنادًا إلى خلفيات تلك القضية، أعاد الكونجرس صياغة القوانين التي تؤثر في جميع طلبات التسليم.
وفي عهد إدارة ريغان أيضاً أصدرت دائرة الهجرة والتجنيس «خطة الطوارئ الخاصة بالإرهابيين الأجانب والأشخاص غير المرغوب فيهم»، والتي تفصل الخطوات بموجب أحكام قانون ماكاران-والتر لسجن ومحاكمة وترحيل أعداد كبيرة من الأجانب على أساس عرقهم أو معتقداتهم السياسية أو ارتباطاتهم فقط.
تماشيًا مع هذا النهج المُتبع، تُشير «الخطة» عدة مرات إلى المهاجرين العرب. وفي الواقع، كانت القضية التجريبية المُستخدمة كذريعة لتمهيد الطريق لهذه «الخطة» اعتقال سبعة فلسطينيين وزوجة أحدهم الكينية، واتهامهم فقط بمعتقداتهم السياسية وطبيعة ارتباطاتهم.
وفي عام 1995، أصدر الرئيس بيل كلينتون آنذاك أمراً تنفيذياً «يحظر المعاملات مع الإرهابيين الذين هددوا بتعطيل عملية السلام في منطقة الشرق الأوسط»، والذي أعقبه أيضا إصدار قانون مكافحة الإرهاب الشامل لعام 1995.
وقد أدت كلتا المحاولتين إلى إدخال تدابير قاسية من شأنها أن تؤدي إلى تآكل خطير للحقوق المدنية والسياسية المكفولة للمواطنين والمقيمين في الولايات المتحدة بموجب الدستور الأمريكي والقانون الدولي.
فعلى سبيل المثال، منح القانون سلطات واسعة النطاق لوكالات إنفاذ القانون، وألغى افتراض البراءة بالنسبة إلى أولئك الذين يخضعون للتحقيق، وسمح بحظر «الدعم المادي الذي يرى الرئيس أنه يفيد المنظمات الإرهابية».
كما كرس ذلك إجراءات تسمح للحكومة باحتجاز الأشخاص وترحيلهم على أساس أدلة سرية دون إتاحة الفرصة للمحتجزين للدفاع عن أنفسهم، كما وسمح لوكالات إنفاذ القانون بإجراء عمليات مراقبة على الأفراد أو الجماعات استناداً إلى معتقداتهم وطبيعة ارتباطاتهم فقط.
وباستخدام الأمر التنفيذي والتشريع الجديد، أطلقت إدارة كلينتون برنامجاً وطنياً للتصنيف والرقابة في المطارات، والذي قام بمضايقة واستجواب مئات من الركاب العرب والأمريكيين العرب على متن الطائرات، حتى قبل تسجيل الوصول إلى رحلاتهم، استناداً فقط إلى ملابسهم أو مظهرهم أو أسمائهم العربية.
وعقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر من سنة 2001، صعّدت إدارة جورج دبليو بوش والكونغرس من إجراءاتهما. وبينما كانت إخفاقات الاستخبارات وتراخي متطلبات سلامة الطيران مسؤولة عن السماح للإرهابيين بالتدرب في الولايات المتحدة وتنفيذ هجماتهم المروعة، أصدر الرئيس بوش سلسلة من الأوامر التي أسفرت عن اعتقال وترحيل آلاف الطلاب والعمال والزوار العرب الأبرياء.
كما أمرت السلطات الأمريكية آنذاك أيضا عشرات الآلاف من حاملي التأشيرات العربية والإسلامية بالتوجه إلى مكاتب الهجرة حيث تم احتجاز كثيرين آخرين تمهيدا لترحيلهم.
سمح قانون مكافحة الإرهاب الذي أقره الكونجرس بتوسيع نطاق المراقبة من قبل أجهزة إنفاذ القانون، بما في ذلك التنصت على المكالمات الهاتفية دون إذن قضائي، والبحث في سجلات المكتبات، والاستخدام الموسع للملفات الشخصية.
وباستخدام الصلاحيات الموسعة التي منحتها لهم الإدارة، تمكن عملاء إنفاذ القانون من اختراق المساجد والنوادي الاجتماعية العربية، وإيقاع عدد قليل من الأفراد السذج في مؤامرات كانت في كثير من الأحيان من تنظيم وكالات إنفاذ القانون نفسها.
هذا ليس سوى جزء من التاريخ، ولكنه يضع الأساس للإجراءات التي تتخذها الإدارة الحالية للرئيس دونالد ترامب: التهديدات للحريات المدنية مثل حرية التعبير والتجمع والحرية الأكاديمية.
كما زاد ترامب السلطات الممنوحة لوكالات إنفاذ القانون لاستخدام تدابير غير دستورية لاحتجاز وترحيل الأفراد على أساس عرقهم أو معتقداتهم السياسية؛ ووسع تفسير حجة «الدعم المادي» التي استخدمتها إدارتا ريغان وكلينتون لإساءة استخدام الحقوق المحمية للمواطنين والمقيمين.
هناك اختلافات بالتأكيد.
في حين أن التدابير المتخذة خلال إدارات ريغان وكلينتون وبوش كانت مبنية على مخاوف مبالغ فيها من الإرهاب في الولايات المتحدة، فمن المهم أن نلاحظ أن مراجعة برامج تحديد الهوية والمراقبة والهجرة التي أنشئت خلال هذه الإدارات لم تفعل الكثير لكشف أو مقاضاة حالات الإرهاب الفعلية.
وفي نهاية المطاف، وعلى الرغم من إنفاق مليارات الدولارات والموارد الثمينة لإنفاذ القانون، فإن هذه البرامج لم تفعل أكثر من المساهمة في توسيع صلاحيات إنفاذ القانون وتتسبب في تآكل الحقوق.
في حالة الأوامر التنفيذية التي أصدرها الرئيس ترامب، فإنه لا يوجد أي تظاهر بمكافحة الإرهاب - بل هو في الواقع تمرين في الاستخدام الوحشي للسلطة لإشاعة الخوف وإجبار المؤسسات والأفراد على الخنوع والخضوع.
إن ما تشترك فيه سياسات دونالد ترامب مع سياسات أسلافه من الرؤساء السابقين هو استخدام العرب، وخاصة الفلسطينيين، وأنصارهم ومؤيديهم كمطية وكبش فداء مناسب لتبرير تآكل الحقوق والحريات.
يعلم الرئيس الأمريكي أنه في خضم حرب إسرائيل على غزة، ستدعم قاعدته الشعبية جهوده بكل حماس، كما يعلم أن الليبراليين في الكونغرس، الذين قد يعارضون سياساته، سيترددون في تقديم دعمهم الكامل لضحايا سياساته إذا بدا أنهم يدافعون عن الفلسطينيين أو منتقدي إسرائيل.
يعتبر الرئيس ترامب أن هذا الأمر يلائمه ويتماشى مع سياساته. أما بالنسبة إلى من يهتمون بالدفاع عن الحقوق والحريات، فهي مجرد مثال آخر على أن العرب والفلسطينيين ومن يدافعون عنهم هم الحلقة الأضعف في سلسلة الحريات المدنية.
{ رئيس المعهد العربي الأمريكي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك