العدد : ١٧١٩٩ - الجمعة ٢٥ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٧ شوّال ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٩٩ - الجمعة ٢٥ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٧ شوّال ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

إلى أين تتجه المفاوضات الأمريكية - الإيرانية؟

بقلم: د. حسن نافعة

الجمعة ٢٥ أبريل ٢٠٢٥ - 02:00

في‭ ‬تصريحات‭ ‬أدلى‭ ‬بها‭ ‬لوسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الأمريكية‭ ‬منذ‭ ‬أسابيع‭ ‬عدة،‭ ‬كشف‭ ‬الرئيس‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬عن‭ ‬قيامه‭ ‬بتوجيه‭ ‬رسالة‭ ‬إلى‭ ‬المرشد‭ ‬الإيراني‭ ‬علي‭ ‬خامنئي،‭ ‬عبّر‭ ‬فيها‭ ‬عن‭ ‬رغبته‭ ‬في‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬يضمن‭ ‬عدم‭ ‬امتلاك‭ ‬إيران‭ ‬السلاح‭ ‬النووي،‭ ‬لا‭ ‬الآن‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬المستقبل،‭ ‬ولوّح‭ ‬فيها‭ ‬بتوجيه‭ ‬ضربة‭ ‬عسكرية‭ ‬لإيران،‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يتوصل‭ ‬معها‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الاتفاق‭ ‬خلال‭ ‬شهرين‭.‬

ولأن‭ ‬تصريحاته‭ ‬حملت‭ ‬في‭ ‬طيّاتها‭ ‬تهديدا‭ ‬باستخدام‭ ‬القوة،‭ ‬حتى‭ ‬بدت‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬إنذار‭ ‬عسكري‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬دعوة‭ ‬إلى‭ ‬حلّ‭ ‬النزاع‭ ‬القائم‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬بالوسائل‭ ‬السلمية،‭ ‬سارع‭ ‬المرشد‭ ‬الإيراني‭ ‬إلى‭ ‬الرد‭ ‬عليها‭ ‬بتصريحات‭ ‬مضادة،‭ ‬مفادها‭ ‬أن‭ ‬التفاوض‭ ‬مع‭ ‬دولة‭ ‬لا‭ ‬تحترم‭ ‬التزاماتها‭ ‬التعاقدية‭ ‬لا‭ ‬جدوى‭ ‬منه،‭ ‬وأن‭ ‬إيران‭ ‬لن‭ ‬تقبل‭ ‬الجلوس‭ ‬إلى‭ ‬طاولة‭ ‬المفاوضات‭ ‬تحت‭ ‬تهديد‭ ‬السلاح‭. ‬حينها،‭ ‬بدت‭ ‬العلاقات‭ ‬الأمريكية‭-‬الإيرانية‭ ‬وكأنها‭ ‬تنزلق‭ ‬نحو‭ ‬منعطف‭ ‬خطير‭. ‬فقبول‭ ‬إيران‭ ‬بالتفاوض‭ ‬تحت‭ ‬تهديد‭ ‬السلاح‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬سوى‭ ‬معنى‭ ‬واحد،‭ ‬هو‭ ‬القبول‭ ‬بالتعامل‭ ‬معها‭ ‬كدولة‭ ‬مارقة‭ ‬لا‭ ‬يجدي‭ ‬معها‭ ‬سوى‭ ‬استخدام‭ ‬القوة،‭ ‬وتراجع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬عن‭ ‬تنفيذ‭ ‬تهديداتها‭ ‬باستخدام‭ ‬القوة‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬سوى‭ ‬معنى‭ ‬واحد،‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬صوتها‭ ‬بات‭ ‬أعلى‭ ‬من‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬الفعل،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فلن‭ ‬تؤخذ‭ ‬تهديداتها‭ ‬على‭ ‬محمل‭ ‬الجد‭ ‬بعد‭ ‬الآن‭.‬

ومن‭ ‬الطبيعي،‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬كهذا،‭ ‬أن‭ ‬ينفتح‭ ‬الباب‭ ‬واسعا‭ ‬أمام‭ ‬جهود‭ ‬الوساطة‭ ‬الرامية‭ ‬إلى‭ ‬نزع‭ ‬فتيل‭ ‬الأزمة‭ ‬المتفاقمة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬نجاح‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬العمانية‭ ‬في‭ ‬إقناع‭ ‬الطرفين‭ ‬بضرورة‭ ‬إجراء‭ ‬مفاوضات‭ ‬بينهما‭ ‬تستهدف‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬مخرج‭ ‬من‭ ‬أزمة‭ ‬تهدد‭ ‬باندلاع‭ ‬صدام‭ ‬عسكري‭ ‬واسع‭ ‬النطاق‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وأدى‭ ‬إلى‭ ‬انعقاد‭ ‬الجولة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المفاوضات‭ ‬في‭ ‬مسقط‭ ‬يوم‭ ‬السبت12‭ ‬أبريل‭ ‬الماضي

ما‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬التأمل‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أصرّتا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تأخذ‭ ‬المفاوضات‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬الاتفاق‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المبدأ‭ ‬على‭ ‬عقدها‭ ‬شكلاً‭ ‬محدداً،‭ ‬ترى‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬أنه‭ ‬الأنسب‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظرها‭.‬

فقبل‭ ‬انعقاد‭ ‬هذه‭ ‬المفاوضات‭ ‬صدرت‭ ‬عن‭ ‬إيران‭ ‬تصريحات‭ ‬تؤكد‭ ‬أنها‭ ‬‮«‬لن‭ ‬تمانع‭ ‬في‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬مفاوضات‭ ‬غير‭ ‬مباشرة‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لاستكشاف‭ ‬مدى‭ ‬جدية‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬غير‭ ‬قابل‭ ‬للنقض‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‮»‬،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬من‭ ‬جانبها‭ ‬لنفي‭ ‬تهمة‭ ‬الرضوخ‭ ‬للتفاوض‭ ‬تحت‭ ‬التهديد،‭ ‬ولإعطاء‭ ‬الانطباع‭ ‬بأن‭ ‬جولة‭ ‬المفاوضات‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬التوافق‭ ‬على‭ ‬عقدها‭ ‬في‭ ‬مسقط‭ ‬ستجرى‭ ‬تحت‭ ‬سقف‭ ‬شروطها‭ ‬هي،‭ ‬والتي‭ ‬تتلخص‭ ‬في‭:‬

1-‭ ‬أن‭ ‬يقتصر‭ ‬جدول‭ ‬أعمالها‭ ‬على‭ ‬بند‭ ‬واحد،‭ ‬ألا‭ ‬وهو‭ ‬التأكد‭ ‬من‭ ‬سلمية‭ ‬برنامج‭ ‬إيران‭ ‬النووي،‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬رفع‭ ‬العقوبات‭ ‬الأمريكية‭ ‬المفروضة‭ ‬على‭ ‬إيران‭.‬

2-‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬ضمانات‭ ‬تكفل‭ ‬عدم‭ ‬انسحاب‭ ‬ترامب‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬رئيس‭ ‬أمريكي‭ ‬آخر‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬بعده‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬اتفاق‭ ‬جديد‭ ‬يتم‭ ‬التوصل‭ ‬إليه‭. ‬أما‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬فقد‭ ‬أعلنت‭ ‬أن‭ ‬المفاوضات‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬التوافق‭ ‬على‭ ‬عقدها‭ ‬في‭ ‬مسقط‭ ‬‮«‬ستكون‭ ‬مباشرة،‭ ‬وعلى‭ ‬أعلى‭ ‬مستوى،‭ ‬وأن‭ ‬جدول‭ ‬أعمالها‭ ‬سيكون‭ ‬مفتوحاً‭ ‬لبحث‭ ‬كل‭ ‬القضايا‭ ‬التي‭ ‬تهدد‭ ‬استقرار‭ ‬المنطقة‮»‬،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬من‭ ‬جانبها‭ ‬للإيحاء‭ ‬بأن‭ ‬إيران‭ ‬رضخت‭ ‬للتفاوض‭ ‬تحت‭ ‬التهديد،‭ ‬ووافقت‭ ‬على‭ ‬تضمين‭ ‬جدول‭ ‬أعمال‭ ‬المفاوضات‭ ‬القادمة‭ ‬بنوداً‭ ‬تتعلق‭ ‬ببرنامجها‭ ‬الصاروخي‭ ‬وبعلاقاتها‭ ‬الإقليمية‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭.‬

في‭ ‬نهاية‭ ‬جولة‭ ‬المفاوضات‭ ‬التي‭ ‬انعقدت‭ ‬في‭ ‬مسقط،‭ ‬أصدرت‭ ‬السلطات‭ ‬العمانية‭ ‬تصريحات‭ ‬إعلامية‭ ‬تؤكد‭ ‬الآتي‭:‬

1-‭ ‬اتفاق‭ ‬الأطراف‭ ‬على‭ ‬جولة‭ ‬ثانية‭ ‬تعقد‭ ‬يوم‭ ‬19‭ ‬أبريل‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬نجاح‭ ‬الجولة‭ ‬السابقة‭ ‬في‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬أرضية‭ ‬مشتركة‭ ‬تسمح‭ ‬بالاستمرار‭ ‬في‭ ‬المسار‭ ‬التفاوضي‭.‬

2-‭ ‬أن‭ ‬المفاوضات‭ ‬جرت‭ ‬في‭ ‬غرفتين‭ ‬منفصلتين،‭ ‬وقادها‭ ‬وزير‭ ‬خارجية‭ ‬عمان،‭ ‬ولم‭ ‬تتطرق‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬موضوعات‭ ‬أخرى‭ ‬خارج‭ ‬نطاق‭ ‬برنامج‭ ‬إيران‭ ‬النووي‭ ‬والعقوبات،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬رجحان‭ ‬كفة‭ ‬وجهة‭ ‬النظر‭ ‬الإيرانية‭.‬

صحيح‭ ‬أن‭ ‬الوفدين‭ ‬الأمريكي‭ ‬والإيراني‭ ‬تقابلا‭ ‬وجهاً‭ ‬لوجه،‭ ‬لكن‭ ‬المقابلة‭ ‬بينهما‭ ‬لم‭ ‬تدم‭ ‬سوى‭ ‬ثوان‭ ‬قليلة،‭ ‬ولدواع‭ ‬فرضتها‭ ‬مجاملات‭ ‬دبلوماسية‭ ‬تقليدية‭ ‬وشجع‭ ‬عليها‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬مواصلة‭ ‬التفاوض،‭ ‬لكن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬ينفي‭ ‬احتمال‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الوفد‭ ‬الإيراني‭ ‬قد‭ ‬ألمح‭ ‬إلى‭ ‬استعداد‭ ‬بلاده‭ ‬للدخول‭ ‬مستقبلاً‭ ‬في‭ ‬مفاوضات‭ ‬مباشرة،‭ ‬وربما‭ ‬المساعدة‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬تهدئة‭ ‬الأوضاع‭ ‬الإقليمية‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬استعادة‭ ‬الثقة‭ ‬المفقودة‭ ‬في‭ ‬النوايا‭ ‬الأمريكية‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬في‭ ‬مسقط‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أبداً‭ ‬أن‭ ‬عجلة‭ ‬المفاوضات‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وإيران‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬الدوران‭ ‬وانطلقت‭ ‬إلى‭ ‬الأمام‭ ‬بالفعل،‭ ‬وبالتالي‭ ‬أصبحت‭ ‬غير‭ ‬قابلة‭ ‬للتوقف‭ ‬أو‭ ‬الانتكاس،‭ ‬فالواقع‭ ‬أنها‭ ‬تواجه‭ ‬بتحديات‭ ‬ضخمة‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬التغلب‭ ‬عليها‭ ‬أبداً‭.‬

على‭ ‬الصعيد‭ ‬النظري،‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬المستبعد‭ ‬أبداً‭ ‬إمكانية‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬صيغة‭ ‬لتسوية‭ ‬أزمة‭ ‬البرنامج‭ ‬النووي،‭ ‬استناداً‭ ‬إلى‭ ‬معادلة‭ ‬مفادها‭: ‬قبول‭ ‬إيران‭ ‬تقديم‭ ‬الضمانات‭ ‬كافة‭ ‬التي‭ ‬تلزمها‭ ‬بعدم‭ ‬تصنيع‭ ‬السلاح‭ ‬النووي‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬وقت،‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬قبول‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬إلغاء‭ ‬العقوبات‭ ‬المفروضة‭ ‬على‭ ‬طهران،‭ ‬مع‭ ‬تمكين‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬من‭ ‬الاستفادة‭ ‬الكاملة‭ ‬من‭ ‬برنامجها‭ ‬النووي‭ ‬في‭ ‬الأغراض‭ ‬السلمية‭.‬

فإيران‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬طرفاً‭ ‬في‭ ‬اتفاقية‭ ‬حظر‭ ‬انتشار‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬ملزمة‭ ‬بالوفاء‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬تفرضه‭ ‬هذه‭ ‬المعاهدة‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬المراقبة‭ ‬والتفتيش‭ ‬على‭ ‬مفاعلاتها‭ ‬النووية‭ ‬للتأكد‭ ‬من‭ ‬سلمية‭ ‬برنامجها‭ ‬النووي،‭ ‬بل‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬المستبعد‭ ‬أن‭ ‬توافق‭ ‬على‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الالتزام‭ ‬بالبروتوكول‭ ‬الإضافي‭ ‬الذي‭ ‬انسحبت‭ ‬منه،‭ ‬والذي‭ ‬يتيح‭ ‬للوكالة‭ ‬الدولية‭ ‬للطاقة‭ ‬النووية‭ ‬حق‭ ‬التفتيش‭ ‬المفاجئ‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬المفاعلات‭ ‬النووية‭ ‬للدول‭ ‬الموقعة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬البروتوكول‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬إخطار‭ ‬مسبق‭.‬

غير‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الطرح‭ ‬غير‭ ‬قابل‭ ‬للتطبيق‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬العملي،‭ ‬رغم‭ ‬وجود‭ ‬فتوى‭ ‬دينية‭ ‬تحرم‭ ‬على‭ ‬إيران‭ ‬امتلاك‭ ‬أو‭ ‬تصنيع‭ ‬أو‭ ‬استخدام‭ ‬السلاح‭ ‬النووي،‭ ‬وذلك‭ ‬لسببين‭ ‬رئيسيين،‭ ‬الأول‭: ‬عدم‭ ‬اقتصار‭ ‬القلق‭ ‬الأمريكي‭ ‬من‭ ‬إيران‭ ‬على‭ ‬برنامجها‭ ‬النووي‭ ‬وإنما‭ ‬يمتد‭ ‬ليشمل‭ ‬برنامجها‭ ‬الصاروخي،‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬وعلاقة‭ ‬إيران‭ ‬بالفصائل‭ ‬التي‭ ‬تقاوم‭ ‬المشروع‭ ‬الصهيوني،‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬والثاني‭: ‬التزام‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب،‭ ‬بالمصالح‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬التزامها‭ ‬بالمصالح‭ ‬الأمريكية‭ ‬نفسها‭. ‬ولأنه‭ ‬يصعب‭ ‬تصور‭ ‬أن‭ ‬توافق‭ ‬إيران‭ ‬على‭ ‬تقييد‭ ‬برنامجها‭ ‬الصاروخي‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬تقليص‭ ‬شبكة‭ ‬علاقاتها‭ ‬الخارجية،‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬يركز‭ ‬نتنياهو‭ ‬جهده‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬القادمة‭ ‬على‭ ‬بحث‭ ‬السبل‭ ‬الكفيلة‭ ‬بإفشال‭ ‬المفاوضات‭ ‬الأمريكية‭-‬الإيرانية‭ ‬في‭ ‬جولاتها‭ ‬القادمة‭.‬

حين‭ ‬فوجئ‭ ‬نتنياهو‭ ‬بأن‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬قررت‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬مفاوضات‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬حول‭ ‬برنامجها‭ ‬النووي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬حرص‭ ‬ترامب‭ ‬على‭ ‬إعلانه‭ ‬بنفسه‭ ‬في‭ ‬ختام‭ ‬زيارة‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬مؤخراً‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض،‭ ‬لم‭ ‬يجرؤ‭ ‬على‭ ‬الاعتراض‭ ‬علناً‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المفاوضات،‭ ‬لكن‭ ‬لوحظ‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يتردد‭ ‬في‭ ‬البوح‭ ‬علناً‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬يفضل‭ ‬النموذج‭ ‬الليبي‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‮»‬،‭ ‬ما‭ ‬يوحي‭ ‬بأنه‭ ‬لن‭ ‬يقبل‭ ‬باتفاق‭ ‬لا‭ ‬يضمن‭ ‬التفكيك‭ ‬الكامل‭ ‬للبرنامج‭ ‬النووي‭ ‬الإيراني،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬ما‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬العقيد‭ ‬القذافي‭ ‬حين‭ ‬قرر‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬عام‭ ‬2003‭ ‬تسليم‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬المعدات‭ ‬والوثائق‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالبرنامج‭ ‬النووي‭ ‬الليبي‭ ‬كافة‭.‬

صحيح‭ ‬أنه‭ ‬يدرك‭ ‬استحالة‭ ‬إقدام‭ ‬إيران‭ ‬على‭ ‬خطوة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬القبيل،‭ ‬لكن‭ ‬تلك‭ ‬هي‭ ‬طريقته‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬حقيقة‭ ‬الأهداف‭ ‬التي‭ ‬يسعى‭ ‬لتحقيقها‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬إيران‭. ‬ولأن‭ ‬نتنياهو‭ ‬يعتقد‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الأهداف‭ ‬لن‭ ‬تتحقق‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬واحدة‭ ‬فقط،‭ ‬هي‭ ‬سقوط‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني،‭ ‬كما‭ ‬يعتقد‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬أصبحت‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬أضعف‭ ‬حالاتها،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬النظام‭ ‬السوري‭ ‬السابق،‭ ‬لا‭ ‬يخامرني‭ ‬أي‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أنه‭ ‬يفضل‭ ‬خيار‭ ‬تغيير‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬بالوسائل‭ ‬العسكرية،‭ ‬وسيعمل‭ ‬لإقناع‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬بأن‭ ‬خيار‭ ‬تغيير‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬بالقوة‭ ‬العسكرية‭ ‬سيظل‭ ‬هو‭ ‬الخيار‭ ‬الأفضل،‭ ‬وبأن‭ ‬الفرصة‭ ‬المتاحة‭ ‬الآن‭ ‬لتحقيق‭ ‬هذا‭ ‬الهدف‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تتاح‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يجب‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬اقتناصها‭.‬

يرى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المراقبين‭ ‬أن‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬تدرك‭ ‬جيداً‭ ‬أن‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬العسكري‭ ‬المباشر‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬إيران‭ ‬سيكون‭ ‬محفوفاً‭ ‬بمخاطر‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬قدرة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬احتمال‭ ‬تكلفتها‭.‬

لكن‭ ‬سلوك‭ ‬حكومة‭ ‬نتنياهو‭ ‬إبان‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬أعلنتها‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬ونصف‭ ‬العام‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬مشتعلة‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬وكذلك‭ ‬سلوك‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬تجاه‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬الداخلية‭ ‬والخارجية،‭ ‬لا‭ ‬يشيان‭ ‬بأي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬العقلانية‭ ‬أو‭ ‬الرشد‭. ‬ولأن‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬هي‭ ‬أكثر‭ ‬الإدارات‭ ‬الأمريكية‭ ‬ارتباطاً‭ ‬بحكومة‭ ‬نتنياهو،‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬أكثر‭ ‬الحكومات‭ ‬تطرفاً‭ ‬وعنصرية‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬يجب‭ ‬عدم‭ ‬استبعاد‭ ‬أن‭ ‬ينسقا‭ ‬معاً‭ ‬وبصورة‭ ‬مفاجئة‭ ‬لتوجيه‭ ‬ضربة‭ ‬عسكرية‭ ‬لإيران‭.‬

 

{ أستاذ‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية

في‭ ‬جامعة‭ ‬القاهرة

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا